تأليف زعيم الهندوس الأكبر مهاتما غاندي ترجمة الأستاذ الشيخ عبد الرزاق المليح آبادي
الباب العاشر بعض الحوادث الفجائية (الغرق) نتوجه الآن إلى بعض الحوادث الفجائية الكثيرة الوقوع وطرق معالجتها إن المعرفة بهذه الأمور ضرورية جدًّا لكل إنسان ليتمكن من المساعدة في الوقت اللازم ويمنع ضياع كثير من النفوس الثمينة، حتى إن الأطفال يجب أن يعلموا ما ينبغي أن يفعل إزاء هذه الحوادث ليشبوا على عواطف الرحمة والكرم والتفكر والتأمل. ** لنبحث أولاً في الغرق: بما أن الإنسان لا يمكن أن يعيش بدون الهواء أكثر من خمس دقائق لذلك يموت الغريق سريعًا فإذا أخرج من الماء يجب الاهتمام به حالا قبل أن تذهب حياته بالكلية؛ ولهذا الغرض يجب السعي لشيئين خاصة وهما تدفئة الغريق وإيجاد التنفس الصناعي فيه لا ينبغي أن ننسى أن هذه المساعدة الأولية تعمل على حافات البرك وشواطئ الأنهار حيث لا تتيسر جميع الأشياء الضرورية لذلك. وإن هذه المساعدة تكون مفيدة كثيرًا إذا كان هنالك على الأقل رجلان أو ثلاثة يجب أن يكون المساعد الأول فطنًا نشطًا قوي الجأش؛ لأنه إن ضيع ثبات نفسه فكيف ينفع غيره وكذلك إن أخذ الحاضرون يتجادلون في طرق المعالجة فيضيعون الوقت ويقضى على الغريق؛ ولذلك يجب أن يقود الجماعة في العمل أحزم رجالها ويتبعه الآخرون بكل دقة. إذا أخرج الغريق من الماء يجب المبادرة إلى نزع ملابسه المبلولة وتنشيف جسده ثم ينوم مبطوحًا على بطنه وتجعل يداه تحت جبهته ثم يضع الممرض يديه تحت صدره فيضمه ويعصر ما في داخل بطنه من الماء والتراب وعند ذلك يخرج الغريق لسانه بنفسه خارج فمه فيقبض عليه بمنديل ولا يترك ليعود إلى مكانه حتى ترجع إليه حواسه وعند ذلك يقلب على ظهره حالا بحيث يكون رأسه وصدره أعلا قليلاً من رجليه ثم يجثو عند رأسه أحد الحاضرين ويشد ذراعيه ويمدهما ويرفعهما بسهولة من الجهتين فتعلو بهذه الطريقة أضلاعه ويتمكن الهواء الخارجي من الدخول في الصدر وعند ذلك تعاد يداه بسرعة وتوضع فوق صدره لتضغط عليه وتساعد على خروج الهواء وكذلك يرش بالماء الساخن والبارد على صدره ويجب تدفئة الغريق بالنار إن أمكن إيقادها حوله، وإلا فيغطى جسده بجميع الملابس المتيسرة ويدلك دلكًا جيدًا لتعود إليه الحرارة كل هذا يجب عمله مدة طويلة بدون استسلام لليأس. فقد عملت في بعض الحوادث هذه الأشياء إلى بضع ساعات قبل أن يعود إلى الغريق التنفس فإذا ظهرت بوادر الإحساس فينبغي أن يسقى حالاً شرابًا ساخنًا، وإن عصير الليمون في الماء الساخن أو مغلية القرنفل أو الفلفل الأسود أو قشر شجرة الفار tobacco Bay يكون نافعًا في هذه الحالة وكذلك قد تنفع رائحة التبغ، ويجب منع الناس من الازدحام حول الغريق لئلا ينحبس الهواء. إن علائم الموت في الغريق كما يلي: الوقوف التام للتنفس وضربات القلب والنبض، ويعرف ذلك بوضع ريشة قرب أنفه فلا تتحرك وتبقى واقفة على حال أو مرآة أمام فمه فلا ترطب بنفسه وتبقى العينان شاخصتين ونصف مفتوحة ويتصلب الفكان وتتقلص الأصابع، ويقف اللسان بين الأسنان، ويميل الفم إلى الأمام ويحمر الأنف، ويصفر الجسم، إن ظهرت جميع هذه العلائم في وقت واحد فيمكننا أن نحكم بموته ولكن قد شوهد في بعض الحوادث النادرة أن الحياة باقية بعد وجود جميع هذه العلائم فعلم أن الجزم بالموت إنما يكون إذا أخذ الجسم في الفساد والانحلال فعلى هذا لا يصح ترك الغريق إلا بعد استعمال جميع الطرق المفيدة مدة طويلة. *** الحرق إذا اشتعلت ملابس رجل ففي أكثر الأحيان نحن نجزع ونفزع، فعوضًا من أن نساعد المسكين نزيد الطين بلة بجهلنا؛ ولذلك يجب علينا أن نعرف تمامًا ما ينبغي عمله في مثل هذه الحوادث. إن الذي تشتعل النار في ملابسه لا ينبغي له أن يدهش ويفقد ثباته فإن كانت النار في طرف واحد من الثوب يجب الضغط عليه باليد وفركه حالاً، ولكن إن كانت قد امتدت إلى أكثر الثوب أو كله فعليه أن يلقي نفسه حالاً على الأرض ويتمرغ عليها تمرغًا؛ وإذا وُجد ثوب سميك فليلفه على جسمه حالاً، ويرش عليه الماء إذا كان حاضرًا فإذا انطفأت النار تجب المبادرة إلى البحث في الجسد عن آثار الحروق لمداواتها، إن الثوب يلتصق عادة في الأماكن المحروقة من الجسم ولكن لا ينبغي نزعه بالقوة بل يقرض بلطف بالمقص ويترك المكان المحروق على حاله مع غاية الاحتياط حتى لا ينسلخ الجلد ثم تستعمل بعد هذا مباشرة اللبخة الطينية الطاهرة في جميع هذه الأماكن وتربط على كل منها بعصابة. إن اللبخة تخفف الحرق كثيرًا وتسهل على المريض آلامه وهي تستعمل كذلك على الأماكن التي التصق بها الثوب فإذا أخذت تجف تغير حالاً وليس هناك سبب للتخوف من مس الماء البارد. ولكن إن لم يتيسر هذا الإسعاف الأولي فالنصائح الآتية تفيد كثيرًا. يبلل ورق الموز الأخضر بزيت الزيتون جيدًا أو الزيت الحلو ويوضع فوق الحرق وإن لم يتيسر ورق الموز فتستعمل قطعة من الثوب النظيف الجيد، وكذلك مزيج من زيت الكتان وماء الجص في مقدار واحد يأتي بنفع عظيم. إن قطعات الثوب التي لصقت بالحروق يمكن إزالتها بسهولة ببلها بمزيج من اللبن الفاتر والماء، إن العصابة الزيتية الأولى يجب أن ترفع بعد يومين ثم تستعمل العصابات الجديدة كل يوم إن تكونت الغراغر على الجلد المحروق يجب فقؤها ولكن سلخ جلدها ليس بضروري، وإن احمرّ الجلد فقط بسبب الحروق فليس هنالك علاج أنفع من استعمال اللبخة الطينية. إن احترقت الأصابع فيجب الاحتياط عند استعمال اللبخة الطينية بأن لا يلمس بعضها بعضًا وهذا العلاج نفسه يستعمل كذلك في حوادث الحرق من الحوامض [١] (Acids) وينفع نفعًا عظيمًا جدًّا. *** نهش الحية شاعت بيننا أوهام لا تحصى في شأن الحيات فقد زرعنا من الدهور السالفة الخوف الشديد في نفوسنا منها حتى إننا نخاف من مجرد ذكر اسمها، والهندوس يعبدونها فقد خصصوا من كل سنة يومًا لهذا الغرض وسموه بـ (ناغ بنجمي) وقد بلغ بهم الوهم إلى أن أخذوا يزعمون أن الأرض إنما قامت بإعانة الحية الكبرى المسماة (سيشا) ويسمونه الإله (وشنو) بـ (سيشا شائي) لأنهم يعتقدون أنه ينام فوق ظهر إله الحية، وأن الإله (سيوا) يعلق في عنقه عقدًا من الحيات حتى إنه ضرب المثل بذكاء الحية وعقلها؛ فإدا عسر فهم شيء قالوا: هذا ما لا يمكن أن يفسره حتى صاحبة الألوف من الألسنة كناية عن الحية (أذي سيشا) اعتقادًا بقوة شعورها ودقة عقلها وقد زعموا أن الثعبان (كركولاكا) قد نهش الملك نالا وشوه وجهه لئلا يتعذب أثناء سياحته في الغابات بسحر السحرة ومثل هذه الأوهام توجد في الأمم المسيحية الغربية أيضًا فيصفون بالإنكليزية عقل الرجل ودهاءه بأنه كالحية، وقد قيل في التوراة: (إن الشيطان قد اتخذ صورة الثعبان ليغوي حواء) . والسبب الحقيقي في هذه العبادة هو الخوف من الثعبان لما نراه من سرعة موت الذين يسري السم في أجسادهم سريعًا من الملدوغين وفكرة الموت تريعنا ولذلك نخاف من اسم الثعبان، ولو كان خلقًا حقيرًا لما عبدناه بسهولة. أما علماء العرب اليوم فيقولون: إن الحية ليست إلا خلقًا شريرًا ويجب قتلها أينما وجدت وقد أثبتت الإحصاءات الرسمية بأنه لا أقل من عشرين ألف نفس يموتون سنويًّا في الهند من نهش الثعابين والحيات والحكومة تجازي على قتل كل ثعبان سام بجوائز، ولكن لم يثبت حتى الآن أن البلاد استفادت من ذلك شيئًا لقد علمنا بالتجربة أن الحية لا تلدغ أبدا تعديًا وبطرًا، بل إنما تفعل ذلك منتقمة إذا أوذيت وأقلقت أليس هذا وحده يثبت عقلها أو على الأقل عصمتها؟ [٢] إن السعي لتطهير الهند أو أي قسم منها من الثعابين سعي مضحك عبث يشبه السعي لمحاربة الهواء قد يمكن منع الثعابين من الدخول في مكان خاص بطريقة علمية للقتل والهلاك ولكن هذا العمل لا يمكن القيام به في بلاد واسعة، إن مهمة منع حوادث النهش في قطر عظيم مثل الهند بقتل عام للحيات حماقة بحتة من أصلها. لا ينبغي لنا أن ننسى أبدًا أن الثعابين أيضًا من خلق الله خالقنا وخالق جميع المخلوقات، إن حكمة الله لا يمكن معرفتها ولكن لا يجوز أن نثق بأنه تعالى لم يخلق الحيوانات المفترسة كالأسد والنمر أو السامة كالحيات والعقارب إلا لأجل أن يتيسر له هلاك النوع الإنساني لو تجتمع الحيات في مؤتمر لها وتحكم بأن الإنسان ما خلقه الله إلا ليبدها ناظرة إلي أنه يقتلها حيث يجدها فهل نحن نوافقها في قرارها؟ كلا ثم كلا؛ فهكذا نحن أيضًا مخطئون في عدنا للثعبان عدوًّا طبيعيًّا للإنسان. إن [٣] Francis. ST الكبير الذي كان تعود السياحة في الغابات لم يتأذ قط بالثعابين ولا الحيوانات المفترسة بل إنها كلها قد عاشت معه بكل محبة وألفة وهكذا الألوف من رهبان الهندوس يعيشون في غابات الهند بين الأسود والنمور والثعابين ولم نسمع قط أن هذه الحيوانات قتلتهم، قد يعارضنا معارض بأنهم يقتلون في الغابات ونحن لبعدنا الكثير عنهم لا نسمع ذلك سلمنا ولكن مما لا يمكن المماراة فيه هو أن عدد هؤلاء الرهبان الذين يعيشون في الغابات لا يكاد يذكر أمام عدد الثعابين والحيوانات المتوحشة فلو كانت هي عدوة طبيعية للإنسان لفتكت بهذا النوع من الناس فتكًا ذريعًا ولأهلكتهم بسرعة عظيمة لأنهم لا يحملون معهم أسلحة يمكن أن يدافعوا بها عن أنفسهم حملاتها ولكنا نرى أنهم لم يفنوا مطلقًا؛ فيمكننا أن نستنتج من هذا أن الثعابين والحيوانات المتوحشة تتركهم يعيشون في الغابات بدون أن تؤذيهم، وإني قد تشبعت بعقيدة في هذا الشأن وهي مادام الإنسان لا يعادي خلقاً فإنه كذلك لا يعاديه أحد، إن الحب هو أكبر صفات الإنسان ومميزاته حتى إنه إذا خلت منه عبادة الله تعالى فلا تكون إلا شيئًا فارغًا وهو بالاختصار أصل الأصول لجميع الأديان بلا استثناء. ثم لماذا نحن لا نعد شراسة الثعابين والحيوانات المتوحشة مجرد نتيجة وانعكاس لطبيعة الإنسان نفسه؟ وهل نحن أقل فتكًا منها؟ أليست ألسنتنا سامة كأسنان الثعابين؟ ألسنا نحن أيضًا نهاجم إخواننا المعصومين كما تفعل الأسود والنمور مثلا بمثل؟ تنادي جميع الكتب المقدسة بأن الإنسان إذا خلي من الشر تأخذ سائر الحيوانات الأخرى في المعيشة معه بسلام، ومادامت نار الحرب والعداوة والبغضاء تتأجج في صدورنا ونحن نفترس بني جلدتنا كما تفترس الذئاب الغنم فهل ينبغي لنا أن نتعجب إن رأينا مثل ذلك يجري فيما حولنا من الدنيا وهل هذه الدنيا الخارجية إلا انعكاسًا للدنيا الداخلية في أدمغتنا؛ فإذا نحن غيرنا طبعنا فلا بد أن تتغير الدنيا في سلوكها معنا ألا نري نحن هذه الوحوش تسالم أولئك الناس الذين أصلحوا نفوسهم وقبضوا على أزمة شهواتهم بيد حديدية؟ أو تعاملهم بضد ما تعامل غيرهم به، إن هذا لسر كبير لخلق الله [٤] وكذلك للمسرة الحقيقية أن مساراتنا وأحزاننا تتوقف تمامًا على أنفسنا نحن لا نحتاج أن نتكل في هذا الأمر على أناس آخرين. إن عذرنا في إطالة الكتابة في مسألة النهش هو أننا أحببنا عوضًا من أن نصف مجرد العلاج له أن نتروى قليلاً في المسألة ونتبين أحسن طريقة للخلاص من مخاوفنا الوهمية وإني لو لم يسلم بصحة ما كتبته إلا واحدًا من القراء ويعمل بها أرى أني قد جوزيت جزاء حسنًا على تعبي ثم إن غرضنا من كتابة هذه الصفحات ليس مجرد عرض الأصول الصحية المسلم بها عامة بل الغوص إلى قعر المسألة والبحث في الأصول الأساسية الأصلية للصحة. ((يتبع بمقال تالٍ))