للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الحرب البلقانية الصليبية

لقد بدا للناس من هذه الحرب ما لم يكونوا يحتسبون، فقد كانت أقوال صحف
أوربة تدل على أن الأوربيين كالعثمانيين يظنون أن كفة الدولة العثمانية تكون هي
الراجحة، وكفة البلقانيين هي المرجوحة، ولذلك صرحت الدول الكبرى بأنها متفقة
على أن هذه الحرب لا تغير شيئًا من الحال الحاضرة ولا من خارتة البلقان.
فلما ظهر رجحان كفة البلقانيين رجعت عن قولها، وصرحت بأنه ليس من
العدل حرمان الدول المتحالفة من ثمرة انتصارها (والعدل عند هؤلاء الناس لا
يجوز أن يتعدى أبناء جنسهم وأهل ملتهم ودينهم) بل تجاوزت ذلك إلى محاولة
إكراه الدولة العثمانية وقسرها على أن تعطي الصليبيين ما فتحوا من بلادها وما
أعياهم فتحه كأدرنة، وقد أجمعت ذلك دول التثليث كلهن، سواء منهن من أبدى
ناجزَيْ الشر للدولة، وأظهر ضلعه وتعصبه للصليبيين كدول الاتفاق الثلاثي، ومن
جامل العثمانيين بالقول بعض المجاملة كدول التحالف الثلاثي.
نعم إن ما ظهر من ضعف الدولة العثمانية وخللها هو ما لم يكن يحتسبه كله
أحد ولا الأوربيون الذين يعبرون عنها بالرجل المريض، ويرون أنها بهذا المرض
تكاد أن تكون حرضًا أو تكون من الهالكين، وهكذا شأن الناس في تقدير أحوال مَن
ضعُف بعد قوة عظيمة، أو افتقر بعد ثروة كبيرة، فإنهم يتصورون شيئًا من ماضيه
مع تصور حاضره، ويستخرجون النتيجة من مقدمات التاريخ الماضي زالت مع
زمنها ومن مقدمات التاريخ الحاضر، وكذلك يخطئون في تاريخ حال من دخل في
حياة جديدة، استصحابًا لشيء من ماضيه يمزجونه بما عرفوا من حاضره، حتى
تأتي الحوادث والوقائع الكبيرة بما لم يكن في الحسبان، كما رأينا في حرب
الروسية واليابان، ولكن العبرة في رجحان البلغار على الترك أكبر، والتفاوت
بين الفريقين فيها أعظم.
ومما ظهر وبان هاجمًا من وراء حدود الحسبان، شيء آخر كان كثير من
المغرورين بمدنية هذا الزمان يظنون أنه من وراء حدود الإمكان، وهو طغيان
صليبي البلقان الظافرين على أبناء وطنهم المسلمين المسالمين، وإسرافهم في
تقتيلهم وتعذيبهم، وهتك أعراضهم وسلب أموالهم، وإنهم ليقتلون النساء والأطفال
ليقل عدد المسلمين في البلاد، حتى ألجأوا بعضهم إلى الخروج من الإسلام،
وانتحال النصرانية حفظًا لأنفسهم، وصيانة لأعراضهم وأموالهم، وقد شهد فظائعهم
هذه كثير من مكاتبي الصحف الأوروبية من الشعوب المختلفة، وبعض وكلاء
الدول السياسيين (القناصل) وذكرت الجرائد الأوروبية والتركية كثيرًا من حوادثه
تقشعر منها الجلود، وتفتت لهولها الكبود.
ولم يكن عجب الناس من اقتراف البلقانيين لهذه الجرائم والجنايات
والفواحش والمنكرات وجعلهم ذلك باسم الصليب في سبيل المسيحية كعجبهم من
الدول والشعوب الإفرنجية في أوربة وأمريكة لسكوتهم عنها، بل إقرارهم إياهم
عليها، فهل هذه هي المسيحية التي يبذلون الملايين في سبيل دعوتنا إليها؟ وهل
هذه هي الإنسانية التي يفتخرون بدعواها؟
اختلفت دعاة النصرانية في مؤتمرهم الذي عقدوه للنظر في وسائل تنصير
المسلمين: هل إله المسلمين هو إله النصارى أم لا؟ فقال قس من أكبر قسوسهم:
إن إله المسيحيين غير إله المسلمين؛ لأنه دين محبة ورحمة، وإله المسلمين ليس
كذلك.
فأين هذا القس المحب الرحيم الآن؟ لا أراه إلا فرحًا مسرورًا مع قومه
بفظائع الصليبيين في البلقان، فإنه هو وأمثاله قد اتخذوا المسيحية آلة للشهوات
واللذات وسعة الملك واستعباد الأمم والشعوب، وهم أبعد خلق الله عن دين المسيح
عليه الصلاة والسلام، وعن دين بولس الذي تمثله الكتب والرسائل التي يسمونها
العهد الجديد أيضًا.
وإذا كان هذا شأن رجال الدين فيهم فكيف يكون شأن رجال السياسة المنافقين
الذين ينفثون في أرواحهم سموم العصبية الدينية، ويغرونهم بإفساد عقائد الناس،
ويعينونهم على ذلك بالنفوذ والمال، وإذا لقوا أحدًا من أهل الملل الذين يغرونهم بهم
ادعوا أنهم يمقتون العصبية الدينية وأهلها، وأنهم لا يدينون بدين إلا دين الإنسانية
العامة، وهم بهذا الوجه الذي يلقون به المسلمين وغيرهم من أهل الملل الشرقية
المخالفة أشد إفسادًا في الدين والاجتماع من دعاة دينهم، فإن الذين أفسد عليهم
الإفرنج دينهم باسم الإنسانية، أضعاف أضعاف الذين أفسدوا دينهم ودنياهم باسم
المسيحية.
صدق هؤلاء المنافقين تلاميذهم ومريدوهم من المسلمين وغيرهم، وظنوا فيهم
الخير، وتوهموا أنهم بترك الدين وحل رابطته والدعوة إلى رابطة أخرى يسلكون
طريقهم في الترقي المادي، وإنما يهوون في مهواة التدلي والانقراض.
إلا أنه قد وجد فينا الحكماء العارفون، وطالما حذروا وأنذروا، فعلت أصوات
الخادعين أصواتهم فلم تعتبر بها الأمة، وإننا نذكرها الآن بنبذة من مقالة التعصب
إحدى مقالات العروة الوثقى التي نشرناها في المنار من قبل ونقلتها بعض الصحف،
وهي منشورة أيضًا في بعض الكتب.
بيَّن الأستاذ رحمه الله في أول تلك المقالات معنى التعصب في اللغة
والاصطلاح ومفاسد الغلو فيه ومدح الاعتدال، وما ثبت في التاريخ من غلو
الأوربيين في تعصبهم، وإبادتهم للمخالفين لهم، وتسامح المسلمين وتساهلهم، ثم
بيَّن غرضهم من تنفير المسلمين خاصة من التعصب الديني مطلقًا، وإن كان معتدلاً
لا يترتب عليه شيء من إيذاء المخالفين، وهو أن يحلوا رابطتهم ويتمكنوا من
إزالة سلطانهم، وبين كون الموافقين لهم المخدوعين بسحرهم يخربون بيوت
أنفسهم بأيديهم وأيدي أعدائهم، ثم قال:
(هذا أسلوب من السياسة الأوروبية أجادت الدول اختباره وجنت ثماره
فأخذت به الشرقيين لتنال مطامعها فيهم، فكثير من تلك الدول نصبت الحبائل في
البلاد العثمانية والمصرية وغيرها من الممالك الإسلامية، ولم تعدم صيدًا من
الأمراء المنتسبين إلى العلم والمدنية الجديدة، واستعملتهم آلة في بلوغ مقاصدها من
بلادهم، وليس عجبنا من الدهريين والزنادقة ممن يتسترون بلباس الإسلام أن
يميلوا مع هذه الأهواء الباطلة، ولكنا نعجب من أن بعضًا من سذج المسلمين مع
بقائهم على عقائدهم، وثباتهم في إيمانهم، يسفكون الكلام في ذم التعصب الديني
ويلهجون في رمي المتعصبين بالخشونة والبعد عن معدات المدنية الحاضرة، ولا
يعلم أولئك المسلمون أنهم بهذا يشقون عصاهم ويفسدون شأنهم، ويخربون بيوتهم
بأيديهم وأيدي المارقين، يطلبون محو التعصب المعتدل، وفي محوه محو الملة
ودفعها إلى أيدي الأجانب يستعبدونها ما دامت الأرض أرضًا والسماء سماءً، والله
ما عجبنا من هؤلاء وهؤلاء بأشد من العجب لأحوال الغربيين من الأمم الإفرنجية
الذين يفرغون وسعهم لنشر هذه الأفكار بين الشرقيين، ولا يخجلون من تبشيع
التعصب الديني ورمي المتعصبين بالخشونة، الإفرنج أشد الناس في هذا النوع من
التعصب وأحرصهم على القيام بدواعيه، ومن القواعد الأساسية في حكوماتهم
السياسية الدفاع عن دعاة الدين والقائمين بنشره ومساعدتهم على إنجاح أعمالهم،
وإذا عدت عادية مما لا يخلو عنه الاجتماع البشري على واحد ممن على دينهم
ومذهبهم في ناحية من نواحي الشرق، سمعت صياحًا وعويلاً وهيعات ونبآت
تتلاقى أمواجها في جو بلاد المدنية الغربية وينادي جميعهم: ألا قد ألمت ملمة،
وحدثت حادثة مهمة، فأجمِعوا الأمر وخذوا الأهبة لتدارك الواقعة والاحتياط من
وقوع مثلها حتى لا تنخدش الجامعة الدينية، وتراهم على اختلافهم في الأجناس،
وتباغضهم وتحاقدهم وتنابذهم في السياسات، وترقب كل دولة منهم لغرة الأخرى
حتى توقع بها السوء - يتقاربون ويتآلفون ويتحدون في توجيه قواهم الحربية
والسياسية لحماية من يشاكلهم في الدين، وإن كان في أقصى قاصية من الأرض،
ولو تقطعت بينه وبينهم الأنساب الجنسية.
أما لو فاض طوفان الفتن وطم وجه الأرض وغمر وجه البسيطة من دماء
المخالفين لهم في الدين والمذهب فلا ينبض فيهم عرق ولا يتنبه لهم إحساس بل
يتغافلون عنه ويذرونه، وما يجرف حتى يأخذ مده الغاية من حده، ويذهلون عما
أودع في الفطر البشرية من الشفقة الإنسانية والرحمة الطبيعية كأنما يعدون من
الخارجين عن دينهم من الحيوانات السائمة والهمل الراعية. وليسوا من نوع
الإنسان الذي يزعم الأوربيون أنهم حماته وأنصاره، وليس هذا خاصًّا بالمتدينين
منهم، بل الدهريون ومن لا يعتقدون بالله وكتبه ورسله يسابقون المتدينين في
تعصبهم الديني، ولا يألون جهدًا في تقوية عصبيتهم، وليتهم يقفون عند الحق ولكن
كثيرًا ما تجاوزوه، أما إن شأن الإفرنج في تمسكهم بالعصبية الدينية لغريب.
يبلغ الرجل منهم أعلى درجة في الحرية كغلادستون وأضرابه ثم لا تجد كلمة
تصدر عنه إلا وفيها نفثة من روح بطرس الراهب، بل لا نرى روحه إلا نسخة
من روحه (انظر إلى كتب جلادستون وخطبه السابقة) اهـ.
ومما بدا للمسلمين من هذه الحرب ولم يكونوا يحتسبونه، أن الدولة العثمانية
ليست بالدولة القوية التي يرجى أن تحفظ نفسها من أوربة بقوتها الحربية، سواء
منها البرية والبحرية، وإنما بقاؤها بدوام تنازع الدول في اقتسامها، وإن هذا
الاقتسام متفق عليه في الجملة، مختلف عليه في التفصيل، وإن ممالكها في نظرهن
كالأرض الموات: مَن سبق إلى شيء منه ملكه، وإن ما يبديه بعضهن لها من الميل
والانعطاف أحيانًا، وهو لا يتعدى القول اللطيف والمساعدة السلبية، فإنما سببه جر
المغنم العاجل كالامتيازات والقروض وبيع الأسلحة والذخائر، على أنهن صرن
يقبضن أيديهن عن إقراضها ولو بالربا الفاحش ويتشددون في ذلك، وأما ما كان من
مساعدة بعضهن لها في الزمن الماضي فسببه تعارضهن في النفوذ والطمع في
بلادها أيضًا، وقد ارتقوا عن هذه الدرجة الآن.
عرف خواص المسلمين هذه الحقائق في الأقطار الكثيرة، وشعر به عوامهم
في مصر وولايات السلطنة أيضًا، فأصابهم من الغم والكآبة ما وجلت له القلوب،
وذرفت لأجله العيون، وطفق الناس يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه
مختلفون، وهو كيف يكون حال الإسلام والمسلمين إذا صارت هذه الدولة
في عداد الغابرين؟
إن أصحاب هذه الدولة يجدُّون ويجتهدون في هدمها منذ قرنين أو أكثر وكانت
بعض الدول الأوربية تدعّهم إلى الإسراع في الهدم، وبعضها تدعوهم إلى التريث
فيه، وقد اشتد الهدم على عهد عبد الحميد ولكن من وراء الحجب والأستار، وفي
حنادس الظلمات، وأما بعد سقوطه فقد صار الهدم أشد، ولكن الهادمين يسمون
أنفسهم البنائين الأحرار، وصار أبين وأظهر لأنه يؤتى في ضوء النهار.
لقد كان جهل المسلمين بحقيقة حال هذه الدولة، أكبر مصائبهم ومصائب
الدولة، ولو كانوا يعرفون كُنْهَ حالها، منذ تنبهوا لأنفسهم ولها - أي من عهد
انكسارها في حرب الروسية الأخيرة - لاجتهدوا في إصلاح أنفسهم وإصلاحها،
ولكنهم اغتروا وخُدعوا بها، وأمدتهم جرائد المنافقين في غرورهم، فحسبوا أن لهم
دولة قوية عزيزة تقيم شرعهم، وتعلي كلمة دينهم وتدافع عنه وعنهم، وكم
نبهناهم وأنذرناهم فتماروا بالنذر، ولا يزال كثير منهم على غرورهم، كما يدلنا
على ذلك تجاوب اقتراحهم عليها إدامة الحرب، وكراهتهم لما جنحت إليه الوزارة
الكاملية من السلم، وعقد الهدنة للبحث عن شروط الصلح.
إن كل ما عرفناه من مساعدة العالم الإسلامي للدولة في حربها هذه هو أنهم
أمدوها بإعانة لا تتجاوز نصف مليون من الجنيهات إلا قليلاً، إلا أن يكون هنالك
إعانات خفية عنا وعن غيرنا، وليس هذا بالذي ينهض بمثل هذه الدولة الكبيرة،
ولا إظهار الغيرة عليها بالذي يدفع عدوان الدول عنها، بل يخشى أن يكون مغريًا
لدول الاستعمار بالتعجيل عليها، فأنا لا أزال أعيد ما بدأت من القول بأن الدولة
على خطر، وحل المسألة الشرقية أقرب غائب ينتظر، وأدعو عقلاء المسلمين
خاصة إلى التفكير في المآل وإعداد ما يستطيعون له من العدة والمال، وما بعد
الجهد إلا العزم والاتكال، وإنني أشير إلى شيء من ذلك بالإجمال:
مستقبل الإسلام والمسلمين:
أهم ما يهم كل مسلم في الأرض أن يكون للإسلام سلطة تقام بها شريعته،
وتحيا بها دعوته، وقد كان المسلمون لفشو الجهل فيهم مغرورين بحكوماتهم
ودولهم، ولم يكن غرور التابعين للدول ذات التاريخ الكبير كالدولة العثمانية، بأشد
من غرور التابعين للدول ذات التاريخ الصغير كسائر الدول الأفريقية والآسيوية،
ولكن الغرور بالدولة العثمانية تجاوز بلادها إلى الملايين من المسلمين الذين استولت
عليهم الدول الأوروبية في الشرق والغرب، وإن هذا الغرور قد أوصل السلطة
الإسلامية إلى درجة الخطر - خطر الفناء والزوال - فوجب على كل عارف مخلص
أن يصرح للمسلمين بما يعرف، وقد كنا في السنين الغابرة نكني، ولكن الوقت
ضاق عن الكنى.
ولو عرف جماهير المسلمين كُنه حال دولهم وحكوماتهم من قبل لجَدَّ العقلاء
في السعي لإصلاحهم وحفظها، ولكان الفوز أرجى لهم من الخيبة، ويجب أن يعرفوا
الآن ما جهلوا من قبل، وإن كان الرجاء في السعي الآن أضعف، ولكن المسلم لا
ييأس ولا يقنط، ولقد كان أكبر بلاء الدولة العثمانية من بعض رجالها الذين يئسوا
منها في الزمن الذي دبَّ فيه إلى مسلمي الآفاق الرجاء فيها، وما زلزل غرور
المسلمين وأزال بقايا غرور غير الحكام من العثمانيين، إلا هذه الحرب البلقانية،
فإذا كانت ثمرتها أن نعرف حدنا ونهتدي إلى رشدنا، فنعرف كيف ندرأ خطر
الزوال عنا، فإن هذه الحرب تكون - كما قلت من قبل - أكبر نعمة علينا.
ألا فليعلم من لم يكن يعلم أن وجود الدولة العثمانية في أوربة هو سبب
غرورها وفقرها ومولد الفتن فيها، وهو الذي جعل رجال الدولة يحتقرون بلادها
في آسية وأفريقية وجميع الشعوب الذين في هذه البلاد، فكل قوة الدولة تعد في
ولاياتها الأوروبية ولولاياتها الأوروبية، ومعظم أموال الدولة تصرف فيها،
وعاقبتها للأوروبيين دون العثمانيين؛ لأن أوروبة كلها مجمعة على ذلك، ولكن
تنفذه بالتدريج، فلا ينبغي أن نأسى على ما يزول من أملاك الدولة في أوروبة،
ولا نفرح بما يبقى منها، وإنما ينبغي أن نوجه كل عنايتنا إلى أملاكنا في آسية،
وأن نقيم بناء الإدارة والإصلاح فيها على الطريقة التي يسمونها اللامركزية.
فتجب العناية قبل كل شيء بجعل كل من يقدر على حمل السلاح في كل قطر
من الأقطار جنودًا مستعدين للدفاع عنه إذا هاجمه العدو، وأن يكونوا في هذا
متكافلين متعاونين بنظام يوضع لذلك، وأن يكون أول ما يبدأ به من ذلك الحجاز
والبلاد المجاورة له، وأن يكون كل ما يجمع من المال لإعانة الدولة خاصًّا
بتحصين الحرمين الشريفين وما حولهما، وإعداد تلك البقاع كلها للدفاع عنهما،
وبجعلهما مثابة للعلوم والفنون بإقامة المدارس العامة في المدينة المنورة والطائف،
وأن يتولى هذا العمل جمعية علمية إسلامية يختار أعضاؤها من خيار مسلمي الآفاق
كلها. فإذا لم يبادر عقلاء المسلمين من العرب والترك والهنود والفرس وغيرهم إلى
جمع المال لهذين العملين والسعي لتنفيذهما - فوالله ثم والله ليندمُنَّ وليعلمُنَّ
أن اهتمامهم بأدرنة والقسطنطينية لا يغني عنهم من ذلك شيئًا.
وليسقطن تحت نير أوربة كل ما بقي لهم، حتى كعبتهم وروضة نبيهم صلى
الله عليه وسلم، فليتدبروا ويتذاكروا {وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ} (غافر: ١٣)
وسنعود إلى هذا البحث إن شاء الله تعالى.
((يتبع بمقال تالٍ))