لقسم التخصص التابع للأزهر وما أعجب به من حياة العلم فيه
(بعد جمع ما تقدم في المطبعة وقبل طبعه كله جاءتنا الرسالة التالية فنشرناها بنصها لما فيها من تأييد رأينا في الرد على الأستاذ الخضر وهي) : زار صاحب المعالي علي ماهر باشا وزير الحقانية قسم تخصص الأزهر يوم الأربعاء ١٩ رجب الحالي (١٠ ديسمبر) ومعه سعادة طاهر باشا نور وكيل الحقانية، فمر على كثير من مدرسي القسم ولم يُعجَب بأحد كما أعجب بالشيخ علي الزنكلوني عند ما كان يشرح قوله تعالى: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ} (السجدة: ٧) إذ شرح كيفية خلق الإنسان من الطين أولاً وآخرًا مارًّا معه في سائر أطواره على أحدث النظريات العلمية التي تشهد لها مجاري استعمال القرآن الحكيم. وكذا أعجبه درس الأستاذ الشيخ محمود شلتوت وكان يقرأ مبحث (الشهادة) في فقه الأحناف، فشرح رأي الفقهاء القائلين بعدم قبول شهادة غير المسلم، ثم فند هذا الرأي وفصل مواطن الشهادة وبيَّن أن منها مواطن يجوز فيها شهادة غير المسلم، ثم فسر آية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ} (المائدة: ١٠٦) الآية. ووجَّه رأيه بما تعطيه الآية ونظائرها وما يرمي إليها سر تشريع الشهادة، وكون الإسلام دينًا عامًّا لا يخص طائفة دون طائفة ولا زمانًا دون زمان. فسُرَّ الوزير من ذلك جدًّا وأعجبته تلك الحرية التي لم يكن يعهدها في الأزهر ولم يستطع إخفاء سروره من ذلك حتى كاشف به فضيلة شيخ القسم (المفتي) . ومما كان له وقع جميل عند محبي الحياة للأزهر - البِشر الذي ظهر على وجه الوزير عند ما قال له الشيخ الزنكلوني - وهو في الإدارة يشرب القهوة - الجملة الآتية: يا معالي الباشا أنا مسرور منك جدًّا لا لأنك وزير؛ بل لأنك عالم فطن، ومن شأن العالم الذكي أن يحب العلم الصحيح والأفكار الحية، فيجب عليك أن تُكثر من زيارة الأقسام العالية في الأزهر لتنشط الأذكياء أرباب الأفكار السليمة من الأمراض، فيتكون من الأزهر كتلة علمية حية قوية، ويكون جيش جلالة الملك العلمي الديني جيشًا مسلحًا بسلاح العصر الجديد يقوم في وجه أعداء الدين الذين يهاجمونه من كل ناحية، وإلا كان وراء جلالته حثالة من الخلق مبعثرة ميتة، لا تصلح لمقاومة بعوضة! . اهـ (المنار) سبحان الله! إن هذه الرسالة جاءت مؤيدة لما قلناه في ردنا هذا ولا سيما كلمة الأستاذ الزنكلوني للوزير. وأما مسألة شهادة غير المسلم فما ذكره الكاتب فيها مجمل موجز لا يُفهم منه ما فيها من خطأ وصواب. ولا شك أن الجامدين يعدونها مهاجمة لفقهاء المذاهب المتبعة، ونحن قد حققنا هذا الموضوع في تفسير آية الوصية في السفر من سورة المائدة في فصل خاص عقدناه لها (فيراجع في ص ٢٢٩ - ٢٢٧ ج ٧ تفسير) فإن كان الأستاذ محمد الخضر يعد هذا وذاك من آثار الأمراض العقلية فليرد عليهما في إحدى المجلتين (نور الإسلام والهداية) أو كلتيهما لنبحث معه بعد ذلك فيما كتبه من موافقة شريعة الإسلام لكل زمان ومكان.