للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: حافظ إبراهيم


إلى مصر

حطمت اليراع فلا تعجبي ... وعفت البيان فلا تعتبي
فما أنت يا مصر دار الأديب ... ولا أنت بالبلد الطيب
وكم فيك يا مصر من كاتب ... أقال اليراع ولم يكتب
فلا تعذليني لهذا السكوت ... فقد ضاق بي منك ما ضاق بي
أيعجبني منك يوم الوفاق ... سكوت الجماد ولعب الصبي
وكم غضب الناس من قبلنا ... لسلب الحقوق ولم تغضب
أنابتة العصر إن الغريب ... مجد بمصر فلا تلعبي
يقولون في النشء خير لنا ... وللنشء شر من الأجنبي
أفي الأزبكية مثوى البنين ... وبين المساجد مثوى الأب
وكم ذا بمصر من المضحكات ... كما قال فيها أبو الطيب
أمور تمر وعيش يمر ... ونحن من اللهو في ملعب
وشعب يفر من الصالحات ... فرار السليم من الأجرب
وصحف تطن طنين الذباب ... وأخرى تشن على الأقرب
وهذا يلوذ بقصر الأمير ... ويدعو إلى ظله الأرحب
وهذا يلوذ بقصر السفير ... ويطنب في وِرده الأعذب
وهذا يصيح مع الصائحين ... على غير قصد ولا مأرب
وقالوا دخيل عليه العفاء ... ونعم الدخيل على مذهبي
رآنا نيامًا ولما نُفِق ... فشمر للسعي والمكسب
وماذا عليه إذا فاتنا ... ونحن على العيش لم ندأب
ألفنا الخمول ويا ليتنا ... ألفنا الخمول ولم نكذب
وقالوا (المؤيد) في غمرة ... رماه بها الطمع الأشعبي
دعاه الغرام بسن الكهول ... فجن جنونًا ببنت النبي
فضجّ لها العرش والحاملوه ... وضج لها القبر في يثرب
ونادى رجال بإسقاطه ... وقالوا تلوّن في المشرب
وعدُّوا عليه من السيئات ... ألوفًا تدور مع الأحقب
وقالوا لصيق ببيت الرسول ... أغار على النسب الأنجب
وزكَّى أبو خطوة قولهم ... بحكم أحدٌ من المضرب
فما للتهاني على داره ... تساقط كالمطر الصيب
وما للوفود على بابه ... تزف البشائر في موكب
وما للخليفة أسدى إليه ... وسامًا يليق بصدر الأبي
فيا أمة ضاق عن وصفها ... جنان المفوه والأخطب
تضيع الحقيقة ما بيننا ... ويصلى البريء مع المذنب
ويُهضم فينا الإمام الحكيم ... ويُكرم فينا الجهول الغبي
على الشرق مني سلام الودود ... وإن طأطأ الشرق للمغرب
لقد كان خصبًا بجدب الزمان ... فأجدب في الزمن المخصب
القصيدة لشاعر مصر حافظ أفندي إبراهيم , ويعني بقوله (يوم الوفاق)
الوفاق الفرنسي الإنكليزي على مسألتي مصر ومراكش , وبقوله: السفير: اللورد
كرومر عميد الدولة المحتلة في مصر. ويعني بقوله: (دخيل) ما يلغط به بعض
الأحداث هنا إذ يسمون السوريين المقيمين في مصر (دخلاء) حتى من اعتبره
القانون مصريًّا، ويعني بقوله: (فما للتهاني على داره) ... إلخ، ما ذكر في المؤيد
من أن السلطان أنعم على الشيخ علي يوسف صاحبه بمداليا الامتياز الذهبية
والفضية، وما نشر فيه من أسماء المهنئين بهذا الإنعام. وقوله: (وما للوفود على
داره) البيت غير صحيح فلا وفود ولا وفد , ولكنه من باب المبالغة الشعرية، ثم
إن خبرهذا الإنعام لما يتحقق , وقد كذبته جريدة الأهرام , وسكت لها المؤيد فلم
يؤكد الخبر.
والذي يقصده من الأبيات في حادثة زوجية صاحب المؤيد أن المصريين لا
ثبات لهم ولا اتفاق على شيء، فقد قامت قيامتهم على الشيخ علي يوسف عندما
شاع خبر عقده على بنت السادات في بيت البكري بدون حضور أبيها ولا إذنه ,
وسلقته بألسنة حداد في كل سامر وناد، ثم لم يلبثوا أن سمعوا إشاعة إنعام
السلطان عليه حتى انبرى كثيرون لتهنئته، وقد كتبنا هذه الكلمات لنزيل اشتباه من
اختلفوا في القصيدة أتتضمن الانتصار للمؤيد أم لخصومه، وليعتبر بما قال شاعر
مصر في قصيدته , وما وصف به قومه وجرائدهم كاتب المقالة في ضعف
المسلمين وأمثاله من البعداء عن هذه الديار.