للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


رسالة التوحيد
كما دلت هذه الرسالة على ترقّي العلم بترقيتها دلت على رواجه برواجها،
وإننا نرى ونسمع كل يوم أحاديث الإعجاب بها والتنافس فيها، وقد اطلعنا على
رقيم لحضرة الكاتب البليغ صاحب العزة الأمير شكيب أرسلان بعث به إلى فضيلة
الأستاذ المفضال مؤلف الرسالة قال فيه:
(قرأت رسالة التوحيد ولم أزدد بكم علمًا إلا إنني سررت لكم بنشرها بعد أن
حجبت المحاكم بين الأنظار وبين تلك الآثار، وبعد أن ظن أن القضاء صرف
نظركم عن كل ما سواه، ولعمري إن أحسن عمل يؤتى هو مثل هذا الأثر، ولم
أقرأ من مكتوب العصر شيئًا أبدع من هذه الرسالة ولا ما يدانيها، إلا إن كان بعض
كلام المرحوم السيد جمال الدين، وعليه فالدائرة واحدة لا حق لي في الحكم من جهة
الفن وتعديل الآراء والمذاهب، ومع هذا فحيث كان الأمر من المعقول تأملت
فوجدت أن طريقة هذه الرسالة هي أقصد الطرائق، وأنها غاية ما يرتاح إليه العقل
ويرتاح فيه، فما أشكل بعدها من مغلقات أسرار الوجود فهو مما حتم الله بإشكاله،
وخبأ نوره عن عباده، وأما البيان فقد طالما اعتقدت أن الإنشاء ما رق به المحسوس
حتى كاد يسهل، أو تجرد منه مثال للتخييل، ولقد وجدتني في تلك الرسالة في عالم
معنوي، قادت البراعة أسراره ومجرداته بزمام التعبير، إلى أن تخيلت أني قابض
على المعاني بيدي، فضلاً عن أني متمثلها في خلدي، فهذا غاية الخلق من البيان
وهو ما أتت به الرسالة) ا. هـ
وقد كتب إلينا من بلاد الشام أن بعض فضلاء النصارى اطلعوا على الرسالة
فقال أحدهم: (إذا كان الإسلام هو ما تشرح فأنا أول مسلم، ولكن مؤلفها فيلسوف
ديني يقول: ينبغي أن يكون الإسلام كذا) فرد عليه مسلم بأن مؤلفها هو من أكابر
علماء الأزهر أعظم المدارس الدينية، وهو يقرأها فيه ولم ينكر أحد من علمائه
عليها، ولا قال إنها زادت في الإسلام ما ليس منه. وقال فاضل آخر: أود أن تقرأ
هذه الرسالة في جميع المدارس النصرانية بعد حذف الكلام عن نبوة محمد (صلى
الله عليه وسلم) أي لأجل وقوف الناس على سر الدين المطلق. ولعمري لم يتجلَّ
فضل الدين في مؤلف يمثل السعادة للبشر في اتباعه كما تجلى في هذه الرسالة.
ولذلك مزار بعض أبناء المدارس الأستاذ يومًا، وقال: إنني أشكرك أن جعلتني
رسالتك مسلمًا، فإنني ما كنت أفهم معنى الدين وفائدته قبلها، وقد اجتهدت على ذلك
ونظرت في التفسير فلم أفهم المقصود من القرآن لكثرة المباحث اللفظية ونكت
البلاغة. . .