قد علمت أن التعصب هو عبارة عن القيام بالعصبية، وأن مناط العصبية في اصطلاح هذا العصر هو: الجنس أو الدين، وأن الإفرنج ومن احتذى مثالهم من أبناء المشرق حذو القذة للقذة يغرقون في مدح التعصب للجنس على إطلاقه، ويعدونه المشكِّل للدول، والمقوِّم للأمم، ويفتخرون بالتغالي به والاستبسال في سبيله ويرون أن الشرف الأعلى والكمال الأرفع في بذل النفس والنفيس في تقوية الجنسية ونصب الأشراك والأحابيل لإيقاع سائر الشعوب فيها. ويخصون التعصب للدين بالإزراء والازدراء والثلب والسب والطعن والقدح، ويعدونه منبع الشرور، ومولد الفتن، وعدو المدنية، ومنار الحروب، ومقطع الصلات بين الأمم، ويتقذرون الاتصاف به، ويتنصلون من الانتساب إليه، بل استعملوا لفظه للسباب والشتيمة، ويزعمون أن صاحبه خابط في ظلمات الجهالة، والتعصب غشاوة على عينه، أو حجاب كثيف يحول بينه وبين نور المعرفة، بل هو أكمه، لا قابلية فيه لإدراك نور المدنية الصحيحة! فليت شعري، هل يرى هؤلاء الدين المطلق هو منبع الشرور ومصدر الرذائل، والعقبة الكؤود في طريق المعارف! وأن اللغة من حيث هي لغة مجمع أزِمّة الفضائل، ومنبعث أشعة العلوم والعرفان! كيف وجلهم أو كلهم ينتسب للدين تشرفًا به، ولو رمي بلقب الكفر تقوم قيامته ويتبرأ من هذا اللقب الشائن الذي رماه به الشانئ، بل إن عقلاء الكفار من هؤلاء المتمدنين يعترفون بفضل الدين، وإن كانوا لا يدينون به، ويشهدون أنه المهذب للنفوس، الرادع لها عن الشرور، وأنه يَزَعُ ما لا يزع السلطان؛ لأنه مهيمن على النفوس لا يفارقها في حنادس الليالي، ولا يزايلها وراء الحجب والأستار، حيث تنام أعين القضاة، ولا تصل أيدي الشرطة والأعوان. لا ترجع الأنفس عن غيها ... ما لم يكن منها لها زاجر فلم يبق من شبهة لمن يخص التعصب الديني بالمقت والذم، والجنسي بالشرف والإطراء - إلا الغرض، وأنا أقص عليك غرض الأوروبيين منه، فاستمع لما يتلى. أنت تعلم أن المنفعة مدار كل عمل عند هؤلاء القوم. فأما انتفاعهم من التعصب للجنس وتربية الأمة على حب جنسهم مهما اختلفت أديانهم ومذاهبهم، فهو أنهم تمكنوا به من توحيد أممهم، وأمنوا من عواصف الثورات التي كانت تهب في بلادهم كالريح العقيم، ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم، وهو الذي نقاسي اليوم عناءه ونساور بلاءه، في أرمينيا وكريت وغيرهما من البلاد العثمانية، التي فقد منها هذا التوحيد؛ لإهمال التربية على التحاب والتواد والاعتصاب بالجنسية العثمانية الجامعة. وأما انتفاعهم من التعصب الديني فهو أنهم شكلوا الجمعيات الدينية، وجعلوها من آلات الفتوح، وأرسلوها إلى آسيا وإفريقيا أوزاعًا أوزاعًا (جماعات متفرقة) تحت حماية دولهم، فعملت ما لا يعمل السيف، بل كانت تسير على أثرها الجواري المنشآت في البحر كالأعلام، تحمل المدافع الفوهاء التي تدمر كل قطر ينظر فيه لأحد المرسلين شزرًا، أو تستعمره استعمارًا. انظر تاريخ أوروبا مع المشرق كله، وبين يديك الآن شاهد قريب وهو اندفاع دول أوروبا الكبار على الصين، ومبدؤه احتلال ألمانيا لكياوتشاو بسبب قتل بعض المرسلين، ولم يكتفوا بهذه المنافع والمغانم، بل هم ينفخون هذا الروح (التعصب) في نصارى الشرق بواسطة جمعياتهم السرية والجهرية، ويربونهم عليه في المدارس السياسية الدينية التي ينشئونها في بلادهم، يمثلون لهم لدى تعليم التاريخ صورة ماضيهم مع بني وطنهم مشوهة، تنفر منها النفوس وتقشعر الجلود، ليوقعوا بينهم العداوة والبغضاء، ثم يعدونهم بالحماية والنصر، ويمنونهم بالاستقلال إذا هم شقوا عصا الطاعة، وخلعوا رداء السلطة. ذلك وعد غير مكذوب، يجتهدون في الوفاء ما وجدوا للوفاء سبيلاً. واعتبر ذلك في الفتن الأخيرة في بلاد الدولة العلية من عهد مقدمات الحرب الروسية إلى عهد المسألة الأرمنية، والمسألة الكريدية، تَلْقَه واضحًا جليًّا. ومما يقضي على العاقل بالعجب أن هذه الدول لا تتحاشى المجاهرة بالانتصار للنصارى بعنوان حماية الديانة النصرانية. ولو أن دولة أو إمارة إسلامية سألت عن حال المسلمين في مستعمرات تلك الدول من حيث زراعتهم أو تجارتهم، فضلاً عن الانتصار لهم، لقامت عليها قيامة أوروبا، وأجمع دولها على وجوب تأديبها؛ لأنها حركت سواكن التعصب الديني الذي يقوض أساس العمران، بل لو انفجرت براكين العدوان في بلادهم، فأحرقت جميع أرباب المذاهب لا تتحرك لهم عاطفة رحمة، ولا تجيش في صدورهم حمية، سواء كان المحترقون بتلك النيران نصارى أم غير نصارى، اللهم إلا إن كانوا من جنسهم، فالفرنساوي لا يحن في أوروبا إلا للفرنساوي، والإنكليزي لا ينظر إلا للإنكليزي، وهلم جرا. فالتعصب الديني عندهم محرم في الغرب واجب الشرق، اللهم أنه واجب كونه مذمومًا لفظه لا فعله، وعلى اجتناء المنافع المدار، وهو المبدأ وإليه المآل. وأما ما يثرثر به هذا النشء الجديد في الشرق من لفظ التعصب والمتعصب في معرض الذم، فهو لفظ عن غير عقل ولا بصيرة، بل ليس إلا صدى ما يقوله أولئك المختلِبون [١] ، يرجّعه هؤلاء المختلَبون، أو هو حكاية أصواتهم من غير ملاحظة ما ترمي إليه، ألا تراهم يرددون كثيرًا لفظ (فناتيك فناتيك) أي تعصب ديني. يقول ما قالا له ... كما تقول الببغا إلا من انفصل من جنسيته الشرقية واتصل بهؤلاء الإفرنج، كما تنفصل النيازك من كوكب فيجذبها إليه كوكب آخر تتصل به، وتكون جزءًا داخلاً في بنيته. ومن تجرد من جلابيب الحظوظ والأغراض، وترفع عن التحزب للأديان والأجناس، ونظر في الشؤون بعين الإنصاف، جاعلاً مطمح نظره الحقيقة - تجلى له أنه لا فرق بين التعصب للجنس والتعصب للدين، إلا بما يكون به الأول أشرف رابطة وأقدس مناطًا، وأن كلاًّ منهما فضيلة، إذا وقف عند حد الاعتدال، وأن الغلو في كل منهما رذيلة تدعو إلى ايذاء المتعصب لمخالفه فيما قامت به العصبية، وتحمله على التعدي وهضم الحقوق واختلاس المنافع. والعقل المجرد عن الشوائب يحكم بقبح ومذمة التعدي والإيذاء لذاتهما، من غير نظر إلى سببهما، ومن نظر في التاريخ يرى أن كلاًّ من هذين النوعين للتعصب قد نشأ من الإفراط فيه منازعات وحروب أهريقت فيها الدماء، ويتمت الأطفال، وأيمت النساء. نعم إن للحروب وجهًا يرجع إلى قاعدة ارتكاب أخف الضررين، وليس هنا مجال للبحث فيه. يرمي الإفرنج والمتفرنجون المسلمين بالتعصب الديني الذميم، أي الإفراط فيه المؤدي إلى إيذاء المخالف، وإنهم ليقولون منكرًا من القول وزورًا، تحملهم عليه الأغراض السياسية، وهم يعلمون أنهم كاذبون، هذا الإفراط في التعصب لم يوجد في ممالك المسلمين إلا بين أرباب المذاهب الإسلامية، كالمعتزلة والخوارج والشيعة من أهل السنة، وأما بين أهل الأديان المختلفة فلم يكن له أثر، إلا ما لا تخلو عنه طبيعة الوجود مما يكون مثله ببن أبناء المذهب الواحد، حتى أضرمت ناره أوروبا بالحروب الصليبية، فاستضاءت هي بنورها، ورمي بشرر شرورها آخرون. ومن يجهل التاريخ ينخدع بما يلغط به المذاعون من الإفرنج والمتفرنجين، ويصدق جرائدهم فيما تزعم من براءة أوروبا من التعصب الديني، ويغتر بتلفيقهم وتمويههم الحقائق وإبرازها في أثواب الزور المدبجة بألوان التمدن العصري، لكن أسفار التاريخ على علاتها واختلافها تشهد على أوروبا بالتعصب المشوه منذ دخلت في النصراينة إلى ما بعد الحرب الصليبية، وبالتعصب المموه في هذه القرون الأخيرة. غض بصرك عن إبادة أسبانيا للمسلمين في بلاد الأندلس، وعن معاملتها هي وروسيا لليهود الذين أجبروا على النصرانية، ومن لم يقبل كان جزاؤه القتل أو الإجلاء عن وطنه، ومصادرته في ماله وعقاره، وارم بأشعة النظر إلى الأمتين العظيمتين زعيمتي التمدن وناشرتي لواء الحرية والعدالة والمساواة ... إنكلترا وفرنسا، لم تكتف الواحدة منهما بتأليف الجمعيات لتنصير المسلمين وغيرهم، ولا بغرس التعصب الذميم في نفوس تلامذة المدارس التي ينشئونها في البلاد الشرقية، وعلى الأخص بلاد الدولة العلية، ولا إلقاء الدسائس والفتن بين النصارى والمسلمين في البلاد التي قوي نفوذهم وتداخلهم فيها، لكثرة النصارى الآخذين عنهم والمخالطين لهم، ولا بالتحامل على الدولة العلية والاجتهاد في سلخ بلادها التي يكثر فيها المسيحيون، وإعطاء تلك البلاد الاستقلال عن الدولة أو إلحاقها بحكومة مسيحية، بل لا يزال روح التعصب الذميم محركًا لألسنتهم، ومالكًا أزمة عامتهم وخاصتهم، وناهيك بعظيم إنكلترا وفقيدها المستر غلادستون وخطبه ضد الإسلام، وكلمته الأولى في وجوب إعدام القرآن، وكلمته الآخرة في وجوب تطهير أوروبا من المسلمين، فأخذه الله نكال الآخرة والأولى، إن في ذلك لعبرة لمن يخشى. ودونك كلمة أخرى من عظماء الإنكليز عُبر بها عن قاعدة من قواعد السياسة التي يجب على أوروبا العمل بها، وهي كلمة اللورد سالسبري في وجوب إعادة ما أخذه الهلال من الصليب للصليب دون العكس، كبرت كلمة هو قائلها، وعليه وزرها ووزر من عمل بها، ولا تنس معاملة البريطانيين لمسلمي ليفربول، ورجمهم بالأحجار في مصلاهم، بله معاملتهم للهنود وغيرهم من البعداء عن أرض التمدن والحرية، بل لا تنس تعصبهم على كاثوليك أرلنده وعدم مساواتهم بالبورتستان!! واذكر ما نقله (المقطم) من عهد غير بعيد عن الفرنساويين واستنكافهم من السفر مع المسلمين في حوامل (عربات) السكك الحديدية في تونس والجزائر، ولديك الآن في فرنسا مسألة دريفوس التي أقامت الأمة الفرنسوية وأقعدتها، فتألب حكامها ومحكوموها على اليهود جميعهم بجريرة أسندت إلى بعضهم كذبًا وبهتانًا وتعصبًا ذميمًا، ومن وقف على دخائل هذه المسألة ودقائقها يتعجب من غلواء الفرنساويين وطيشهم وتعصبهم الأعمى، ويحكم بأن التهذيب لا يمكن أن يلابس النفوس إلا بالدين السماوي من غير غلو فيه ولا تفريط ولا إفراط، وهو ما فقده الأوروبيون في الجملة والفرنسويون في الجملة والتفصيل. قال قائل: إن ظل الديانة قد تقلص عن فرنسا وعن عامة أوروبا، وإن الحكومة الفرنسوية صرحت رسميًّا بأنه لا دين لها، فكيف تغلو في التعصب للدين وهي ليست على دين؟ ونحن نقول: صدق القائل فيما حكاه عن فرنسا وسائر أوروبا، ويؤيد قوله هذا ما نقل عن كثير من العارفين بأحوال أوروبا: كالخطيب لوازون الفرنسوي في خطبته في الأوبرا الخديوية بمصر وغيره، وجاء في مجلة المقتطف الغراء عن الدكتور يعقوب أفندي صروف أحد منشئيها أنه دخل إحدى كنائس باريس متفرجًا، فرأى فيها جماعة -ولم يكن يوم أحد- فقال: ما أراكم إلا متدينين يا أهل باريس، فقال له الدليل وهو فرنسوي: لا تغرنك الظواهر، لكن التعصب على المخالف في الدين لا يستلزم تمسك المتعصب بالدين حقيقة، وإنما يكفي فيه الانتماء له ولو اسمًا، فكيف إذا انضم إلى ذلك جعله عاملاً من عوامل السياسة، وأداة من أقطع أدواتها، وتأيد بالوراثة الطبيعية عن الآباء والأجداد، والغرائز والسجايا المورثة لا تنزع وتمحى آثارها بمجرد اعتقاد بطلان مناشئها وقبح مصادرها ومواردها. قال القائل: إن تحامل الدول الأوروبية على الدولة ناجم عن محض المطامع السياسية، أو خدمة الإنسانية بإزالة الظلم وإصلاح البلاد، وليس للتحمس الديني فيه يد، ولولا أن جميع حركات أوروبا وسكناتها صادرة عن منازع السياسة دون منازع الديانة لما حارب بعضهن بعضًا، ولما وازرن الدولة العلية في حرب القرم، بل وفي الحرب اليونانية الأخيرة؟ والجواب عن هذا في غاية الظهور: أما كون المطامع السياسية هي المالكة لإرادة دول أوروبا والمصرّفة لها، فهو مما لا ريب فيه، إلا أن هذه المطامع لما أوجبت معاملة الدولة العلية معاملة لا تنطبق على معاملة بعضهن لبعض، وكان من المشاهد أنهن يكلن لها في السلم والحرب بغير المكيال الذي يكلن فيه لأنفسهن في السلم والحرب، حتى إنهن يسلبن من بلادها في الحالتين على السواء - علمنا أن المطامع السياسية الأوروبية مشوبة بالتعصب الديني الذميم تلقاء الدولة العلية، بل أقول: إن للنزغات الدينية أثرًا عظيمًا في السياسة الأوروبية العامة، تشهد لذلك علاقات الشعوب البلقانية مع روسيا، وعلاقة أيرلندا مع فرنسا، ومن أقوى شواهده ما كان للحرب الأميركية الأسبانية من الأثر المختلف عند أُمَّتَيْ: الحرية إنكلترا وفرنسا، فقد كان ضلع الأولى مع الأولى، والثانية مع الثاينة، ولا ينكر أن لاتفاق المذهب واختلافه يداً في ذلك، وإن كابر المكابرون وموه المموهون. نعم، إن الجنسية والوطنية في تنازع دائم مع الدين عند الأمم الغربية، حتى إن الكاثوليكي الأميركي قد يحارب أخاه الأسباني، إلا أنهم لم يصلوا في ذلك إلى محو سلطة الدين والمذهب على النفوس بسلطة الوطنية والجنسية. وأما دعوى خدمة الإنسانية والسعي في إزالة الظلم وإصلاح البلاد، فهي خداع وتغرير للعقول، أليس في بلاد بعضهن وفي مستعمرات جميعهن من الظلم ما يجب إزالته أو لا؟ لمَ لم تتعرض الدول الأوروبية لإغائة أهالي كوبا، كما تعرضن لإغاثة أهالي كريت، مع أن ظلم أسبانيا لكوبا مما لا ريب فيه، وهو الذي حملها على العصيان، بخلاف كريت، فإن عصيانها كان بدسائس أوروبا التي صادفت من أهل كريت نفوسًا خبيثة، مجبولة على الفتن والشغب، كما وصفهم مقدسهم بولس في إحدي رسائله! وأما انتصار بعضهن للدولة العلية في حرب القرم ومحاربة بعضهن بعضًا، فلا ينهض حجة على نفي التعصب ولا إثباته، بل بعض ذلك من مطامع السياسة المحضة، وبعضه من المطامع المشوبة بالنزغات الدينية، يعرف ذلك المؤرخون المدققون. أما المسلمون فقد كانوا في شبيبة دينهم وعنفوان قوتهم يحترمون مخالفيهم في الدين، ويساوون بينهم وبين أنفسهم في الحقوق (لهم ما لنا وعليهم ما علينا) وهذا في حق الذمي والأجنبي المعاهد دون الحربي، وقد ذكرنا في العدد الثاني والعشرين محاكمة الإمام علي - وما أدراك من هو - مع يهودي عند أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ومعاتبة علي لعمر بعد المحاكمة على عدم المساواة بينه وبين خصمه، حيث كناه وسمى خصمه (وسنذكر ما فرضت الشريعة الإسلامية من الحقوق للذمي والأجنبي المعاهد في فرصة أخرى) فهل وصل الأوربيون في نهاية مدنيتهم إلى شيء مما كان عليه المسلمون في بدايتهم وبداوتهم من المساواة؟ كلا إنهم لا يحتلون بلاداً ولا يطأون أرضًا إلا ويجعلون أنفسهم فوق كل شريعة وقانون، وهو ما يسمونه بالامتياز، سواء كان حلولهم في الأرض حلول فتح واستعمار أو حلول ارتياد واتجار! لم يقف المسلمون عند هذا الحد من المساواة والعدل، بل تخطوه إلى حد أبعد منه، وهو معاملتهم للمخالف معاملة الأكفاء فيما يتعلق بالشرف والفضل (التشريفات) وتقليدهم المناصب العالية إن كانوا أهلاً لها، حتى كان منهم من تولى قيادة الجيش في أسبانيا، وكثير منهم ارتقى إلى رئاسة الدواوين القلمية وغيرها وحفظ أسرار الخلفاء والملوك (سكرتير) ولم يكن ذلك خوفًا من مراقبة دولة أخرى تنتصر لهم، ولا استمالة لهم ولقومهم للإسلام. كيف وقد كان من عمال الأمويين من يكره دخول المخالفين في الإسلام لئلا تنقص مبالغ الجزية. لو شئنا سرد الشواهد على حسن معاملة المسلمين لمن خالفهم في الدين أيام تمسكهم بالدين وعملهم بآدابه واهتدائهم بهديه لاحتجنا إلى تأليف رسالة أو كتاب، لكننا نزيد على ما أشرنا إليه شاهدًا واحدًا مما كان أيام الدولة العباسية، ونشير إلى بعض الشواهد في عهد الدولة العثمانية، فنقول ... (ستأتي البقية) ((يتبع بمقال تالٍ))