قرأنا في الطبقات الكبرى للتاج السبكي هذه الأبيات الحكيمة، قال: أنشدها الإمام الشيخ أبو إسحاق الشيرازي الشافعي الشهير، ولم يسم قائلاً وهي: صبرت على بعض الأذى خوف كله ... وألزمت نفسي صبرها فاستقرت وجرعتها المكروه حتى تدربت ... ولو حملته جملة لاشمأزت فيا رُب عز جر للنفس ذلة ... ويا رب نفس بالتذلل عزت وما العز إلا خيفة الله وحده ... ومن خاف منه خافه ما أقلت سأصدق نفسي إن في الصدق حاجتي ... وأرضى بدنياي وإن هي قلت وأهجر أبواب الملوك فإنني ... أرى الحرص جلابًا لكل مذلة إذا ما مددت الكف ألتمس الغنى ... إلى غير من قال اسألوني فشُلَّت إذا طرقتني الحادثات بنكبة ... تذكرت ما عوفيتُ منه فقَلَّت تبارك رزاق البرية كلها ... على ما رآه لا على ما استحقت فكم عاقل لا يستنيب وجاهل ... ترقت به أحواله وتعلت وكم من جليل لا يرام حجابه ... بدار غرور أدبرت وتولت يشوب القذى بالصفو والصفو بالقذى ... ولو أحسنت في كل حال لملت (مؤاخذة) : قال الإمام السبكي بعد إيراد هذه الأبيات: قلت: قوله: (تبارك رزاق البرية) البيتين أصدق من قول أبي العلاء المعري: كم عاقل عاقل أعيت مذاهبه ... وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا هذا الذي ترك الأحلام حائرة ... وصير العالم النحرير زنديقًا فقبحه الله ما أجرأه على الله، وقد أحسن من قال نقضًا عليه: كم عاقل عاقل أعيت مذاهبه ... وجاهل جاهل شبعان ريانا هذا الذي زاد أهل الكفر - لا سلموا - ... كفرًا وزاد أُولِي الإيمان إيمانا