جاء في جريدة العهد الجديد البيروتية الغرَّاء تحت هذا العنوان ما نصه: تمهيد: بعد انقلاب الحجاز الخطير الذي أدى إلى سقوط الدولة الهاشمية، وتبوأ صاحب الجلالة الملك ابن سعود عرش الحجاز - كانت حكومة إيران قد قطعت علاقاتها مع ابن سعود تحت تأثير الدعايات المؤلفة التي قام بها فريق من الرجعيين ساءهم ما يشاهدونه في الحجاز من إصلاح وتقدم، فعملوا على تنفير القلوب، وإيغار الصدور بين العرب والفرس. علم أن صاحب الجلالة ملك إيران رضا خان بهلوي أدرك أخيرًا سوء نية المفسدين، وأن ما أشاعوه فأقلقوا باله به لا يستند إلى ركن صحيح، فحسن ظنه بحكومة الحجاز، وسمح لرعاياه بحج بيت الله الحرام في هذا العام، كما أنه أرسل إلى مكة المكرمة ممثلاً سياسيًّا لدولته هو الميرزا حبيب الله خان عين الملك معتمده السابق في بيروت. وكان بين حجاج هذا العام حضرة الميرزا إقبال شاه أزاد خان نائب مقاطعة شيروان في المجلس النيابي الإيراني، وقد وصل أمس إلى الثغر قادمًا من مكة، ونزل في الفندق العربي، فأوفدنا أحد محرري (العهد) لمقابلته واستطلاع ما أحدثته في نفسه زيارة الحجاز، فوافانا بما يلي: كانت الساعة الرابعة بعد ظهر أمس الأول حينما قابلت حضرة النائب إقبال خان، هو في أواسط العقد الرابع من عمره، طويل القامة، معتدل الجسم، أسمر الوجه حليقه، يتكلم التركية والإفرنسية ما عدا لغته فحييته باسم العهد، وسألته أن يتفضل ببيان ما أحدثته في نفسه زيارته للأراضي الإسلامية المقدسة، فقال سعادته: انتدبني مجلس الأمة الإيراني بصفة خاصة لدرس حالة الحجاز، وما قيل عن تلاعب الحكومة بالأماكن المقدسة، فقمت بمهمتي هذه دون أن أشعر الحكومة، وقد دلني البحث الدقيق الذي قمت به بنفسي أن الحكومة السعودية وجلالة الملك شديدا التمسك بالدين الإسلامي ونصوصه لا يدخران وسعًا في سبيل المحافظة على المخلفات الإسلامية [١] ، وأن ما رأيته في الحجاز من وسائل الإصلاح ومن العناية التامة براحة الحجاج والمحافظة على صحتهم وسلامتهم لم أر مثله في البلاد التي سبقنها مراحل في ميدان المدنية. وقد كان بعض المصادر المعادي لابن سعود يحاول إيهام الناس بأن الأمن مختل في الحجاز صرفًا لهم عن الحج، وإذا الأمر خلاف ذلك تمامًا. وإليك حادثة جرت لي تثبت مبلغ استتباب الأمن في الربوع العربية الحجازية، فقد أضعت محفظة بين مكة وعرفة، وبالرغم من أنها تحوي مبلغًا كبيرًا من المال فإن أحد الحجازيين وجدها، وأرسلها إلى الحكومة، وهذه أعادتها إلي دون أن تنقص منها بارة واحدة، وهذا ما لا يمكن أن تشهد مثله في أعظم البلاد رقيًّا. تقرير مندوب النواب الإيراني: - هل أتمكن من معرفة التقرير الذي ستقدمه إلى البرلمان الإيراني؟ - تقريري لا يخرج عن حد إفهام زملائي حقيقة الوهابية، وبيان فساد الشوائع التي كانت مثارًا لشعور الإيرانيين، ويمكنني أن أؤكد لكم بأنني سأكتبه بأمانة وصدق وتجرد. - أليس لكم ما تنتقدونه على الحكومة الحاضرة؟ - بالعكس، إني محبذ كل الإجراءات التي قامت بها حكومة صاحب الجلالة الملك ابن سعود. - وهل يتضمن تقريركم بحث حالة الحجاز من الوجهة السياسية؟ - كلا، وإنما سأقتصر فيه على الوجهة الاقتصادية، فقد تبين لي أن الحكومة الحاضرة تريد أن تقوم ببعض المشاريع الاقتصادية والعمرانية والزراعية، ولكن ينقصها بعض المال للقيام بها، وهي لا تريد أن تستمد حاجتها من رؤوس الأموال الأجنبية؛ لأنها تعتقد أن ذلك يؤدي حتمًا إلى توطيد النفوذ الأجنبي؛ ولهذا فهي تنوي أن تضع يدها بيد أصحاب رؤوس الأموال الإسلامية بشرط أن لا تكون هناك أية صبغة أجنبية فيها، وترى أيضًا أن المساعدة الوحيدة التي يمكن أن تحصل عليها هي من إيران وتركيا [٢] . ونحن كنا في حاجة إلى رؤوس الأموال لإصلاح اقتصادياتنا وزراعاتنا في إيران، إلا أن بيننا أغنياء عديدين يستصعبون القيام ببعض هذه الأعمال، وأنا سأعمل على تشجيعهم للإقدام على هذا العمل الذي يفيدنا ويفيد الحجاز معًا، وأما المساعدات الفنية فأعترف أننا لا نستطيع تقديمها، فعلى الحكومة الحجازية أن تستمدها من تركيا [٣] . مهمة مندوب الشاه في الحجاز: - وهل تعتقدون أن المفاوضات ستدور بهذا الصدد؟ - لا أعرف ذلك في الوقت الحاضر، ولا سيما وأن علاقتنا السياسية لم تُوطد مع ابن السعود، ومن الواجب وضع الأسس العمومية أولاً للاتفاق السياسي [٤] ثم يباشر وضع اتفاقات اقتصادية وتجارية وخلاف ذلك. - وماذا عمل حبيب الله خان حتى الآن في مكة؟ - لقد قابل جلالة ابن سعود وسلَّمه كتاب صاحب الجلالة الشاه الذي يعترف فيه بملكيته على نجد والحجاز، وقد تقبل جلالة الملك كتاب جلالة الشاه وسفيره، وأبرق إليه معربًا عن استعداده للقيام بكل ما يقدر عليه في سبيل توطيد العلاقات الودية بين أمته والأمة الإيرانية، كما شكر له دعوته لسمو نجله الأمير فيصل لزيارة إيران قائلاً بأن نجله سيغتنم أقرب فرصة لزيارتها، وأنا أعتقد أن سمو الأمير سيزور بلادنا في هذا الصيف. الأمير أرسلان: - هل قابلتم جلالة الملك ابن السعود؟ - نعم، اجتمعت بجلالته لأول مرة في المأدبة التي أقامها للأمير شكيب أرسلان، وقد سبق لي التعرف على هذا الأمير في أوربا حيث كان يدافع عن القضية السورية، ثم اجتمعت بجلالة الملك مرارًا على انفراد فلاقيت منه كل إكرام، وقد طلب إلي أن ابلغ الأمة الإيرانية تحيته بواسطة مجلسها النيابي، وسأقوم مسرورًا بهذه المهمة عند عودتي إلى بلادي. الرابطة بين الحجاج: - كيف وجدتم الرابطة الإسلامية في الحجاز؟ - أقول: إن الرابطة الإسلامية مفقودة بين الحجاج الذين يؤمون البلاد المقدسة، وسبب ذلك فقدان التجانس بين طبقات المسلمين، فمثلاً ترى الهنود في مقر منعزل لا يختلطون بغيرهم؛ لأنهم يجهلون لغتهم، وكذلك الإيرانيون والعرب والروس والترك وغيرهم من الأقوام الإسلامية، وأرى أن يتحقق ذلك بأن يلقى محاضرات بكافة اللغات، وأن يصدر بهذه اللغات نشرات في موسم الحج، وبذلك يكون تقرب نوعًا ما بين الجميع، وقد عرضت هذه الفكرة على جلالة الملك وكبار حجاج المسلمين فلاقت كما أعتقد استحسانًا، وأرجو أن تنفذ في العام القادم. والرابطة الإسلامية إذا توحدت يمكنها أن تؤدي نتائج حسنة تهم الجميع. رأي في الخلافة: - ما رأيكم في الخلافة؟ - أقول لكم بصراحة تامة: إن الخلافة بدعة!! وقد جرَّب المسلمون الخلافة فماذا استفادوا منها؟ اللهم إلا أنها آلة يديرها الأجانب في الاتجاه الذي يريدونه، وكفى المسلمين ما لاقوه، فعليهم الآن أن يلتفتوا إلى اللباب لا إلى القشور [٥] . انتهى الحديث.