بَيَّنَّا في مقالاتنا السابقة في (الشعر والشعراء) : أن الشعر ينبغي أن يكون في كل عصر مناسبًا لحالته، وأنه ينبغي للمشتغلين بهذه الصناعة أن يَنْظُموا في المواضع الشريفة، ويصوغوا المعاني الجديدة التي تعطيها الاختراعات الصناعية والاكتشافات العلمية. وذكرنا أن أول مَن نبهنا على فك الشعر من وَثاقه فضيلة أستاذنا العلامة الشيخ حسين أفندي الجسر، صاحب الرسالة الحميدية، ولقد كان تنبيه هذا الأستاذ لهذا الأمر بالقول والفعل، ومما نظمه من الشعر الذي نسميه (بالعصري) - قصيدة يحث فيها على إعانة العساكر السلطانية، اقتداءً بمن انتدبوا لذلك من ولاية سلانيك سنة ١٣٠٤، ويمدح بها الحضرة السلطانية أيدها الله تعالى، وقد نشرت وقتئذ في جريدة الاعتدال التي كانت تصدر في الآستانة العلية، وقد أحببنا أن نزين جريدتنا بها لما فيها من التنبيه، ومدح مولانا أمير المؤمنين وهي: أحبَّتنا الترك الأكارم والعربا ... أنادي الموافي الشرق منكم أو الغربا أصيخوا لقولي يا صباحا فإنني ... أنا المنذر العُرْيان ينذركم خطْبا بذلت لكم نصحي وإني وحقكم ... محب وأولى بالقبول امرؤ حبا أهيم بسعدى والأماني سعودكم ... أمانيّ من سعدى أذوق بها العذبا وأذكر نجدًا والفؤاد بذكره ... لنجدتكم يطوي مدى عمره وثبا ويا طالما أسهرت جفني في الدجى ... أراقب في أعلى مفارقه الشهبا وما بي وَجْد غير أني مفكر ... بكل الذي عن نهجكم يطرد الصعبا إذا نظرت عيناي مجدًا لغيركم ... تفيضان دمعًا يخجل الدم والسحبا أئنُّ وأبدي من زفيري لواعجًا ... أشيب بها لما أرى غيركم شبّا إذا شمت برقًا في سماء سعادة ... أقول عساه عنكم يخرق الحجبا ولي مقلة بصارة إنما يدي ... بها قصر عما شغلت به القلبا فجِدُّوا لإدراك المعالي فإنها ... لغاية آباء لكم مجدهم أربى بِعلم وَجُود شامخ وبسالة ... وملك عزيز باذخ حيَّر اللبا أَمَا منكم تلك البحار التي غدت ... معارفها ما بيننا اللؤلؤ الرطبا أناروا بأنوار العوارف والهدى ... مناهج حق واستحثوا بها الركبا فأوفوا على بحبوحة الدين تزدهي ... بشمس يقين نورها مزق السحبا وأوموا إلى الدنيا فذلّت وأصبحت ... إلى ربعهم أفلاذ غبرائها تجبى أما منكم تلك الأسود التي سعت ... إلى الموت لا توليه ظهرًا ولا جنبا يعدون لقيا الحرب أوفر حظهم ... كأن لديها ودهم يصحب القربى وحازو فَخارًا دون هامة السهى ... وملكًا عزيزًا شامخًا باذخًا رحبا وأبقوا لنا هذا التراث فهل نرى ... من الحزم أن نلقيَه بين الورى نهبا خليق بتُرب خالطته دماؤهم ... دعانا له مسك الترائب لا تربا أما منكم تلك الكرام الأولى رموا ... بأموالهم عن مجد أوطانهم ذبّا سخوا بكنوز للمحامي عن الحمى ... وهم كنزوا في بذلها الشرف الصلبا فقوم رأوا بذل النفوس سعادة ... فطاب لديهم شرب كأس الردى عبّا وقوم رأوا بذل العقائل منه ... عليهم ففاض الجود من راحهم سكبا وكلٌّ شَرَى من ربه جنة الرضى ... وقد ربحت تلك التجارة في العقبى أما منكم تلك الملوك التي غدت ... سياستها للملك تستغرق الكتبا قد استخدموا للعلم كل يراعة ... وسلّوا لحفظ الملة الصارم العضبا وساقوا لإرغام العدا كل فيلق ... يهدّ الرواسي الشامخات إذا دبا وكم قلبوا من دولة مشمخرّة ... وكم دوخوا في كل ناحية شعبا وكم فتحوا من بلدة ذات منعة ... صياصيّها دكت بوطأتهم رعبا وكم عمروا بالعدل دارًا وصيروا ... قفار البراري يزدهي وعرها خصبا لنا اليوم منهم في المَلا خَيْرُ شاهدٍ ... أطاع له المولى الأعاجم والعربا خليفتنا (عبد الحميد) الذي له ... سوابق خير لا نطيق لها حسبا رأى أن هذا العلم نور وأنه ... لكل نجاح في الملا أصبح القطبا فسهل في إدراكه كل منهج ... وأركبنا عند السُّرَى نحوه نجبا أتى الملك والأخطار محدقة به ... فأنهض في أعبائه كاهلاً صلبا وأفرج عنه كلّ غماء عندها ... يطيل غراب البين في دارنا النعبا وقام بأمر الدين يحمي ذماره ... ويولي صدوع الملك من رأيه رأيا وسار على متن العزيمة يقتفي ... لتشييد سلطان له المنهج الرحبا فباشر وصل المدن في دار ملكه ... بطرق حديد تجمع الشرق والغربا مناهج قد أصبحن أسّ تجارة ... كما قد غدت في حرب أعدائنا قطبا إذا ما خلت منهن مملكة غدت ... تخاف الأعادي وهي لا تأمن الجدبا إذا ما بساط الريح راقك ذكره ... فهذا بساط النار تقضي به الأربا وقد شاد في غمر البحار شوامخًا ... تمر مرور السحب في سيرها خبا دوراع قامت للخطوب روادعًا ... روائع أعداء متى سحبت سحبا إذا انشق صدر البحر منها تشققت ... قلوب العدا من هول منظرها رعبا إذا قذفت نيرانها خِلْتَ أنها ... براكين هاجت واللهيب بها شبّا وجهز للفرض الذي عز ديننا ... به كل جيش يعشق الطعن والضربا ترى في ثنيات الثغور عساكرًا ... تضيء ثغورًا كلما تشهد الحربا أسود شرى قد أشبلت فهي في الوغى ... تجيد بأرواح العدا السلب والنهبا مخالبها تلك الحراب وزأرها ... صراخ بواريد تصبّ البَلا صبا وتقذف إذ يحمى الوطيس على العدا ... صواعق كرّوب بها تفرج الكربا أقامهم سلطاننا عز نصره ... لحفظ حمى الأوطان سربًا يلي سربا وهم بذلوا الأرواح صونًا لدارنا ... أليس علينا أن نهيم بهم حبا ونبذل في راحاتهم كل ممكن ... لدينا من الإسعاف كي نأمن العتبا أيجمل فينا المكث ما بين أهلنا ... نلذ بمأكول ونستعذب الشربا وتلك الأسود الحاميات ديارنا ... نآة عن الأهلين قد فارقوا الصحبا ونحن بأكنان على الفرش رُقَّد ... وهم تَخِذوا بين الثلوج لهم سربا وناهيك برد الروم لا درّ درّه ... إذا اشتد يومًا فتت الحجر الصلبا ألا فاقتدوا يا قومنا بأكارم ... سَعَوْا بالهدايا نحوهم تملأ الرحبا فنالوا ثواب الله جل جلاله ... وشكر مليك لم يزل سيله سكبا فما ضاع عند الله مثقال ذرة ... وللعُرف عَرف كم يضوع بنا حقبا أدام إله العرش سلطاننا لنا ... غياثًا ونصر الله دام له حزبا