(س ٧٦) من صاحب الإمضاء في (بتاوي - جاوه) تأخر سهوًا. فضيلة العلامة الحجة السيد محمد رشيد رضا صاحب مجلة المنار الغراء، أدام الله للإسلام نفعه ومتع به، آمين. بعد إهداء ما يليق بفضيلتكم من مراسم التحية والاحترام وفائق السلام، ترون القصد من هذا المرقوم سؤالاً كنت أود أن أورده على قواعد الأسئلة بإيجاز، ولكن استحسنت أن أصحبه بقليل من الشرح لا لأهميته فحسب بل لإفادتكم أيضًا لكي توردوا السؤال على الوجه الذي يتناسب مع الجواب. كنت قد وجهت هذا السؤال لحضرة العلامة الداعي إلى الله بقوله وفعله السيد علي بن عبد الرحمن الحبشي العلوي الحضرمي القاطن الآن بمدينة بتاوي فصادف حضوري عند وقت رقمه مسطورًا لفضيلتكم. فأشار عليَّ أن أرقم له السؤال في مكتوب ليضمنه المسطور الذي سيرسله للمنار، وأن أنتظر الجواب ريثما يراه على صفحات مجلتكم فيطلعني عليه. وذلك لا لعدم المعرفة منه، لا، حاشا وكلا. ولكن لعدم حبه للتظاهر بالانحياز لحزب من الأحزاب الأندونساوية بجاوه. وقال: إننا عرب مهاجرون يلزم أن نبقى على الحياد تجاه كل حركة أندونسياوية، ولا بد في جوابنا ما لا يُرضي أحد الفريقين. ومن ثم أشار علي برقم السؤال هكذا: وهو أن في الجزائر الأندونساوية قامت ضجة بين عظيمين من الأحزاب الأندونساوية وهما الحزب الوطني والحزب الإسلامي، انتقد هذا الأخير على الأول وقوفهم لدى اجتماعاتهم احترامًا للعلم الذي وضعوه شعارهم القومي، ولوقوفهم أيضًا عند سماعهم للحن النشيد الموضوع لوطنيتهم مع نوع من الانحناء كما هي العادة المتبعة في الشرق والغرب، وكذا عندكم في مصر وغيرها من البلدان الإسلامية يقومون بواجب الاحترام والتعظيم لعلمهم ونشيدهم عند رؤيته وسماعه مع نوع انحناء. فهل عملهم هذا ينافي الدين ويناقض ما أتى به محمد صلى الله عليه وسلم أو هو من قبيل العادة فقط؟ . وكيف حكمه في ديننا الحنيف؟ (مع العلم بأن للإسلام في أدواره أعلامًا) ونريد البيان أيضًا كيف كان احترام الصحابة للعلم المحمدي إذا كان هناك احترام منهم؟ وقد قال الحزب المنتقِد: إنه يمس بأصول الدين الإسلامي وإن الوقوف لقطعة من القِمَاش ضرب من الجنون، فما أحوج البيمارستانات إلى معالجتهم! وإنه مروق من الدين بحجة أنهم ينحنون لغير الله، وبرهان واضح على عدم معرفتهم بالدين وما يدعوهم إليه، وإنه خدش لجبهة الشريعة الغراء، إلى غير ذلك مما جعل حتى غير المسلمين يدلون بدلائهم في المسألة. وقد خبط الحزب المنتقَد عليه في الدفاع وإفهام المنتقدين خبطًا مما جعل من واجب كاتب هذه السطور أن ينبه العلماء ليبينوا المسألة بيانًا يحسن السكوت عليه. فنرجو من غيرتكم على هذا الدين أن تفسحوا في مجلتكم للجواب على صفحاتها بما يشفي العليل، ويبرد الغليل ونرجو أن لا نحال على عدد سابق لصعوبة التفتيش عليه. وإننا للجواب على صفحات المنار - بفارغ الصبر - منتظرون، وفي الختام تفضلوا بالتنازل لقبول أسمى سلامنا وفائق احتراماتنا. ... ... ... ... ... السيد علي بن عبد الله السقاف العلوي ... ... ... مدرس بمدرسة عنوان الفلاح بتاوي ويلتفريدن - جاوه (ج) الدين كله اتباع، وأمور الدنيا فوضها الشارع إلى علم أهلها بها , بناءً عليه نقول: لو كان لتعظيم العلم الذي اتخذ شعارًا قوميًّا بالقيام عند نصبه مثلاً صبغة دينية كأعلام أهل الطريق بأن نصب في المسجد، أو كان نصبه مقترنًا بالأذكار وتلاوة القرآن بحيث يعد كالمشروع دينًا أو قال متخذوه: إنه مطلوب شرعًا - لقلنا: إن عملكم هذا بدعة في الدين، وقولكم هذا افتراء على الله، وإن مجموعهما شرع لم يأذن به الله. أما وهم يعدونه من الحاجات لا العبادات، وينظمونه في سلك السياسات لا الشرعيات - فحكمه حكم سائر ما يستحدث الناس من أمور الدنيا في معايشهم وصحتهم وتنقلاتهم وأسفارهم ونظم التربية والتعليم في مدارسهم، والإدارة والسياسة والحرب، الأصل في هذه العادات الإباحة وقد يعرض لها الحظر أو الوجوب أو الندب لضررها أو نفعها فلا يحكم بتحريم شيء من ذلك ولا كراهيته لذاته شرعًا ما دام لم يخالف نصًّا من كتاب الله تعالى ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو يشتمل على ضرر عام أو خاص تحرمهما الشريعة بدليل قطعي فيكون حرامًا، أو غير قطعي فيكون مكروهًا. كذلك إذا اشتمل فعله على منفعة مشروعة وتركه على مضرة ممنوعة فإن الحكم يكون بضد ما تقدم، بأن يكون فعله واجبًا أو مندوبًا، وتركه محرمًا أو مكروهًا، لما ذُكر لا لذاته، فلا شك في أن جميع مستحدثات أسلحة الحرب الحديثة وعتادها ووسائل النقل فيها واجبة في قتال المسلمين لمن يقاتلونهم بها، ومن عجز عن الحج ماشيًا أو راكبًا على جمل أو دابة وقدر عليه بركوب البواخر المستحدثة وسكك الحديد أو الطيارات وجب عليه الحج على هذه النقالات الحديثة. وأما الانحناء لغير الله فإن فعل بقصد القربة والثواب أو عدّه فاعله مطلوبًا شرعًا فإنه يكون عبادة محرمة وقد يكون استحلاله كفرًا كما يفعل الذين يطوفون بقبور الصالحين ويقبلونها ويلتمسون أركانها من باب التدين وطلب النفع أو رفع الضر من المدفونين فيها، وأما الانحناء الذي لا شبهة للتدين فيه فهو من العادات المباحة. وقد يتجه القول بكراهته إذا كان بشكل الركوع في الصلاة للاشتباه به في الصورة وإن خالفه في النية. وأما قول من قال إن تكريم العلم القومي أو الدولي جنون فهو يتضمن الحكم بأن أكثر البشر مجانين، فإذا حكموا عليه بمثل حكمه عليهم فأي الحكمين يكون أرجح في العالم؟ ! فيا أيها المسلمون، لا تَغْلُوا في دينكم، ولا تلبسوا الحق بالباطل، فدينكم يسر لا حرج فيه، ووسط لا إفراط ولا غلو فيه. ومن أخطأ في اجتهاده ثم ظهر له الحق فليرجع إليه، فإن الرجوع إليه فضيلة، والإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة. هذا، وأما الأعلام ورايات الحرب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ودول الإسلام فلم يكونوا يقومون لها عند رفعها، ولكنها كانت محترمة لا يحملها إلا الأخيار، فكان علي المرتضَى كرم الله وجهه كثيرًا ما يحمل راية النبي صلى الله عليه وسلم وقد حمل رايته يوم فتح مكة سعد بن عبادة سيد الأنصار، فلما قال: اليوم يوم الدمدمة، اليوم يوم الملحمة، اليوم تُستحَل الكعبة. وشكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الراية منه وأعطاها لولده لئلا يعد أخذها إهانة له وللأنصار رضي الله عنهم.