للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


وهب بن منبه وكعب الأحبار

حضرة ملجأ الباحثين السيد محمد رشيد رضا المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته (أما بعد) فقد جرحتم الحبر بن وهب بن
منبه وكعب الأحبار في تفسيركم بالمنار قوله تعالى: {فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ
مُّبِينٌ} (الشعراء: ٣٢) بأنهما:
(١) رويا أخبار غرائب بني إسرائيل , ومنها موت خمسة وعشرين ألفًا
من قوم فرعون فزعًا من ثعبان العصى (كذا) .
(٢) وكانا يدسان في الدين بكذب الرواية.
(٣) ومن جمعيتين دبرتا قتل الخليفتين عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان
رضي الله عنهما.
ولكون الحبرين من رجال كتب الحديث الصحيحة التي صار التعويل عليها
في الدين الإسلامي بعد القرآن الكريم , وكان هذا التجريح غير منطبق على ما
عُرف عنهما عند علماء الحديث , وقد صرحتم بأنه بحسب الغالب على ظنكم ,
وكان يترتب عليه الحط من اعتبار الحديث الشريف عند المطلعين عليه من قراء
المجلة ممن لا يعرف عنهما سوى ما قلتم لوجود اسميهما في كتبه (كذا) , مع أن
الأمة محتاجة للتمسك بالسنة؛ لأن سعادتها وإنقاذها مما هي فيه متوقفان على العمل
بها والرجوع إليها كما كان سلفنا الصالح , فيعود إلينا ما كانوا فيه من عز ومجد.
فحُبًّا في دفع ما يشين السنة المحمدية أحببت نشر ما دونه المتقدمون في
توثيق الحبرين , مبتدِئًا بقاعدة من كتاب الجرح والتعديل للعلامة القاسمي حيث نقل
بالصحيفة الخامسة عن المحدث السيوطي عبارة الأصولي صاحب كتاب الاقتراح
أن من (الوجوه التي يعرف بها ثقة الراوي) تخريج أحد الشيخين له في الصحيح ,
وإن تُكُلم في بعض مَن خَرَّج له فلا يلتفت إليه , والحبران خرَّج لهما أحد
الشيخين البخاري في صحيحه (كذا) وكذا باقي أصحاب الكتب الصحيحة مسلم
وأبو داود والنسائي والترمذي كما في خلاصة تهذيب الكمال للخزرجي (كذا) .
وحينئذ لا يلتفت لتضعيف ابن الفلاس لسيدنا وهب خصوصًا وأنه لم يبين
وجه التضعيف , والمتقرر في فن المصطلح أن التجريح لا يُقبل إلا مع البيان ,
وأن جرْح الواحد غير متفق عليه (كذا) .
ومما يدل على ورع سيدنا وهب ما نقله البخاري في أول كتاب الجنائز ونصه:
(وقيل لوهب بن منبه: أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله؟ قال: بلى ولكن ليس
مفتاح إلا له أسنان فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح لك) يريد أن
يلتزم السائل العمل بالأحكام الشرعية ولا يرتكن على مجرد النطق بالشهادتين ,
ومثله قوله: (مثل الداعي بلا عمل مثل الرامي بلا وتر) كما نقله صاحب الفتح
في هذا المكان [١] .
وصُنع البخاري في باب مطل الغنى ظلم من كتاب الاستقراض يدل على
عظم سيدنا وهب أيضًا , حيث قال في سند الحديث هكذا: (عن همام بن منبه
أخي وهب) وما كان همام مجهولاً فنسبه إلى وهب لتعريفه بل هو معروف , وأخذ
عنه أصحاب الكتب الستة الصحيحة , وما كان البخاري لينسب رواية همام وهو
بمنزلة شاهده إلى فاسق أو متهم بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ,
وإنما هي نسبة تشريف أراد بها التأكيد في تزكية راويه.
ومن الحكم المأثورة عن سيدنا وهب قوله: العلم خليل المؤمن والحلم وزيره
والعقل دليله والصبر أمير جنوده والرفق أبوه واللين أخوه: فجعل للمؤمن دولة من
نفسه , نقل ذلك الحافظ الذهبي في ترجمته له في كتاب ميزان الاعتداد في نقد
الرجال.
وكعب الأحبار فضلاً عن أخذ المحدثين عنه لم يطعن عليه أحد منهم ,
والمذاكرة التي دارت بينه وبين أبي هريرة حال رحلته بالشام (في الساعة التي في
يوم الجمعة) من الحجج الدينية الإسلامية التي يشير إليها قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَكُن
لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ} (الشعراء: ١٩٧) كما هو موضح بموطأ
الإمام مالك , ويكفيه توثيقًا أخذ أبي هريرة عنه وابن عباس ومعاوية وجماعة من
التابعين , نص على ذلك صاحب الخلاصة المذكورة عند ترجمته باسم (كعب بن
مانع الحميري أبو إسحاق الحبر وقال بالهامش: وهو المعروف بكعب الأحبار
إلخ) .
أما عن نفي أوجه الجرح الثلاثة السالفة:
(فالأول) غير جارح أصلاً؛ لأن أخبار بني إسرائيل ليست مما تعبدنا الله
بها , ولم نلزم بالتحري في نقلها إلزامنا بنقل الأحاديث الإسلامية لما رواه الإمام
الشافعي في رسالته الأصولية الشهيرة في أواخر (باب تثبيت خبر الحجة) بسنده
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج،
وحدثوا عني ولا تكذبوا علي) ورواه صاحب كتاب رموز الأحاديث في حرف
الحاء بلفظ (حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج فإنكم لا تحدثون عنهم شيئًا إلا وقد
كان فيهم أعجب منه) عن الشافعي وابن منيع وصححه السخاوي فأي وزر على
من بلغه هذا الحديث فحدث بأخبار بني إسرائيل على علاتها كما سمعها , ما دام أنه
لم يرد في ديننا ما يمنع من ذلك , ولم تصادم أصلاً من أصوله وإلا كانت منسوخة
هذا وبمراجعة تفسير ابن جرير عند هذه الآية وجد أن في سند الخبر بموت الخمسة
وعشرين ألفًا من هو مجهول , فيحتمل أن هذا المجهول هو الواضع لهذا الخبر
والأصوب حمله على الحديث السالف , إذ لا ضرر علينا من ذلك دينًا , ولم نُكلَّف
بتمحيص أخبار بني إسرائيل والبحث في أسانيدها وتبعتها عليهم.
(الثاني) لم نعلم أحدًا قبل الآن نسبهما للكذب والدس في الأحاديث الإسلامية
وكل ما نسب إليهما من بعض المتأخرين هو الإكثار من أخبار غرائب بني
إسرائيل , وقد علمت ما فيه ولم يصرح الإمام أحمد بأن سيدنا وهبًا كان يختلف إلى
قومه بعد إسلامهم؛ ليكذب أو يدس , والأقرب حمله على التودد والإرشاد , وقد
ترجم للحبرين ابن جرير الطبري في تاريخه بالجزء الثالث عشر في ضمن الناقلين
للأخبار من التابعين , وهو بصفته مؤرخ يحكي كل ما قيل فلم تصدر منه كلمة تشم
منها هذه الرائحة , بل بعكس ذلك أفاد ما يدل على جلالتهما , وحكى لسيدنا كعب
حادثة تدل على شدة ذكائه وتدينه فانظره.
(الثالث) أن نسبتهما إلى جمعيتين دبرتا قتل الخليفتين غير معقول من
الوجهة التاريخية , فإن الخليفة الثاني قتل سنة ٢٣ هـ , وسيدنا وهب قتل ظلمًا
أيضًا سنة ١١٠هـ أو سنة ١١٤هـ فيكون بينهما تسعون عامًا (كذا) تقريبًا , فلا
يبعد أن يكون لم يولد وقت قتله , وسيدنا كعب كان مقيمًا بالشام بعيدًا عن الفرس ,
وجمعية السبئيين لم تؤلف بعد؛ لأن عبد الله بن سبأ رئيسها لم يظهر إلا في خلافة
سيدنا عثمان , وأكثر المؤرخين على أن قتل الخليفة الثاني فردي (كذا) وأن
الذي قتله هو أبو لؤلؤة غلام سيدنا المغيرة بن شعبة الذي بعثه وهو عامل على
الكوفة ليقوم بالصنائع التي تنفع المسلمين , وكان ضاربًا عليه مائة درهم في الشهر
فتظلم منها إلى الخليفة , فلم يرها كثيرة فحنق عليه وقتله بعد أيام , وحينئذ لم يكن
مرسلاً من جمعية سرية.
والخليفة الثالث قتل سنة ٣٥ هـ , فبينه وبين سيدنا وهب نحو الثمانين عامًا
فإن كان وُجد فالأقرب أنه كان حينئذ في سن الطفولة , وإقامته كانت بصنعاء بعيدًا
عن مراكز الجمعيات التي حكي عنها تدبير قتل الخليفة , أما سيدنا كعب فقد تُوفي
سنة ٣٢هـ أي قبل قتل الخليفة بثلاثة أعوام كما ذكره صاحب الخلاصة المذكورة ,
على أن الحالة تشهد ببُعدهما عن مثل هذه الأحوال لأنه لو نسب إليهما ذلك لشاع
واشتهر , فلم يأخذ عنهما أحد من المحدثين وخصوصًا البخاري الذي كان يمتنع عن
الأخذ عن الراوي لأدنى شبهة قيلت فيه , وأيضًا لحكى عنهما ذلك أحد المترجمين
لهم المذكورين , ومع أن الحافظ الذهبي التزم في كتابه (تذكرة الحفاظ) أن يذكر
فيه المحدثين الموثقين فقط , وقد ذكرهما (كذا) بترجمتين مستفيضتين عن علمهما
وورعهما وكفى بذلك توثيقًا , هذا ما اطلعت عليه الآن مما دوَّنه المتقدمون عن
هذين الحَبرين الجليلين , أرجو نشره بالمجلة مشفوعًا برأيكم واقبلوا فائق الاحترام.
... ... ... ... ... ... ... عبد الرحمن الجمجوني
(جواب المنار)
يظهر أن المنتقد قرأ عبارتنا في التفسير فانتقد ما علق بذهنه منها من غير
مراجعة لعبارتها , ولو رجع إليها في أي وقت لرأى جلّ ما كتبه غير وارد عليها،
وما أطال به من الثناء على وهب في غير محله إذ ليس من موضوع الكلام، وكذا
ما ذكره من نفي اشتراكه في الجمعيات السرية الفارسية وفي قتل الخليفة الثاني،
وما ذكره من براءة كعب الأحبار من مثل ذلك فأنا لم أر مهمًّا بهذا، وإنما قلت فيهما:
إنهما كانا (كثيرا الرواية للغرائب التي لا يعرف لها أصل معقول ولا منقول ,
وأن قومهما كانوا يكيدون للأمة الإسلامية العربية , فقاتِلُ الخليفة الثاني فارسي
مُرسَل من جمعية سرية لقومه، وقتلة الخليفة الثالث كانوا مفتونين بدسائس عبد الله
بن سبأ اليهودي , وإلى جمعية السبئيين وجمعيات الفرس ترجع جميع الفتن
السياسية وأكاذيب الرواية في الصدر الأول) اهـ بحروفه وسنوضحه بعد.
وذكرت قبله (أنني أرجح تضعيف عمرو بن الفلاس لوهب على توثيق
الجمهور له , بل أنا أسوأ ظنًّا فيه على ما روي من كثرة عبادته , ويغلب على
ظني أنه كان له ضلع مع قومه الفرس) إلخ , ولم أقل: إنه اشترك في مقتل عمر
فيرد علي بتاريخه أو بغير ذلك، والذي يعنينا من هذا النقد ما هو المقصود منه
بالذات وهو رواية لرجلين وما زعمه المنتقد من توثيق الشيخين لهما ولا سيما
البخاري , وكون كل من رويا عنه أو روى عنه الأول ثقة لا يقبل فيه جرح , ولا
يصح أن تكون روايته محل بحث، وفي كلام المنتقد أغلاط لغوية وفنية وتاريخية
لا حاجة إلى إضاعة الوقت في بيانها , فأكتفي في الرد على ما ذكرت أنه المقصود
بالذات فأقول:
أما كعب الأحبار فإن البخاري لم يرو عنه في صحيحه شيئًا ولكن ذكره فيه
بما يُعد جرحًا له لا تعديلاً، قال الحافظ ابن حجر في ترجمته من تهذيب التهذيب
وروى البخاري من حديث الزهري عن حميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية
يحدث رهطًا من قريش بالمدينة , وذكر كعب الأحبار فقال: إن كان لمن أصدق
هؤلاء المحدثين عن أهل الكتاب , وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب (تأمل) .
قال الحافظ بعد نقل هذه العبارة عن الأصل: (قلت) هذا جميع ما له في
البخاري , وليست هذه رواية عنه فالعجب من المؤلف كيف يرقم له رقم البخاري
فيوهم أنه أخرج له إلخ: يعني أن ذكر صاحب التهذيب رقم البخاري وهو حرف
(خ) عند اسم كعب غلط , وقد صرح الحافظ الذهبي في الطبقات بأنه ليس له شيء
في صحيح البخاري وغيره، والمنتقد يبدئ ويعيد ذكر رواية البخاري عنه وتوثيقه
له , وأقول: إن قول معاوية: إن كعبًا كان من أصدق المحدثين عن أهل الكتاب ,
وأنهم مع ذلك اختبروا عليه الكذب- طعن صريح في عدالته وفي عدالة جمهور رواة
الإسرائيليات إذ ثبت كذب من يعد من أصدقهم , ومن كان متقنًا للكذب في ذلك
يتعذر أو يتعسر العثور على كذبه في ذلك العصر , إذ لم تكن كتب أهل الكتاب
منتشرة في زمانهم بين المسلمين كزماننا هذا , فإن توراة اليهود بين الأيدي , ونحن
نرى فيما رواه كعب ووهب عنها ما لا وجود له فيها البتة على كثرته، وهي هي
التوراة التي كانت عندهم في عصرهما، فإن ما وقع من التحريف والنقصان منها
قد كان قبل الإسلام، وأما بعده فجل ما وقع من التحريف هو المعنوي بحمل اللفظ
على غير ما وضع له واختلاف الترجمة، ولا يعقل أن تكون هذه القصص الطويلة
التي نراها في التفسير والتاريخ مروية عن التوراة قد حذفت منها بعد موت كعب
ووهب وغيرهما من رواتها، فهي من الأكاذيب التي لم يكن يتيسر للصحابة
والتابعين ولرجال الجرح والتعديل الأولين العثور عليها، وكذا علماء القرون
الوسطى من المحدثين وغيرهم إلا من عُني عناية خاصة بالاطلاع على كتب العهد
العتيق والعهد الجديد عند أهل الكتاب , وعلى التواريخ المفصلة لأخبارهم وقليل ما
هم , وقد كان مثل البخاري من جهاندة المنقول ومثل الفخر الرازي من جهاندة
المعقول يظنان أن جميع تحريف أهل الكتاب معنوي؛ لأن تغيير أهل الملة لكتابها
الديني غير معقول إذ لابد من أن يكون بالتواطؤ وإجماع الأمة، وسبب هذا أن
هؤلاء العلماء لم يكونوا يعلمون أن اليهود لم يكن عندهم من التوراة في الصدر
الأول من تاريخهم إلا النسخة التي وضعها موسى - عليه السلام - في صندوق
العهد (التابوت) وأنها فقدت بعد ذلك ولم يكونوا يحفظونها، وأن ما عندهم الآن
يرجع إلى ما كتبه لهم (عزرا) بعد السى ولذلك تكثر فيه الألفاظ البابلية، وهم
يزعمون أنه أُلهم الصواب فيما كتب إلهامًا.. . مع أن ما فيها من الأغلاط المخالفة
للواقع , ومن ذِكر الحوادث التي وقعت بعد موسى , ومن ذِكر موت موسى وعدم
ظهور أحد بعده مثله ومن.. . ومن.. . ما ينقض دعوى الإلهام المذكورة - إلى
آخر ما فصلناه من قبل في موضعه.
وأما مسلم فقد ذكره في بعض أسانيده , ولكن ليس له رواية صريحة عنه
لحديث انفرد به فيكون جرحه موجبًا لحرماننا من الأخذ به، وقال الحافظ ابن كثير:
إن حديث أبي هريرة (خلق الله التربة يوم السبت) الذي خطّأه المحققون بروايته
له هو , مما أخذه أبو هريرة عن كعب على أنه صرح فيه بسماعه من النبي صلى
الله عليه وسلم وقال في تهذيب التهذيب: وقد وقع ذكر الرواية عنه في مواضع من
مسلم في أواخر كتاب الإيمان: وفي حديث أبي معاوية عن الأعمش عن أبي صالح
عن أبي هريرة رفعه (إذا أدى العبد حق الله وحق مَواليه كان له أجران) قال:
فحدثت به كعبًا فقال كعب: ليس عليه حساب ولا على مؤمن مزهد اهـ.
أقول: إنهم قبلوا هذه الزيادة في الحديث؛ لغرورهم بكعب حتى قال النووي:
وهذا الذي قاله كعب يحتمل أنه أخذه بتوقيف , ويحتمل أنه بالاجتهاد؛ لأن من
رجحت حسناته وأوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابًا يسيرًا وينقلب إلى أهله
مسرورًا اهـ , فانظر إلى هذا التأويل المتناقض لهذه الزيادة المتعلقة بأصول العقيدة
بحيث يطلب فيها القطع , وهي أن العبد المذكور والمُزهد - وهو بضم الميم إسكان
الزاي قليل المال - لا حساب عليهما , فهو يجعل الحساب على كبار الأغنياء لأحرار
وحدهم , وهذا مخالف لعمومات الكتاب والسنة القطعية ومعارَض بنصوص خاصة.
وأما ما ذكر من رواية له في آخر كتاب الإيمان منه فهو أن أبا هريرة قال
لكعب إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: (لكل نبي دعوة يدعوها , فأنا أريد أن
أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة) فقال له كعب: أنت سمعت هذا من
رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. روى هذا عن كعب عمرو بن سفيان
الثقفي , انفرد مسلم بروايته عنه وليس له غيره إلا حديث واحد , ولمسلم عن كعب
مثله في الاستفهام من أبي هريرة عن حديث الأمة التي فُقدت من بني إسرائيل
وكونها هي الفار.
وجملة القول أن جرح كعب لا يقتضي خسران شيء يذكر من العلم الذي
في صحيح مسلم , ويوافق ما عند البخاري من إثبات معاوية لكذبه عنده وعند
غيره؛ ولذلك امتنع البخاري عن الرواية عنه على غرور الجمهور بعبادته، ومع
هذا كله يجعل المنتقد ما زعمه من رواية البخاري عنه الركن الأعظم لتعديله ,
والخوف على ضياع السنة من جرحه فكلامه حجة عليه.
(للرد بقية)
((يتبع بمقال تالٍ))