(٥ - جعل الخزينة العمومية مصدرًا للإنفاق على جميع المرافق المصرية) هذا هو الحاصل بالفعل في جميع مصالح الحكومة، إن جميع المصريين من مسلمين وأقباط تنفق على مرافقهم العامة على السواء من الخزينة المصرية. ولا يجد المطلع على ميزانية الحكومة مصرفًا اختص به عنصر. فعسى أن يكون المقصود بهذا الطلب هو المحاكم الشرعية التي ورد ذكرها في مناقشة الجمعية العمومية للأقباط، ولكن هذه المحاكم مفتوحة الأبواب للمتقاضين من المسلمين ومن الأقباط؛ ولتسجيل العقود وتقسيم المواريث ... إلخ، لا فرق في ذلك بين المسلم والقبطي، فهي بهذه الصفة من المرافق العامة. على أنه لو كانت المحاكم الشرعية خاصة بالمسلمين دون غيرهم، فإنها لا تكلف الخزينة العمومية نفقات أصلاً، بل إذا عجزت إيراداتها عن مصروفاتها سنة زادت إيراداتها عن مصروفاتها سنة أخرى. ومتوسط الفرق بين الإيرادات والمصروفات لمصلحة الخزينة العمومية في الخمس سنين الأخيرة هو مبلغ ٤١٧١ جنيهًا سنويًّا، يصرف هذا المبلغ في المرافق العامة بالضرورة بين المسلمين وبين الأقباط، فلا معنى للشكوى من المحاكم الشرعية أو التعريض بذكرها في المؤتمر القبطي، بوصف أنها يصرف عليها من الخزينة العمومية، وبوصف أنها خاصة بالمسلمين. وإنه ليحسن في هذا المقام أن نذكر مثلاً لما تصرفه الخزينة العمومية على المرافق القبطية خاصة، لا لنحاسب على ذلك، ولكن ليرى الأقباط بالحس؛ أن المناقشة في أمر المحاكم الشرعية لم يكن لها محل في جمعيتهم العمومية التي كثر التصريح فيها؛ بأن مقاصدها محو الفروق الدينية والأخذ بأسباب الإخاء المصري. إن مساجد المسلمين ومعابدهم - أثرية كانت أو غير أثرية - يصرف على عمارتها وترميمها من خزينة ديوان الأوقاف الإسلامية خاصة. وأما كنائس الأقباط ومعابدهم فإن الأثري منها يصرف على عمارته وترميمه من خزائن الحكومة بمقدار الثلثين، ولا تتكلف الأوقاف القبطية إلا مقدار الثلث فقط، وحسب ذلك أن يكون ميزة للأقباط على المسلمين. وفوق ذلك، فإن أوقاف المسلمين تنفق على تعمير تلك الكنائس والأديرة؛ لأن العمال المكلفين بالقيام بهذه الأعمال إنما ينقذون رواتبهم من ديوان الأوقاف الإسلامية. وإننا لنشعر بأن إيراد هذه الأمثلة الجزئية، ليس متفقًا مع ما نحب تقريره من التسامح ومساعدة إقامة الشعائر الدينية أيًّا كانت والاحتفاظ بالآثار، إلا أن الضرورة ملجئة إلى التمثيل هذه الجزئيات؛ دفعًا لما عساه أن يتوهم من أن الخزينة المصرية تحابي المرافق الإسلامية دون غيرها. ولذلك ترى اللجنة أن هذا الطلب لا محل له. (٦ - النتيجة) نقول: إن المصريين والمستوطنين في مصر من الجنسيات المختلفة، وعلى العموم كل من يهتمون بالأحوال المصرية ويرجون التقدم لهذه الأمة، بل كثير من الأقباط الذين تعلموا من التجارب، يرون أن المؤتمر القبطي لم يكن له محل من الوجود، وأن مطالبهم التي أخذت شكل الإنذارات خالية عن الأسباب التي تبررها في أعين الذين يعلقون أهمية في تأليف الأمم الناهضة؛ على تضييق دوائر الفروق بين الأفراد، وتوسيع دائرة المشابهات بينهم، ويعتقدون حقيقة أن الدين لله وأن مصر للمصريين. أيها السادة: هبوا معنا أن مواطنينا أخطأوا في تقدير الحالة الحاضرة، وما يجب أن تضحيه الأفراد والمجاميع، أيًّا كان لونها في سبيل تعضيد الوحدة القوية، فإن الطريقة الوحيدة لتصحيح هذا الخطأ هي إقناعهم به وإقناع الأمة بوجوب التجاوز عنه. إن الأمة يجب أن تبني علاقة أفرادها على التسامح من جهة وعلى التضامن جهة أخرى، ولا يتوفر ذلك إلا إذا عاملت أبناءها جميعًا بما تقتضيه المحبة والرحمة، وما يؤكد التآزر على تحصيل المنافع المشتركة. فلنطرح ظهريًّا كل ما جاء في مؤتمر الأقباط من دواعي التفريق في الوحدة القومية، ولنوسع لإخواننا صدورنا، ونستأصل من نفوس المصريين ذلك الضيق الذي لحقها من جراء ذلك المؤتمر. وإنه من الخطأ أن تتشبث العقول بتلك الفكرة التي أنتجها مؤتمر الأقباط، وهي فكرة محاسبتهم لأخذ ما في أيديهم من المصالح العامة؛ لأن في ذلك مجاراة لهم على التفريق، إنما ينبغي إصلاح ما طرأ من الفساد على الطرق المتبعة في الانتفاع بالمرافق العامة. فإن المسلم والقبطي كلاهما ابن الأمة المصرية، وكلاهما له الحق الكامل في خدمتها والاعتزاز بتلك الخدمة. وإنها لو رجعت إلى نفسها لشعرت بأنها تحن إلى المسلم والقبطي على السواء. ليست مصر قليلة الواجبات الوطنية، ولا هي يعوزها ميدان العمل لخيرها، حتى تشغلها عناصرها بما لا فائدة فيه من التنازع على المراكز أو التخاصم على شيء من الحقوق التافهة. بل على الضد من ذلك، إن لهذه الأمة الناهضة شؤونا اجتماعية واقتصادية، لا تكفي في تحقيقها مجهوداتنا الحالية ولا أضعاف أضعافها. فإن الرقي لا يجيء بالصدفة، ولكنه نتيجة متناسبة مع عمل العاملين. حقيقة كان يكون من الضرر على جامعة الأمة أن تبين ظلامات الأقباط، وتغمض الأكثرية جفونها على تلك الظلامات، مع القدرة على التذرع إلى كشفها أو كشفها بالفعل. يكون من التهاون في حقوق الإنسانية، بل التهاون في حق الوطن، بل التهاون في حق الذات؛ أن تترك الأكثرية أقلية مهما كان وصفها مهضومة في حق من حقوقها؛ لأن مثل هذا التهاون أكبر العوامل على العبث بالتضامن الذي هو أساس الوجود القومي. أما وقد ظهر بالبرهان أن أفراد الأقباط متمتعون من الحقوق بأكثر مما يتمتع به بقية الأفراد الآخرين من المصريين، فالواجب على الأقباط أن يرجعوا عن مزج المعتقدات الدينية بالمصالح القومية، وأن لا يجعلوا من جامعتهم الدينية جامعة سياسية خاصة، والواجب على المسلمين أن يعتبروا المطالب التي تشف عن هذا الغرض كأنها لم تكن. ويسر اللجنة أن تأمل بحق أنه إذا انعقد مثل هذا المؤتمر، يكون الأقباط إلى جانب المسلمين عاملين فيه؛ للبحث فيما يرقي الأمة المصرية جميعها، حتى يحق القول بأن الدين لله ومصر للمصريين. (٢) (حالنا الاجتماعية) حالنا من الجهة الاجتماعية، يصفها جميعنا بأنها أقل الحالات ملائمة لتمدننا الحديث، فليس من الضروري الإطالة في شرحها، وضرب الأمثلة على مقدار الضعف السائد من معظم الوجوه في تأليف جمعيتنا المدنية. كما أنه ليس من الحكمة أن تثقل كواهلنا، ونحملها فوق طاقتها بالاقتراحات والمشروعات الاجتماعية. فإن الخير كل الخير هو في أن نترك الآن ما لا نستطيع إلى ما نستطيع، حتى نتفق في سيرنا مع قواعد التدريج الطبيعي، وقل أن يفشل الذي يقلد الطبيعة في سيرها، ويقيس قواه بمقياس مضبوط قبل استخدامها في العمل، وأنه لا ضرر على رقينا المنشود من هذا النمط؛ لأن المشروع الواحد الذي يتم هو نفسه، يكون أكبر مساعد لإتمام غيره، فحسبنا من المقاصد الاجتماعية الآن أن نهتم بالمدرسة. إننا إذا أصلحنا المدرسة أصلحنا العائلة والأمة كلها، فالمدرسة هي الأساس الذي يجب أن نبني عليه الآن، والمشروع الاجتماعي الذي يجب أن نلفت إليه النظر قبل كل مشروع اجتماعي آخر. إن نسبة القارئين والكاتبين في المصريين عمومًا قليلة أمام مطالبنا الكبيرة من التحول الاجتماعي، بل نسبة تجعل بيننا وبين أن نعيش في زمننا الحاضر بونًا بعيدًا. أيها السادة: نحن نعيش في هذا الزمن تحت سلطان العلم الذي وضع يده على كل شيء في الوجود، وضع يده على الزراعة والصناعة والتجارة وهي مصادر رزقنا، وضع يده على الأخلاق والروابط الاجتماعية وهي قوام جمعيتنا، وضع يده على السياسة وتدبير الممالك وهي مناط سعادتنا وشقائنا، وضع يده على حركات نفوسنا ووضع لكل شيء ضوابط لا مجاوزة لها. فإن لم يحسن التفاهم بيننا وبين هذا السلطان القادر، يستحيل علينا أن نعيش في زمانه، ولا واسطة لهذا التفاهم إلا المدرسة. فليس تعليم الأمة زخرفًا تزدهي به، ولا زينة تباري بها زميلاتها، ولكن تعليم الأمة ركن لحياتها، وشرك لازم لوقايتها من الفناء. قد يجد الأميون الطيبون من المتعلمين ما لا يرضيهم في السلوك والأخلاق الاجتماعية، فينسبون ذلك للعلم وبضعف إيمانهم بضرورة التعليم، إلا أنه لا ذنب للعلم ولا للتعليم، ولكن الذنب على الجهل وطرائق التعليم، فكلما رأيتم اعوجاجًا في المتعلمين، فأصلحوا المدرسة تصلح أبناؤكم وأحوالكم. من ضعف الوطنية ومن الضرر بالنظام؛ أن يفرغ كل جهده في كسب الحقوق، ولا يفكر في أداء الواجبات، كل يريد من الأمة أو من الحكومة أن تعطيه حقه، ولا يريد أن يقوم نحو الجمعية بواجبه، ومن قصر النظر أن يظن المرء بسهولة الحصول على حقه، إذا لم يكن الأفراد المتضامنون معه يؤدون واجباتهم، فإذا استمرت هذه الشهوة الفاسدة شهوة التمتع بالحقوق دون النظر إلى الواجبات، فكل إصلاح اجتماعي مستحيل، وعلى الأخص نشر التعليم وإصلاح المدرسة. نحن نطلب إلى الحكومة أن تعلم، نطلب إليها ذلك؛ لأنها تصدت لأخذ الأموال من الأمة للتعليم؛ ولأنها تسير في التعليم. ولكننا على كل حال نضيع الوقت في الطلب، نظلمها إذا طلبنا منها أن تصلح المدرسة على أنماط التربية التي تخرج الرجال. ذلك لأن الحكومة مهما كان نوعها وهيئة تأليفها، ليست اختصاصية في التربية والتعليم، بل ليست التربية والتعليم في الحقيقة من شأنها؛ لأن التعليم يجب أن يكون حرًّا بعيدًا عن كل المؤثرات؛ ولأن المدرسة يجب أن تكون أمة مصغرة مستقلة، يعلم فيها كل ما هو جار في الخارج أي: في الأمة الكبيرة، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالجهود الذاتية للأفراد والمجاميع الحرة غير الداخلة في نظام الحكومة، لا سبيل إلى ذلك إلا بأن يريد كل مفكر وكل مثر أن يؤدي واجباته العامة تلقاء كسبه لحقوقه، ومن الأسف أن علية المفكرين يقصرون عملهم العام على السياسة، وعلية المثرين لا يقومون إلا قليلاً بواجبات الغني نحو قومه أو نحو المدرسة. تقول اللجنة ذلك، ويسرها أن نعترف أن هذه السنين الخيرة كانت ميدانًا لتناظر المفكرين في التعليم، ومباراة الأغنياء في بر التعليم، فهي بذلك قوية الأمل في أن يزيد إدراك العلماء والأغنياء لواجبهم نحو التعليم. ومتى أضيف إلى ذلك الأمل في مجالس المديريات أمكن القول بأننا نبتدئ في سلوك خطة نحو التربية والتعليم لا تلبث أن تجني الأمة ثمارها. غير أن لنشر التعليم أصولاً مجربة. وأن لإصلاحه والاستفادة منه في تخريج الرجال أنماطًا علمية، ولا يسع هذا المؤتمر أن يبحث في هذه التفاصيل. فتقتصر اللجنة على أن تقترح على المؤتمر أن يطلب أو يشجع طلب عقد مؤتمر للتعليم والتربية في الخريف القادم، يكون الغرض منه درس الحالة التعليمية في مصر ووصف العلاج النافع لها، وإرشاد المجاميع التعليمية كمجالس المديريات وغيرها من الجمعيات الأخرى إلى أقرب الطرق وآكدها في تعليم الأمة، وبماذا تبتدئ في مشروعاتها التعليمية، وكيف يتم إصلاح المدرسة على مقتضيات الزمن الحاضر. (٣) (الحالة الاقتصادية) إذا كانت حالتنا الاجتماعية داعية إلى الإصلاح، فإن حالتنا الاقتصادية إلى الإصلاح أدعى لأنها عدم. نعم أيها السادة بوصف كوننا مجموعًا ليس لنا مع الأسف وجود اقتصادي إيجابي، بل وجودنا سلبي محض؛ لأننا نتأثر بالحركات الاقتصادية في مصر من غير أن يكون لنا فيها أدنى تأثير. نشتغل في تجارة القطن، وما وصفنا الحقيقي فيها إلا أننا عمال في البنوك الأجنبية، تابعون في تصرفنا لا للحركة المالية العامة كما هو شأن كل تجاري يشتغل لنفسه، ولكننا تابعون للذين يشتغلون لأنفسهم من الأجانب، ولذلك إذا سقط منا تاجر أو أفلس - وذلك مع الأسف ليس بالقليل - تأثرت بإفلاسه التجارة المصرية تأثرًا حقيقيًّا؛ خلافًا لما لو كان لنا في الحركة مركز مصري خاص، إذ في هذه الحالة لا يكون لخسارة التجار تأثير مضر بثروة البلاد؛ لأن هذا التاجر يخسر ما يكسبه الآخر، فما أجدر خسارته أو إفلاسه بأن تسمى تحولاً للمال من يد مصرية إلى يد مصرية، والمال على كل حال باق في مصر. نشتغل في الحركة المالية الصرفة أي: في أشغال البنوك، فما نصيبنا من هذا الشغل إلا أننا مقترضون دائمًا لا مقرضون، ومدينون لا دائنون. نقترض من البنوك لتوسيع ثروتنا، ونغلو من الأسف في حب ذلك التوسيع، فنأخذ المال بالفوائد التي لا يسمع بها في العالم المتمدن، ونقسطها على أقساط ندفعها من حاصلات الأرض، وحاصلات الأرض متغيرة بتغير السنين بين الإخصاب والإجداب، فكثيرًا ما يقع أن ما تنتجه الأرض المرهونة للمزارع المدين لا يفي إلا بقسط البنك. فيكون معنى ذلك أن المزارع يشتغل لغيره، وأن المصري يشتغل لتنمية ثروة غير بلاده، فإذا وقفت حركة أعماله واستغرقت ديونه أملاكه - وذلك أيضًا أصبح مع الأسف كثير الوقوع - تأثرت الحالة الاقتصادية المصرية بمقدار أهمية أملاك ذلك المزارع المصري في تكوينها؛ لأن انتقال أمواله من يده، إنما يكون دائمًا ليد غير مصرية، خلافًا لما إذا كان منا الدائن ومنا المدين، ومنا المرتهن ومنا الراهن، فإن الحالة الاقتصادية للأمة لا تتأثر بخسارة أحدهما أو انتقال ماله إلى يد الآخر؛ لأن المال يبقى مصريًّا على كل حال. نشتغل في الصناعة شغلاً بطيئًا قليل الأهمية؛ لأنه ليس لنا رؤوس أموال تشتغل شغلاً مفيدًا في السوق المالية؛ لذلك لا تخطو الصناعة في بلدنا خطوة إلى الأمام، حقيقة أنها لا تشجع ولا تحمى من جانب الحكومة، ولكن ذلك ليس هو وحده السبب الأكبر في عدم تقدمها، بل أكبر الأسباب في ذلك هو قلة وجود رؤوس أموال مصرية في سوق المال تستعمل في المشروعات العامة. نحن في بلدنا تتأثر حالنا المالية بكل أزمة مالية تقع في أي بلد من البلاد. ولا نستطيع أن ندفع عنا أية أزمة خارجية مهما كانت؛ لأن سوقنا ليست لنا، بل ليس لنا فيها أدنى نصيب. نحن في بلدنا تتأثر حالنا الاقتصادية بأية إشاعة من الإشاعات مهما كان مبلغها من الفساد. فإنه يكفي لقبض البنوك يدها عنا والقسوة في مقاضاتنا أن يشيع في الناس خبر أية حركة سياسية، بل يكفي أن يخلق كاتب عنا رواية تدل على التعصب الديني أو التحرش بالأجنبي حتى توصد البنوك أبوابها. فنحن على هذه الحالة لا مأمن لنا من الوجهة المالية، لا من داخل البلاد ولا من خارجها. وقد أخذنا درسًا مفيدًا من الأزمة المالية التي وقعت في سنة ١٩٠٧. إذن أين نحن من المستوى الاقتصادي الذي يتفق مع رغباتنا الأكيدة في التقدم إلى الأمام. مع الأسف أن الذي يجيب على هذا السؤال، يرى نفسه مكرهًا على الاعتراف بأننا لسنا من الحال الاقتصادية على شيء أصلاً. وليست حركتنا الاقتصادية إلا سلبية صرفة. لا يفهم من ذلك أننا ننكر جميل رؤوس الأموال الأوربية التي دخلت مصر، فحسنت كثيرًا من أحوال الأفراد، وصقعت الأملاك العقارية، ولكن الذي يفهم منه أنه يجب أن يكون للمصري وجود اقتصادي عام أي: حركة فاعلة في السوق، وليس له من ذلك شيء، يجب أن يكون لمصر وجود فاعل، ثم يجب أن يكون لأموالها بوصف أنها أمة مزاحمة مالية مع بقية رؤوس الأموال ذات الجنسيات المختلفة التي تتزاحم في السوق المصرية. أيها السادة، لا يغلو الذي يقول: إن كل جهد لتقدمنا ضياع وقت، وكل رقي نرجوه أمنية لا تتحقق، مادامت حالنا الاقتصادية على ما هي عليه. إن مدنيتنا نتيجة مقدمتها الكفاءة الاجتماعية والاقتصادية، فما لم نحصل على المقدمات، يستحيل علينا أن نبلغ النتيجة. إنه يجب علينا أن نأخذ من فورنا بأسباب إصلاح حالنا الاقتصادية. ومن المشكوك في نفعه أن نطرق مشروعات اقتصادية شتى، عساها تكون فوق طاقتنا المالية، فنبقى في النقطة التي ابتدأنا منها. بل النافع هو أن نقصر جهدنا على مشروعات يمكن تحقيقها، وتكون من أهم القواعد التي يبنى عليها صلاحنا الاقتصادي. لنبدأ من هذا اليوم؛ لأننا قد تأخرنا كثيرًا. وكل تأجيل في الابتداء في العمل تأجيل للنتيجة. وليس تأجيل البدء في العمل قاصرًا على أن يفوتنا زمن بغير عمل، ولكن مادامت التجربة دلت على أن الأعمال إنما تسير على قاعدة الربح المركب، فإن تأجيل العمل لابد أن يسير على قاعدة الخسارة المركبة. ولو استطعنا أن نقف في مركزنا الحالي لهان الأمر، ولكن لا سبيل إلى الوقوف: فإما التقدم وهو البدء في العمل من اليوم، وإما التأجيل وهو التقهقر إلى الوراء ونتيجته الخراب. وماذا نعمل من اليوم أيها السادة؟ نشرع في إنشاء بنك مصري؛ أيها السادة، لسنا والحمد لله فقراء في المال، فإن للمصريين في البنوك نقودًا ودائع لا غلة لها، تفي من اليوم بأن تكون رأس مال لبنك مصري محترم. ولسنا والحمد لله فقراء في الرجال الماليين، فإن كثيرًا من رجالنا قد جمعوا بأنفسهم ثروات عظيمة من غير أن يكون عند أحدهم رأس مال إلا عمله أو قليل من الحطام الموروث. ولسنا ضعفاء الثقة بعضنا في بعض، قد أثبتنا في السنين الأخيرة أن لدينا مجاميع تقوم بالأعمال العامة، ومثل هذه المجاميع يستحيل أن يبنى لها أساس إلا على الثقة. إن المال والرجال والثقة هي الأركان الثلاثة اللازمة لمشروع مالي عظيم مثل هذا المشروع. فما الذي يعوقنا عن السير فيه؟ . لا يقال: إن من العقبات الشديدة خوف مزاحمة البنوك الأجنبية؛ لأننا وإن اعترفنا بأن البنك المصري سيزاحمها، ولكنه لا يعطل عمل واحد منها، ولا يؤثر تأثيرًا كبيرًا على مقادير كسبه؛ لأن مصر لا تزال كالبلد البكر في الاستغلال، وأن البنوك الموجودة فيها إلى الآن على كثرتها لا تفي بحاجاتها. فإن الأراضي المصرية القابلة للزارعة لم تزرع كلها بعد. والفدان المزروع لم يأت إلى اليوم بكل ما يستطيع أن يأتيه من الغلة، والأرض غير القابلة للزراعة لم يقنط أحد من احتوائها على معادن مختلفة؛ كالرصاص والبترول ونحوهما. وبالجملة فالبلاد لا تزال بكرًا من حيث الاستغلال وتحتاج في استغلالها إلى أموال طائلة، لا تفي بها الأموال الأجنبية الموجودة في مصر الآن. إنما تكون فائدة البنك المصري أن لا يتأثر بالإشاعات المكذوبة، فلا يقفل بابه عن الناس، فتحذو حذوه البنوك الأخرى؛ لأنه بنك البلد وأعلم بما يجري فيه، فائدته تشجيع المشروعات الاقتصادية المختلفة التي تعود عليه وعلى البلاد بالربح العظيم، فائدته الرحمة بالفلاحين عند الحاجة يعطيهم بفوائد معتدلة ومناسبة، وهو مع ذلك يربح ولا يخسر، فائدته أن يجعل لمصر صوتًا في سوقها المالية، ويدافع عن مصالحها كما تدافع البنوك عن مصالح بلادها، فائدته هو ومشروع النقابات الزراعية، ومشروع مستودعات التأمين، أن تتحقق في الوجود الكفاءة المالية التي هي الأساس المتين للرقي المطلوب. على ذلك تقترح اللجنة على المؤتمر أن يقرر وجوب إنشاء بنك مصري برؤوس أموال مصرية.