للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


نجاح الجمعيات الإسلامية
يسر كل مسلم وكل إنسان يحب الفضائل وترقي أبناء نوعه ما نالته جمعية
(شمس الإسلام) وجمعية (مكارم الأخلاق) من الترقي والانتشار، أما الأولى فقد
كان احتفالها الباهر بعيد جلوس مولانا السلطان الأعظم - نصره الله تعالى - سببًا
في زيادة الإقبال عليها وطيران صيتها، ومن توفيق الله تعالى لها على حداثة
نشأتها في هذه الديار أن حضرة الفاضل الشيخ محمد نور مؤسس المدرسة
التحضيرية المشهورة وأحد أعضاء الجمعية قد تنازل لها عن هذه المدرسة بجميع
أدواتها، وتلامذتها ثلاثمائة ونيف، فنقلت المدرسة من البغالة إلى محل الجمعية في
أول شارع درب الجماميز، وقد شرع أعضاء إدارتها ومنهم كاتب هذه السطور بتنظيم
شؤونها، وجعل التربية والتعليم فيها على منهاج الدين وسننه القويمة مع عدم
الإخلال بما يقتضيه سير المدارس الأميرية، وعزمت الجمعية على إنشاء مدرسة
أخرى لتعليم البنات، وكأنكم بالعمل قد ظهر وبهر بفضل الله وتوفيقه.
قد ساء هذا النجاح الباهر أعداء الإسلام من المارقين والطغام فحاولوا إطفاء
نور الله بأفواههم {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ} (الصف: ٨) ، أشاع
أصحاب الجرائد الضلالية الذين تأبى النزاهة ذكر أسمائهم، أو أسماء
جرائدهم، أن الجمعية لا ترضي الحضرة السلطانية، فقالوا كذبًا وخلقوا إفكًا، وزعموا أنه قد كان ما لم يكن، وحسبنا أن الجم الغفير وفي مقدمتهم فضيلة شيخ
الأزهر وسعادة محافظ العاصمة يعلمون أن ما قيل كذب إن كان قد بلغهم، ويكفينا أن
(المؤيد) أصدق الجرائد في حب الدولة قد ذكر خبر الاحتفال كما شاهده
صاحبه الفاضل ونشر معظم خطبة منشئ هذه المجلة، وفيها الثناء على مولانا الخليفة
نثرًا ونظمًا، ولسنا نقصد بهذه الكلمات الرد على الجرائد الضلالية؛ لأنهم أقل من أن
يرد عليهم، ولكن نحب أن يعلموا أن الجمعية لم تحتفل بعيد الجلوس، وتجتهد في خدمة الأمة والملة لأجل جزاء تتوقعه من مولانا السلطان فيهمها سعايتهم
وأكاذيبهم، وإنما هي مندفعة إلى خدمة الملة بدافع الواجب الديني، وابتغاء مرضاة
الله تعالى.
وأما جمعية مكارم الأخلاق، فقد زرتها في اجتماعيها الأخيرين، وكنت شغلت
عن زيارتها طائفة من الزمن، وفي الاجتماع الأخير اقترح عليّ أن أخطب، فألقيت
خطبة ارتجالية في بيان ما يجب علينا أن نعمل، وهو تهذيب أنفسنا ونسائنا،
وتربية بناتنا وأبنائنا، وبينت ما يجب الأخذ به في ذلك، وأما الاجتماع الذي قبله
فقد افتتحه رئيس الجمعية المنطيق الذليق، واللسن المفوه بتلك الخطبة المؤثرة التي
يقابل فيها بين الشرقي والغربي، ويصف فيها المنكرات الشائعة وصفًا بليغًا، وهي
الخطبة التي كلما كررها الأستاذ تحلو في الأسماع، وترتاح لها الطباع، ثم تلاه
الأستاذ الواعظ، الشهير بالبراعة في التصوف الشيخ علي أبو النور الجربي،
فخطب خطبة مطولة، استغرقت نحو ساعة من الزمن، جاء فيها بضروب القول
في الوعظ والتذكير من حث وتنفير، وترغيب وترهيب، وتوحيد وأخلاق، وآداب
ورقاق، وأعطى الخطابة حقها من الإشارات والتمثيل، والمحاكاة والتخييل، حتى
أدهش الحاضرين، فنسأل الله تعالى الثبات ودوام الارتقاء لهذه الجمعيات؛ ليعم
نفعها إن شاء الله تعالى.