فاجأتنا أنباء الحجاز في الشهر الماضي بوفاة صديقنا العالم العامل المصلح الشيخ أبو بكر خوقير، تغمده الله تعالى برحمته، فننشر للقراء موجزًا من ترجمته كما علمناه من أصدق إخواننا وإخوانه. فنقول: هو أبو بكر بن محمد عارف بن عبد القادر بن محمد علي خوقير. من بيت علم بمكة، ولد فيها وتفقه أولاً على مذهب الحنفية تبعًا لآبائه، ثم إن أستاذه مفتي مكة الشيخ عبد الرحمن سراج الحنفي أشار عليه وعلى آخرين من طلبة العلم بأن يتفقهوا في المذهب الحنبلي؛ ليكون في علماء الحجاز مَن يتولى منصب الفتوى في هذا المذهب بدلاً من علماء نجد؛ الذين كانوا يتولونه لعدم وجود أحد من علماء الحنابلة في الحجاز، ولم يكن هذا مما ترتاح إليه الحكومة العثمانية ولا أمراء الحجاز، فدرس الفقيه المذهب، وتمكن فيه وفي مذهب السلف في العقائد. وقد عُين مفتيًا للحنابلة في أول إمارة الشريف حسين بن علي، ولم يلبث أن غضب عليه فعزله وعين بدله أحد الشافعية، فكان لا يُفتي للحنابلة إلا بعد مراجعته والأخذ بما يرشده إليه، وجعله الشريف حسين عضوًا في مجلس الشيوخ ثم عزله بعد سنة لاعتراضه على خوض محرر جريدة القبلة في تفسير القرآن بغير علم، وكان الشريف نفسه هو الذي يفسر بعض الآيات برأيه في بعض المقالات التي ينشرها في تلك الجريدة وفي بعض بلاغاته الرسمية أيضًا. وقد امتحن وأُوذي إيذاءً شديدًا جزاءً له على إنكار البدع والخرافات ولا سيما بدع القبوريين والمتصوفين، حُبس أولاً ثمانية عشر شهرًا، ثم حبس ثانيًا نحوًا من سبعين شهرًا في عهد الشريف حسين، وحبس ولده الشيخ عبد القادر في سجن القبو الذي هو شر من سجن الحجاج بن يوسف، وقد سبق وصفه في المنار، فمات فيه صبرًا، وكان له ابن صغير فمات كمدًا وقهرًا، وخرج الشيخ من سجنه لا مال له، وإنما كان يصيبه قليل من أوقاف الحرمين التي تأتي من الآستانة ومصر والشام والعراق. وكان قد اعتاد الاتِّجار بالكتب منذ عزله الشريف عون الرفيق من وظائف الحرم الشريف؛ إذ كان غضب على الشيخ عبد الرحمن سراج مفتي مكة ورئيس العلماء فيها فعزله وعزل جميع رجاله من المفتين والمدرسين. وكان للفقيد منها إفتاء الحنابلة وإمامة الصلاة في مقام الحنابلة كما كان مدرسًا. وكان يدعو للشريف عون بالرحمة لإلجائه إلى تجارة الكتب التي تعينه على العلم، فكان يذهب إلى الهند يحمل إليها من مطبوعات مصر ومكة ويعود منها ببعض مطبوعاتها إلى مكة، وقد جلست إليه في مكتبته في باب السلام غير مرة، وكان مهذبًا رقيق الطبع حسن المعاشرة على شدته في دينه وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، حتى أن مجلسه لا يخلو من دعابة ما في المفاكهة، ونكت أدبية وتاريخية وكان يحب سماع الأصوات الشجية ولا يرى بها بأسًا. (للترجمة بقية) ((يتبع بمقال تالٍ))