لتعتبر جريدة السياسة، وجمعية الملاحدة بمصر صرح السناتور بوراه رئيس لجنة العلائق الأجنبية في مجلس الأمة الأمريكي بعدم موافقته على طلب المائة والعشرة من أساقفة الكنيسة الإبسكوبالية الذين اقترحوا على المجلس رفض معاهدة لوزان قائلين: إن الرأي الأمريكي العام معارض لاستئناف علائق ولائية مع أمة غير مسيحية، وقد كتب السناتور بوراه إلى الأسقف (مانين) كبير أساقفة الكنيسة المشار إليها كتابًا تولت جريدة (البيان) الأمريكية الغراء تعريبه فيما يلي: (أعترف مع الشكر بوصول الاحتجاج المذيل بتوقيعك وتواقيع ١٠٩ أساقفة آخرين ضد الموافقة على معاهدة لوزان التي حسبما أعتقد سوف تطرح للبحث والنظر قريبًا وأنا أشعر بوجوب بذل الجهد لجعل إجازتها أمرًا مقررًا ومعلوم أن هنالك أسبابًا عديدة مهمة توجب إجازة تلك المعاهدة حسبما يبدو لي. ولكني لو كنت طالبًا آراء الآخرين في شأنها لكان من الواجب عليّ إبداء مزيد الاحترام لآراء الأمريكيين المقيمين في تركيا ولهم فيها مصالح مختلفة قبل غيرهم. فهم بجملتهم حسبما علمت يشيرون بوجوب إجازة تلك المعاهدة. إن مصالحنا الدينية والتهذيبية والتجارية كلها متحدة ومجمعة على إجازة معاهدة مع تركيا علمًا منهم بأنها ضرورية لحمايتهم، وما أورده من هذا القبيل هو من البراهين التي لا ترد ولا تدفع. ولست أرى من الحكمة أو العدل على جانب الحكومة أن تهمل هؤلاء الناس وما لهم من المصالح المختلفة بدون معاهدة تحميهم، أو بدون علائق ودية ومعاملات ولائية تتولد كما لا يخفي عن مثل تلك المعاهدة وتتأيد بها. ومما هو جدير بالذكر بهذه المناسبة أن كل الدول العظمى في العالم قد عقدت معاهدات مع تركيا، والمعاهدة الأمريكية التي هي الآن رهن النظر سوف تعمل على حماية مصالحنا الدينية والتهذيبية والتجارية أسوة ببقية الدول الأخرى، فلا يكون مجال للقول بأن مصالح الولايات المتحدة غير محمية، أو غير حاصلة على العناية التي نالتها مصالح الأمم الأخرى. ويكون من الحماقة أن نقف وحدنا ونأبى عقد معاهدة لأننا لم نحصل على شروط أفضل من التي حصلت عليها بقية الأمم فإذا فعلنا ذلك نعرض مصالحنا في كل تركيا للأخطار. وإذا قيل إن من الواجب الحصول على معاهدة أفضل من هذه أقول: إن هذه المعاهدة هي أفضل ما نستطيع الحصول عليه في هذا الحين. فإذا نفذناها الآن تكون حسبما أعتقد وسيلة للحصول على أحسن منها في المستقبل. وأما قطع العلائق بالكلية فلا يكون منه نفع. ذلك فضلاً عن أن كل ما احتوته هذه المعاهدة موافق لنا مؤيد لمصالحنا. وفي رأيي أننا في قبولنا هذه المعاهدة لا نوافق على الماضي. ولا نجازف بالمستقبل. وفي احتجاجكم تقولون بعدم استئناف علاقتنا الولائية مع دول غير مسيحية وغير تائبة؟ فإنا يا حضرة الأسقف مانين أستحسن أن تعمد حكومتنا إلى إيجاد هذه العلائق الولائية مع كل الدول وكل الشعوب، لأنه برفضنا العلائق الولائية مع جميع الشعوب التي ترفض المسيحية. لا تكون حكومتنا تجري على خطة غير معقولة فقط. بل حسبما أعتقد أنها تكون تهمل الغرض العظيم من مفاد المسيحية في الشؤون الدولية، ألا وهو إيجاد علائق ولائية ليس فقط مع الدول المسيحية الأخرى بل بالأحرى مع غير المسيحية منها ذلك لكي ندنيها إلينا بحيث تتماسّ مع التعاليم المسيحية. ثم هل يمكننا القيام بخدمة فعلية لأتباعنا في تركيا؟ أو هل نتوقع التمكن من التأثير على تكييف السياسة على أنموذج إنساني أو سياق ديني في ذلك الإقليم الخصوصي من العالم إذا نحن قطعنا العلائق مع ذلك الشعب وابتعدنا عن كل ما يسهّل لنا سبل التأثير النافع على شؤونه؟ وأنت تلفت نظري أيضًا إلى المذابح التركية. فكلنا نعرف هذه الأمور جيدًا ونأسف لوقوعها، ونرغب في إزالتها أو تلطيفها في المستقبل على قدر الإمكان، ولكن كيف يتسنى ذلك لنا. بل كيف نتمكن من إيجاد تأثير إنساني فعال لبلوغ ذلك القصد؟ أنا لا أعرف سوى طريقتين وهما: إما قوة السلاح - وهو أمر أرفضه بتاتًا أو التوصل إلى ذلك عن طريق الصداقة والموالاة والنفوذ الأدبي. ثم هل أفهم من كتابكم مع المائة والتسعة أساقفة أنكم ترغبون في إنشاء وطن قومي للأرمن في تركيا وحماية ذلك الوطن بقوة السلاح؟ وهل تريدون من الحكومة الأمريكية استخدام الجيش والأسطول لإيجاد ما ترومونه من الصلاح والعدالة؟ أريد أن أعتقد بأنكم لستم راغبين في شيء من ذلك. فالطريقة الوحيدة إذن هي يجاد علائق ودية بالمعاهدة تخولنا حق البحث واستخدام وسائل الإقناع والزعامة الأدبية في ذلك السبيل. أما قطع المعاهدات والعلائق السياسية الولائية فإنه يعرض أتباعنا هناك للخطر الكبير ويضر بمصالحهم، فلا نعود قادرين على مساعدتهم بغير القليل الذي نتمكن من القيام به حينًا بعد آخر وعند سنوح الفرصة. ولست أعتقد بأن التركي قد تغير عما كان عليه بالكلية أو انقلب بطنًا لظهر بين ليلة وضحاها، ذلك لأن الشعوب لا تتغير كذلك، ولكننا نخطئ كثيرًا إذا أنكرنا التقدم والرقي وغير ذلك من التطورات التي طرأت على تركيا والبادية في سائر أنحائها اليوم. إن الشعوب والدول تنزع عنها خصالها وتقاليدها ببطء كما يدل على ذلك المظهر المخيف البادي في أعمال الدول المسيحية التي من يوم تعلمت تلك الأمثولة القاسية في الحرب العامة لا تزال مصممة على استخدام القوة بل لا تزال تخصص الملايين بعد الملايين لكي تبتدع وسائل قتالة وأدوات مدمرة تبغي بها إهلاك الشعوب المسيحية الأخرى وتدمير عمرانها، وغير خاف أن الحرب العامة لم تكن بوجه من الوجوه أفضل ما يمكن إيجاده من الأمثولات النافعة لغير المسيحيين من شعوب العالم (بل بالحري كانت أمثولة رديئة) . وأعيد ما قد سبقت فقلته وهو أني أظن أن من باب الحكمة والدراية على جانبنا أن نسعى في إيجاد علائق ولائية وتجارية مع كل الحكومات والشعوب. وبعملنا هذا لست أقول إننا نكون موافقين على شكل تلك الحكومات أو على نظرياتهم من حيث طريقة تمدينهم أو ما يفهمونه من حيث واجباتهم الاجتماعية وعلائقهم أو استحسان تاريخهم الماضي. بل أظن أننا في الجري على هذه الخطة نكون نسعى في إيجاد الأساس الحقيقي الوحيد للسلام، ووضع الدعائم التي على مثلها يجب أن يشيد بناء السلم المشمخر الذرى. وأزيد على ذلك ما أعرفه من أنه لا توجد طريقة أخرى - ما عدا طريقة القوة القاهرة - بها نتمكن من الاحتفاظ بمهابتنا ومقامنا الدولي والاحتفاظ بقوتنا بين الأمم حسبما ينبغي، فخلنا إذن نستخدم الطرق الفعالة الوحيدة العاملة للسلام المؤيدة للأشياء التي بها نتمكن في المستقبل من تغيير ما نريد تغييره.