للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


تقريظ المطبوعات الجديدة
أُهدي إلينا في العام الماضي عدة مطبوعات جديدة من الكتب والصحف لم نجد
فراغًا من الوقت لنظر فيها نظرًا يمكننا من إبداء الرأي فيها، وإن منها ما يبخس
حقه إذا كتب عنه في المجلات العلمية ما هو بمعنى الإعلان الذي ينشر في
الجرائد السياسية، وقد يعد طول الزمان على السكوت عنها، أشد هضمًا لها وبخسًا
لحقها، فلهذا رأينا أن التنويه بها، بما تمليه النظرة العَجلى فيها، ربما كان كالثمد
يفضل ناجزه المستثمد الصديان، على الغمر النسيء يخاف عليه النسيان، وهو لا
يمنع من إعادة النظر فيها إذا سمح الزمان، وهذا ما جاد به الزمن الضنين الآن.
***
(كتاب شرح البيع)
(في القوانين المصرية والفرنسية. وفي الشريعة الإسلامية)
(تأليف محمد حلمي عيسى بك وكيل الإدارة القضائية للمحاكم الأهلية بوزارة
الحقانية) شرح فيه أحكام عقد البيع في قانوني المحاكم الأهلية والمختلطة المصرية
مستمدًّا من مصادرها - الشريعة الإسلامية والقانون الفرنسي- سالكًا في شرحه
مسلك المدقق المستقل بالفهم والرأي. فجاء سِفرًا كبيرًا بلغت صفحاته بضع مئات.
وطبعه في العام الماضي (١٣٣٤) في مطبعة المعارف طبعًا جيدًا على ورق جيد
يليق به، وقد أقبل عليه علماء القانون أيّ إقبال، وأحسنت تقريظه الصحف أيّ
إحسان.
إن هذا المصنَّف من الكتب التي يرجع إلى مثلها الباحثون في فلسفة
الشرائع والقوانين، ويعتمدون على نقوله ومباحثه في المقابلة والتنظير بينها
وتفضيل بعضها على بعض. فلو أتيح لي أن أوفيه حقه من التقريظ والنقد يعنيني من
مباحثه الدقيقة - وهو المقابلة بين الشريعة والقوانين - لكنت قرأت ما أورده من ذلك
غكله أو الكثير منه وبينت ما يريني الله من الحق فيما أورده من الأحكام الشرعية
التي اعتمد في أكثرها على بعض كتب الحنفية. وما فاته من الأحكام في كتب
غييرهم من فقهاء الإسلام. فقد قال في مقدمة الكتاب: إنه جعل المقارنة بين القانون
المصري بقسميه وبين الشريعة على كتاب مرشد الحيران الذي ألفه قدري باشا ومجلة
الأحكام العدلية التي أوجبت الدولة العثمانية على محاكمها المدنية الحكم بها.
وذكر في أسماء الكتب التي كان يراجعها عند الشرح عدة كتب للحنفية
والمالكية، ولم يذكر بينها شيئا من كتب فقه الشافعية والحنابلة، على أن كتب هذين
المذهبين أجمع لدلائل الكتاب والسنة، وكتب الشافعية منها أشد تنقيحًا،
وكتب الحنابلة أوسع طريقًا، فلو أن المؤلف عني بكتب الحنابلة وعلماء الحديث
المستقلين كما عُني بكتب الحنفية لكان علمه بالشريعة الإسلامية أوسع، ومقابلته
بينها وبين القوانين أصح وأنفع، ومن أجل هذه الكتب كتاب المغني للشيخ
موفق الدين ابن قدامة و (المحلى) للإمام ابن حزم و (نيل الأوطار) للإمام
الشوكاني. ومن أجلّ الكتب الباحثة في حكم الشريعة (إعلام الموقعين) للعلامة ابن
القيم، وأحسن ما كتب في العقود وأنفعه فيما نعلم هو ما كتبه شيخ الإسلام ابن
تيميه ونشر في مجموعة الفتاوى التي طُبعت له، فلعل المصنف يُعنى بالرجوع
إلى أمثال هذه الكتب إذا نُقِّحَ الكتاب عند إرادة إعادة طبعه، إن شاء الله
تعالى.
***
(تاريخ سيناء القديم والحديث وجغرافيتها)
(مع خلاصة تاريخ مصر والشام والعراق وجزيرة العرب وما كان بينهما
من العلائق التجارية والحربية وغيرها عن طريق سيناء من أول عهد التاريخ إلى
اليوم، لمؤلفه نعوم بك شقير مدير قلم التاريخ بوزارة الحربية بمصر، وصاحب
تاريخ السودان) وهو مجلد ضخم تزيد صفحاته على ٧٧٠ طبع بمطبعة المعارف
طبعًا جميلاً، وأجمعت الصحف على حسن تقريظه والثناء عليه، وما وفاه أحد
منهم حقه، ولا شرح للناس حقيقته وكنهه، وقد كان اسم الكتاب حجابًا يخفي ما
وراءه من الحقائق التاريخية والاجتماعية والسياسية والعلمية، المتعلق أكثرها
بالعرب والبلاد العربية، من شئونها الغابرة، وحالتها الحاضرة، ولا يزال هذا
الحجاب مسدولاً على تلك المخدَّرات، ما أماطته الصحف عن ذلك الوجه، ولا
أظهرت كل ما وراءه من الجمال والحسن، على أن كشف الحجاب عن أبكار
المعاني، ككشفه عن أبكار المغاني، كل منهما يباح للخاطبين، كما يباح للمحارم
من الأهل والأقربين، وما أكثر من يبيحه للناس أجمعين، فما بال أبكار مؤرخنا
العربي لا تزال محجوبة عن خطَّابها المتعددين، وذوي قرباها الكثيرين، لذلك
الاسم الذي لا يدل إلا على جزء من مسماه، كما حجب استعداد أمتنا العربية
بالاستبداد الذي يخشاه، وحجب ما في وطننا العربي من الآثار والمعادن بجهل
الحاكم الذي يتولاه؟
ألا أيها الخطاب، لتلك الأبكار العُرُب الأتراب، لقد نصب الله لكم من يرفع
عن محاسن وجوههن الحجاب، وإن كان يخفض من أفكار من في مصر من دعاة
السفور، الذي يجزم بأنه مزيد من التهتك والفتور، ولكنه قبل رفعه، يبين لكم
سبب وضعه، فيقول: إن المؤلف لما أتيح له الوقوف على تلك الحقائق التي
يجهلها الأكثرون من تاريخ سيناء عز عليه أن تبقى مجهولة كما هو شأن محبي
العلم الذين يتعبون في تحصيله وتمحيصه، فعمد إلى تقييد أوابدها، وقنص
شواردها، بعد أن قتل مسائلها بالبحث والتدقيق تقتيلاً، وفصل القول فيها تفصيلاً،
فجاء تاريخًا مطولاً لهذه البقعة الغامرة، لم يوضع مثله لأعظم أقطارنا العامرة،
فكان مظنة الانتقاد بأنه اشتغال بالكمال من جزئيات تاريخ بلاد أمتنا العربية، قبل
الوصول إلى ما يفي بالحاجة من مباحثه الكلية، وكأن مؤرخنا اللوذعي لمح بلحظ
الغيب ذلك الانتقاد يجول في مطاوي الأفكار، بعد أن تمثل بين يديه تاريخ سيناء
سفرًا من أكبر الأسفار فأراد أن ينظم تلك المباحث الكمالية في سلك الضروريات؛
فوضع للكتاب خاتمة كانت كالمقصد من الوسيلة أو كالنتيجة بعد المقدمات.
ذلك بأنه لما كانت سيناء معقد الاتصال والارتباط بين أعظم الأقطار العربية،
أعني جزيرة العرب ومصر وسوريا، جعل خاتمة التاريخ التفصيلي لها، خلاصة
تاريخ الأقطار التي تحيط بها، ولما كانت فائدة التاريخ هي العظة والاعتبار، وكان
الفراغ من هذا الكتاب في إبّان هذه الحرب التي خاضت غمراتها الدول السائدة على
تلك الأقطار، والتي يتبدل بها ما يتبدل من أحوال الأمم والأطوار- ذكر قومه
الأقربين سوريين ومصريين، ومن وراءهم من العرب أجمعين، بأن أصل
أروماتهم واحد وهو الجنس العربي الكريم، والأصل الذي ينتمي إليه أنبياؤهم
المرسلون في مللهم ونسبهم واحد وهو خليل الله إبراهيم، وبأن لغتهم واحدة وهي
العربية، وكذلك عاداتهم ومصالحهم الاجتماعية والاقتصادية، وهل يعذر أحد على
الرضاء بالخلاف والفرقة، بعد تجارب هذه الجواذب والدواعي إلى الوفاق والوحدة؟
كلا، لا عذر إلا الجهل أو عصبية الجاهلية، وهناك شذرات منه في بيان هذه
الحقيقة وحجبها الجلية.
قال المصنف في تمهيد خاتمة الحسنى:
(١) (إن الباحث في تاريخ مصر والشام والعراق كلما تعمق في البحث
وجد أن معظم سكان هذه البلاد كانوا في كل عصور التاريخ -كما هم في هذا العصر-
عربًا أو من أصل عربي [١] ، وكان لغتهم العربية أو أختًا لها [٢] وعليه فأول
الصلات التي تربط هذه البلاد بعضها ببعض وأهمها هي الصلة الجنسية العربية) ثم
إنه جاء بزبدة تاريخ هذه البلاد أيضًا لهذه الحقيقة وقد بدأ بخلاصة تاريخ
العرب.
***
(مهد العرب)
(٢) ذكر في بيان العرب أن أوجه الآراء في مهد الجنس السامي اثنان
(أحدهما) رأي مفسري التوراة، وهو أنه جزيرة العراق. (ثانيهما) رأي بعض
علماء التاريخ واللغات والعاديات [٣] وفي مقدمتهم العلامة روبرتس سمث الإنكليزي-
وهو أن مهده جزيرة العرب (قال) ومنها تفرق في الشرق قبل التاريخ كما تفرق
العرب والمسلمون في صدر الإسلام، ولهم على ذلك أدلة لغوية اجتماعية، ومن
أدلتهم اللغوية أن اللغة العربية هي أقرب إخوانها- الكلدانية والسريانية أو الآرامية
والعبرانية والحبشية- إلى اللغة السامية الأصلية، وإن في الآرامية والعبرانية آثار
الحياة البدوية العربية.
(ومهما يكن من أمر ذلك المهد فإننا نرى العرب قد أسسوا في جزيرتهم عدة
ممالك اشتهرت قديمًا وحديثًا، وخرجوا من جزيرتهم للفتوحات غربًا إلى سيناء
ومصر وإفريقيا الشمالية، وشرقًا إلى العراق وتركستان، وشمالاً إلى سورية
وآسية الصغرى فأسسوا فيها عدة ممالك قبل الإسلام وبعده. فكان مهد العرب
ومسرحهم منذ القديم من المحيط الأتلانتيكي شرقًا وغربًا، ومن أهالي الفرات
ودجلة والبحر المتوسط إلى أقاصي السودان شمالاً وجنوبًا) .
***
(العرب البائدة في العراق ومصر وسورية)
(٣) ذكر من تاريخ العرب البائدة أنهم كانوا يسكنون ما بين العراق
والعقبة، وينقلون التجارة ما بين بابل ومصر. ثم قال: (وما زالوا حتى ظهر منهم
في القرن الثالث والعشرين (قبل المسيح) ملك اسمه [حمورابي] فأسس مملكة
قوية عرفت (بدولة حمورابي) بلغت أسمى ما وصلت إليه دولة في العهد القديم من
الرقي الأدبي والمادي. واشتهرت على الخصوص بسن الشرائع والقوانين وبناء
الهياكل والقصور، واستمرت حاكمة إلى أواخر القرن الـ ٢١ قبل المسيح) .
وذكر مؤرخو العرب أن العمالقة هم الرعاة (الهكسوس) الذين ملكوا مصر في مدة
الدول الخامسة عشرة إلى السابعة عشرة. ويظن الآن أن سكان مصر وإثيوبيا
الأولين الذين سكنوا النيل قبل التاريخ هم عرب هاجروا إليه من جزيرة العرب عن
طريق سيناء أو غار باب المندب كما سيجيء.
هذا وسنرى في تاريخ سورية أن معظم سكانها الأولين هاجروا إليها من
جزيرة العرب وأسسوا فيها دولاً شتى) .
ثم ذكر خلاصة مفيدة من تاريخ العرب المتعرية والمستعربة من القحطانيين
والعدنانيين واستطرد إلى ذكر خلاصة تاريخ ظهور الإسلام وامتداد دعوته وفتوحه
ودولة العرب وغيرهم ختمًا بالدولة العثمانية، وما انتهت إليه حالها في عهد طغاة
الاتحاديين من اضطهاد العرب والعربية، وتقحمهم بالدولة أخطار هذه الحرب
الأوروبية، وحكم عليهم بأنهم أضاعوا بذلك ملكهم مهما تكن عاقبة هذه الحرب.
***
(مستقبل جزيرة العرب)
(٤) وقال في شأن مستقبل جزيرة العرب بعد الحرب ما نصه: (ص
٦٦١) (وأما جزيرة العرب، فالطبيعة ورجالها تحميها، وقد أعلن الحلفاء استقلالها
تحت يد أمرائها، وأصدر (الجنرال السرجون مكسويل) القائد العام البريطاني
بمصر منشورًا وجهه إلى (العرب الكرام) بتاريخ ٣١ ديسمبر سنة ١٩١٤ جاء
فيه ما نصه:
(إن جلالة الملك جورج الخامس ملك الإنكليز قد أعلن أنه لا يتخذ إجراءات
حربية برية أو بحرية في بلاد العرب أو في موانيها ما لم تمس الحاجة إلى ذلك قصد
حماية مصالح العرب من اعتداء الترك وغيرهم أو إنجاد من ينهض من العرب
للخلاص من ربقة الترك) .
وبعد وصف جزيرة العرب وبيان حالها وسكانها في هذا العصر عقد فصلاً ثانيًا
لخلاصة تاريخ سورية (ص ٦٧٥) .
(٥) بين المؤرخ أن شعوب سورية القديمة هم الآراميون والكنعانيون
والحثيون والعبرانيون والفلسطينيون والفينيقيون (قال) (وكلهم هاجروا إليها من
جزيرة العرب أو العراق إلا الفلسطينيين) أي والذين هاجروا إليها من العراق كانوا
من جزيرة العرب فهاجروا إلى العراق قبل الهجرة إلى سورية , و (أو) في كلامه
لمنع الخلو لا لمنع الجمع فالتحقيق أن من عرب الجزيرة من هاجروا إلى سورية
توًّا، ومنهم من هاجر إلى العراق توًّا ثم هاجر بعضهم إلى سورية وبعضهم إلى
مصر.
وبعد أن قال في كل شعب من هؤلاء الشعوب قولاً وجيزًا مفيدًا وشكا من عدم
اجتماع كلمة السوريين في كل عصر من العصور ومن ضعفهم بانقسامهم واختلاف
أغراضهم وأديانهم. وذكر أن عددهم الآن ثلاثة ملايين.
(٦) ثم ذكر خلاصة تاريخ العراق وذكر ممالكه القديمة والحديثة من
الكلدانيين إلى العثمانيين وذكر أن عدد سكانه يقدر الآن بثلاثة ملايين أيضًا نصفهم
بدو ونصفهم حضر وكلهم عرب إلا قليل من الأكراد [*] .
(٧) ثم انتقل المصنف إلى خلاصة تاريخ مصر فبدأه بقوله:
(كان المشهور الذي عليه الجمهور أن سكان مصر القدماء هم أبناء مصرايم
بن حام بن نوح - هاجر إليها من آسية. ولكن بعض المتضلعين من اللغة
الهيروغليفية اكتشفوا حديثًا أن هذه اللغة واللغة العربية السامية هما من أصل واحد
كما مر، فإذا ثبت هذا كان سكان مصر الأولون أجداد القبط الحاليين هم من أصل
عربي قديم (وكان هذا هو الفتح العربي الأول لمصر) اهـ.
ثم تكلم على دولة الرعاة الذين سماهم اليونان (هكسوس) أي الملوك الرعاة
وهي كلمة محرفة عن كلمتي (حق شاسو) [٤] في لغة قدماء المصريين
ومعناهما (ملك البوادي) وسماهم مؤرخو العرب العمالقة كما تقدم آنفًا، وذكر
خلاف المؤرخين فيهم وقول ياقوت: (إن العمالقة امتدوا من بلاد العرب إلى
سوريا فكانوا ملوكًا في سورية وفراعنة في مصر) ثم قال: (وخلاصة القول
أنهم قوم رحلة أو عرب أتوا من المشرق (فإذا ثبت ذلك كان هذا هو الفتح العربي
الثاني لمصر) والظاهر أنهم كانوا من جنس عرب سورية؛ لأن في أيامهم عم
السلام بين مصر وسورية، ونزح كثير من السوريين إلى مصر) اهـ.
(٨) ثم ختم المصنف خاتمة الكتاب بالكلام على مهاجري قومه السوريين
بمصر فأشار إلى اليهود والمسلمين منهم إشارة وجيزة في صفحة واحدة لقلة عددهم
وتوسع في ذكر النصارى- قال: (وهم من نعني بالعنصر السوري عند
التخصيص) أي عند الإطلاق، فذكر قدماءهم ومتأخريهم وقدر عددهم بسبعين
ألف نسمة وثروتهم بخمسة وعشرين مليونًا، وذكر أنديتهم وجمعياتهم الخيرية
وصحفهم الحية والميتة. ورؤساءهم الروحيين وبيوت الثروة فيهم ومحالّ التجارة
الواسعة لهم ومكتباتهم ورجال الجيش والقضاء والكتاب وكبار الموظفين منهم
وأصحاب الفنون.
***
(مستقبل سورية بعد الحرب)
وقفى على ذلك الكلام على مستقبل سورية بعد الحرب فقال: إن السوريين
على اختلاف مذاهبهم ونزعاتهم السياسية يتفق كلهم أو جلهم على أربعة أمور:
(١) السخط على الاتحاديين سرًّا وجهرًا لدخولهم في الحرب الحاضرة.
(٢) الميل الصادق إلى الحلفاء في هذه الحرب.
(٣) إنشاء حكومة جديدة على مبادئ اللامركزية الشورية تضمن لهم الأمن
والراحة والنجاح في بلادهم مع المحافظة على لغتهم وتقاليدهم وعاداتهم ووحدتهم
القومية.
(٤) شعورهم بالحاجة إلى دولة من دول الحلفاء العظام يتعينون بها على
تنظيم حكومتهم الجديدة. ولكنهم يختلفون في كيفية إنشاء الحكومة وتنظيمها، ثم في
نوع المساعدة التي يتطلبونها ومقدارها.
قال: نعم إن هناك فئة لا يهمهم الاحتفاظ بقوميتهم ما دامت البلاد ممتعة
بأسباب الأمن والراحة والرقي. ولكن هؤلاء هم فئة قليلة جدًّا، والسواد الأعظم من
أهالي سورية من مسلمين ونصارى ويهود متمسكون بقوميتهم ولغتهم وعاداتهم كل
التمسك. وأهل الخبرة منهم يقولون: إنه لا يكون للسوريين كلمة نافذة ولا مكانة
سياسية ولا شأن ولا مقام ولا راحة ولا سلام في بلادهم أو خارج بلادهم إلا إذا
احتفظوا بقوميتهم، واتحدوا في الرأي على اختلاف المذاهب والأديان.
وأهم الأسباب التي تدعو إلى اتحادهم ثلاثة:
(١) أن يتخذوا أساس المعاملة المصلحة العامة الوطنية ليس إلا.
(٢) أن يتذكروا أنهم كلهم من أصل واحد عربي أو سامي، وأنهم كانوا
عربًا أو ساميين، قبل أن كانوا يهودًا ونصارى ومسلمين.
(٣) أن يحافظوا على لغتهم العربية؛ لأنها لغة راقية، ولأنه لا شيء
يقرب العناصر المتنافرة، مثل الإجماع على لغة واحدة.
وتكلم بعد ذلك في مسألة تجنس السوري بالجنسية المصرية فيبين المرغبات
فيها وأضدادها، وأهمها أن هواء مصر شديد الوطأة على المهاجرين إلى مصر من
البلاد المعتدلة كسورية، فهو لا يزال يضعفهم إلى أن ينقرضوا، والنصارى منهم
وإن كثروا يبقون عنصرًا ضعيفًا منفردًا بسبب الفارق بينهم وبين العنصر الأكبر -
وهم المسلمون - في الدين وعدم الاختلاط بالزواج.
ثم نصح للسوريين بعشر نصائح، قال: إنها منتهى ما بلغ إليه اختباره بعد أن
جاوز الخمسين، وقضي في مصر منها أكثر من ثلاثين، وهي:
(١) أن لا ينتسبوا إلى الأصول السائدة في مهاجرهم مستحيين بأصلهم
السوري وهم أحفاد الحثيين والفينيقين السابقين إلى الاختراع والاكتشاف (أنصار
إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد الذين كانوا أول من نادى بوحدانية الله وهذَّب
الأخلاق وشاد الأديان التي تسود العالم الآن.
(٢) قوله: ليكن ارتباطكم بوطنكم الأصلي حيًّا ما أمكن لتبديل الهواء أو
تجديد الدم بالزواج وأدرج في هذه الحث على الزواج الباكر والرياضة البدنية.
(٣) قوله: أنتم في مصر عنصر ضعيف فاستعينوا على ضعفكم بقوات
ثلاث: العلم الشريف والمال الحلال والخلق الحسن، واحذروا آفات ثلاثًا: المسكر
والمنكر والقمار.
(٤) الحث على الحِرف الراقية من علمية وأدبية وزراعية وصناعية
وخاصة التجارة مع النهي عن الربا.
(٥) الترغيب عن خدمة الحكومة، وقال في الموظفين منهم: ربما كان
مجموع ثروتهم في القطر المصري كله لا يساوي ثروة تاجر أو مزارع واحد من
تجارهم أو مزارعيهم الكبار.
(٧) تكريم نوابغهم وإجلال أفاضلهم وتقويم المعوج منهم تحقيقًا للتضامن
الذي يجعلهم كأنهم أسرة واحدة.
(٨) التعاون على المنافع والمصالح العامة كإنشاء المعابد والمدارس
والمستشفيات وعدم تكريم الغني الذي يقصر في ذلك.
(٩) قوله: لا تدعوا الاختلافات المذهبية التي أورثتكم الشِّقاق والشقاء في
بلادكم ترافقكم إلى دار هجرتكم فتكدر صفاءكم وتحرمكم لذة التمتع بالألفة الجنسية،
وذكر من وسيلة ذلك كثرة الأندية وارتباط بعضها ببعض.
(١٠) طاعة السلطان وقانون البلاد والعمل لنفع الأمة المصرية والحرص
على كرامتها. وختم الكلام والكتاب بأبيات في الجمع بين حب مصر والشام وجعل
قلبه شطرين بينهما وتمنى تعانقهما عناق الإخاء إلى المنتهى.
***
(جريدة القبلة)
(جريدة دينية سياسية اجتماعية تصدر مرتين في الأسبوع، لخدمة الإسلام
والعرب) مديرها المسؤول محب الدين الخطيب أنشئت هذه الجريدة بمكة
المكرمة في شهر شوال سنة ١٣٣٤، ومحب الدين الخطيب المدير لشؤونها هو
صديقنا المشهور في عالم الصحافة باشتغاله عدة سنين بالتحرير والترجمة في
جريدة المؤيد بمصر، ومن المحررين لها صديقنا فؤاد الخطيب الشاعر الأديب
المشهور، الذي كان أستاذ اللغة والآداب العربية في مدرسة غردون الكلية في
السودان.
وإننا نرى أن أنفع ما ينشره محب الدين فيها بعد منشورات سيدنا الشريف
الحكيمة هو ما يترجمه عن الكتب والصحف التركية مما يبثه في الشعب التركي
كتابه من النابتة الجديدة المتفرنجة (حزب تركية الفتاه) الذين تعتمد عليهم جمعية
الاتحاد والترقي في تحويل الترك عن الإسلام بالتشكيك في عقائده وشريعته،
والتشويه لآدابه وفضائله، والمحو لصبغته من القلوب واستبدال صبغة جنسية
تورانية بها. وسنقتبس بعض ما نشرته من ذلك.
قيمة الاشتراك في هذه الجريدة المفيدة ريال مجيدي ونصف في الحجاز
وعشرة فرنكات في سائر الأقطار، وهي قيمة قليلة لعلها تفي بنفقات الجريدة، إلا
إذا كثر المشتركون فيها فصار ألوفًا كثيرة؛ لأن الورق والحبر قد تضاعفت أثمانها
في هذه السنين كما تضاعفت أثمان أكثر ما تصدره أوربة من مصنوعاتها، بعد أن
شغلتها الحرب بأوزارها عن كل ما عداها.
ونحن نحث الشعب العربي والعارفين باللغة العربية من كل من يصلي إلى
القبلة من سائر الشعوب على الاشتراك في هذه الجريدة وشد أزرها، ونحث أرباب
الأقلام منهم على مواصلتها بما تجود به قرائحهم من المقالات والأخبار والآراء
المفيدة للجامعة العربية أو للأمة الإسلامية، ونحمد الله -تعالى- أنه لا تنافي بين
المصلحتين الاسلامية والعربية كما بينَّا في مقال في كنه المسألة العربية ضاقت عنه
أجزاء المنار الماضية وهذا الجزء أيضًا، وسننشره عند أول فرصة إن شاء الله
تعالى؛ وأما العصبية التركية الطورانية التي قام بها الاتحاديون ووقفوا مال الدولة
ونفوذها على تأييدها فهي تنافي الإسلام وتعارضه وذلك بديهي في نفسه، وسنعيد ما
نشرناه في تأييده بما يزيده إيضاحًا وظهورًا.
وقد كان الواجب على المنار أن يبادر إلى تقريظ هذه الجريدة في أول جزء
صدر منه عقب ظهورها خلافا لعادته في إرجاء تقريظ المطبوعات، ولكن لكل
أجل كتاب، وإنما صرحنا بهذا ليعلم قراء المنار في الأقطار أن تأخيرنا لتقريظها لم
يكن لقلة العناية بشأنها؛ إذ نَبَّهَنَا إلى ذلك ما كتبه إلينا بعضهم في السؤال عنها حتى
من بعض مهاجري السوريين في أمريكة.
***
(مجلة الأحكام الشرعية)
مجلة قضائية شرعية مشهورة ومنشؤها حسن بك حمادة المحامي الشرعي
مشهور أيضا فلا حاجة إلى التعريف بهما، وقد كانت المجلة حجبت عن قرائها في
أثناء سنتها التاسعة بسبب تعيين منشئها مفتشًا بنظارة الأوقاف في الآستانة ثم إنه
أعاد إصدارها في العام الماضي فأتم مجلد السنة العاشرة واستمر على إصدارها،
وقد صدر العدد الأول من مجلد السنة الحادية عشرة في منتصف المحرم مشتملاً
على مقدمة مختصرة وتسع قرارات شرعية وحكمين وثلاث قرارات للمجلس
الحسبي العالي وسبع منشورات من وزارة الحقانية.
وقد صارت المجلة وافية بحاجة المحامين الشرعيين وأصحاب القضايا
والمباحث القضائية الشرعية تستوعبه من نشر الأحكام الشرعية ومنشورات الحقانية
للمحاكم الشرعية وقرارات المجالس الحسبية؛ ولذلك كثر الإقبال عليها من جميع
جهات القطر فنهنئ صديقنا منشئها ونتمنى له دوام التوفيق والارتقاء.
***
(الثمرات)
جريدة أسبوعية أدبية انتقادية لمنشئها حسن أفندي السندوبي المشهور في عالم
الأدب بمقالاته في المؤيد وبكتابه (أعيان البيان) أصدرها في العام المنصرم ولم
يمض في سيره لأسباب ذكرها، وقد أعاد إصدارها في هذا العام، فنرجو لها
الرواج.
وقيمة اشتراكها ١٠٠ قرش في القطر المصري.
***
(رحلة الحجاز)
ضاق هذا الجزء عن نشر شيء من رحلتنا الحجازية وموعدنا الأجزاء الآتية.