داعٍ إلى الحق غالت صوتَه النوبُ ... أصيب في فقده الإسلام والعرب وكوكب من سماء الفضل حين هوى ... هوى منار الهدى وانثالت الكرب وأصبح المجد مهجور الحمى وبكى ... من ثكله شرف الأعراق والنسب قضى الإمام فوجه الحق مكتئب ... مما دهاه وطرف الهدي منتحب والحزن مستعر النيران متصل ... والصبر منقطع الأوصال منقضب والزهد والرفد والإرشاد في ترحٍ ... والبر والدين والأخلاق والأدب ومعقل العلم والعرفان مضطرب ... يكاد من برحاء الهول ينقلب والشرق يندب والأقطار واجفة ... كأنما دب فيها الويل والحرب يا ناعي الحي حق ما رويت لنا ... أن الإمام حواه الترب أم كذب ويح الردى كيف أخبى نجمَه ومتى ... كن المنايا من الأفلاك تقترب كادت تضل عقول فيه من جزع ... تقول: هل مات أم دارت به الشهب أم راح يبغي سماء عن سماوته ... أم استسر فقامت دونه الحجب لا تنكروا رقدة الهادي الرشيد فقد ... أعيا وقد يستريح الدائب الدرب دعاه ومذ لبت الألباب دعوته ... هفا بها لمغاني قدسه الأرب والبدر مهما تناهى في تنقله ... في الفلك فهو إلى مغناه منقلب لئن طوت فضله أيدي الردى فطوت ... مساعيًا لم تزل تُرجى وتُرتقب فرُب ليل طواه كله نسك ... ورُب يوم قضاه كله قُرَب ورُب خافية الأعلام نائية ... يعيى بها الفكر إدراكًا ويضطرب ألقى عليها شعاعًا من بصيرته ... بدت به وهي في عين النهى كثب ورُب سنة هدى قد تكنفها ... وهمٌ ورانت على أنوارها الريب أعادها برزة للناس هادية ... كما انجلت عن سنا أقمارها السحب ورُب آيات تنزيل سرائرها ... ظلت زمانًا عن الألباب تحتجب سما إليها وعانى سترها فبدا ... للمستريبين من تفسيرها عجب يعنو لها العلم منقادًا ويأخذه ... من روعة الحق سلطان فيتئب وغارة في سبيل الله ظافرة ... يهفو لها المجد والإسلام والحسب قد شنها منه ماضي العزم ينجده ... من حزمه وحجاه جحفل لجب دارت على محور البرهان دورتها ... حتى تجلت وهو في أرجائها قطب ثم انثنى وهو مخفوض الجناح تقي ... والحق مرتفع الرايات منتصب في ذمة الله نفس ما ألم بها ... رضا لغير رضا الخلاق أو غضب وهمة ما نأى عن باعها أمل ... ولم يفتها من العلياء مطلب لهفي على القائم الهادي إذا خفيت ... معالم الحق أو ضنت به العصب ومن إذا نابَتِ الإسلامَ نازلة ... علا به الجد والإقدام والدأب وإن دجا الخطب واسودت جوانبه ... بدت لنا فيه من آرائه شهب القانت العف والأطماع دانية ... والمقدم الندب والأهوال تصطخب والمؤثر الجد يقضي ليله سهدًا ... فيه إذا جد بالمستهتر اللعب والقائل الصدق لا يدنو به رغب ... في قوله لا، ولا ينأى به رهب فما أطبت قلبه الدنيا بزخرفها ... ولا ثنى عزمه مال ولا نشب غايات مبدئه الإيمان في عمل ... وروح نهضته الإقدام والغلب سائل به الليل هل شقت غياهبه ... عن مجاهد مثله لله يحتسب وسائل العلم والعرفان: هل رفعت ... لمثله في ذرى عليائهما الرتب وهل شكا الوطن المحزون نكبته ... إلا ولباه ذاك المشفق الحدب يا صاحب القلم الكافي بفتكته ... يوم التناضل ما لم تكفه القضب إذا انبرى فهو طورًا في الحشا ضرم ... وإن جرى فهو حينًا في المها ضرب (أما وقتك ظبى الأقلام مشرعة) ... أما توافت لك الآثار والكتب أما إقالتك أيام محجلة ... يبلى المدى وهي في آثارها قشب لك المواقف يختال الزمان بها ... والباقيات على الأيام والخطب السائرات مسير النيرات هدى ... والساطعات وآفاق النهى كهب والخالدات فما إن فاتها زمن ... والدائبات فما إن مسها نصب والملقيات على سمع الورى عبرًا ... تمشي على ضوئها الأجيال والحقب منار هديك برهان يقوم على ... أشكله عمد الإصلاح والطنب وغيث تفسيرك المأثور سلسلة ... من منبع الوحي والإلهام ينسكب ذخران للدين والدنيا إذا جليا ... للناس حفهما الإعجاب والعجب قم وانظر الشرق يصغي السمع ملتمسًا ... هداهما وعيون الدهر ترتقب هيهات قد خمد النور الذي يرتقبوا ... وقد مضى ذلك العهد الذي طلبوا تبكيك أبناء عدنان وإخوتهم ... والمسلمون إذا مستهم النوب كنت الرجاء لهم إن عوزت عدد ... تحمي العقيدة والأخلاق أو أهب وكنت سيفا على الإلحاد ذا شطب ... من الجهاد على أفرنده ندب يبكون نعيك في تأليف وحدتهم ... تقيم في نظمها طورًا وتغترب ركبت في مبتغاهم كل سابقة ... واليوم بعدك لا سرج ولا قتب فدتك من عثرة الأيام شرذمة ... راموا علاك فما نالوا ولا قربوا جروا وراءك حتى حُزتها رتبًا ... أوفت سموًّا على هام السهمي انقلبوا مقصرين فلم يقضوا حياتهم ... كما قضيت، ولم تذهب كما ذهبوا ذهبت كالغيث ولَّى بعدما رُويتْ ... منه البطائح واهتزت به الهضب ذهبت برا بأوطان وفيت لها ... تكاد إثرك عن أوطانها تتب غادرتها وهي أوزاع ممزقة ... يعيث منتدب فيها ومغتصب تدعوك للنجدة الغراء رازحة ... يؤدها المضنيان الهم والوصب إذا رأت بعدك الآمال مخفقة ... طغى من الوجد في أحشائها لهب تؤم قبرك مثوى رحمة وهدى ... للبر في لحده مغنى ومضطرب كنز من الحكمة العلياء قد ضربت ... من الجلال على أركانه قبب يكاد حين تحييه ضمائرنا ... يصبو إليها صدى منه وينجذب إذا أطافت به أوحى لها مثلاً ... من الثبات وشملاً ليس ينشعب وإن شكَت خطبها كادت جوانبه ... تئن للخطب إشفاقًا وتنتحب يا أكمل الناس إيمانًا وأخلصهم ... ودًّا وأكرمهم جزمًا إذا انتسبوا من لي بأيامك اللاتي نعمت بها ... دهرًا يظللني من دوحها عذب أيام أرشف من صفو الرسائل أو ... نجوى الحديث كئوسًا ما بها لغب واهًا لها، قد مضت فاليوم لا رسل ... تفي أمانة نجوانا ولا كتب أحس أن نميز الماء في كبدي ... يحيله الحزن جمرًا فهو يلتهب وأن سوداء قلبي حين أذكرها ... تفور من مقلتي دمعًا وتنسرب سأحفظ العهد، فاحفظه، وأنثر من ... فيض الشؤون رثاءً ليس ينقضب ولو نظمت الثريا في رثائك ما ... قضيت للحق إلا بعض ما يجب ... ... ... ... ... ... ... ... ... إسماعيل الحافظ * * * تاريخ هذا العدد الحق أننا طبعنا هذا العد في أوائل ربيع الأول سنة ١٣٥٥ وأواخر شهر مايو سنة ١٩٣٦؛ وذلك لنعوض للقراء ما فاتهم من أعداد لإكمال المجلد الخامس والثلاثين. * * * العدد القادم سنجعل العدد القادم خاصًّا ببحث إسلامي عظيم هو (المستشرقون والإسلام) ، وقد تولى تحريره حضرة النطاسي البارع الدكتور حسين الهراوي مفتش صحة مصر القديمة، وهو المسلم العالم الغيور. وسيصدر بعد هذا العدد بعشرة أيام، بإذن الله.