(س ١٤ ,١٥) ض. ع أحد المشتركين بالمنار في (سنغافورة) : قاضٍ زَوَّجَ شريفة علوية صحيحة النسب شهيرته، برجل هندي مجهول النسب، شهد له اثنان عند القاضي قالا: في بلدنا يقولون سيد. وبعد الفحص عارض ذلك القاضي العلماء العارفون حتى اتضح بطلان العقد وفساده عند الجميع وعند القاضي أيضًا؛ فأبى الرجوع إلى الحق والاعتراف بفساد العقد وساعده رجل آخر جهلاً، وهوًى وتعنتًا، حتى أن المساعد لما روجع بما يقوله الشرع والعلماء وأحضرت له الكتب طفق يسب العلماء، وقال لمن عارضه اطرح هذه الكتب في إستك (قالها بالعبارة العامية المبتذلة) فالمؤمل من فضلكم الجواب مبسوطًا على قوله اطرح هذه الكتب في.. ..؛ فالمسألة واقعة حال والرجل والمرأة مقترنان حتى الآن سفاحًا، وعندنا بسنغافورة اختلفت الأجوبة فمن قائل بكفر المساعد وغيره، ولا يرضى الجميع إلا بجوابكم فانشروا جواب سؤالنا على صفحات مجلتكم المنار لا زلتم ذخرًا للخاص والعام وناصرين لشريعة أفضل الأنام عليه الصلاة والسلام. (ج) نشرنا في الجزء العاشر من المجلد السابع مقالة في الكفاءة بينا فيها أن الكفاءة في النسب من المسائل الاجتهادية، وأن العبرة فيها بالتعيير وعدمه، ولذلك صرح بعض الفقهاء بأن الشريف غير المشهور بالشرف ليس كفؤًا للشهيرة بالشرف، والظاهر من السؤال أن الواقعة لو ثبت فيها شرف الهندي لكانت من هذا القبيل ولا حاجة لبسط القول في هذا المقام بعد العلم بأن العلماء العارفين حاجوا القاضي حتى حجوه واقتنع ببطلان العقد ولكنه لم يرجع إليه. ثم إنكم لم تذكروا في السؤال هل كان لهذه الشريفة ولي أم لا؛ فإن لم يكن لها ولي وكانت هي راضية بهذا الزوج فالعقد صحيح؛ لأنها أسقطت حق الكفاءة وليس لها أولياء يلحقهم العار بزواجها من غير الكفؤ فيعارضوا فيه. وإن كان لها ولي فكيف زوجها القاضي بدون إذن وليها، وهل عارض الولي أم لا؟ كان ينبغي بيان ذلك. وأما سب ذلك الجاهل للعلماء وإهانته للكتب الدينية فهو من أكبر المعاصي لأنه يسقط احترام العلم والدين وأهلهما من نفوس الجاهلين، ويجرئ السفهاء على الفضلاء، حتى تكون الأمة فوضى ليس فيها كبير يحترم لفضله، ولا صغير يؤمن بجهله، ولا يتجه كون ذلك من الكفر إلا إذا احتفت به القرائن والدلائل على أنه قال ما قال في كتب الدين وحملتها هزؤًا بالدين نفسه؛ لأن غير معتقد به. وقد أفتى بعض فقهاء الحنفية بِرِدَّة من يحقر علماء الدين أو كتبه ونصوصه، حتى قالوا: إن من يعطى الفتوى فيلقيها في الأرض ازدراء واحتقارًا يكفر. ولما ذكر ابن حجر من الشافعية قاعدة: (أن من الردة كل فعل أجمع المسلمون على أنه لا يصدر إلا من كافر عدّ من ذلك قوله: أو يلقي ورقة فيها شيء من قرآن أو علم شرعي أو فيها اسم الله تعالى بل أو اسم نبي أو ملك في نجاسة، قال بعضهم أو قذر ظاهر) ... إلخ ثم، قال فيما سرده من أعمال الردة: أو تشبه بالعلماء أو الوعاظ أو المعلمين على هيئة مزرية بحضرة جماعة حتى يضحكوا، أو يلعب استخفافًا، أو قال: (قصعة ثريد خير من العلم) استخفافًا أيضًا، ويشترطون في كون هذه الأعمال كفرًا أن لا تدل قرينة على عذر صاحبها، أو تأوله لا خلاف بينهم في هذا. والتحقيق أن الكفر هو إنكار شيء مما علم من الدين بالضرورة، وكان مجمعًا عليه، ومثله تكذيب شيء من الدين يعتقد المكذب له أنه مما جاء به الشارع، أو اعتقاد قبحه وبطلانه؛ لأن كل ذلك تخطئة للرسول فيما جاء به عن الله تعالى. وما ذكر الفقهاء من المكفرات غير ذلك؛ فهو في رأيهم يرجع إليه؛ لأنه دليل عليه، أو لازم له أو ملزوم، ولذلك رد بعضهم منه ما قاله بعض لا سيما ما كان كفرا باللزوم وقد قالوا (إن لازم المذهب ليس بمذهب) واتفقوا على أن التأول يمنع التكفير فإذا أتى إنسان بشيء عدوه كفرًا وردة، فذكر أن له تأويلاً يتفق مع اعتقاده بأن جميع ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - من أمر الدين حق امتنع الحكم بردته، وقالوا: إذا وجد مئة دليل أو قول على كفر أحد وقام دليل أو قول واحد على عدم كفره يعمل بالواحد لأنه يجب درء الحدود بالشبهات والتباعد عن التكفير ما أمكن. ولكن هذا لا يمنع من تشديد التعزيز على من كانت الشبهة على كفره أقوى لا سيما إذا كانت أقواله وأفعاله المشتبه في كونها كفرًا مما يفتن العامة ويضر بالناس، والله أعلم.