قراء (وكيل) يعرفون ما اشتهرت به هذه المدينة من قديم الزمان حتى إنه لم يكن يوجد لها نظير في المدائن الشرقية، لا سيما أن ما حوته من الفضل وحازته من الرونق والبهاء تشهد به آثارها الباقية للآن، ومما يزيد الشهرة فيها ضريح سيدي عبد القادر الجيلاني قدس الله سره وأفاض علينا بره، فبهذا فاقت على أمثالها من البلاد الشرقية حتى إن جميع المسلمين من أنحاء الكرة الأرضية يأتون لزيارته أفواجًا أفواجًا، ويتبركون بزيارة قبره الشريف، ففي مثل هذه البقعة المباركة التي جذبت قلوب المسلمين إليها لا عزم لتجارها أن يساعدوا الزوار والسكان فيما يحتاجون إليه من أمورهم الدنيوية، وما أقصده من هذا هو أن تجار بغداد يلزمهم أن يهتموا في تأسيس فابريقات كما اهتم إخوانهم في الآستانة؛ ليتمتع البغداديون بحاصلات بلادهم، ويتمول التجار من حاصلات أوطانهم. فما هذا الكسل الذي أخبرنا به مكاتب جريدة وكيل الغراء في بغداد، فقد كتب أن التجار يرسلون الصوف في كل سنة بمقدار ملايين جنيهات إلى لندرا ومارسيليا، وبعد نسجه فيها يرجع للبلاد، فيبيعه هؤلاء التجار بأثمان غالية جدًّا للوطنيين، والظاهر أن البغداديين إذا اهتموا بتأسيس الفابريقات يكون ذلك سببًا لمعيشة الفقراء المساكين، وعونًا لهم برخص الملابس، ولا يخفى أن كل ما ينفع به الصناع في لندرا ومارسيليا يعود ذلك على أهلها، فهذا العمل أنفع الأعمال للبلاد، فإنه يضعف ثروة التجار ويقوي أهل الديار. أفلا ينظر البغداديون إلى سكان أوروبا كيف تغلبوا على البلاد الشرقية وتملكوا عليها بتأسيسهم الفابريقات ورواج تجارتهم مع كثرة المصنوعات، فقلما يوجد بيت خالٍ من مصنوعاتهم، ومجلس عارٍ عن مفروشاتهم، حتى إن الخيط والإبرة والأزرار التي يحتاج إليها الإنسان في كل حين كل ذلك من مصنوعاتهم، وجُلّها من عمل فابريقاتهم، ومع ذلك فإنها متقنة الصناعة ورخيصة القيمة. فعجبًا لقوم يعجز أفرادهم عن تحصيل لوازم المعيشة، ويحتاجون في ذلك إلى قوم دون قومهم، فهذه والله أسباب الانحطاط فيا لها من مصيبة. ... ... ... ... ... ... ... ... حافظ عبد الرحمن الهندي (المنار) صاحب هذه النبذة هو المُكاتِب الخصوصي في القاهرة لجريدة وكيل الغراء التي تصدر في بلدة أمرتسر (بنجاب) وقد أخبرنا أن مكاتب هذه الجريدة في بغداد خاطبنا بواسطته، ورغب إلينا وإليه في نشر مقالة في الترغيب بإنشاء المعامل (الفابريقات) الصناعية الوطنية، خدمة للبلاد، وقد أجاب هو الطلب بهذه المقالة الوجيزة، وسنكتب نحن أيضاً في الموضوع، إن شاء الله تعالى.