منشئ هذه المجلة مسلم من سلالة الرسول - صلى الله عليه وسلم - يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا يُعبد غيره، ولا يُستعان إلا به {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (الفاتحة: ٥) ، ولا يُتَقَرَّب إليه إلا بالإيمان والعمل الصالح، وترك المحرمات والقبائح، ويشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ما أرسله مسيطرًا على العباد، ولا وكيلاً ولا جبارًا، وإنما أرسله مبشرًا ونذيرًا، ويشهد أن جميع ما جاء به عن الله حق؛ مَن تمسك به سَعِد، وإن كان عبدًا زنجيًّا، ومَن أعرض عنه شقي، وإن كان قرشيًّا فاطِميًّا؛ ففي حديث البخاري مرفوعًا: (يا فاطمة يا بنت محمد سَليني مِن مالي ما شئت؛ لا أغني عنك من الله شيئًا) ويعتقد أن الله تعالى لم يجعل لأحد من عبيده الأحياء - فضلاً عن الأموات - قدرة على التصرف في الكون، وإسعاد الناس وإشقائهم وراء الأسباب العادية التي يصل إليها الإنسان بجِدّه واجتهاده، وكسبه واختياره، وإن هذه الأسباب منها ما هو مشهور يعرفه جماهير الناس، ومنها ما هو خفي لم يصل إليه إلا بعضهم. هذا مجمل ما يعتقده ويدعو الناس إليه في (المنار) ، ولكن هذه الدعوة ساءت الذين بنوا هياكل مجدهم وسيادتهم على أساس الاعتقاد بأنهم هم وشيوخهم يتصرفون في الأكوان، فيُسعدون ويُشقون، ويُميتون ويُحيون، ويغنون ويفقرون؛ فقادوا الناس بسلاسل الوهم إلى الخضوع لهم، حتى فَسَد دِينُهم، وخربت دنياهم. وحَبَّبَ هذا الاعتقاد إلى الدَّهْماء ما فيه من تخفيف ثِقَل التكليف، بل ما فيه من معنى الإباحة. وأي إباحة أعظم من اعتقاد المنتسب للطريقة الرفاعية أن مَن يلمس يد الرفاعي أو أحد خلفائه وذريته لا تحرقه النار! ، كما هو مذكور في كثير من كتب هذه الطائفة التي نشرت بالطبع في هذه العشرين سنة الأخيرة، وأي تغرير بالمسلمين في دينهم أعظم من قول هؤلاء القوم: إن السيد أحمد الرفاعي الكبير قال: إن الولي يصل إلى درجة يقول فيها للشيء كن فيكون! (راجع صفحة ٨٥ من كتابهم المسمى إرشاد المسلمين) ، فناشر هذه الكتب والتعاليم، وهو الشيخ أبو الهدى أفندي، الشهير لا شك أنه استاء مما يدعو إليه (المنار) ، فكتب إلى ابن عمه متصرف طرابلس بدري باشا بأن يضطهد أهلينا، فاتفق مع العسكرية على إرسال إخوتي في العسكرية، مع أنهم من طلاب العلم الذين استثناهم القانون، وأحدهم جاوز الأسنان بهذا الاستثناء، ولم يكتفِ بهذا، بل هددهم بأكثر منه، مما لا نذكره إلا إذا وقع. وقد علمنا من أخبار الآستانة أن سماحته عازمة على إرسال شخص من أتباعه إلى مصر ليقتل منشئ (المنار) ، وليس هذا على أفكاره ببعيد؛ فقد كان صرَّح لمدير الجريدة - عندما كان في الآستانة - بأنه يرسل كتابًا إلى اللورد كرومر يطلب فيه إرسالي إلى الآستانة بالقوة، وإلا يرسل مَن يقتلني في مصر. وكأنه حسب أن اللورد كرومر، كابن عمه بدري باشا متصرف طرابلس - يطيع أمره؛ لأنه يخدم السفارة الإنكليزية أحيانًا، ولكن أخطأ حسبانه. أما عزمه على قتل هذا الفقير، فهو لأجل أن يدَّعي - إذا تم له هذا - بأنه كرامة من كراماته، كما ادَّعى أن موت المرحوم السيد جمال الدين كرامة له. {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ} (التوبة: ٥١) ، إذا تم لبدري باشا استخدام الهيئة العسكرية في اضطهاد قومنا، فإننا نأسف على إهانة الشرف العسكري العثماني أشد مما نأسف لإهانة أهلينا، على أننا ممن يرى العسكرية شرفًا وأن تَرَفُّعَ أهل العلم والشرف عن خدماتها خطأ، وعائق عن ترقيها، وبلوغها الكمال، وإننا ننتظر ما يتم في هذه المسألة، فإذا ظَلُّوا متمادين في ظلمهم؛ نكشف الستار عن مخبآتهم في الهيئتين الملكية والعسكرية، وحسبنا الله ونعم الوكيل.