ألم مراسل جريدة الأخبار المصرية في الآستانة بمدينة (رومية) عاصمة الدولة الإيطالية في طريقه إلى (لوزان) وزار فيها السردار عظيم الله خان سفير الدولة الأفغانية فيها فوجده في دار السفارة يقرأ القرآن العظيم، وبعد أن تعارفا دار بينهما الحديث الآتي وكان المراسل سائلاً والسفير مجيبًا. (الأفغان وإيطاليا) س - هل أسست الحكومة الإيطالية سفارة لها في (كابل) مقابل السفارة الأفغانية التي تأسست في (روما) ؟ ج - أجل لقد أسست الحكومة الإيطالية سفارة لها في (كابل) وعينت الماركيز (بيترنو) سفيرًا لها لدى جلالة أمير الأفغان. وقد تم الاتفاق بين شركة أفغانية وشركة إيطالية على مد خط أوتوموبيل بين (كابل) و (بشاور) إلى مدة ١٢ سنة بحيث يكون ٦٠ في المائة من رأس المال إيطاليًّا و ٤٠ في المائة أفغانيًّا. س - هل عقدت أو تتفاوض الحكومة الأفغانية لعقد معاهدات أو اتفاقات سياسية أو اقتصادية مع إيطاليا؟ ج - إنني لم أصل إلى عاصمة إيطاليا إلا منذ أيام قلائل، بيد أننا سنسعى لعقد معاهدات تجارية مع إيطاليا؛ لأن لدينا مواد كثيرة يمكننا تصديرها إلى البلاد الإيطالية، ومن هذه المواد الصوف وجلود استراخان، والسجاجيد والفواكه الجافة وبعض المعادن كالذهب والفضة والحديد و (الزنك) والنحاس والكبريت وبعض الأحجار الكريمة كالزمرد والياقوت والماس وغير ذلك. وهنا دعا دولة السفير تابعه وأمره أن يحضر نماذج المعادن الأفغانية فأطاع التابع، وأحضر عددًا من العلب فتحها السفير وألقى ما فيها على جريدة فرشها على المكتب وأرانا أنواع الحديد والرصاص والزنك والنحاس والذهب والفضة. وقد كان من بينها ما هو خام وما هو نقي. ثم إنه فتح العلب التي تحتوي على الأحجار الكريمة وأرانا أنواع الياقوت والزمرد والماس والزبرجد مقدمًا لنا بعض التفصيلات عن المناجم التي تحتوي هذه المعادن، قائلاً: إن من بينها ما لا يستطيع العالم بأسره أن يستنفذه. وقد قضينا نحو نصف ساعة في فحص هذه المعادن والأحجار ولما انتهينا من فحصها عدنا إلى حديثنا فسألنا دولته: (السياسة الأفغانية في الغرب والشرق) س - ما أساس السياسة الغربية التي تتبعها الحكومة الأفغانية؟ ج - الصلح والمسالمة. لقد كانت بلاد الأفغان موصدة الأبواب إلى حين إعلان استقلالها، والآن تتعارف الأفغان مع جميع الدول وستزداد بهم تعرفًا كل يوم. لا تريد الأفغان أن تنازع أحدًا وإنما تريد ترقية بلادها. وقد كان المعنى الذي استخرجناه من أقوال دولة السفير أن أساس السياسة الغربية التي تتبعها الأفغان هي المسالمة الرامية إلى الاستفادة من الغرب في استثمار المنابع الطبيعية الأفغانية وإعلاء شأن البلاد الأفغانية عرفانًا واقتصادًا. س- إذن ما قواعد السياسة الشرقية التي تتبعها الحكومة الأفغانية؟ ج- الإخاء ! وقد كان من أحدث مظاهر هذا الإخاء تلك البرقية التي أرسلها جلالة أمير الأفغان إلى ملك إنجلترا طالبًا فيها معاملة تركيا في دائرة الحق والعدل. وقد أرسلت الحكومة الأفغانية برقيات في هذا المعنى لحكومتي فرنسا وإيطاليا. س- ما رأيكم في مؤتمر لوزان؟ ج- إننا لا ننتظر إلا صلحًا عادلاً مرضيًا. س- فإذا لم تقبل الدول تحقيق الميثاق الوطني التركي واضطرت تركيا إلى مواصلة جهادها، فماذا يكون موقف البلاد الأفغانية نحو تركيا؟ ج- موقف البلاد الأفغانية إزاء هذه الحالة مُصَرَّحٌ به في المعاهدة التركية الأفغانية. س- لماذا لا تتأسس العلاقات السياسية بين مصر والأفغان؟ ج- نحن نريد أن نؤسس مع مصر كل علاقة. وقد مر (الجناب الأعلى محمود طرزي بك) سفير الدولة الأفغانية في باريس بمصر خلال سيره إلى مقر وظيفته وقابل الكثيرين من رجال مصر فأكرموا وفادته ولبث هنالك مدة. وإذا قبلت مصر فنحن مستعدون في الحال لتأسيس جميع العلاقات السياسية. س - كيف شعور الأفغانيين نحو إخوانهم المصريين؟ ج - لا فرق بين الأتراك والمصريين في نظرنا، نحب كليهما حبًّا جمًّا. ونحن نتلقى أخبار مصر دائمًا ونتتبعها بكل شوق. وبُغيتنا تأسيس جميع الروابط مع جميع الشعوب الإسلامية وعلى الأخص الشعب المصري. (مبادئ التربية في بلاد الأفغان) س- اسمح لي يا دولة السفير أن أسألكم بعض أسئلة ليست سياسية. هل تتكرمون عليَّ ببيان مبادئ التربية التي تقبلتموها لتربية أبنائكم؟ ج- هي مبادئ التربية الإسلامية الصحيحة. وهل هناك مبادئ أشرف وأعلى من مبادئ التربية الإسلامية؟ إن الدين الإسلامي دين الفطرة، دين الفضيلة، دين العزة، دين المدنية، دين الحق والحقيقة. فكيف لا تكون مبادئه أساس التربية في البلاد الإسلامية؟ نحن على أتم يقين أن كل نجاح وكل فلاح نفوز به في معترك الحياة، إنما نفوز به بفضل اعتصامنا بمبادئ ديننا المبين. فإذا ما أرخينا حبل الاعتصام أخذنا في التقهقر، والانحطاط والاضمحلال, تلك حياة المسلمين أعدل شاهد على أنهم قد ارتفع شأنهم كما رفعوا شأن العالم معهم لما كانوا متعصمين بالدين الإسلامي. لكنهم لما أهملوا دينهم اجتمعت عليهم المصائب ولم يستطيعوا مقاومتها. فكيف يكون الأمر على هذا المنوال ولا نتخذ مبادئ التربية الإسلامية أساسًا لتربيتنا. أزيد على ذلك أننا نهتم في بلادنا بترقية معارفنا على هذا الأساس، أكثر من اهتمامنا بأي شيء. والجميع من جلالة الأمير إلى أصغر صغير يبذلون كل جهد لترقية المعارف. ويعقب ذلك في الأهمية: الحربية ثم الداخلية. وقد أرسلنا إلى أوروبا بأعداد من الطلاب كما تعلمون، ونحن نبذل قصارى الجهد لأن يكونوا متمسكين بمبادئ الدين الحنيف معتصمين بحبل الله، حتى يتمكنوا من خدمة شعبهم أعظم الخدم. (التشريع والآداب في الأفغان) س- ما منابع التشريع في بلاد الأفغان؟ ج- منبع التشريع هو الشريعة الغراء، نستمد جميع قوانيننا منها. وكلنا يراعي هذه القوانين. وليس جلالة الأمير غير مسئول. بل هو مسئول ويُدْعَى إلى المحاكمة إذا حدث خلاف بينه وبين أحد رعاياه. فالكل تحت حكم القانون المستمَد من الشريعة السمحة بلا استثناء. حكومتنا حكومة شرعية، قانونها الأساسي أحكام الشرع. س- هل تطبق المبادئ الاجتماعية في الحياة الأفغانية؟ ج- تُطَبَّقُ تمام التطبيق. ومن آثار ذلك أن الأشربة الكحولية لا تدخل في بلادنا أصلاً، أجل، لا تدخل الآفات العصرية في بلادنا. وسياجنا الحصين الذي يمنع دخولها في بلادنا هو إيماننا قبل كل شيء، ولن تجد امرأة عاهرة واحدة بين نساء الأفغان. بلادنا والحمد لله طاهرة مطهرة، بلاد إسلامية بكل معنى الكلمة، وكل من يجرؤ على خرق هذه المبادئ يلاقي عقابه الصارم في الحال. (جلالة أمير الأفغان) س- نسمع عن جلالة أمير الأفغان كثيرًا من المناقب التي تتلقاها بكل احترام وفخار. فهل لدولتكم أن تزيدونا بيانًا؟ ج- أشرح لكم كيف يقضي جلالة الأمير يومه: ينتبه جلالة الأمير من نومه مبكرًا ويكون على رأس عمله قبل نُظَّارِهِ وقبل موظفي حكومته. ويشتغل مع نظاره إلى الظهر حيث يتناول غذاءه معهم ثم يعود بعد برهة إلى العمل حتى المساء، وهنالك يتريض نحو ساعتين بركوب الخيل أو المشي أو غير ذلك، ثم يتناول عشاءه ويعود إلى عمله حتى بعد منتصف الليل. ولهذا يلوح على جلالته آثار التعب دائمًا. هكذا يقضي جلالته أيام أسبوعه ولا يستريح إلا أيام الجمعة. لا يتناول جلالته أي مرتب من خزانة الشعب بل يعيش من دخله الخاص معيشة بسيطة لا تفترق عن معيشة أفقر رعاياه. ولا شك أن مثل هذه الحياة تكون خالية من جميع مظاهر الأبهة والعظمة الخاوية. وجلالته رجل عمل لا رجل مظاهر. وقد كان أحسن أسوة لأمته للسعي والكد في سبيل ترقية البلاد ا. هـ الحديث. قال المراسل: الحق أن دولة عظيم الله خان رجل كبير من كل وجهة. فهو - عدا كونه رجل عمل ورجل دولة - رجل إسلام يشعر بعزة دينه أسمى شعور؛ ولذلك تراه في عاصمة إيطاليا يرتدي ملابسه التي يرتديها في عاصمة دولته ولا يستبدل بطربوشه قبعة، أي إنه رجل يمثل دينه ودولته على السواء اهـ. (المنار) قد نشرت الصحف العامة مقالات أخرى عن الأفغان وأميرهم متعددة المصادر متفقة المعنى مصدقة لما قلناه في هذه الأمة مرارًا آخرها ما في بحث الخلافة المستفيض وهو أن هذا الشعب هو الجامع بين صلابة الدين التي في بلاد نجد وبين الأخذ بأساليب المدنية والعمران السالمة من أخطار ومفاسد المدنية المادية الإفرنجية السارية في مصر وبلاد الترك وأمثالها. ولا نرى في كلام السفير الأفغاني في إيطاليا مبالغة إلا في قوله: (إن معيشة الأمير لا تفترق عن معيشة أفقر رعاياه) .