للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد محمود المصري


الطريقة التجانية
للأزهري الفاضل الغيور صاحب الإمضاء

هي طريقة تُنسب لأحمد التجاني، وهو نسبة لـ (تجان) بلدة من بلاد
المغرب توفي سنة ١٢٣٠ هـ، وهو مبتدع غرر بضعفاء العقول حتى اعتقدوا
أنه من الأولياء الكبار، وقد أتى بمخالفات للدين، وقضايا وأحكام غير شرعية،
وادعى أنه تلقاها من الرسول يقظة - كذبًا وزورًا - وقد تصفحنا أكثر الكتب التي
ألَّفها أصحابه وأيدها أتباعه، وادعوا جميعًا أنها عن لسان الشيخ، فوجدنا فيها ضلالاً
وإلحادًا وزيغًا وعنادًا، تحث على التفرقة بين المسلمين، وتحض على التمسك بأقوال
شيخهم مع العلم بمخالفتها لأقوال سيد المرسلين. وكم قرأنا فيها من نزغات
مبكيات، وأضاليل وترهات، تتلاشى أمام العقل وتصير هباء عند من يعرف
النقل، ويروج هذه الأضاليل ويعمل على نشر هذه الأباطيل قوم لا خلاق لهم، ولا
معرفة عندهم، يتعصبون للبدعة، ويهدمون السنة، وكم غرسوا من إحن، ودبروا
من فتن لهدم صرح الدين، ولكن أبى الله إلا أن يتم نوره، فتفطن الناس لهم
وفحصوا مبادئهم، وحذروا الجمهور من ضلالهم.
وأشهرهم (أحمد بن بابا الشنقيطي) ومحمد بن عبد الواحد النظيفي
المراكشي في المغرب، وفي القطر المصري محمد الحافظ وبدر عبد الهادي سلامة،
وقد ألف الثاني [١] كتابًا سماه (الطيب الفائح، في صلاة الفاتح) هو غاية في
الضلال ونهاية في الوبال، وألف بدر عبد الهادي سلامة كتابًا سماه (النفحة
الفضلية) وهو شر من سابقه، وادعى أنه نقله من كتبهم الصحيحة، وعن آرائهم
الرجيحة، ويعلم الله أن أقوالهم زور وبهتان وداعية إلى الإثم والعدوان.
ومرادنا أن نبين شيئًا مما في هذه الكتب، وأن نسطر قليلاً من الكثير الذي
فيها من الكذب، ليحذر الناس منها، ويعمل العقلاء على مقاومتها والأمر بإحراقها
فضلاً عن هجرها.
فمما في كتاب النفحة الفضلية (ص١٨٦) تحت عنوان (تكفير الصلاة
الفائتة) ما نصه: في كتاب الجامع من صلى أربع ركعات قبل العصر يوم الجمعة
يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة، وآية الكرسي مرة، وسورة الكوثر خمس
عشرة مرة، فإذا سلم استغفر الله عشرًا، وصلى على النبي بصلاة الفاتح خمس
عشرة مرة - كانت كفارة للصلاة الفائتة. وعن علي (رضي الله عنه) ولو خمسمائة
سنة، ومن صلى بها ولا قضاء عليه، إن كان في صلاة أبيه وأمه كانت كفارة
لهم) اهـ.
لمثل هذا يذوب القلب من كمد ... إن كان في القلب إسلام وإيمان
متى سمعتم يا معشر المسلمين أن ركيعات مبتدعات تكفر ما على الإنسان
من الصلوات المكتوبات؟ أليس هذا هدمًا للركن الذي لم يبق سواه؟ وليت شعري
لماذا يجهد المصلي نفسه بأداء الصلوات الخمس في الحضر والسفر، والبرد والحر،
وهو يصدق بهذه (الفائدة المنكرة، والبدعة المحرمة، والضلالة المحررة) إن
هذا المُقرّ على هذه الفائدة والحاكي لها، والمعتقد بها، يريد أن يقول: دعوا
الصلوات واهجروها ولا تقربوها، فهذه الفائدة فيها الكفاية. أليست هذه غواية؟
وفي الضلال نهاية؟ إن الرجل لا يستطيع أن يصرح بذلك فأشار بفائدته إلى ما
يُكنُّه قلبه وما اخترعه خياله، ولكن لم تخْفَ مكيدته، وقد بانت خطيئته، ومن
جهله وعدم حسن تعقله، إسناده هذه الضلالة إلى علي رضي الله عنه بغير سند،
وإن أدنى طالب للعلم يجزم بأنها لا تصدر من مسلم فضلاً عن صحابي، فضلاً عن
أمير المؤمنين، وأقضى المسلمين، وربيب الرسول صلى الله عليه وسلم
وصهره.
ولقد كان يرى الرسولَ صلى الله عليه وسلم والصحابة (رضي الله عنهم)
يحافظون على الصلاة حتى عند اشتداد الملحمة، وفي وقت الحرب الضروس،
فخسف (بدر عبد الهادي) بكذباته التي في فائدته، وقد أسقطتها، ومنها عرفنا قبح
سريرته. وخبث طويته. ثم لم يكتفِ بجعله هذه الركيعات المحدَثات مكفرة لما
على الشخص من الفوائت، بل قال: (إن لم يكن عليه فوائت كانت كفارة
لوالديه) كأنها فوق الحج الذي ليس له هذه القوة، وفوق سائر العبادات التي ليس
لها هذه المزية، سبحانك اللهم {إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ} (الفرقان: ٤) مع العلم بأن الصلاة التي ذكرها لم تَرِدْ عن الرسول صلى الله عليه
وسلم، ولم يقُل بها أحد من رجال المذاهب المعتبرة، فهي على ذلك بدعة منكرة
وفرية بلا مرية، وقد قرر فقهاء الحنفية والشافعية ورجال الشريعة الإسلامية أن
تكرير سورة واحدة في ركعة مكروه وخلاف السنة، فكيف يدَّعي هؤلاء الضالون أن
لها هذه المزية، مع أنها بدعة دينية، ونكِلُ الكلام في مسألة تكفيرها لفوائت
الوالدين إلى الأستاذ الرشيد.
وفي الصفحة الثالثة من الكتاب المذكور ما نصه: عدم زيارة الأولياء الأحياء
والأموات. قال شيخنا: هذا شرط عندنا فمن أخذ وردنا لا يزور أحدًا من الأولياء
الأحياء ولا الأموات أصلاً، وقال أيضًا: قال لي سيد الوجود صلى الله عليه وسلم
مسألة أغفلها الشيوخ وهي أن كل من أخذ عن شيخ وزار غيره لا ينتفع به ولا بذلك
الغير أصلاً. اهـ.
يريد الرجل أن يجعل مَن عاهده سلعة يتّجر بها، ويتحكم في رقاب مَن اتبعه
بإثارة هذه الفتنة المخالفة للسنة: فقطيعة الأولياء عنده أمر مقرر، وواجب محرر!
حتى لقد قال في ص ١٢٠ (إياك أن تنظر إلى ما في (جواهر المعاني) إن المريد
له أن يزور الأولياء الأموات، فإن الشيخ قد رجع عن ذلك قال شيخنا: كل من
أخذ وردنا فلا يحل له أن يزور وليًّا لا حيًّا ولا ميتًا) وفي ص ٦ (مَنْ زار وليًّا
وقصد تبركًا أو مددًا دنيويًّا فليس من أهل هذه الطريقة لقول النبي لشيخنا: إذا مر
أصحابك بأصحابي فليزوروهم فقط اهـ. وهذا القول مخالف لآيات القرآن
والسنة المتبعة في ولاية المؤمنين ولأحاديث الزيارة المشهورة.
ثم يأتي بعد هذا (أحمد التجاني وأتباعه) ويأمرون بمقاطعة أولياء الرحمن،
والبعد عن ساحة أهل العرفان كأنهم لم يقرؤوا القرآن، ولم يعرفوا هدي الرسول
عليه الصلاة والسلام {فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} (الحديد: ١٦)
ومما يثبت حمق شيخهم دعواه أن النبي قال: (مسألة أغفلها الشيوخ إلخ) ، مع
أننا نعرف آدابه العالية صلى الله عليه وسلم ومزاياه الغالية، هذه سقطة للتجاني لا
ننساها له، وكيف يغفل السلف الصالح عن الحكم في هذه المسألة وقد شهد لهم
الرسول وزكاهم وتداولتها كتبهم وشرحها الرسول قبلهم، وعلمهم الحق، وترك لهم
كتابًا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فيه تبيان كل شيء.
وهل يعقل أن قول النبي بعد وفاته يخالف قوله في حياته صلى الله عليه
وسلم أيُتصور أن ما بلغه للناس كان غير حق، فلما انتقل تبين له الهدى ولم يخبر به
إلا التجاني وتابعيه؟ ويترك أصحابه صلى الله عليه وسلم ومؤيديه؟ إن هذا يؤدي
إلى الطعن في عصمته وأمانته، بل هو القدح في نبوته وفي كل ما جاء به، وليت
شعري إذا لم يصح بلاغه لنا صلى الله عليه وسلم في حياته وهو المعصوم أيصح نقل
التجاني وهو المنغمس في خطيئته، الغارق في ضلالته {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكِتَابَ
بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناًّ قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ
أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ} (البقرة: ٧٩) .
إننا إن تركنا التعرض لدعوى الاجتماع بالنبي ومكالمته والتلقي عنه فربما
يتترس الملحد بقول بعض المتأخرين (بإمكان الاجتماع) ولكن ليعلم هذا
الكذاب (أن جميع العلماء اتفقوا على أن كل من حكى عن الرسول صلى الله عليه
وسلم شيئًا يخالف ما روي عنه فهو ضالّ، وفي كفره خلاف إن تعمد
الكذب) .
ولقد اجتمعت بمحمد الحافظ أحد ممثلي هذه الطريقة وكلمته في مسائل كثيرة
من أضاليلهم، وانتقلنا إلى التكلم في مسألة الزيارة، فقال: إننا نمنع زيارة
الاستمداد من الأولياء، ونأمر بزيارتهم كما كان الرسول يفعل، وهذا رأي الوهابية،
فقلت له: كتبكم تنطق عليكم بأنكم لا تريدون هذا؛ بدليل ما سبق من أقوالكم في
هذه المسألة، وتصريحكم مرة بمنع الزيارة للنفع الدنيوي ومرة للنفع الأخروي،
على أنكم قلتم في صفحة ٧١ من الكتاب المذكور: من الآداب أن ييأس المريد من
وصول مدد إليه من غير طريق روحانية شيخه، وأن يعتقد أنه أكمل الأولياء وأن
لا يشرك معه أحدًا في مرتبة محبته اهـ. هذا مع أن من البدع التي نص عليها
الشاطبي في الاعتصام المغالاة في الشيوخ واعتقاد بعض الناس أن شيخه أكمل
الأولياء، على أنكم صرحتم بأخطر وأشنع وأقبح وأفظع مما ذكر، فقلتم في ص
٢١ من الكتاب المذكور: إذا جمع الله الخلق ينادي مناديًا يا أهل الموقف أحمد
التجاني هو ممدكم في الدنيا. وقلتم غير مرة: إن شيخكم ممد للعالم من نشأته إلى
نهايته، وكيف يعقل هذا؟ ألم يكن شيخكم صغيرًا يبول على نفسه ويزيد في هوسه؟
أيمد غيره وهو أحوج الناس إلى من يزيل عنه أقذاره؟ ثم إن الله قال في شأن
الأولياء: {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} (يونس: ٦٣) فلا تثبت لهم الولاية
إلا بعد خلقهم وتكليفهم. فبهت وتحير وزمجر وكشر عن أنياب قلت عند رؤيتها:
(أذكرني فوك حمار أهلي) وعلمت أن الرجل يريد أن يفهم العوام أنه وهابي؛
ليكرهوا الوهابيين، فكشفت لهم حالته وبينت حقيقته، فعلم الناس ما دبره
وفهموا خبره، وكادوا يودون به.
ولهم في ص ٢١ من الكتاب المذكور أيضًا (جميع الأولياء من عصر
الصحابة إلى النفخ في الصور ليس فيهم من يصل مقامنا) هذا الضال أي أحمد
التجاني من أنذال القرن الثاني عشر، يريد أن يقول أنه أفضل من السلف الصالح
إلى غير ذلك من الأوهام التي لا تحد، والخزعبلات التي لا تعد، وقوم هذا شيخهم
وذلك كلامهم أبعد الخلق عن الدين.
ومن وقاحته، وقد كتبه أتباعه في بيان فضل طريقته أنه قال فيه أيضًا:
(ص ٢٠) (قدماي على رقبته كل ولي من لدن آدم إلى النفخ في الصور) وليس
لهم أن يقولوا: قد قال الشاذلي والجيلي مثل ذلك، أما أولاً: فلان هذا ليس بدليل،
(ثانيًا) هما لم يقولا: (من لدن آدم إلى النفخ في الصور) وإنما أشارا إلى
تفوقهم على أولياء عصرهما، وهؤلاء التجانية يعتقدون أنهم خير خلق الله على
الإطلاق، وشيخهم كذلك، بل قالوا في ص ٢٣ من الكتاب المذكور: (كل من
أحب الشيخ ومات عليها - ومن شرطها محبة أتباعه وعدم إيذائهم - ضمن له جده
صلى الله عليه وسلم أن يموت على الإيمان، ويخفف الله عنه سكرات الموت، ولا
يرى في قبره إلا ما يسره، ويؤمِّنه الله تعالى من جميع عذابه وتخويفه من الموت
إلى المستقر في الجنة، وتُغفر له كل ذنوبه، وتُؤدى تَبعاته ومظالمه، ويُظله الله
تعالى في عرشه، ويُدخله في أول الزمرة الأولى جنة عدن، ولا يموت حتى يكون
وليًّا قطعًا، هذا بإخبار النبي للشيخ مشافهة، وأما من أخذ ذكرًا ينال ما تقدم ويزيد
بأن أبويه وأزواجه يدخلون الجنة من غير حساب ولا عقاب ما لم يصدر منهم سب
للشيخ، قال لي سيد الوجود: أنت من الآمنين ومن أحبك من الآمنين، ولا مطمع
لأحد من الأولياء في مراتب أصحابنا إلا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم)
ولم يستثن الصحابة إلا بالنسبة لأصحابه فقط، وأما هو فقد قال (قدماي) إلخ، وفي
ص٢٦ (من أفراد هذه الطريقة مَن إذا رآه شخص يوم الإثنين أو يوم الجمعة
دخل الجنة بلا حساب ولا عقاب، وأن الشيخ يُدخل أصحابه الجنة بلا حساب ولا
عقاب) وفي ص٢٨ (صاحبي لا تأكله النار ولو قتل سبعين روحًا إذا تاب
بعدها) ، وفي صفحة ٢٩ (كل من عمل عملاً لله يعطي الله الواحد من هذه
الطريقة أكثر من مائة ألف ضعف مما يعطى صاحب ذلك العمل) .
وأذكر عند قراءة هذه المبكيات قوله تعالى في شأن اليهود والنصارى: {بَلْ
أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ} (المائدة: ١٨) .
وقد افتتنت هذه الطائفة بصيغة صلوات مُحدَثة مُخترَعة، حتى قالوا في
كتابهم المذكور صفحة ٣٢: (شرط قراءتها أن يعتقد أنها من كلام الله تعالى) ،
وفي كتابهم (الورد السانح) (صفحة ٢٤) أنها بمنزلة القرآن؛ لأنها من كلام
الله تعالى وليست من تأليف مخلوق، وفي (جواهر المعاني) أن ثوابها أكثر من ستة
آلاف ختمة بإخبار الرسول لشيخهم يقظة، وقالوا أيضًا في فضلها في صفحة ٣٠
من (كتاب النفحة الفضلية) : لو عاش العارف ألف ألف سنة كان ذاكرها عشر
مرات أكثر منه ثوابًا، وإذا صدر من العبد ما يحبط العمل فإنها هي لا تحبط، ومن
قرأها مرة غفرت له كل ذنوبه؛ لأنها لا تترك من الذنوب شاذة ولا فاذة، وهي
تعدل كل تسبيح وقع في الكون وكل ذكر، ومن القرآن ستة آلاف مرة وسائر الكتب
الإلهية اهـ. ثم سرد خرافات وضلالات وأرقامًا حسابية كأنه يُبين أكبر ميزانية
كانت في العالم، ثم قال هذا ثواب قارئها. ثم اعتدوا مرة أخرى كعادتهم فقالوا في
ص٢٥ من الكتاب المذكور: (في الأذكار اللازمة للطريقة صيغة من صيغ الاسم
الأعظم، ومن أخذ هذه الصيغة بسند متصل كان له نصف الثواب الكبير الذي هو
خاص به صلى الله عليه وسلم) اهـ. ونترك المجال لمولانا الحكيم في إيراد ما
يلزم على هذه المسائل، فقد - والله - بلغ السيل الزبى، وكادت أعصابي تتوتر
أسفًا مما جرى، وكم في الزوايا من خزايا.. . قبح الله الضلال وخذله.
ومن مخازيهم أن نفث الشيطان في قلب شيخهم، فاشترط على أتباعه (أن
من شرائط صيغة الفاتح أن يعتقد القارئ أنها من كلام الله، وأن النبي عين ذات
الله) وقد سئل شيخهم عن معنى ذلك فقال في ص٣٣ من النفحة: (إن النبي
كالمرآة تتراءى فيها الذات) اهـ. ولهم فيه أيضًا ص٧٦: من آداب المريد أن
يحمل كلام شيخه على ظاهره ولا يتأوله. ولو عاملناهم بهذا القانون في مسائلهم
السالفة وخصوصًا في هذه المسألة لكانوا تارة ملحدين، وأخرى فاسقين، وآونة
ظالمين {أَلاَ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} (النحل: ٥٩) وبئس ما يعملون {سَاءَ مَثَلاً
القَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ} (الأعراف: ١٧٧) ليت
شعري كيف يقولون: إن النبي كالمرآة تتراءى فيها الذات، وهو تأويل باطل
لا يؤيد باطلاً.
ويجول في ذهني أن القوم (قد ضلوا وأضلوا كثيرًا وضلوا عن سواء السبيل)
فخرفوا وحرفوا، واجتمعوا مع شيخهم على الشيطان، وقالوا عليه: إنه نبي
الرحمن. فوقعوا في الدرك الأسفل، وهذا أقل ما يمكن أن يقال في شأنهم {وَإِذَا
قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ المُفْسِدُونَ
وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ} (البقرة: ١١-١٢) .
وفي صفحة ٤٥١ من كتابهم (الطيب الفائح) أن شيخهم (بلغ غاية نهاية
الأولياء من نشأة العالم إلى النفخ في الصور سواء أولياء الأمة المحمدية وغيرها)
وفيه أيضًا ص٢٥ (إن الله صلى على النبي بصيغة صلاة الفاتح) ثم بعد ما
ضلوا في فضل (صلاة الفاتح) اتخذوا صيغة يتعبدون بها وسموها (جوهرة الكمال)
منها (اللهم صل على صراطك التام الأسقم) يقولون: إن النبي صلى الله عليه
وسلم أمر شيخهم بأن يصلي عليه بها، وقد تكلمت معهم كثيرًا أن هذا كذب من الشيخ
بين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم عربي وأفصح من نطق بالضاد (والأسقم
أخذه من استقام لا يصح) لأن (أفعل) شرطه أن يصاغ من فعل ثلاثي، فلا يصاغ
من رباعي إلا (أفعل) فقيل: يجوز مطلقًا، وقيل: يمنع مطلقًا، وقيل: يجوز إن
كانت الهمزة لغير النقل حتى قال الموضح: (وشذ على كل قول: ما أتقاه وما أملأه)
إلخ، وأما السداسي فلا يصاغ منه أفعل (كأسقم من استقام) باتفاق، فشيخكم
لجهله باللغة نسب إلى النبي ما بلغكم كعادته في أمور الدين، فبهت القوم وانصرفوا
على ذلك.
ولهم في ص٩١ من الجزء الأول من كتاب (جواهر المعاني) أن النبي قال
لشيخهم: (كل من أطعمك أو أحسن إليك دخل الجنة بلا حساب ولا عقاب)
ويظهر أن الشيخ كان نهمًا جشعًا لا يقبل أحد أن يطعمه، فهَّون على الناس ذلك بأن
خطر أكلته وإن كان كبيرًا إلا أن جزاءه النجاة من النار، نعوذ بالله من الجهل
والكذب، وفيه أيضًا بعد هذه الصحيفة (أن ثواب صلاة الفاتح كبير من قرأها كان
له ثواب سبعين نبيًّا كلهم حمل السلاح وجاهد) .
إلى سيدي صاحب المنار
بما عرفناه فيكم من الأخلاق المحمدية.. . والهمة الهاشمية، نرجو العمل
على إطفاء شعلة هذه الضلالة، والسلام عليكم ورحمة الله.
... ... ... ... ... ... ... ... محمود محمود المصري
... ... ... ... ... ... سنة ثانية فصل تاني بالقسم العلمي

(المنار)
إن شعلة هذه الضلالة لا تُطفأ برسالة تنشر في المنار، ولا بمجرد بيان ما
فيها من الكذب على الله، ومن شرعٍ لم يأذن به الله، وهو إشراك بالربوبية،
وتكميل نقص يُدّعى للملة الحنيفية، وما هي شعلة بل شعبة من شعب نار جهنم،
يأوي إليها عشاق الخرافات، ومتبعو الشبهات، وعبيد الشهوات، يحسبونها ظلاًّ
ظليلاً، وأن لهم فيها مقيلاً، إلى أن يأخذهم الله أخذًا وبيلاً {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ
عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً
خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً} (الفرقان: ٢٧-٢٩) هنالك يكونون ممن قال الله تعالى فيهم: {وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ
مَوْلاهُمُ الحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} (يونس: ٣٠) لعصيانهم قوله:
{اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} (الأعراف: ٣) .
إن هؤلاء الضالين لم يضلهم أشياخهم كالتجاني الدجال، ومؤلفي ما ذُكر من
الكتب لترويج بدعته، ونسخ شرعة الله الحق بشرعته، ما أضلهم هؤلاء وحدهم،
وإنما اشترك في إضلالهم الجمهور الأكبر من أدعياء العلم الشرعي عامةً،
وأصحاب المناصب الرسمية خاصةً، الذين هجروا القرآن وأعرضوا عن هدي
السنة، وتركوا سيرة السلف الصالح، وأقَرُّوا كل من تنحل طريقة من طرائق
التصوف على ما يضع من عبادة، ويَدَّعي من كرامة، حتى دعوى رؤية الرسول
صلوات الله وسلامه عليه في اليقظة أو المنام، وتلقي الأذكار والأوراد والبشارات
عنه وكذا العقائد والأحكام، وإن كانت مخالفة لما جاء به من كتاب الله المتواتر
وما صح من سنته بالأسانيد الصحيحة، وما أجمعت عليه الأمة في الصدر الأول.
وليس الدجال التجاني أول من كذب على الرسول وراجت أكاذيبه بشبهة
ثبوت الكرامة لصالحي الملة، بل سبقه إلى ذلك رجال من مبتدعة التصوف كانوا
أوسع منه علمًا، وأفصح لسانًا وقلمًا، وقد رد عليهم من هم أعلم منهم بكتاب الله
وسنة رسوله، وأعبَد لله تعالى، وأنفع للناس، ولكنهم لما لم يَدَّعوا لأنفسهم تلك
الدعاوي العريضة، طعن المتأخرون في دينهم وتجنبوا كتبهم، كما كان شأن أكثر
حملة العمائم في مصر وغيرها في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية المصلح الكبير،
وقد كان هذا الافتنان بالدجل والخرافات، واشتراك شيوخ العلم في الموالد المشهورة
على ما فيها من الفواحش والمنكرات، والبدع والضلالات - سببًا لفشو الكفر
والإلحاد في نابتة المدارس العصرية، وطالما جاهد المنار الدجل والدجالين، وردَّ
عليهم بالحجج والبراهين، ولا يزال يهدم ما بنوا من قواعد وأساطين، ولكن
أكثرهم لا يقرؤون المنار، وقلما يوجد في قرائه أحد يخدع بالدجل، وأما الإصلاح
العام، فلا ينتشر إلا بتأسيس دولة تقيم عمود الإسلام، وترد المسلمين إلى التعبد بما
تعبد الله الناس به في كتابه وعلى لسان رسوله، وتمنعهم من قراءة كل ما استحدثت
المتصوفة من أوراد وأحزاب وصلوات، كما يفعل الوهابيون في منعها حتى أقلها
ابتداعًا للصيغ "كدلائل الخيرات " فحسبنا كتاب الله وأذكاره، وما أثبت حفاظ السنة
من أذكارها المجموعة في مثل كتاب الحصن الحصين والأذكار للنووي، نعم إنه
يوجد في بعض ما اخترعه الصوفية ما لا يخالف النصوص، ولكن المأثور خير
منه، وإقراره يقتضي قبول غيره مما هو مخالِف لها، ومنه ما ادَّعى مبتدعوه أنه
موحى به من الله تعالى ومتلقى عن رسوله صلى الله عليه وسلم في اليقظة، كما
رأيتَ في رسالة الفاضل الأزهري عن كتب التجانية، ومن ذا الذي يميز بين
الموافق للنصوص وقواعد الشريعة والمخالف لها؟ فالفتنة لا ترتفع إلا بمنعها كلها.
إن الدجال التجاني -بل الجاني على الإسلام والمسلمين - وأمثاله من المتصوفة
الخرافيين، قد رأوا دعوى الكرامات أنجح الوسائل لتأسيس المجد الدنيوي، أي
الجاه الذي هو ملك القلوب، والمال الذي هو ملك الأعيان، فتوسلوا بها فوصلوا
إلى ما وصلوا إليه من اتخاذهم آلهة يعبدون، وأربابًا يُشرِّعون فيُتَّبَعون، ولو لم
يسكت لهم علماء الشريعة على منكراتهم لما وصلوا في إفسادهم إلى هذا الحد: حد
طبع الكتب المفسدة للعقائد ونشرها بين المسلمين، وعدها من كتب الدين، بل
يوجد في كبارهم من هم أشد خضوعًا للخرافات من العوام، وقد أخبرني الثقة أن
أحد كبار علماء الأزهر نظم قصيدة يشكو فيها للسيد البدوي سعاية بعض أعدائه
لإغضاب أمير البلاد عليه، ويطلب منه إنقاذه من شر هذه السعاية، وإرضاء قلب
الأمير عليه!
كان يجب على علماء الأزهر أن يؤلفوا جمعية دائمة لنقد الكتب التي تنشر
بين الناس، ولا سيما الكتب التي تمس الدين وتخالف عقائده أو آدابه وأحكامه،
وتبين للناس ما فيها من ضلال وتحذرهم منه، ولكننا نجد الكثيرين من المنسوبين
إلى الأزهر يدافعون عن أمثال هذه الكتب وأهلها، ويردون على المصلحين الذين
ينكرون عليها، ولا يزال بعضهم يصد عن كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، ويطعن
فيمن يسمونهم الوهابية، فإذا لم ينهض الأزهر لمكافحة الدجل والخرافات، وتحذير
المسلمين من بضائع معامل (فابريكات) الكرامات، فستكون عاقبته وعاقبة أهله
في مصر، كعاقبة معاهد الدين ورجال الشرع في الترك.