للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: عبد الله نصوحي


الرد على شبهات النصارى وترجمة البابا

حضرة الأستاذ الكامل
إن ما ينشره البروتستنت ضد الدين الحنيف وضد القرآن ما كان يدري به أحد
من المسلمين لولا ما تنشرونه تباعًا في مناركم في باب شبهات النصارى وحجج
المسلمين؛ فإن كتاباتهم ومجلاتهم الدينية لا يقرؤها إلا هُم، ولم يكن لها مشتركون
إلا منهم، ولا بد أن يكون فرحهم بنشركم خزعبلاتهم، والرد عليها أكثر من
سرورهم من نشرها في جرائدهم.
بالله وما مناسبة ذكر ترجمة البابا لاون الثالث عشر في مناركم الأخير، هل
قصدكم إظهار فضله وورعه ومناقبه للمسلمين، ألا يكفي في ذلك جرائدهم؟ هداكم
وهدانا الله لما فيه خير المسلمين.
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... الإسكندرية
... ... ... ... ... ... ... ... ... عبد الله نصوحي
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... أحد قرائكم

(المنار)
لم يكن هذا الانتقاد جديرًا بالنشر لضعفه في كلتا المسألتين، ولكننا نشرناه
لنُطمِع كل قارئ للمنار بانتقاد ما يراه فيه منتقدًا، ولتوقًُّع أن يكون في القراء مَن
ينتقد ما ذُكر لاتفاقه مع هذا المنتقد في الرأي.
أما الجواب عن الأول، فمن وجوه:
(أحدها) أننا نخبر المنتقد بأن المجلة التي نرد عليها تُرسل إلى شيخ الجامع
الأزهر وطائفة من كبار شيوخه، فمنهم مَن يردها، ومنهم من يقبلها لعلمه بأنه لا
يطالَب باشتراكها، وتُرسل إلى غيرهم من المسلمين، فإذا لم يرد عليها أحد فإن
ناشريها يحتجون فيما بينهم، ويحتجون على عوام المسلمين الذين يحضرون
مجالسهم في المكتبة الإنكليزية وغيرها - بأن علماء المسلمين قد عجزوا عن دفع
تلك الشُّبَه؛ لأنها أُرسلت إليهم، ولو كانوا قادرين على الرد فيها لفعلوا. وهذا باب
من أبواب تشكيك العوام في الدين، يجب علينا إغلاقه.
(ثانيها) أن هذه الشبه منشورة في كتب لهم مطبوعة، تباع للمسلمين
وغيرهم، ويطَّلع عليها بعض المسلمين في المجلة التي تنقل من الكتب. ومتى
أظهر المخالفون الاعتراض على الإسلام فالواجب على المسلمين مدافعتهم، وبيان
فساد شبههم، فإذا لم يفعل ذلك أحد يكون جميع المسلمين العالمين بذلك عصاة فساقًا،
على أن هذه المطاعن في أصل الدين فهي من الكفر، ولعلكم تعرفون حكم مَن
يسكت على ذلك، ويقره، وهو قادر على إبطاله.
(ثالثها) أننا ننشر تلك الشبهات مع ردها بالدلائل الناصعة التي نرى قراء
المنار - حتى من النصارى - مقتنعين بأنها أزالت كل شبهة، وكشفت كل غمة،
فكيف يتوهم المنتقد مع هذا أن يفرح المنتقدون ببيان جهلهم وإظهار بهتانهم؟ ! إن
هذا وهم عجيب إلا ممن لم يقرأ تلك الأجوبة السديدة.
(رابعها) أن كثيرين من المسلمين يطالبوننا بالرد على هذه الشبهات،
وكثيرًا ما ترد إلينا نسخ المجلة البروتستنية من جهات مختلفة في البريد، فنعلم أنه
لا غرض لمرسليها إلا الرد على ما فيها، ومتى سُئل العالِم في أمر الدين يحرم
عليه الكتمان بلا خلاف.
(خامسها) إذا فرضنا أن ما يكتبه القوم لا يعدوهم، وأنهم هم الذين يقرؤونه
دون سواهم - فإننا نرى من الواجب أن نزيل من أمام أعينهم الشبه التي تحجب
عنهم محاسن الإسلام، وتحملهم على سوء الاعتقاد به، وتجعل لهم حجة يحتجون
بها على البقاء فيما هم؛ فإن شيوع هذ الشبهات بينهم مانعة من تحقُّق بلوغهم دعوةَ
الإسلام على حقيقتها، وهي أن تكون الدعوة على وجه يحرك إلى النظر والبحث،
والدعوة الصحيحة واجبة على المسلمين، والجرائد والمجلات خير وسيلة لها.
ولا نرى للمسلمين جريدة ولا مجلة تنشر محاسن الإسلام وأصوله وأحكامه على
وجه يحرك إلى النظر؛ ولذلك جعلنا أشرف مقاصد المنار إحياء هذه الفريضة
الإسلامية التي يأثم المسلمون كلهم بتركها.
وإنني أخبر المنتقد بما كنت أحب أن أكتمه، وهو أنه جاءني في الأسبوع -
الذي كتب إليَّ فيه - كتاب من أحد المشتركين في (أنشاص الرمل) ، يقول فيه
مرسله: إنه اجتمع بأحد المتنصِّرين، فسأله عن سبب تنصره، فأخرج له الكتاب
الذي تنقل عنه المجلة البروتستنية الطعن في القرآن، وقال له: إن قراءة هذا الكتاب
هي السبب في ذلك، لا ضيق المعاش ونحوه من الأسباب التي تُخرج بعض جهلة
المقلدين عن دينهم أحيانًا.
وقد سألني مَن كتب إليَّ بذلك أن أرشده إلى كتاب يرد على ذلك الكتاب
المضل؛ ليطَّلع عليه ذلك المتنصر، لعله يعود إلى هداه، وإنني لا أعرف أن أحدًا
ردّ عليه، فما على السائل إلا أن يُطْلع ذلك المتنصر على مقالات المنار في الرد؛
لعله يهتدي بما أظهرناه من جهل مؤلف الكتاب، ومن تحريفه وكذبه وسوء فهمه
وقصده، ويقيس على ما رددناه ما سنزيده، حتى يتم الرد كله، وبالله التوفيق.
وأما سؤاله عن سبب ترجمة البابا في المنار فجوابه صريح في النبذة التي
كتبناها، والظاهر أنه رأى الترجمة فأنكرها ولم يقرأها، نرغب إليه أن يقرأها،
وإننا رأينا الفضلاء في مصر قد سُروا بهذه الترجمة سرورًا عظيمًا، وذهب بعضهم
إلى أنها من أنفع ما كُتب في المنار، وقال بعضهم: وددنا لو يموت في كل يوم بابا
لنسمع موعظة مثل هذه الموعظة! {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} (البقرة: ٢٦٩) .