نزول المسيح (س١) من أحمد أفندي عبد الحليم بشبين الكوم: هل يوجد دليل شرعي على أن المسيح سينزل ويحكم؟ وهل يكون بنزوله نبيًّا مع أن النبي صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين كما هو معلوم في الشرع، ولماذا حينئذ ينزل المسيح؟ وهل يكون قبل نزوله فترة؟ (ج) ليس في الكتاب والسنة نص قطعي الثبوت والدلالة على نزول المسيح توجب على المسلمين الاعتقاد بذلك، وإنما ورد في نزوله أحاديث اشتهرت لغرابة موضوعها وتخريج الشيخين لها وأكثرها عن أبي هريرة. وهذه المسألة من المسائل الاعتقادية التي يطلب فيها النص القطعي المتواتر. وقد استدل بعضهم عليها بآيتين من القرآن ليستا نصًّا فيها بل ربما كان الظاهر منهما خلاف ما حملتا عليه عند من ذكر، (إحداهما) قوله تعالى: {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} (النساء: ١٥٩) جاءت الآية في سياق الكلام على المسيح ومزاعم أهل الكتاب فيه ومعناها الظاهر أنه لا أحد من أهل الكتاب إلا ويؤمن بالمسيح الإيمان الصحيح قبل أن يموت أي: قبل خروج روحه؛ لأنه وقت تشرف فيه النفس على العالم الآخر فيظهر لها الحق، ولكن إذا جاء هذا الوقت {لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} (الأنعام: ١٥٨) فالضمير في (موته) للمنفي في قوله: {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الكِتَاب} (النساء: ١٥٩) الذي معناه لا أحد من أهل الكتاب. وعليه الأكثرون. وذهب المستدل بالآية على نزول المسيح إلى أن الضمير للمسيح، وأنهم يؤمنون به قبل أن يموت عندما ينزل ويقيم دين الإسلام ويحكم به، ولكن النفي العام في الآية لا يصح على هذا الوجه؛ لأنه لا يشمل أهل الكتاب الذين يموتون قبل النزول ولا يؤمنون به كاليهود في عصر التنزيل وما بعده إلى عصر النزول المدعى. على أن القرآن مصرح بأن المسيح قد توفي قبل رفعه كما هو المتبادر من قوله عز وجل: {يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيّ} (آل عمران: ٥٥) ولا يصار إلى التأويل ما لم يقم على خلاف الظاهر الدليل، هذا ما يقال في الآية بذاتها فهي من حيث إنها متواترة ليست نصًّا ولا ظاهرًا في المطلوب وإن وردت شاهدًا في بعض الروايات المرفوعة، وللرواية حكمها ومن ثبتت عنده وجب عليه الإيمان بها. والآية الثانية قوله تعالى بعد ذكر عيسى عليه السلام ومقارنة المشركين بينه وبين آلهتهم: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} (الزخرف: ٦١) فذهب بعضهم إلى أن الضمير (إنه) لعيسى، واختلفوا في وجه كونه علمًا للساعة فقيل: إنه حدوثه، وقيل: إحياؤه الموتى وقيل: نزوله في آخر الزمان، والآية لا تدل على هذا وإنما هو احتمال، وإنما ذهب بعضهم إلى أن الكلام في القرآن؛ لأن فيه الإعلام بالساعة والاستدلال عليها بالأدلة التي تقرب الاعتقاد بها من العقول، وهذا مما امتاز به على سائر الكتب السماوية التي سكتت عن ذلك أو أشارت إليه من طرف خفي، ولا غرو، فنبي القرآن هو نبي الساعة، وقد عرفنا من أسلوب القرآن الانتقال من محاجة الزائغين في عقائدهم وتقاليدهم إلى الدعوة إلى القرآن واتباع من جاء به، وتتمة الآية تؤيد هذا القول الأخير، فظهر أن لا دليل في القرآن على نزول المسيح، وأما الأخبار فقد ورد فيها ذلك فتلقاه الناس بالقبول لا سيما بعد اشتهار كتابي الشيخين ولكنهم لم يذكروه في العقائد الإسلامية؛ لأنه ليس قطعيًّا. ومما يستحق الذكر أن القول بظهور المسيح في آخر الزمن قد اتفق فيه المسلمون مع اليهود والنصارى في الجملة، ولكنهم اختلفوا في التفصيل، فاليهود ينتظرون مسيحًا جديدًا يجدد ملك إسرائيل ولذلك يسعون لتحقيق هذه الأمنية سعيًا ماديًّا يناسب الملك. والنصارى ينتظرون مجيء المسيح في ملكوته وصليبه ليدين العالمين ويحاسبهم على نحو ما يعتقد المسلمون في الآخرة. والمسلمون يعتقدون أن المسيح ينزل في آخر الزمان فيكسر الصيلب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويقيم الشريعة الإسلامية ويصلي مأمومًا وراء أحد أئمة المسلمين ليظهر أن الدين عند الله الإسلام. وقد بنت فرقة البهائية دينها على أساس هذا الاتفاق الإجمالي بين أهل الأديان السماوية، وزعموا أن زعيمهم (بهاء الله) دفين عكا هو المسيح المنتظر، وأن الباب هو المهدي الذي يقول المسلمون: إن ظهوره يتقدم ظهور المسيح. ولهم سبح طويل في تأويل الأحاديث وأقوال الصوفية الواردة في المهدي والمسيح وتطبيقها على الباب والبهاء وعندما يدعون النصارى إلى دينهم يعترفون بأن المسيح كان إلهًا كاملاً ويقولون: إنه لم يكن إلهًا بجسمه بل بروحه وهذه الروح الإلهية نفسها هي التي حلت في البهاء فهو إله كامل {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} (الصافات: ١٨٠) . وفي الهند قائم يدعي الآن أنه المسيح عيسى ابن مريم وكان من مشايخ الطريق وأهل العلم الإسلامي، وقد رددنا عليه في مجلد المنار الثالث ورددنا على البهائية أيضًا، وإن لنا لعودة إن شاء الله تعالى. وإن من النصارى من يحمل ظهور المسيح أو نزوله في آخر الزمان على أن الصفات التي امتاز بها والتعاليم التي كان يرشد إليها هي التي تكون سائدة في الناس وهي المحبة والمسالمة والمؤاخاة والأخذ بمقاصد الدين والشريعة دون الوقوف عند الرسوم الظاهرة التي قالوا: إنه طمسها من اليهودية. ثم عاد المنتسبون إليه فوضعوا لهم رسومًا غيرها ربما تزيد عليها من بعض الوجوه. وهذا التأويل على حدّ (ظهر في المسلمين عمر) إذا قام فيهم ملك عادل (وهذا الجيش يقوده نابليون) إذا كان قائدة شجاعًا مدربًا ولا حاجة للمسلمين بالتأويل إلا إذا ثبت أن الأخبار الواردة متواترة ويعارضها قطعي آخر ككون محمد خاتم النبيين صلى الله عليهم أجمعين. فعلم من هذا أنه لا يكون زمن فترة يضيع فيها الإسلام فيجدده المسيح، وإنما يبقى الإسلام معمولاً به إلى قيام الساعة كما ورد في الحديث الصحيح. هذا وإن لفظ النزول يستعمل بمعنى الخروج كقوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا الحَدِيدَ} (الحديد: ٢٥) فإذا احتجنا للتأويل نقول: إن معنى حديث نزول عيسى هو ظهور حقيقته بظهور الإسلام واستعلاء برهانه فيعلم النصارى أن المسيح بشر لا إله، وأن دين الله واحد لا فرق فيه بين عيسى ومحمد وغيرهما من الرسل، وهو توحيد الله والإيمان بلقائه في الآخرة ووجوب عمل الخير وترك الشر وما يتفرع عن هذه الأصول، ولا شك أن الترقي في علم النفس وعلم الكون سيرتقي بالناس إلى هذه المعرفة {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (فصلت: ٥٣) . *** انتفاع الموتى بالقراءة (س٢) من الشيخ أحمد حسن يوسف معمَّر بالأزهر: هل ورد دليل من الكتاب أو السنة أو الإجماع بانتفاع الموتى بقراءة القرآن عليهم أم لا؟ فإن كان ورد شيء يؤيد ذلك فما معنى قوله تعالى {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى} (النجم: ٣٩) الرجاء كشف النقاب عن هذه المسألة ولكم الفضل. (ج) لم يرد في الكتاب ولا في السنة ولا في الإجماع شيء يثبت انتفاع الأموات بقراءة غيرهم القرآن عليهم، والآية ناطقة بأن الإنسان لا ينتفع إلا بعمله وكسبه، ومنه ما يبقى أثره أو عينه بعد موته كالصدقه الجارية والعلم النافع والذرية الصالحة، ولذلك ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم يُنْتَفع به أو ولد صالح يدعو له) رواه مسلم وأصحاب السنن من حديث أبي هريرة. فهذه الثلاث ملحقة بعمل الإنسان ومعتبرة منه فلا حاجة إلى ما قاله بعضهم من تخصيص عموم قوله تعالى: {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى} (النجم: ٣٩) . بالحديث إذ لا منافاة. ومثل ذلك يقال فيمن سأل النبي صلى الله عليه وسلم: هل يتصدق عن أبيه، ومَنْ سأله هل يتصدق عن أمه، وإجابته إياهم بنعم ومنهم سعد بن عبادة الذي سأله: أي الصدقة أفضل؟ فقال: سقي الماء. ولم يرد مثل ذلك إلا في صدقة الأبناء عن الوالدين. وقد ألحقوا بهم غيرهم في الصدقة، ولا دليل على ذلك إلا إذا صح القياس في الأمور التعبدية. وخصوا الآية بالعبادات البدنية كالصلاة والقراءة. وقد استدل الإمام الشافعي رحمه الله تعالى بالآية على أن ثواب القراءة لا يلحق الأموات، وهو مذهب مالك أيضًا. ولا نخوض هنا في خلاف العلماء وتأويلهم؛ لأن السائل لم يسأل عن ذلك. وأما حديث (اقرأوا يس على موتاكم) فقد رواه أبو داود وابن ماجه والنسائي وابن حبان وصححه وأحمد بلفظ آخر. ولكن ابن القطان أعله بالاضطراب وبالوقف وبجهالة حال أبي عثمان وأبيه من رجال سنده، وقال الدارقطني: هذا حديث ضعيف الإسناد مجهول المتن. وتصحيح ابن حبان لا يُعول عليه مع هذا الجرح؛ لأنه كان يتساهل بالجرح فيعتمد جرحه دون تعديله إذا انفرد به كما صرح به الذهبي في (ميزان الاعتدال) على أنه فسره في صحيحه بقراءتها عند المحتضر فقال: (أراد به من حضرته المنية لا أن الميت يُقْرَأ عليه) وخالفه المنتصرون للقراءة على الأموات. ولو أن في الباب حديثًا صحيحًا لما احتاجوا للاستدلال بحديث وضع الجريدتين على القبر، ولا دلالة فيه كما هو ظاهر. *** اتخاذ الصور (س٣) أحمد أفندي صادق الدباغ بالإسكندرية: ما حكم اتخاذ الصور وهل يحرم تزيين المنازل بها؟ (ج) اختلف العلماء في اتخاذ الصور فقيل: إنه محرم مطلقًا. وقيل: إن المحرم منها ما له ظل، وأما ما لا ظل له فلا بأس باتخاذه. وقيل: إن المحرم هو ما اتخذ بهيئة تعظيم، وهذا أقوى الأقوال عندي لوجهين: أحدهما حديث عائشة عند أحمد والبخاري ومسلم وهو: (أنها نصبت سترًا وفيه تصاوير فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزعه. قالت: فقطعته وسادتين فكان يرتفق عليهما) وفي لفظ أحمد (فقطعته مرفقتين فلقد رأيته متكئًا على إحداهما وفيها صورة) المرفقة: المتكأ والمخدة، ولو كانت الصورة ممنوعة لذاتها لأزالها من المرفقة، وإنما هتك الستر؛ لأنه كان منصوبًا كالصور المعبودة فهو يذكر بها وفيه تشبه بعابديها. ثانيهما: العلة الحقيقية في النهي عن التصوير والصور المعظمة وهي محاكاة عُباد الأصنام لا ما قالوا من أن فيها محاكاة خلق الله، فإن هذه العلة تقتضي تحريم تصوير الشجر والجماد، وقد نقل بعضهم الإجماع على حله. فإذا انتفت العلة انتفى المعلول والله تعالى أعلم.