تقرير رفعه فضيلة الأستاذ أبي العيون إلى أصحاب الدولة رئيس الوزراء ورئيس مجلس الشيوخ، ورئيس مجلس النواب، خاص بإلغاء البغاء الرسمي. حضرة صاحب الدولة الرئيس السلام عليكم ورحمة الله وبعد. فإني أبرقت إلى دولتكم اقتراحًا بتاريخ يوم الاثنين ٣ ذي الحجة سنة ١٣٤٤هـ الموافق ١٤ يونيو سنة ١٩٢٦م. بشأن إلغاء البغاء الرسمي، سألتكم فيه بحرمة الدين والوطن أن تعملوا على إلغائه أسوة بالممالك المتمدينة، كأمريكا وإنجلترا، وألمانيا. واليوم يا دولة الرئيس نرفع إليكم تقريرًا كمذكرة إيضاحية للبرقية السالفة الذكر مثبتين في ذلك التقرير بعض البيانات التي جعلتنا ننتهز الفرصة الحالية لرجائكم في العمل على إلغاء البغاء الرسمي، وإليكم نصها: أ - إن دستور الدولة المصرية اعتبر الإسلام دين الدولة الرسمي، ولم يكُ وضع ذلك في الدستور عبثًا، بل له شأنه وقيمته واعتباره في حياة الدولة وتقاليدها ومظاهرها العامة التي لها بالدين صلة وارتباط، وإن مشروعية الدعارة وتنظيمها لا يتفق ودين الدولة الرسمي. ذلك لأن الإسلام يحرم الزنا، وتشريعه وتنظيمه ويأمر بجلد الزاني والزانية ورجمهما. ولقد كان ذلك من الإسلام رأفة ورحمة بالمجتمع الإنساني. وحرصًا منه على حفظ النفس والعقل والمال وهي أهم أغراض التشريع الإسلامي والزنا يهدم هذه الأغراض من أساسها. ب - إن قسم اللوائح والرخص بحث رسمية البغاء من جميع نواحيها، وأثبت بعد استقرار المباحث الخاصة والعامة في الدولة المصرية وغيرها أنه من المتعذر تنفيذ قوانين وأنظمة البغاء، بل إن نظامه أصبح مؤذيًا أدبيًّا وصحيًّا، وساق على ذلك أدلة تكفي لإقناع من يطلع عليها، وأخيرًا نصح وزارة الداخلية بإلغاء الدعارة الرسمية وإنقاذ البلاد من خطرها الداهم. ج - إن مصلحة الصحة وافقت بمكاتبة رسمية قسم اللوائح والرخص على إلغائه وأشارت إلى النظام الذي يتبع عقب الإلغاء. د- إن كثيرًا من الممالك المتمدينة كإنكلترا وألمانيا والنرويج تجاهلته، أو حرمته وراقبت آثاره. ولا سيما أمريكا فإنها حرمته بتاتاً وعقدت كل ولاياتها مؤتمرًا للأمراض التناسلية ووضعت قرارًا حاسمًا في ذلك. ويتلخص في جملة واحدة وهي: (إن المؤتمر يعتقد بعد دراسة واسعة إن العلاقات التناسلية الغير الشرعية قلت كميتها بعد إيجاد نظام منع البغاء الرسمي) . هـ - إن الدول التي تجاهلت البغاء أو حرمته لم يكن الباعث لها على ذلك احترام الدين أو الآداب أو الرأي العام فقط. بل ظهر أن الاعتراف به رسميًّا (١) مفسد للأخلاق (٢) مسبب للأمراض (٣) مسهل لجريمة الاسترقاق (٤) مروج لتجارة الرقيق الأبيض (٥) معطل للزيجة. و إن التقارير الطبية أجمعت على أن تشريع البغاء وتنظيمه من أشد الأخطار وأفدحها في ذيوع البغاء، وانتشار الأمراض، وفوضى العلاقات التناسلية. (١) كتب الدكتور تسكالاس مندوب الجمعية الدولية لإلغاء الاعتراف رسميًّا بالبغاء للمسيو جراهام مدير الصحة العمومية المصرية يحثه فيها على السعي لإلغاء لائحة العاهرات حين أريد تعديلها سنة ١٩٠٥ قائلاً (إنها خطأ فاحش من الوجهة الصحية، وظلم من الوجهة الاجتماعية، وفظاعة من الوجهة الأدبية وجريمة من الوجهة القضائية) . (٢) وقال الدكتور شان فلوري سان استلستين الذي كان متوليًا عملية الكشف بمدينة لاهاي (إن الكشف على العاهرات لا يمكن أن يؤدي إلا إلى نفع قليل بعزل بعض المريضات عن الاختلاط بالرجال؛ إذ كم من مريضة تفلت من يد الطبيب لكمون دائها، أو لأنها تخفي علامات مرضها) . وقال (ومن هذا يتضح مقدار المضار التي تسببها الحكومات باعترافها بالبغاء رسميًّا، إذ إن اعتراف الحكومات بالبغاء رسميًّا يكون كعقد منها تجاه الجماهير تتعهد لهم به أنها كفيلة بمنع الأمراض بمراقبة العاهرات والكشف عليهن طبيًّا، وتكون كذلك حرضت عددًا من الرجال على الزنا، ولولا هذا الوهم الذي توهموه، ولولا ما دخل في نفوسهم من الاطمئنان على صحتهم ما كانوا أقدموا على الزنا، وبهذا تكون الحكومة قد جعلت من الناس زناة، ومن الأصحاء ضعفاء تسممت أجسامهم بالأمراض) . (٣) وكتب الدكتور فخري تقريرًا مسهبًا بحث فيه مسألة البغاء والأمراض التناسلية بحثًا دقيقًا. ثم رفعه إلى جميع الهيئات والمقامات والصحف. ونظرة واحدة في التقرير تبعث القارئ على الأسف الشديد والحزن العميق لِما وصلت إليه حالة البلاد من جراء البغاء السري والجهري وما كان لهما من أثر سيئ في حالتنا الخلقية والصحية والاقتصادية. ز - إن مَواطن البغاء جعلت مأوى لتهريب المواد المحظورة بقانون سنة ١٩٢٥م وأصبحت تلك المواطن فوق كونها مواخير للدعارة فهي (غرز) للحشيش والأفيون والكوكايين والهروين وغيرها من المواد السامة والعقاقير الضارة. وبعد، فإننا أوردنا في هذا التقرير برؤوس مسائل لم نرد أن نتوسع فيها خشية الإملال والسآمة. وبعد ذلك لا نرى مبررًا لبقاء العهر في البلاد. وإننا نرجو ونلح في الرجاء على دولتكم أن يقدر مجلسكم الموقر فظاعة رسمية الدعارة وأن يعمل على إلغائها بكل سرعة ممكنة رحمة بأبناء هذه الأمة المسكينة وإنقاذها من القلق. والله سبحانه وتعالى يتولانا جميعًا، ويوفقنا للعمل الصالح وصالح العمل. وتفضلوا يا صاحب الدولة بقبول إجلالي لشخصكم الكريم. ... ... ... ... ... ... ... ... ... المخلص ... ... ... ... ... ... ... ... محمود أبو العيون ... ... ... ... ... ... مفتش الجامع الأزهر والمعاهد الدينية