يراد بالعربية السعيدة اليمن وما جاورها، وسميت بذلك لكثرة خيراتها بالنسبة إلى البادية في الشمال، فكأنهم يريدون بها بلاد العرب العامرة، أو الخضراء، ويحدها عندهم خليج العجم من الشرق - ويسمونه خليج العرب - وبحر العرب من الجنوب، والبحر الأحمر من الغرب ومن الشمال البادية، وهي بادية الشام والعراق , والعربية الحجرية (بلاد بطرا) فيدخل في اسم العربية السعيدة اليمن وحضرموت والشحر وعمان واليمامة ونجد. وأما العرب فيريدون باليمن الجزء الجنوبي من جزيرة العرب , وهو يقسم عند العرب الأقدمين إلى ٤٨ مخلاف، والمخلاف ينقسم إلى مدن وقرى، ويوجد فيه الأودية والجبال والسدود، وقد فصل الهمداني كل مخلاف بقراه وأوديته وجباله في كتابه (صفة جزيرة العرب) . ما قاله اليونان عن تاريخ اليمن: لم يدون اليونانيون وسواهم من أمم التاريخ كتابًا في تاريخ اليمن، أو تاريخ غيرها من بلاد العرب، ولكنهم ذكروه عرضًا في أثناء كلامهم في الجغرافية العامة والرحلات وغيرها، وأكثر اليونان ذكرًا لبلاد العرب سترابون , وبلينيوس , وبريليوس , وبطليموس، ذكر كل منهم مدنًا وأممًا وأحوالاً أخرى من أحوال بلاد اليمن، بعضها يوافق ما ذكره العرب، والبعض الآخر يخالفه، وذكروا مدنًا وأقوامًا ولم يعرفها العرب، أي أنها لم ترد في تاريخهم أو جغرافيتهم، وأهم هؤلاء الأقوام هم (المعينيون) وذكروا الطرق التجارية، ووصفوا الأحوال الاجتماعية، فترى بين ما ذكره اليونان من الأمم والمدن أممًا لم يذكرها العرب، أو ذكروها عرضًا بما لا يستحق الذكر، والمعينيون لم يعرفهم العرب، وهم عند اليونان أمة عظيمة ذات تجارة واسعة وشأن كبير، ومثلهم (القوريون) و (الجبائيون) . ومن المدن التي نوهوا بها (مأرب) ولم يذكرها العرب إلا في عرض الكلام عن سدها وانفجاره. كانت اليمن في أصل نظامها تقسم إلى (محافد) وهو يشبه نظام الإقطاع في الأجيال الوسطى لأوربة , وكانت الأقيال [١] في اليمن يتعاطون التجارة، ولتوسط بلاد اليمن، والهند , والحبشة , ومصر , والشام، والعراق كانوا ينقلون التجارة بين هذه البلدان بعد دخولها إلى جزيرة العرب بالقوافل بطرق خاصة. *** الدولة المعينية تنبه العلماء إلى هذه الدولة كما ذكره اليونان عنها، فقال استرابون في كلامه عن بلاد اليمن (يشمل القسم الجنوبي من جزيرة العرب أربعة شعوب: المعينيون وعاصمتهم (قرنا) [٢] والسبأيون وعاصمتهم (مأرب) وذكر في مكان آخر أن المعينيين يحملون التجارة إلى (بطرا) مدينة الأنباط , وذكر بلينيوس أن المعينيين يقيمون في بلاد كثيرة الغابات والأغراس، وذكرهم أيضًا ديونيوس , وبطليموس، وأطروا سلطتهم وسعة تجارتهم، ولم يكن العلماء يعرفون (معين) فذهب بعضهم إلى أن المراد بلفظ (معين) منى , وهو بقرب مكة، وقال آخرون غير ذلك حتى وفق المستشرق (هاليفي) إلى ارتياد بلاد الجوف الجنوبي شرق صنعاء , واكتشف أنقاض معين، وقال الهمداني في كتاب الإكليل (محافد اليمن: مراقش ومعين، وهما بأسفل جوف الرحب) ولا يظهر أنها كانت دولة حرب وفتح، بل كانت دولة تجارة مثل إخوانهم الفينيقيين على شواطئ سورية , ودولة الأنباط في بطرا، وأكثر دول اليمن على هذه القاعدة - أي: تجارية - وكانت طرقها التجارية ممتدةً في أواسط جزيرة العرب بين تلك البحار، وانتشرت سيادتهم ومستعمراتهم إلى أعالي الحجاز شمالاً بدليل ما وقفوا عليه من النقوش في العلاء - قرب وادي القرى - وفي الصفاء وفي حوران وغيره. *** الدولة السبأية لم يعلم الوقت الذي تأسست فيه الدولة السبأية، ولكنه قد ثبت أنهم أنشأوا في اليمن دولةً كبرى جاء ذكرها في أخبار آشور منقوشًا في آجرّة للملك (سرجون الثاني) سنة ٧٠٥ قبل الميلاد ذكر فيها أنه أخذ الجزية من (يثعمر) السبأي، فيدل هذا القول على وجود السبأيين في بلاد العرب في القرن الثامن قبل الميلاد، ولكن الراجح عند العلماء اليوم أن سرجيون لم يصل بفتوحه إلى اليمن، والظاهر أن السبأيين كانوا يدفعون الجزية عن تجارتهم في شمال جزيرة العرب حتى يؤذن لهم بالمرور إلى شواطئ البحر المتوسط , وخصوصًا إلى غزة؛ لأنها فريضة تجارية قديمة، وقد اتسع ملكهم، ولا يراد بسعة الملك أنهم دوخوا البلاد كما فعل اليونان والرومان، أو كما فعل العرب بعد الإسلام؛ فإن سبأ ليست دولة فتح، بل هي دولة قوافل وتجارة، ولا تجد للفتح ذكرًا في آثارها إلا قليلاً خلافًا للآشوريين والمصريين معاصريها، فإنك لا تكاد تقرأ على آثارهم غير قولهم: فتحت , غلبت , وحملت الغنيمة. وأما السبأيون فأكثر ما وصل إلينا من أخبارهم: بنيت، ووقفت، ورممت. وإنما يراد بسعة ملكهم نشر نفوذهم وسعة تجارتهم، وذكرت مملكة سبأ في التوراة أيام سليمان في القرن التاسع قبل الميلاد، ويتضح من ذلك أنهم أقدم من مملكة سليمان أيضًا. *** حضارة اليمن القديم بعد ما تحقق أن دولة حمورابي عربية علم أن العرب من أسبق الأمم إلى الحضارة والمدنية؛ لأنهم أنشأوا الدول وشادوا المدن، ونظموا الحكومات وسنوا الشرائع، وبنوا المدارس والهياكل، ورقوا الهيئات الاجتماعية لترقية شأن المرأة منذ أربعة آلاف سنة. ونقتصر هنا على مدنية عرب اليمن، وقد رأيت أنهم كانوا أهل حضارة ودولة لا تقل عن دول معاصريهم في آشور وفينيقية ومصر، وابتنوا المدن وشادوا القصور والهياكل، وتبسطوا في العيش، لكن تمدنهم لم يكن حربيًّا كتمدن الآشوريين والفرس والمصريين، بل كان تجاريًّا كتمدن الفينيقيين فكانوا واسطة التجارة بين الشرق والغرب والشمال والجنوب، فانقطعوا لأعمالهم وتفرقوا لاستثمار أرضهم بغرس الشجر، وزرع الحبوب، وحفر المناجم، واصطناع العطور والأطياب، وركوب القوافل في القفار، والسفن في البحار؛ لنقل السلع، وتوالت أجيال منهم كانوا هم وحدهم تجار العالم كإخوانهم الفينيقيين، وقد تعاصروا حينًا، وتعاونوا على ذلك دهرًا طويلاً. على أن التمدن لم يرد له ذكر في كتب العرب إلا قليلاًً، وإنما ذكره اليونان عن التاريخ القديم، واكتشفه العلماء من آثار المدن، وما قرأوه على أطلالها من أخبارها، وقلما كانوا يعتنون بتنظيم الجند لقلة الحرب والفتوح، وإنما كانوا يجمعون الرجال في استخدامهم لبناء المدن أو القصور أو إنشاء السدود، وقد ضرب اليمانيون نقودًا نقشوا عليها صور الملوك وأسماءهم، وأسماء المدن التي ضربت فيها بالحرف المسند، وزينوها برموز سياسية أو اجتماعية، كصورة البوم أو الصقر أو رأس الثور رمزًا للزراعة، أو صورة الهلال، وهو رمز ديني عندهم، وكانوا يركبون المركبات تجرها الخيول أو الأفيال. كانت الأمة في اليمن مؤلفةً من أربع طبقات: الجند المسلح لحفظ النظام، والفلاحون لزراعة الأرض، والصناع والتجار، ولكل فئة حدود لا تتعداها، ولا ينتقل أحد منها إلى سواها. *** الصناعة ليست جزيرة العرب بلادًا صناعيةً، وإنما صناعتهم تحضير بعض أصناف التجارة، والبخور واللبان والطيوب وغيرها، وكان ذلك مشهورًا عنهم بين الأمم القديمة لا يشاركهم فيه أحد. قال هيرودتس: وبلاد العرب فيها وحدها الخور، والمر، والقرفة، والدارصيني، واللاذن، والعرب يجنون كل هذه الأشياء، وبلاد العرب زكية الرائحة حيث ما سرت. *** الزراعة من يَجُب بلاد العرب ير أن بلاد المعينيين والسبأيين قد تغيرت معالمها فيستغرب ما يسمعه عن ثروة تلك الأمم وسعة سلطانها؛ إذ لا يرى فيها إلا قليلاً من الناس، وكانت على عهد ذلك التمدن بساتين ورياضًا فيها الأغراس من الأشجار والرياحين والحنطة والأزهار، وكانت الزراعة في رقي حسن مع مشقة الري في بلاد لا أنهر فيها إلا ما يخزنونه بالسدود من أمطار الصيف فبلغ من رغبتهم في العمران وعلو همتهم أنهم أنشأوا سدودًا كالجبال يحجزون بها المياه في الأودية حتى ترتفع، ويسقون بها المرتفعات، ويصرفون الماء إليها من نوافذ حسب الحاجة، كما يفعل بخزانات هذه الأيام، فالعرب أول من اصطنع الخزانات وهي السدود، وأعظمها سد (مأرب) وسنذكره. وذكر (استرابون) أن بلاد سبأ أخصب بلاد العرب، وعد من محصولاتها المر، والبخور، والقرنفل، والبلسم، وسائر العطريات فضلاً عن النخيل والغاب. ووصف الهمداني (وادي ظهر) باليمن، وقد شاهده فذكر أن فيه نهرًا عظيمًا يسقي جنبات الوادي، وعليها من الأعناب نحو عشرين نوعًا، وفيه أصناف الفواكه الأخرى. *** المعادن التعدين، أي: استخراج المعادن من بطن الأرض. اشتهرت بلاد العرب بمعادنها وجواهرها عند القدماء، وإن ظهر ذلك غريبًا الآن لتقلب الأحوال وتحول الأزمان، ولكن التاريخ أصدق شاهد على ما كان في جزيرة العرب من الثروة في جوفها فضلاً عن سطحها، كان فيها كثير من مناجم الذهب والفضة، والحجارة الكريمة، وكان ذلك من أهم أسباب طمع الفاتحين في ذلك العهد، وقد شبهها بعضهم بكاليفورنيا هذا الزمان لكثرة مناجهما، وأقدم هذه المناجم في بلاد (مدين) ولها شهرة واسعة في التاريخ القديم حتى ألف بعضهم كتبًا في معادنها وذهبها، وذكر الهمداني في صفة جزيرة العرب، وياقوت في معجم البلدان، وغيرهما كثيرًا من مناجم الذهب بعضها في اليمن، والبعض الآخر في اليمامة، ومنها معدن (نحب) في ديار بني كلاب، ومعدن (بيشا) ومعدن (قضاعة) في اليمن، و (ذهب خولان) الوارد ذكره في التوراة باسم حويلة في اليمامة، وكثير من المعادن خصص لها الهمداني فصلاً سماه (معادن اليمامة) وهي معدن الحسن، وهو معدن ذهب عزير، ومعدن (الحفير) بناحية (عماية) وهو معدن ذهب عزير أيضًا، ومعدن (الضبيب) عن يسار (هضب القلب) ومعدن (الثنية) ثنية ابن عاصم الباهلي , ومعدن (العوسجة) ثم معدن (شمال الفضة والصفر) ومعدن (نياس) ومعدن (العقيق) ومعدن (المحجة) ومعدن (العمق) بين (فيميه) ومعدن (الهجيرة) ومعدن (بني سليم) ومعادن كثيرة أخرى. وقول العرب (معدن كذا) يراد به معدن الذهب إلا إذا عرفوه بالفضة، أو الصفر، أو غيرهما، وفي بلاد العرب سوى مناجم الذهب مناجم الجواهر الأخرى كمعدن الفضة في (الرضاض) الذي لا نظير له، وفي (نقم) معدنا فصوص (البقران) ويبلغ المثلث منها مالاً كثيرًا، وهو أن يكون وجهه أحمر فوق عرق أبيض فوق عرق أسود، والبقران ألوان ومعدنه بجبل (أنس) و (السعوانية) من سعوان واد جنب صنعاء وفيه أيضًا فص أسود بعرق أبيض، ومعدن (بشهارة وعبشان) من بلاد (حاشد) والبلور يوجد في مواضع فيها، وأشياء أخرى يطول شرحها، وهذه الأشياء لا يوجد لها نظير في بلاد الهند، والهندي بعرق واحد وليس بثلاثة. دع مغاوص اللؤلؤ بالبحرين. *** الأسداد الأسداد هي جدران ضخمة كانوا يقيمونها في عرض الأودية؛ لحجز السيول ورفع المياه لري الأراضي، كما يفعل أهل التمدن الحديث في بناء الخزانات، وإنما عمد العرب إلى بناء الأسداد لقلة المياه في بلادهم مع رغبتهم في إحياء زراعتهم فكثرت هذه الأسداد: سد (مأرب) و (ربوان) و (شحران) و (لحج) إلخ. *** الحضارة أهل اليمن حَضَرٌ من أقدم زمانهم، فهم أهل مدن وقصور ورياش، لبسوا الحر، وافترشوا الحرير، واقتنوا آنية الذهب والفضة، واغترسوا الحدائق، قال (أغاثر سيدس) : وللسبأيين في منازلهم ما يفوق التصديق من الآنية والماعون على اختلاف أشكالها من الفضة والذهب، وعندهم الأسرة، والموائد من الفضة، والرياش من أفخر الأنسجة وأغلاها، وقصورهم قائمة على الأساطين المحلاة بالذهب، أو المنزلة بالفضة، يعلقون على أفاريز منازلهم وأبوابها صفائح الذهب مرصعةً بالجواهر، ويبذلون في تزيين قصورهم أموالاً طائلةً لكثرة ما يدخلون في زينتها من الذهب، والفضة، والعاج، والحجارة الكريمة. ذكر الهمداني في وصف قصر (كوكبان) في القرن الرابع الهجري أنه كان مؤزر الخارج بالفضة، وما فوقها حجارة بيضاء، وداخله ممرد بالعرعر، والجزع وصنوف الجواهر. *** تاريخ البلاد العربية الحديثة قد لخصنا تاريخ البلاد العربية القديم على قدر ما يسمح به المقال، والآن نبين حالتها الحاضرة، وسبب انحطاطها فنقول: إن ملوك اليمن اعتنقوا قديمًا الديانة اليهودية ونشروها في بلادهم، فلما تنصر إمبراطور الرومان البيزانطيين، ونشروا ديانتهم في سورية ومصر، وأرادوا أن يوسعوا نفوذهم بواسطة ديانتهم النصرانية - أرسلوا إلى الحبشة قسوسًا نصرتها، وأرادوا أن يمدوا نفوذهم إلى بلاد العرب فنزلوا في عدن ونصروا أهاليها، ثم تخطوا إلى (نجران) و (حضرموت) ونصروهما، وبنوا في نجران مزارًا أو حجًّا عرف (بكعبة نجران) فيه القسيسون، والرهبان، وآلت حكومة (حمير) اليهودية في أوائل القرن السادس للميلاد إلى ملك منهم اسمه (ذرنواس) كان شديد التعصب لليهودية فغزا أهالي نجران فحصرهم، ثم إنه ظفر بهم فخدَّ لهم الأخاديد، وعرض عليهم اليهودية فامتنعوا، فأحرقهم بالنار، وأحرق الإنجيل، وهدم بيعتهم، ثم انصرف إلى اليمن، فلما بلغت هذه الأخبار ملك الروم أرسل إلى ملك الحبشة، وأمره أن يغزو أهالي اليمن وينتقم من اليهود فجهز لهم سبعين ألفًا فخرجوا إلى اليمن، وبعد معارك يطول شرحها انتصر الأحباش النصارى على اليهود وأفنوهم، وانفلت (سيف بن ذي يزن) وتوجه إلى كسرى , وهو من الأسرة المالكة فاستنجد كسرى، فأمده بالرجال في المراكب، وخرجوا في (ضفار) فلما سمع الأحباش بقدوم سيف بالفرس قابلوهم، فوقعت معارك انهزمت فيها الأحباش، فأفنوهم، وأفنوا كل من تنصر من أهل اليمن، ثم مات سيف بن ذي يزن، وخلفه والٍ من قِبل كسرى أنوشروان. وفي هذه المدة ظهرت الديانة الإسلامية، وأسلم الوالي الفارسي وأهل اليمن إلا قليلاً منهم بقي على اليهودية إلى الآن، فلما تولى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الخلافة، وابتدأ يجهز لغزو الروم والفرس أمر عماله في البلاد العربية أن يسوقوا كل من يقدر على حمل السلاح، وكل من يحسن الخطابة والكتابة فصاروا يسوقون الإمدادات متتابعةً إلى عهد دولة بني أمية. من أجل ذلك وما تقدمه من حروب الأحباش والفرس خلت البلاد العربية من اليد العاملة، وأهملت الزراعة وبناء الأسداد، فهذا هو سبب الانحطاط. فبلاد العرب الآن تراجع إليها شيء من القوة حسب التناسل، وعدد أهل الجزيرة الآن لا يقل عن ١٤ مليونًا، ولإهمال العلم والتعليم في الجزيرة، وتنافس الأمراء فيما بينهم أُهمل أمر الزراعة والصناعة. ويوجد الآن في الجزيرة خمس حكومات مستقلة في الحجاز ونجد واليمن وعسير ومسقط، وبين أمراء هذه البلاد شيء من التنافس، فلو قيض الله لقادة أفكار العرب أن يسعوا في التوفيق بينهم على شرط أن يكون كل مستقلاًّ في محله، ويوحدوا سياستهم وجنديتهم، كما هو حاصل في الولايات المتحدة أو في ألمانية، وينشروا المعارف في بلادهم، ويعنوا بالزراعة مع إعادة السدود كما كانت سابقًا ويبحثوا عن المناجم، ويعنوا بزراعة القهوة التي لا يوجد مثلها في البلاد الأخرى فإنها تجلب الربح العظيم للبلاد، كالقطن بالنسبة لمصر، وفي بلاد اليمن يزرع أنواع الحبوب والنخيل والفواكه. والحاصل أن البلاد العربية يمكن أن تسترجع قوتها عن قريب إذا قيض الله لها حكومةً صالحةً، ولا يقوم بهذا إلا السوريون، فإن سورية عند العرب هي العين التي يبصرون بها، وسورية من الأراضي المقدسة، والعرب يحترمون أهالي سورية ويُجلونهم، ولو عني السوريون بخدمة الجزيرة فنظموا هيئةً لإرشاد الأمة العربية بالنصح للتوفيق بين الأمراء، وإزالة سوء التفاهم والحسد (لأن وقتنا هذا وقت عمل، وليس وقت مفاخرة وحسد) لوجدوا آذانًا صاغيةًً من أهالي البلاد؛ لأن العرب صاروا يشعرون بما هو محيط بهم، ولو اجتهد السوريون لمد السكة الحديدية من المدينة إلى صنعاء لارتباط البلاد والأمن، وتسهيل التجارة والانتقال لتم المقصود. ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... عبد الله المغيرة