للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


تقريظ المطبوعات الجديدة

(عون المعبود بشرح سنن أبي داود)
كتاب السنن للإمام الحافظ أبي داود من أجلّ كتب الحديث وأجمعها وأضبطها
حتى قال بعض العلماء: إن فيه القدر الكافي للمجتهد في الفقه. ولم يطبع طبعًا
متقنًا مضبوطًا لا في مصر ولا في الهند ولا طبع له شرح فيما نعلم قبل شرح
(عون المعبود) وهذا الشرح للشيخ أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي نسبة
إلى بلد (عظيم آباد) من بلاد الهند، وهو من كبار محدِّثي هذا العصر وعلمائه
ومصنفيه المشهورين في ذلك القطر. وقد تعب في ضبط متن الكتاب، ولقي نصبًا
شديدًا لقلة النسخ الصحيحة فلم يتم له ما أراد حتى جمع إحدى عشرة نسخة من الهند
والحجاز بعضها بالشراء وبعضها بالاستعارة.
وأما الشرح فإنه -والحق يقال- شرح محدث فقيه - لا فقيه محدث - أعني
أنه شرح من يعتقد أن السنة أصل يعرض عليه أقوال الفقهاء فما وافقها قبل وما
خالفها ترك، لا من يرى أن الأصل في الدين كلام فقهاء مذهبه فيعرض عليه السنة
فما وافقه منها قبله، واحتج به وما خالفه منها تمحل في تعليله أو تأويله. فهو
يشرح الحديث ويبين درجته ومن خرجه من الشيخين في صحيحيهما، ومن أصحاب
السنن الثلاثة تبعًا للمُنذري ويزيد من شاء الله أن يزيد. ويشرحه بما يتبادر إلى
الفهم من العبارة مستعينًا بشراح الحديث من قبله ولا سيما الحافظ ابن حجر والإمام
النووي والإمام الشوكاني. ويذكر ما فيه من الفقه. وقد بين طريقته في ذلك في
آخر الشرح.
وإذا كان بعض علماء الأصول يرى أن سنن أبي داود كافية في الحديث لمن
يريد أن يكون مجتهدًا. فأنا أرى أن شرحه هذا كافٍ لمن يريد أن يأخذ دينه من
السنة ويكون مهتديًا بها.
طبع هذا الشرح مع الأصل في مطبعة حجرية في دهلي فجعل المتن في أعلى
الصحائف والشرح في أدناها مفصولاً بخط عرضي على الطريقة الحديثة. وقد
عُني بتصحيحه عناية قلما نجدها في طبع الكتب الهندية. وضبط ما تمس الحاجة
إلى ضبطه من المتن بالشكل. فجاء في أربع ملجدات من القطع الكامل. وجعل له
جدولاً للخطأ والصواب. وهو يطلب من مكتبة المنار بشارع عبد العزيز بمصر.
***
(بداية المجتهد. ونهاية المقتصد)
كتاب في الفقه للإمام الفيلسوف الأصولي الفقيه القاضي أبي الوليد محمد بن
أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطبي الأندلسي الشهير (بابن رشد الحفيد)
المتوفى سنة ٥٩٥ رحمه الله تعالى.
قال المصنف في أول الكتاب بعد البسملة: (أما بعد حمدًا لله بجميع محامده،
والصلاة والسلام على محمد رسوله وآله وأصحابه، فإن غرضي في هذا الكتاب أن
أثبت فيه لنفسي على جهة التذكرة من مسائل الأحكام المتفق عليها والمختلف فيها
بأدلتها، والتنبيه على نكت الخلاف فيها، ما يجري مجرى الأصول والقواعد لما
عسى أن يرد على المجتهد من المسائل المسكوت عنها في الشرع، وهذه المسائل
في الأكثر هي المسائل المنطوق بها في الشرع أو تتعلق بالمنطوق به تعلقًا قريبًا.
وهي المسائل التي وقع الاتفاق عليها أو اشتهر الخلاف فيها بين الفقهاء الإسلاميين
من لدن الصحابة رضي الله عنهم إلى أن فشا التقليد وقبل ذلك) .
ثم ذكر الطرق التي تُتلقى منها الأحكام الشرعية وأصناف الأحكام وأصناف
الأسباب التي أوجبت الاختلاف في نحو من ثلاث صفحات فكان ذلك مقدمة أصولية
للكتاب، وشرع بعد ذلك في المقصد مبتدئًا بكتاب الطهارة مختتمًا بكتاب القضاء
على طريقة فقهاء المالكية. وهو يذكر في كل كتاب أصوله فيحصرها في أبواب
يذكر في كل منها ما اتفق عليه الفقهاء أولاً، ثم أمهات المسائل التي اختلفوا فيها مع
بيان أدلتهم ومداركهم فيها. وقلما يرجح بعضها على بعض.
فمن مزايا هذا الكتاب أنه - فيما علمنا - أحسن كتاب يمثل جملة الفقه
الإسلامي ومآخذه ودلائله لمن يريد معرفته بالإيجاز والسهولة من غير حشو ولا
زوائد، وهذا ما يحتاج إليه المسلمون وغير المسلمين من الباحثين.
(ومنها) أنه أقرب وأوضح ما يفند به بالتفصيل رأي الذين توهموا أن فقهاء
الإسلام استمدوا من القوانين الرومانية أو احتذوها في فقههم.
(ومنها) أن المسلم يعرف به المسائل المتفق عليها التي يتأكد العمل بها
والمحافظة عليها والمسائل المختلف فيها التي له فيها متسع.
(ومنها) أن الاطلاع على ما فيه من أسباب الخلاف ودلائل فقهاء المذاهب
التي تنسب إليها أكثر المسلمين اليوم وغيرهم يزلزل أو يزيل جمود المتعصبين
لبعض المذاهب على بعض الذين يحتقرون إخوتهم في الدين من غير المنتمين إلى
غير ما انتموا هم إليه، ومنهم الغلاة الذين يكفرون مخالفهم أو يحكمون ببدعته
ويستحلون إيذاءه، كما اشتهر عن الأفغانيين في بلادهم. وقد سألت بعض طلاب
العلم منهم في (لاهور) من مدن الهند: أحقًّا ما قيل عن أهل بلادكم من التعصب
الشديد على غير الحنفية ومن يعلم بغير المشهور في بلادكم من أقوال فقهاء هذا
المذهب؟ فإنه بلغنا أن من يرفع سبابته عند التشهد في الصلاة يقطعون سبابته؟
فقالوا: نعم! وحاولوا إقامة الحجة على تصويب هذه الجرائم والجنايات.
والسبب في مثل هذا التعصب الشديد عندهم أنهم يحصرون دين الله وشرعه
في المعروف عندهم من كتبهم الفقهية، ويسمون المخالف له مخالفًا للشرع وتاركًا
للدين، وإن كان في المسألة التي خالفهم فيها عاملاً بحديث صحيح أخذ به أكثر
المجتهدين في عصور العلم والاجتهاد، وكانوا هم فيها عاملين برأي بعض الفقهاء
الذين لم يتفق لهم الوقوف على ذلك الحديث بإسناده الصحيح، وقد كان مما أراد
الطلاب الأفغانيون الاحتجاج به على إيذاء المخالف وقتله قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا
المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} (التوبة: ٥) ! ! ! الوارد في مشركي العرب
المحاربين للنبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا الذي ذكرته هنا من مزايا الكتاب هو زائد على الغرض الأول للمؤلف
من تأليفه إياه وما فيه من الإعانة على تحصيل مرتبة الاجتهاد المطلق التي
تقاصرت عنها همم المسلمين في عصره، وكذا قبل عصره فدع ما بعده، وقد كان
أمثاله من القضاة أشد الناس احتياجًا إلى الاجتهاد لما كان يعرض لهم من القضايا
التي لا نص فيها ولم يكن لها نظير في زمن من قبلهم، ومعرفة أمهات أحكام الفقه
بدلائلها ومداركها أعون ما يعين على استنباط الأحكام لهذه القضايا الحادثة.
وجملة القول في هذا الكتاب أنه من الكتب التي لا تستغني عنها النهضة
العلمية الإسلامية الحاضرة. وقد طبع في العم الماضي (١٣٢٩) على نفقة محمد
أمين أفندي الخانجي الكتبي وشركائه، وهو يطلب منه ومن مكتبة المنار.
***
(حياة البخاري)
كتاب مختصر في ترجمة إمام الحفاظ محمد بن إسماعيل البخاري صاحب
الجامع الصحيح لصديقنا عالم الشام الشيخ جمال الدين القاسمي. وهو يناهز أربعة
كراريس (ملازم) مثل كراريس المنار طبع في مطبعة العرفان بصيدا بعد أن نشر
في مجلة العرفان هنالك. وهذه الترجمة هي التي ذكَّرت المؤلف بالحاجة إلى رسالة
(الجرح والتعديل) التي تنشر في المنار. وأجدر بالقاسمي أن يكتب مثل ترجمة
البخاري، وهو الذي يشغل جلّ أوقاته في علوم الأثر مطالعة وتدريسًا وتصنيفًا.
ولو كان للمسلمين جمعية تؤلف معجمًا علميًّا (دائرة معارف) ما اخترت لكتابة مثل
هذه الترجمة لها من علماء بلادنا غير القاسمي، وكنت أرجو أن أرى في الترجمة
بيان السبب الذي ترك له البخاري الرواية عن بعض الثقات العدول أو الإقلال منها
وتحرير الكلام في ذلك بالإنصاف الذي يرضي المنصفين. والكتاب يباع في
مكتبة المنار وثمنه قرشان صحيحان خلا أجرة البريد.
***
(الدين والإسلام - أو الدعوة الإسلامية)
كتاب جديد (لمؤلفه محمد الحسيني آل كاشف الغطا النجفي) من علماء
الشيعة الإمامية طبع الجزء الأول منه، وهو يشتمل على فاتحة في حال الإسلام
والمسلمين يلي ذلك خمس سوانح:
(١) في الأديان وتوقف انتشارها على العلم والعمل والسيف والقلم،
وتمثيل حال الإسلام اليوم.
(٢) في الشرف والسعادة.
(٣) فيما ينشط العزائم لتحصيل الشرف.
(٤) في حال المصنف وعنايته بالفلسفة الروحية والفنون العربية.
(٥) في الحكماء ومؤلفاتهم، وعدم قيام زعماء الإسلام بالدعوة على وجهها
وخروج النصارى عن آداب المناظرة مع المسلمين وسوء مغبة ذلك. يلي ذلك
مقدمة في وجوب النظر وفصول في إثبات الصانع، وتوحيده، والعدل العملي
والاعتقادي، ومباحث القضاء والقدرة والعناية.
وعبارة الكتاب وأسلوبه شعري خطابي على طريقة كتاب الرسائل وهو
أسلوب اعتيد في الأدبيات دون العلميات والدينيات إلا قليلاً، والظاهر أن المصنف
جرى فيه جري المجتهد المستقل الذي لا يعتمد تقليد من لا يعتقد العصمة له. وقد
طبع هذا الجزء طبعًا نظيفًا في مطبعة العرفان بصيدا. وجاءتنا نسخة منه عقب
عودتنا من رحلتنا الطويلة، والشواغل متزاحمة فلم نجد وقتًا نقرأ فيه مبحثًا تامًّا من
مباحثه لتشهد له أو عليه بالحق، وحسبنا أن نشكر للمؤلف قصده وغايته وموضوع
عمله، وأن ندعوه لشد أزر جماعة الدعوة والإرشاد بدلاً من الشكوى والتألم من
المسلمين لإهمالهم أمر الدعوة والإرشاد، فإننا نرى أن أغرب تخاذل المسلمين
وتقاطعهم، ما هو واقع بين المتفقين في الرأي منهم، إننا نرى بعض الأفراد أو
الجماعة منا يدعون إلى شيء أو يشرعون فيه، ونرى آخرين يشكون من فقد ذلك
الشيء نفسه ويدعون إليه جاهلين أو متجاهلين حال إخوانهم الذين يقومون بذلك،
ومنهم من إذا علم أو أُعلم بحالهم أنكرهم أو طعن فيهم حسدًا وبغيًا، أو احتقارًا
وكبرًا، أو لأنه يتجر بالكلام في ذلك الموضوع اتجارًا، أو يتخذه مزرعة يستغلها
استغلالاً.
أقول هذا في أناس أعرفهم بشخوصهم وبسيماهم، وأعيذ هذا المصنف الغيور
بالله ثم بفضله أن يكون منهم، ولو كان عندي في مكان الظنة، لما ذكرته في هذا
المقام بكلمة، ولما دعوته لأنْ يضع يده في يدي، وأن يكون في هذا العمل الذي
يدعو إلى مثله ساعدي وعضدي، وأن الكتاب لا يغني عن القول باللسان، والقول
لا يغني عن العلم، فالقارئون قليل، والذين يفهمون منهم أقل، والعاملون من هؤلاء
أندر من الكبريت الأحمر.
هذا، وإن ثمن النسخة من هذا الجزء اثنا عشر قرشًا، ويطلب من مكتبة
المنار بمصر.
***
(دين الله في كتب أنبيائه)
كتاب يحتوي على مقالات الطبيب محمد توفيق أفندي صدقي الشهير التي
نشرها في منار هذا العام في الرد على النصارى وإبطال مزاعم دعاتهم من
البروتستانت وكشف شبهاتهم ونقض القواعد التي يبنونها عليها، وعلى مقالات
أخرى نشرت في بعض السنين الماضية كان الباعث الأول على كتابتها الرد على دعاة
النصرانية، ثم جر السياق إلى ما يختص بالمسلمين في بعض المسائل.
حقًّا إن الكاتب قد جاء بما لم تره لغيره من العلماء الذين ردوا على النصارى
من قبله وأحسن في اختيار ما سُبق إليه. ومن المسائل التي توسع فيها وأجاد مسألة
القرابين والذبائح في الأديان ونقض الأساس الذي أخذته النصارى منها لبناء عقيدة
الصَّلب عليه، ومسألة إبطال ما يستدلون به من كتب العهد العتيق على الصلب،
وقد أوضح هذا وما قبله في مئة صفحة. ثم مسألة البشائر بنبينا صلى الله عليه
وسلم في كتب العهدين العتيق والجديد. ومسألة حقيقة التوراة والإنجيل وإثبات
تحريفهما وعدم الثقة بنقلهما، ومقابلة ذلك بحفظ القرآن وضبطه والعناية بكتابة
المصاحف ونشرها , وإنك لترى في مقالة تاريخ المصاحف كلامًا في ضياع سند
كتب النصارى , وفي مقالة الناسخ والمنسوخ كلامًا في زمن كتابة الأناجيل؛ لأن
هذه المقالات كتبت لأجل الرد على أولئك الدعاة المشاغبين.
وفي بعض هذه المقالات مبحث كون الدين كله من القرآن ومبحث أحاديث
الآحاد وكونها تفيد الظن كما يقول الأصوليون، وما قيل في الاحتجاج بها واختيار
الكاتب لعدمه. وقد كان الكاتب غلا في الشذوذ في هذه المسألة أولاً، ورد عليه
بعض الأزهريين ردًّا مختصرًا، والشيخ صالح اليافعي من حيدر آباد ردًّا مطولاً،
ورد هو عليهما أيضًا، ثم ختمت الردود بمقالة للمنار فاعتدل رأي الكاتب فيها. ولا
يزال يخالف الجمهور في ذلك، وما هو بالذي ينصب نفسه للإمامة فيه، وما أجمع
المسلمون على كتاب غير كتاب الله تعالى فلا يمنع من يخطِّئ الكاتب في مسألة
أحاديث الآحاد أو غيرها أن يستفيد من سائر مقالاته في هذا الكتاب.
هذا وإنه قد زاد عند طبع الكتاب على حدته حواشي مفيدة في مسائل كثيرة
فبلغت صفحاته زهاء ٢٣٠ ما عدا صفحات الفهرس المفصل، وطبع على ورق
صقيل جيد، وجعل ثمنه مع هذا خمسة قروش صحيحة فقط. وإننا نؤكد النصح
لكل من يطلع على كتب دعاة النصرانية أو جرائدهم ومجلاتهم أو يجالسهم،
ويختلف إلى مدارسهم أو غيرها من معاهدهم أن يطلع على هذا الكتاب، فإنه يغنيه
عن المطولات في دحض شبهاتهم وتأييد الدين الحنيف. وهو يصلح ردًّا على
كتبهم المطولة، وإن لم تذكر أسماؤها فيه والكتاب يطلب من إدارة ومكتبة المنار.
***
(تاريخ آداب العرب)
صدر في أول هذا العام الجزء الأول من كتاب بهذا الاسم من تأليف مصطفى
صادق افندي الرافعي الشاعر الأديب (وهو يحتوي الكلام في تاريخ اللغة العربية
وتاريخ روايتها، وما يداخل هذين البابين - قال المؤلف في طرته بعد هذه العبارة -
وقد بقي من التاريخ عشرة أبواب من غرار هذا الجزء وحجمه) أي يناهز كل
منها ٤٤٠ صفحة.
آداب العرب في عرف المؤلف هي لغتهم: علومها وفنونها ومنظومها
ومنثورها وتاريخ أهلها الذين لهم أثر فيها من النظم والنثر والخطب والتأليف.
يعني كل ما يتعلق باللغة نفسخها. فلا يدخل فيها عنده العلوم غير اللغوية. وهذا
المعنى هو الذي كان يعرف به الأدب والأديب عند علماء اللغة والتاريخ، وأما
المحدثون، فكانوا يطلقون الأدب على أدب النفس في خاصتها وفي معاملتها للناس
فتدخل فيه الأخلاق.
وقد قرأنا نبذة من مقدمة الكتاب فإذا عبارته أدبية، ممزوجة بالمعاني والعبارات
الشعرية، وهذا هو اللائق بمن يكتب في الآداب العربية، والكتاب
مطبوع بمطبعة الأخبار بمصر طبعًا حسنًا على ورق جيد وثمن النسخة
منه عشرون قرشًا، وأجرة البريد ويطلب من مكتبة المنار.
***
(تاريخ آداب اللغة العربية)
صدر الجزء الثاني من هذا الكتاب لمؤلفه جرجي أفندي زيدان الشهير (وهو
يحتوي على آداب اللغة العربية من قيام الدولة العباسية سنة ١٣٢ هـ إلى دخول
السلاجقة بغداد سنة ٤٤٧ ويدخل فيه تكوّن العلوم الإسلامية، ونقل العلوم الدخيلة
إلى نضج العلم في أوائل القرن الخامس للهجرة) وآداب اللغة في عرف هذا
المؤلف أعم وأوسع من عرف الرافعي صاحب (تاريخ آداب العرب) فيدخل فيه
جميع العلوم والفنون التي اشتغل بها أهل هذه اللغة سواء نبعت من لغتهم أو
ترجمت عن غيرهم، وتراجم مؤلفي تلك العلوم كتراجم الشعراء والكتاب. والكلام
عن مصنفاتهم أيضًا. ومعنى تاريخ الآداب في هذا العرف الذي يجري عليه أكثر
أهل هذا العصر في التاريخ السياسي والاجتماعي والديني، فهو تاريخ اللغة والعلوم
وأهلهما فيهما.
وقد عُني بعض الأدباء بانتقاد هذا الجزء كما انتقد الذي قبله، ويرى القراء
في المنار مقالات للشيخ أحمد عمر الإسكندري في نقده، وذلك آية العناية به.
ولَعمري إن كلاًّ من هذا الكتاب وكتاب الرافعي مفيد في موضوعهما ولا
يستغنى بأحدهما عن الآخر، وهما أغزر مادة مما كتب فيه قبلهما، بل يعدان الآن
في مقدمة ما طُبع في هذا العلم، ويرجى -وقد بدئ بمثلهما وبنقد الناقدين- أن
يبلغ الكمال بعد حين، وقد طبع الكتاب بمطبعة الهلال طبعًا حسنًا على ورق
حسن ويطلب من مكتبته ومكتبة المنار.
***
(طبقات الأمم أو السلائل البشرية)
هو كتاب علمي طبيعي اجتماعي يبحث في أصول السلائل البشرية، وكيف
نشأت وتفرعت إلى طبقات، وانتشرت في الأرض وما تنقسم إليه كل طبقة من
الأمم أو القبائل وخصائص كل أمة البدنية (؟) والعقلية والأدبية. ومنشأها ودار
هجرتها ومقرها الآن وعاداتها وأخلاقها وآدابها وأديانها وسائر أحوالها.
هذا ما بين به ما في الكتاب مؤلفه جرجي أفندي زيدان. وهو مما اقتبسه
بالعربية من الكتب الإفرنجية، وإن لم يبين مآخذه. ولا يعقل أن يكون قد وفي تلك
المسائل حقها من البيان وصفحات الكتاب ٢٧٨ صفحة. وإنما هو مختصر وجيز
في هذا الفن يفيد مطالعه علمًا إجماليًّا يُرجى أن يوصله إلى غرض المؤلف منه -
كما قال- وهو أعداد الأذهان لفهم التاريخ وفلسفته. فله الشكر على ذلك.
***
(الإسلام والإصلاح)
تقرير رسمي رفعه (السير ريشار وود) قنصل دولة إنكلترة السياسي الجنرال
ووكيلها السياسي بتونس في أوائل الربع الأخير من القرن الماضي للميلاد إلى ناظر
خارجيتها. ونشرته الحكومة الإنكليزية في الكتاب الأزرق سنة ١٨٧٨م وهو
الكتاب الرسمي للمنشورات السياسية لهذه الحكومة. وقد كان ترجم هذا التقرير
بالعربية وطبع منذ عشرات من السنين لهذه الحكومة. وقد كان ترجم هذا التقرير
بالعربية وطبع منذ عشرات من السنين ونفدت نسخه. ثم أعيد طبعه الآن بعد
تصحيح ترجمته الأولى بعناية محب الدين أفندي الخطيب المحرر في جريدة المؤيد
بمصر.
مزية هذا التقرير الخالدة أنه شهادة للإسلام من سياسي إنكليزي غير مسلم قد
عرف من حقيقة الإسلام والمسلمين ما لا يعرفه إلا القليلون من قومه وأمثال قومه
من الأوربيين. وقلما يوجد من العارفين أمثاله من يشهد بما علم.
ينبغي للمسلمين أن يطلعوا على هذا التقرير؛ لأنه يعرفون به من دينهم ما لم
يكن يعرفه من قبل كثير منهم، وينبغي لمن يسيء الظن في الإسلام من أصحاب
الأفكار المستقلة أن يطلعوا عليه أيضًا؛ لأن الذين أنعم الله عليهم بنعمة الاستقلال لا
يحبون أن يكونوا على ضلال في اعتقادهم، وعلى خطأ في رأيهم.
قرظ المقتطف هذا التقرير فقال في تقريظه ما معنا: إنه لا يكفي في صلاح
الأمة وارتقائها أن يكون دينها آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر مشتملاً على العقائد
الصحيحة والآداب العالية -أو ما هذا معناه- واستدل على ذلك بترقي اليابانيين
الوثنيين، وتدل من يفضلونهم في دينهم كالمسلمين، وقد نسي الكاتب عندما كتب
هذه المسألة الفرق العظيم بين كون تعاليم الدين تطهر العقول من الخرافات الوثنية
والأوهام، وتزكي النفوس بالآداب العالية والأخلاق، وتقيم نظام الاجتماع على
قواعد العدل والمساواة، وبين كون المنتمين إلى هذا الدين عالمين بعقائده موقنين
بها، ومعتصمين بآدابه وفضائله وعاملين بأحكامه أم لا. ولو تذكر هذا لما قال ما
قاله فإنه لا يمكن للمرتقين في عقائدهم وأخلاقهم وأعمالهم وأحكامهم أن يكونوا دون
فاسدي العقائد والأخلاق والأعمال والأحكام؛ لأن الأعمال تصدر عما في النفس
والإناء ينضح بما فيه. ولما كان المسلمون معتصمين بحقيقة الإسلام كانوا فوق
غيرهم في الإدارة والسياسة والزراعة والصناعة والتجارة - على نسبة ارتقائهم
على غيرهم في العقائد والأخلاق والآداب، وإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما
بأنفسهم.
التقرير يطلب من مكتبة المنار وثمنه قرش ونصف فقط.
***
(الهلال)
مجلة أسبوعية مصورة أنشأها في كلكته عاصمة الهند (أحمد المكنى بأبي
الكلام الدهلوي) وهو مديرها ومحررها الخصوصي. وهي تطبع بالحروف على
ورق جيد صقيل لم تُر في صحف الهند ولا في غيرها من مطبوعات تلك الأقطار
مثلها في إتقان طبعها ونظافة ورقها. ويظهر لنا من عناوينها ومما نعرفه من حال
منشئها أنها مجلة إصلاحية على مشرب المنار، وهكذا كتب إلينا بعض أصدقائنا
وأصدقائه من الهند راويًا عنه.
عرفنا أبا الكلام في احتفال ندوة العلماء في لكهنوء فعرفنا أن كنيته أصدق
ترجمة لحاله، متكلم فصيح اللسان، خطيب جريء الجنان، جوال في ميادين
البيان، حسن الإلقاء والتعبير، قوي العارضة والتأثير، وقد ترجم بعض خطبنا
هنالك بخطب مثلها، أو أوسع شرحًا وبيانًا منها، فكنت أخطب الخطبة بالعربية،
فيعيدها هو بالأوردية، وقد ظهر لي أنه على مشرب المنار في الإصلاح الإسلامي.
وقد تفضل بتصدير الجزء الأول من مجلته بالرسم الشمسي لهذا العاجز، وأنشأ
فيه مقالة في المصلحين، أطراني فيها بجعلي ثالث الرجلين شيخنا الأستاذ الإمام
وشيخه السيد جمال الدين، فله الشكر على هذا الظن الحسن. ونرجو أن تَلقى
مجلته ما تستحق من الرواج، وأن تكون قدوة في مباحثها، كما تستحق أن تكون
قدوة في حسن طبعها.