للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


السنة الرابعة للحرب
دخلت الحرب في السنة الرابعة من عمرها، فشاب لأهوالها الوِلدان،
وهي لم تزدد إلا شبابًا! وخمدت بها نار حياة الأمم، ولم تزدد نيرانها إلا
شبوبًا، وكان أهم أحداث عامها الثالث في الميادين الشرقية ثورة الروس
على حكومتهم القيصرية، وإسقاط القيصر نقولا عن عرشه، واعتقاله مع
زوجه وولده، ثم نفيهم إلى سيبرية؛ حيث كانت حكومته المستبدة تنفي
الألوف من أحرار السياسيين، والعلماء والكتاب النابغين!
وأكبر العبر في هذا الانقلاب العظيم أن طلاب حكومة الشعب الشورية من
الروس عجزوا عن جمع كلمة أحزابهم على شكل آخر لحكومتهم، فانشقت العصا،
وتفرقت الشيع، وتعددت الثورات والفتن الداخلية حتى في الجند، وقد كانت الحكومة
الجديدة المؤقتة أمسكت عن الحرب عقب الثورة، وأمسك عنها أعداؤها، حتى ظن أن
هنالك هدنة، ثم هجمت في هذا الصيف على النمسة، فشدد الألمان الهجوم عليها،
واستولوا على كثير من ولاياتها، وأعظم ما استولوا عليه قيمة عندهم (ريغا) .
يلي هذا ما حدث قبله من دخول دولة رومانية في الحرب واستيلاء الجرمان
على عاصمتها، وقسم كبير من بلادها وخروج الملك والحكومة منها، وإقامتهم في
روسية، ويليه استيلاء الإنكليز في الربيع الماضي على مدينة بغداد عاصمة المدنية
العربية في الشرق، وتهنئة الملوك ورؤساء حكومات الأحلاف لملكهم بهذا الظفر.
وأما الميدان الغربي الأعظم فأهم أحداثه أن الإنكليز والفرنسيس ما زالوا
يكاثرون الألمان في المدافع والذخيرة وغيرهما، حتى كثروهم فيها كما كثروهم في
عدد الجيوش، وأن الألمان قد جلوا عن قسم عظيم من أرض فرنسة وامتنعوا وراءه
في خط أقصر من الخط الأول سموه خط هندنبرج نسبة إلى قائدهم العام، وقد استولى
الحلفاء على ذلك القسم، بعد أن صار معظمه خرابًا يبابًا كما توقعنا من قبل، وحاربوا
الألمان عند انسحابهم منه حربًا عوانًا، ربحوا فيها كثيرًا من الأسرى
والمدافع، ولا تزال الحرب في هذا الميدان سجالاً.