أحوال الآخرة (س١) علي أفندي مهيب بتفتيش التلغرافات بمصر: جاء في كتاب الإحياء للإمام الغزالي في باب العقائد من الجزء الأول أنه لا يُقْبل إيمان العبد حتى يؤمن بالأمور الآتية وهي: (١) سؤال منكر ونكير. (٢) عذاب القبر. (٣) وزن الأعمال يوم الحساب. بميزان ذي كِفَّتين وصِنَج. (٤) صراط ممدود على متن جهنم أدق من الشعرة وأحد من السيف. (٥) حوض مورود لمحمد صلى الله عليه وسلم. (٦) شفاعة الأنبياء والعلماء والشهداء. (٧) فضيلة النبي عليه الصلاة والسلام على جميع الناس ومن بعده أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي. فهل كل ذلك صحيح ثابت الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم كما يقول صاحب الإحياء؟ أفيدونا أثابكم الله، ونفعنا بعلمكم. (ج) إنما ذكر الغزالي ما ذكره في أصول الاعتقاد على الوجه الذي عليه الأشاعرة وأشار إلى الرد على مخالفيهم من المعتزلة وبعض أهل السنة الذين أولوا ما ورد في بعض ذلك. والغزالي لا يقول بكفر أولئك المخالفين للأشاعرة بل صرح في مواضع من كتبه (لا سيما كتاب إلجام العوام عن علم الكلام) بأن المؤمن إذا عاش ومات ولم يعلم بتلك المسائل التي اختلف فيها المتكلمون من الأشاعرة والمعتزلة وغيرهم لا يخل ذلك بإيمانه. ومن تلك المسائل الخلاف في صفات الله تعالى، هل هي عين الذات أو غير الذات؟ والخلاف المعروف في كلام الله تعالى إلخ.. فكيف يكفر أهل القبلة بعدم الإيمان بالمسائل التي ليست من أصول الدين وعقائده. كالتفاضل بين الصحابة. فقوله إن لا يتقبل إيمان أحد حتى يؤمن بما أخبر به (النبي) بعد الموت صحيح، فإن أركان الإيمان ثلاثة: الإيمان بالله وصفاته، والإيمان بالنبوة، والإيمان بالآخرة. وأحوال الآخرة تعرف بالسمع، فكل ما صح بالتواتر وجب الإيمان به قطعًا، وكان إنكاره كفرًا بشرطه، ويؤخذ على ظاهره المفهوم من أسلوب اللغة إذا لم يكن مُحالاً عقليًّا، فإن كان ظاهره مُحالاً، فاعتقاد المُحال غير مكلف به في الإسلام، فلك أن تأول، ولك أن تفوّض. وإن كان ما ورد غير متواتر مجمع عليه معلوم من الدين بالضرورة فلا يكفر منكره، ومن ثبت عنده الحديث وجب عليه الإيمان بمضمونه، وله أن يأوله إذا كان ظاهره غير مقبول حتى ينطبق على وجه معقول. وأما ما فَصَّله الغزالي بعد تلك الكلمة الصحيحة في إجمالها فلا يريد به أن هذا التفصيل شرط في تقبل الإيمان، وإنما يريد أن هذا هو الراجح عند أهل مذهبه. ولذلك أشار إلى توجيهه والرد على مخالفيه في ركن السمعيات في الفصل الثالث لوامع الأدلة، ولم يذكر هناك الحوض، وفيه أحاديث صحيحة، وأما وصف الصراط بما ذكر فقد رواه مسلم عن أبي سعيد موقوفًا عليه فإنه قال: بلغني (لم يرفعه) إلى النبي صلى الله وعليه وسلم ولكن رفعه أحمد من حديث عائشة والبيهقي في الشُّعَب والبَعْث من حديث أنس وضعَّفه، والمأولون يقولون: إن الصراط هو صراط الدين أي طريقه، ورد عليهم بقوله تعالى: {فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الجَحِيمِ} (الصافات: ٢٣) ولكن الآية لا تدل على أن المراد بالصراط ما كان بذلك الوصف. وأما الميزان فلم يرد في وصفه بما وصفوه به من الكفتين واللسان والصنج أحاديث صحيحة. وفي القرآن الكريم ذكر الوزن والموازين، قال بعض المفسرين: إنها جمع موزون، والأكثرون على أن هناك وزنًا حقيقيًّا، وذهب بعض إلى أنه تمثيلٌ المراد به العدل قال تعالى: {وَنَضَعُ المَوَازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً} (الأنبياء: ٤٧) روى الطبري من طريق أبي نجيح عن مجاهد أنه قال: (إنما هو مَثل كما يحرر الوزن، كذلك يحرر الحق) ومن طريق ليث بن أبي سليم عنه أنه قال: (الموازين العدل) ، وقد نقل هذا القول عن غيره من السلف كالضحاك والأعمش. ولما أخذ المعتزلة بهذا القول عرف بهم، وصار ينسب من يقول به إلى الاعتزال، حتى قال أبو داود عن أبي سلمة عثمان بن مقسم البري المُحَدِّث الثقة الصدوق: إنه قدري معتزلي: وما كان معتزليًّا إلا أنه أنكر الميزان، والمقصود من هذه النقول أنهم لا يقولون بكفر من خالف الجمهور في هذه المسائل، فتبيَّن بهذا أن ما ذكره الجمهور في وصف أحوال يوم القيامة بالتفاصيل المعروفة ليس شرطًا في صحة الإيمان بحيث يكفر من لا يعتقده، وما ورد فيها ليس كله قطعي الثبوت والدلالة، والأسلم في الأمور الغيبية أن لا يبحث الإنسان في كيفيتها، بل يُسلِّم بما ثبت في النصوص القطعية، ويفوض الأمر في الكيفيات إلى عالم الغيب والشهادة ولا يعتقد مُحالاً عقليًّا. *** الجهر والإسرار بالصلاة وخطبة الجمعة والعيدين (س٢) و. ز في سوريا: لماذا شرع الجهر بالقراءة في الفجر والركعتين الأوليين من المغرب والعشاء، ولماذا كانت خطبة الجمعة قبل صلاتها وخطبة العيدين بالعكس، أفيدونا لازلتم ملجأ للإسلام؟ (ج) إنما الجهر في الصلاة الليلية التي تصلى في وقت الظلام غالبًا، فقد جاءت السنة الصحيحة بأنهم كانوا ينصرفون من صلاة الصبح ولا يكاد يَرى بعضهم بعضا. ومن المعهود أن الإنسان في وقت الظلام لا يخلو من أحد حالين، النعاس أو الخواطر الكثيرة ورفع الصوت، يُعين على طرد النعاس ودفع الخواطر والوسواس، كما ورد في الأثر عن سيدنا عمر رضي الله عنه، فالأقرب عندي أن هذه هي حكمة الجهر في هذه الصلوات، وفي معناها اهتداء داخل المسجد ليلاً إلى معرفة المصلي ليأتم به. وللصوفية وغيرهم في ذلك أقوال غير جلية، وأما تقديم خطبة الجمعة فللاهتمام بها؛ لأنها هي المقصود الأول في ذلك الاجتماع؛ ولذلك قصرت صلاة الظهر لأجلها، وأما خطبة العيد فهي مقصود ثانٍ حتى إن صحة الصلاة لا تتوقف عليها بخلاف الجمعة كما أنها إذا قدمت على الصلاة تجزي عند بعض الأئمة، وقد فعل ذلك مروان فأنكر عليه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، وقال له: خالفت السنة، ولكنه لم يقُل بأن الصلاة لم تصحّ ولا طالبه بإعادة الخطبة، والأثر في البخاري وغيره وفيه أن سبب تقديم مروان الخطبة أنه رأى الناس ينصرف كثير منهم بعد الصلاة - كما يفعلون الآن - ولا ينتظرون سماع الخطبة فلعل هذه البدعة أقدم البدع في ترك السنة. *** الحشيش والأفيون (س٣) الشيخ محمد البهي بفاقوس: ثبت عن الفقهاء أن الحشيش ومثله الأفيون يجوز تعاطي القليل منه، مع أن القاعدة الأصولية أن ما أسكر كثيره فقليله وكثيره حرام، والحشيش يسكر كثيره فكيف العمل بهذه القاعدة مع تجويز العلماء لما قل منه، أرجوكم أن تتفضلوا بالجواب الشافي عن ذلك جُزيتم عن الدين أحسن الجزاء. ج - لا أذكر أن أحدًا من الفقهاء الذين يُعتد بأقوالهم أجاز قليل الحشيش على أن قول العالم: إذا خالف أصول الشريعة وقواعدها الثابتة لا يُلتفت إليه ما لم يذكر دليلاً يثبت به أن قوله لا ينافي تلك الأصول، وتحريم ما أسكر القليل منه ثابت بالأحاديث الصحيحة. وقد استحسنتُ أن أنقل هنا عبارة أوردها ابن حجر الهَيْتَمِيّ في كتابه الزواجر لابتلاء الناس في هذه البلاد بالحشيش وهي: (واعلم أن الحشيشة المعروفة حرام كالخمر من جهة أنها تُفسد العقل والمِزاج إفسادًا عجيبًا، حتى يصير في متعاطيها تخنّث قبيح، ودِياثة عجيبة، وغير ذلك من المفاسد فلا يصير له من المروءة شيء ألبتة، ويشاهد من أحواله خنوثة الطبع وفساده، وانقلابه إلى أشر من طبع النساء، ومن الدياثة على زوجته وأهله فضلاً عن الأجانب ما يقضي العاقل منه بالعجب العُجاب. وكذا متعاطي نحو البَنج والأفيون وغيرهما مما مر قُبَيْل البيع، والخمر أخبث من جهة أنها تفضي إلى الصَّيال على الغير وإلى المخاصمة والمقاتلة والبطش، وكلاهما يصد عن ذكر الله وعن الصلاة. (ورأى آخرون من العلماء تعزير آكلها كالبنج، ومما يقوي القول بأنه يُحدّ أن آكلها ينتشي ويشتهيها كالخمر وأكثر حتى لا يصبر عنها وتصده عن ذكر الله وعن الصلاة مع ما فيها من تلك القبائح، وسبب اختلاف العلماء في الحد فيها وفي نجاستها كونها جامدة مطعومة ليست شرابًا، فقيل: هي نجسة كالخمر وهو الصحيح عند الشافعية، وقيل: المائعة نجسة والجامدة طاهرة (قال) وهي على كل حال داخلة فيما حرم الله ورسوله من الخمر المُسْكِر لفظًا ومعنى. (قال أبو موسى - رضي الله عنه - يا رسول الله، أفتنا في شرابين كنا نصنعهما باليمن (البِتْع) وهو من العسل يُنبذ حتى يشتد، و (المِزْر) وهو من الذرة والشعير يُنبذ حتى يشتد، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أُعطيَ جوامع الكلم بخواتيمه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل مسكر حرام) رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: (ما أسكر كثيره فقليله حرام) ، ولم يفرق صلى الله عليه وسلم بين نوع ونوع ككونه مأكولاً أو مشروبًا. على أن الخمر قد يُتأدّم بها بالخبز، والحشيش قد تذاب، فكل منهما يؤكل ويشرب، وإنما لم يذكرها العلماء؛ لأنها لم تكن على عهد السلف الماضين، وإنما حدثت في مجيء التتار إلى بلاد الإسلام وما أَحْسَنَ ما قيل: فآكلها وزاعمها حلالاً ... فتلك على الشقيّ مصيبتان فو الله ما فرح إبليس بمثل فرحه بالحشيشة؛ لأنه زينها للأنفس الخسيسة) اهـ