(س١ - ٣) من صاحب جريدة الوطنية بمصر نُشر في العدد ٤٢٧ منها وتاريخه ٢٨ ذي الحجة سنة ١٣٥٢ هـ، و١٢ أبريل سنة ١٩٣٤ م ووجه إلى علماء الإسلام كافة، وقد أرسله صاحبه مع كتاب بخطه يخصني به بالسؤال، وقد ذكر في مقدمته أن أستاذًا من الشيوخ المعلمين في المدارس الأميرية، وخطباء بعض الجمعيات الإسلامية، قال له (وقد سأله عما بلغه من إنكاره لقراءة القرآن لتبليغه بالمذياع - أي: آلة الراديو - ما يأتي بنص الجريدة وهو: (إن في القرآن آيات ضد أهل الكتاب كان لها وقت نزولها ما يبررها، أما وقد أصبحوا بعد ذلك ذوي ذمتنا فلا يجوز أن يسمعوا تلك الآيات) . ثم تجاوز هذا وقال: إنني أمقت قراءة سورة يوسف في البيوت حتى لا تسمع النساء حديث يوسف مع زليخة فيفهمنها بما يثير الريبة في عفاف النبي الكريم سيدنا يوسف (وزاد على هذا قوله) إنني لا أسمح أن يُقرأ القرآن في حفل عام من رجل لا يفهم معانيه ... إلخ. (فأنكرت عليه رأيه في هذا كله؛ ولكني جئت أستفتي علماء الدين في رأيه هذا فماذا يقولون؟) اهـ. بحروفه بدون مقدمته، وذيله الذي رد به صاحب الجريدة على الأستاذ. (جواب المنار) إن هذا الذي عُزي إلى هذا الأستاذ رأي باطل، لا يوافقه عليه مسلم عالم ولا جاهل، بل هو بدع من الرأي الأفين، لم يبلغنا عن أحد من الأولين ولا من الآخرين، وما علل به إنكار إسماع أهل الكتاب للآيات التي سماها ضدهم، وإسماع النساء سورة يوسف باطل مثله، وكل تعليل يراد به الاحتجاج على كتمان شيء من القرآن فهو باطل، فالقرآن كلام الله الحق، وحجته الكبرى على جميع الخلق، وكل ما فيه هداية صالحة لكل زمان وكل مكان، وتبليغه واجب، وكتمانه فسق، واستحلاله كفر {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ البَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ * إِلاَّ الَذيِنَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التُّوَّابُ الرَّحِيم} (البقرة: ١٥٩-١٦٠) فعسى أن يكون ما عُزي إلى الأستاذ الفاضل قد نقل على غير وجهه الذي ذكره السائل في جريدته، وبيَّنه في كتابه، وعسى أن يتوب ويصلح ويبيِّن إن كان قد نقل بنصه أو بمعناه، وقد كتمنا اسمه تكريمًا له، وانتظارًا لما نرجو من تأويل أو تفصيل له فيه مخرج؛ ولكن في الكلام ثلاث شبهات تعلق بأذهان القراء، فيجب أن نكشف عنها الحجاب على كل حال؛ لأنها طُبعت وانتشرت بين الناس: (١) منع قراءة القرآن في المحافل بشرطه: أما منع من لا يفهم معانيه من قراءته في المحافل فهو باطل محرم، وهو يقتضي منع أكثر المسلمين الحفاظ له وغيرهم من تلاوته فيها، وتخصيص تجويزها بالعلماء الذين يفهمون معانيه وقليل ما هم، ولا ندري ما الفرق بين المحافل وغيرها إذا كانت علة المنع عدم الفهم للمعاني، فإن كانت العلة إسماعه للجمهور كتعليل منعه لقراءته في المذياع فما الفرق بين من يفهم المعاني، ومن لا يفهمها؟ (٢) ما نزل في شأن أهل الكتاب: وأما ما نزل في شأن أهل الكتاب فكله حق وعدل محكم يجب إظهاره في كل وقت، حتى ما نزل في الأعداء المحاربين منهم، دع ما هو خاص بالذميين والمعاهدين، وقد قال تعالى فيهم: {لَيْسُوا سَوَاءً} (آل عمران: ١١٣) وأثنى على بعضهم بالحق وذم أكثرهم بحق، ولا يزال فيهم من هم أشد عداوة للمسلمين من سلفهم في عصر التنزيل وما يليه، وكان أهل الذمة في الصدر الأول أشد محافظة على شروطها من أهل زماننا، وقد قال تعالى فينا وفيهم: {هَا أَنتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ} (آل عمران: ١١٩) ... إلخ بل قال في المشركين الذين كانوا أشد عداوة للإسلام من أهل الكتاب، ولا سيما النصارى الذي كان فيهم من هم أقرب مودة للذين آمنوا {لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوَهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ} (الممتحنة: ٨) ... إلخ، فما الذي يريد هذا الأستاذ كتمانه من القرآن أن يسمعه أو يقرأه أهل الكتاب وغيرهم؟ وهو يعلم ما يقولون ويكتبون من الطعن بالكذب والبهتان على الله ورسوله وكتابه ودينه، وما يكيدون لرد أطفال المسلمين عنه إلى دينهم، وإن من يسميهم الذميين كالمعاهدين في هذا، ولا يراعي شروط الذمة والعهد أحد منهم، فهل يجد في سفهاء قومه من لا يفضل أعلم قسوسهم وكتابهم في التنزه عن مثل هذا، أم يريد أن يقول: إنه يشرع لنا نسخ بعض القرآن حتى في التلاوة لإرضائهم وهو يعلم ما قال الله تعالى في الغاية التي لا يرضيهم دونها شيء؟ والله أعلم منه بهم والقرآن لا يُنسخ بالرأي، ولا يصح إطلاق القول بكتمانه لمصلحة راجحة فكيف يكتم بمثل هذا الوهم؟ على أن هذا الكتمان متعذر في هذا الزمان، ولله الحمد. (٣) سورة يوسف وسماع النساء لها: وأما سورة يوسف عليه السلام، فهي منقبة عظيمة له، وآيات بينة في إثبات عصمته، وأفضل مثل عملي يقتدى به في العفة والصيانة يجب أن يهذب به النساء والرجال، فكل منهما يعلم بشعوره الطبيعي قوة سلطان الشهوة الجنسية على نفسه، ويسمع ويقرأ من أخبار الناس ولا سيما أهل هذا العصر في مثل هذا المصر ما في طغيانها على غيره، من الفضائح والخيانات والجنايات وتخريب للبيوت، وإضاعة المال والعيال والدماء والشرف، أفلا يكون أفضل مثل للعفة والصيانة، وأحسن أسوة في الإيمان والأمانة، أن يتلى على النساء المؤمنات والرجال المؤمنين، وعلى غيرهم من الملحدين، قصة شاب كان أجمل الرجال صورة، وأكملهم بنية، يخلو بامرأة ذات منصب وسلطان، هي سيدة له وهو عبد لها، فيحملها الافتتان بجماله وكماله على أن تذل له نفسها، وتخون بعلها، وتدوس شرفها، وتراوده عن نفسه، والمعهود في أدنى النساء وأسفلهن تربية ومنزلة أن يكن مطلوبات لا طالبات، فيسمعها من حكمته، ويريها من كماله وعصمته، ما هو أفضل قدوة في الإيمان بالله والاعتصام به، وفي حفظ أمانة السيد الذي أحسن مثواه وائتمنه على عرضه وشرفه، فيقول لها: {مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} (يوسف: ٢٣) فتشعر بالذل والمهانة، والتفريط بالشرف والصيانة، وتحقير مقام السيادة والكرامة، فتهم بضربه أو قتله، ويهم هو بالدفاع عن نفسه، ويكاد يبطش بها لولا أن رأى برهان ربه، وعصمه من فحشاء الشهوة الطبيعية المضعفة للإرادة، ومن سوء ثورة القوة الغضبية التي تذهل صاحبها عن عاقبة الجناية، ففر منها وهو الشجاع فرار الجبان، فكان كما قال الله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} (يوسف: ٢٤) وهو المتبادر من التعبير اللغوي في هم الشخص، وبيَّناه بالشواهد في الرد على من أنكره، وقلنا: إنه المعهود بين البشر في مثل هذه المخالفة المذلة ولما نقرؤه في القصص والصحف في هذا العصر، والمناسب لقوله تعالى بعده: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُخْلَصِينَ} (يوسف: ٢٤) . وإنني ما اخترت هذا المعنى لتبرئته عليه السلام مما ينافي العصمة؛ فإن الهم من حديث النفس الذي لا يؤاخذ الله الناس به، وإن الهم بإيقاع السوء كالهم بالمواقعة كلاهما هم بمعصية، إلا أنه في الأول دفاع عن النفس، وقد عصمه الله منه، وإن عصيان النفس فيما اشتدت الداعية الجنسية له أدل على العصمة، وأحق بحسن الأسوة. ولما انهتك - والعياذ بالله - الستر، وعرف ذلك الإصر، خاض نساء المدينة في أمرها، ولجوا في عذلها، لعلها تفضي إليهن بعذرها، فتريهن طلعة هذا المملوك الذي استعبد مالكه، وسلب منه عقله وكرامته وشرفه، ولم يجزه على هذا كله بنظرة عطف، ولا بلمسة كف {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ * قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّنَ الصَّاغِرِينَ} (يوسف: ٣١-٣٢) فلما هددته بالسجن، وهو يعلم أن بيدها الأمر والنهي {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الجَاهِلِينَ} (يوسف: ٣٣) أي: أكن من سفهاء الأحلام، الذين يتبعون شهواتهم الحيوانية كالأنعام، ولا يستطاع الهرب من كيد النساء وهو عظيم، ولا ما يغري به وهو دونه من كيد الشيطان الرجيم، إلا بالاستعاذة بالله السميع العليم، {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (الأعراف: ٢٠٠) وكل من استعاذ به تعالى مؤمنًا مخلصًا أعاذه، فكيف إذا كان من رسله لهداية عباده، {فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ} (يوسف: ٣٤) ... إلخ. وهكذا امتحن الله يوسف، وفتنه بجماله فتونًا، فلبث في السجن سبع سنين وخرج منها كما يخرج الذهب من بوتقة الصائغ إبريزًا خالصًا، وجزاه الله في الدنيا قبل الآخرة على صبره: {وَقَالَ المَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ * قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ} (يوسف: ٥٠-٥١) . طلبه ملك مصر ليستعين بعلمه ورأيه على الخروج من المخمصة التي أنذرته إياها رؤياه، وكان يظن أنه مسجون بجريمة؛ ولكنه احتاج إليه، فاشترط لإجابته أن يسأل النسوة اللائي تواطأن مع مولاته على الكيد له ليعيش في وسطهن عيشة اللهو والخلاعة: هل آنسن منه صبوة إليهن، فجرأتهن على ما كان من مراودتهن؟ فاستعذن بالله أن يلمزنه أو يغمزنه دفاعًا عن أنفسهن، وشهدن بأنهن ما علمن عليه من سوء، أي: أدنى شيء وأقل نقص يسوءه، ولم يبق إلا شهادة مولاته امرأة العزيز، فبم شهدت؟ {قَالَتِ امْرَأَةُ العَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} (يوسف: ٥١) أي: قالت: (الآن حصحص الحق) أي: ظهر أجرد أمرد، لا تستره شبهة ولا تهمة كما يحص ويسقط الشعر أو ريش الطائر، وثبت واستقر من قولهم: حصحص البعير؛ إذا ألقى مبازكه للإناخة، فالكلمة بمعنييها أبلغ ما يعبر به عن المعنى المراد في هذا المقام، وإنما كانت هذه الحصحصة بما ظهر من وقائع القصة الثانية، وهي فرار يوسف منها (أولاً) ، ومن كيد جماعة النسوة (ثانيًا) ، ومن إيثاره عيشة السجن البائسة في خشونتها ومهانتها على عيشة القصور العالية في نعمتها وزينتها (ثالثًا) ، ومن شهادة النسوة اللاتي تصبينه (رابعًا) ، وقد علم من ذلك كله أن يوسف كان فوق أفق البشر في حسنه وجماله، ولا يقل عن الملائكة الكرام في عصمته وكماله وجلاله فكأنها تقول: {أَنَا رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ} (يوسف: ٥١) مغلوبة على نفسي، فاقدة لعقلي وشرفي وحسي {وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} (يوسف: ٥١) في قوله: {هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي} (يوسف: ٢٦) . ثم ذكر يوسف عليه السلام سبب امتناعه عن الخروج من السجن إلى أن تبين لملك مصر وملئه براءته مما اتهم به، فقال: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الخَائِنِينَ * وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (يوسف: ٥٢-٥٣) أي: ذلك الذي اشترطته للخروج من السجن ليعلم عزيز مصر أنني لم أخنه في حال الغيبة عنه؛ إذ غلَّقت امرأته الأبواب، وقالت ما قالت، وقلت ما قلت {وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الخَائِنِينَ} (يوسف: ٥٢) فيما يكيدون به للأمناء الصادقين، بل يجعل العاقبة للمتقين، وما أبرئ نفسي مما هممت به من دفع صيال السيدة عليّ بمثله، لولا أن رأيت ما صرفني عنه من عصمة ربي، ولا من الميل الطبيعي إلى الجمال، وأمرها الفطري بالاستمتاع، إلا ما رحم ربي من الأنفس؛ فصرف عنها السوء والفحشاء بهداية الإيمان، إن ربي غفور رحيم، فأسأله أن يغفر لي ما لا أملكه من نزغات النفس، وغرائز الطبع. هذه خلاصة مختصرة من قصة يوسف عليه السلام، هي ما يتبادر إلى الأفهام من بلاغة القرآن، دون ما شيبت من دسائس الروايات الإسرائيلية المخالفة لذوق اللغة، ومقام الأنبياء عليهم السلام. فهل هي إلا أفضل هداية من الله تعالى تمثل للنساء والرجال أكمل المُثل العليا لفضيلة العفة والصيانة التي لا تتم لبشر إلا بصدق الإيمان بالله تعالى ومراقبته في الخلوات والجلوات، فليوازن قارئها بينها وبين ما تقرؤه النساء في القصص الغرامية، وفي صحف الأخبار اليومية، من الحوادث المناسبة لموضوعها، ومما يجب تدبره وتذكره من العبرة بها، ومنها أن خلوة الرجل بالمرأة مهما تكن صفتهما من أقوى ذرائع الفتنة، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم منها في عدة وصايا حتى من أقارب الزوجين فقد قال: (إياكم والدخول على النساء) فقال رجل من الأنصار: أرأيت الحمو؟ قال: (الحمو الموت) رواه الشيخان في الصحيحين، ولنمسك عنان القلم فقد جمح في الموضوع بما زاد على عزمنا عليه عند البدء في الجواب، والحمد لملهم الصواب، ومؤتي الحكمة وفصل الخطاب.