مثل قصر الصلاة والفطر في شهر رمضان وغير ذلك لشيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية رحمه الله تعالى
(المقام الأول) أن من سافر مثل سفر أهل مكة إلى عرفات يقصر، وأما إذا قيل ليست محدودة بالمسافة بل الاعتبار بما هو سفر؛ فمن سافر ما يسمى سفرًا قصر وإلا فلا. وقد يركب الرجل فرسخًا يخرج به لكشف أمر، وتكون المسافة أميالاً ويرجع في ساعة أو ساعتين ولا يسمى مسافرًا، وقد يكون غيره في مثل تلك المسافة مسافرًا بأن يسير على الإبل والأقدام سيرًا لا يرجع فيه ذلك اليوم إلى مكانه، والدليل على ذلك من وجوه: (أحدها) إنه قد ثبت بالنقل الصحيح المتفق عليه بين علماء أهل الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع كان يقصر الصلاة بعرفة ومزدلفة وفي أيام منى، وكذلك أبو بكر وعمر بعده، وكان يصلي خلفهم أهل مكة ولم يأمروهم بإتمام الصلاة ولا نقل أحد لا بإسناد صحيح ولا ضعيف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأهل مكة لما صلى بالمسلمين ببطن عرنة الظهر ركعتين قصرًا وجمعًا ثم العصر ركعتين: يا أهل مكة أتموا صلاتكم ولا أمرهم بتأخير صلاة العصر ولا نقل أحد أن أحدًا من الحجيج لا أهل مكة ولا غيرهم صلى خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - خلاف ما صلى بجمهور المسلمين أو نُقل أن النبي صلى الله عليه وسلم أو عمر قال بهذا اليوم (يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر) فقد غلط، وإنما نُقل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا في جوف مكة لأهل مكة عام الفتح وقد ثبت أن عمر بن الخطاب [١] لأهل مكة لما صلى في جوف مكة، ومن المعلوم أنه لو كان أهل مكة قاموا فأتموا وصلوا أربعًا وفعلوا ذلك بعرفة ومزدلفة وبمنى أيام منى لكان مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله بالضرورة بل لو أخروا صلاة العصر، ثم قاموا دون سائر الحجاج فصلوها قصرًا لنقل ذلك، فكيف إذا أتموا الظهر أربعًا دون سائر المسلمين؟ وأيضًا فإنهم إذا أخذوا في إتمام العصر والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد شرع في الظهر لكان إما أن ينتظرهم فيطيل القيام وإما أن يفوتهم معه بعض العصر بل أكثرها فكيف إذا كانوا يتمون الصلوات؟ وهذا حجة على كل أحد وهو على من يقول إن أهل مكة جمعوا معه الظهر، وذلك أن العلماء تنازعوا في أهل مكة، هل يقصرون ويجمعون بعرفة؟ على ثلاثة أقوال فقيل لا يقصرون ولا يجمعون وهذا هو المشهور عند أصحاب الشافعي وطائفة من أصحاب أحمد، كالقاضي في المجرد وابن عقيل في الفصول لاعتقادهم أن ذلك معلق بالسفر الطويل وهذا قصير. (والثاني) أنهم يجمعون ولا يقصرون وهذا مذهب أبي حنيفة وطائفة من أصحاب أحمد، ومن أصحاب الشافعي والمنقولات عن أحمد توافق هذا فإنه أجاب في غير موضع بأنهم لا يقصرون ولم يقل لا يجمعون وهذا هو الذي رجحه أبو محمد المقدسي في الجمع وأحسن في ذلك. (والثالث) أنهم يجمعون ويقصرون وهذا مذهب مالك وإسحاق بن راهويه، وهو قول طاوس وابن عيينة وغيرهما من السلف، وقول طائفة من أصحاب أحمد والشافعي كأبي الخطاب في العبادات الخمس وهو الذي رجحه أبو محمد المقدسي وغيره من أصحاب أحمد فإن أبا محمد وموافقيه رجحوا الجمع للمكي بعرفة. وأما القصر فقال أبو محمد: الحجة مع من أباح القصر لكل مسافر إلا أن ينعقد الإجماع على خلافه، والمعلوم أن الإجماع لم ينعقد على خلافه، وهو اختيار طائفة من علماء أصحاب أحمد كان بعضهم يقصر الصلاة في مسيرة بريد وهذا هو الصواب الذي لا يجوز القول بخلافه لمن تبين السنة وتدبرها، فإن من تأمل الأحاديث في حجة الوداع وسياقها علم علمًا يقينًا أن الذين كانوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من أهل مكة وغيرهم صلوا بصلاته قصرًا وجمعًا ولم يفعلوا خلاف ذلك ولم ينقل أحد قط عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لا بعرفة ولا مزدلفة ولا منى (يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر) وإنما نقل أنه قال ذلك في نفس مكة كما رواه أهل السنن عنه، وقوله ذلك في داخل مكة دون عرفة ومزدلفة ومِنى دليل على الفرق، وقد روي من جهة أهل العراق عن عمر أنه كان يقول بِمِنى: (يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر) وليس له إسناد. وإذا ثبت ذلك فالجمع بين الصلاتين قد يقال: إنه لأجل النسك كما تقوله الحنفية وطائفة من أصحاب أحمد وهو مقتضى نصه فإنه يمنع المكي من القصر بعرفة ولم يمنعه من الجمع، وقال في جمع المسافر: إنه يجمع في الطويل كالقصر عنده، وإذا قيل لأجل النسك ففيه قولان: أحدهما لا يجمع إلا بعرفة ومزدلفة كما تقوله الحنفية، والثاني أنه يجمع لغير ذلك من الأسباب المقتضية للجمع وإن لم يكن سفرًا وهو مذهب الثلاثة مالك والشافعي وأحمد وقد يقال؛ لأن ذلك سفر قصير وهو يجوز الجمع في السفر القصير كما قال هذا، وهذا بعض الفقهاء من أصحاب مالك والشافعي وأحمد، فإن الجمع لا يختص بالسفر والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يجمع في حجته إلا بعرفة ومزدلفة، ولم يجمع بمنى ولا في ذهابه وإيابه ولكن جمع قبل ذلك في غزوة تبوك. والصحيح أنه لم يجمع بعرفة لمجرد السفر كما قصر للسفر؛ بل لاشتغاله باتصال الوقوف عن النزول ولاشتغاله بالمسير إلى مزدلفة وكان جمع عرفة لأجل العبادة وجمع مزدلفة؛ لأجل السير الذي جد فيه وهو سيره إلى مزدلفة، وكذلك كان يصنع في سفره، كان إذا جد به السير أخر الأولى إلى وقت الثانية، ثم ينزل فيصليهما جميعًا كما فعل بمزدلفة وليس في شريعته ما هو خارج عن القياس بل الجمع الذي جمعه هناك يشرع أن يفعل نظيره كما يقوله الأكثرون ولكن أبو حنيفة يقول: هو خارج عن القياس وقد علم أن تخصيص العلة إذا لم تكن لفوات شرط أو وجود مانع دل على فسادها، وليس فيما جاء من عند الله اختلاف ولا تناقض؛ بل حكم الشيء حكم مثله والحكم إذا ثبت بعلة ثبت بنظيرها. وأما القصر فلا ريب أنه من خصائص السفر ولا تعلق له بالنسك ولا مسوّغ لقصر أهل مكة بعرفة وغيرها، إلا أنهم بسفر وعرفة عن المسجد بريد كما ذكره الذين مسحوا ذلك، وذكره الأزرقي في أخبار مكة، فهذا قصر في سفر قدره بريد، وهم لما رجعوا إلى منى كانوا في الرجوع من السفر وإنما كان غاية قصدهم بريدًا، وأي فرق بين سفر أهل مكة إلى عرفة وبين سفر سائر المسلمين إلى قدر ذلك من بلادهم والله لم يرخص في الصلاة ركعتين إلا لمسافر؛ فعلم أنهم كانوا مسافرين والمقيم إذا اقتدى بمسافر فإنه يصلي أربعًا كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهل مكة في مكة (أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر) وهذا مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم من العلماء، ولكن في مذهب مالك نزاع. (الدليل الثاني) أنه قد نهى أن تسافر المرأة إلا مع ذي محرم أو زوج تارة يقدر، وتارة يطلق، وأقل ما روي في التقدير بريد؛ فدل ذلك على أن البريد يكون سفرًا، كما أن الثلاثة أيام تكون سفرًا واليومين تكون سفرًا، واليوم يكون سفرًا، هذه الأحاديث ليس لها مفهوم؛ بل نهى عن هذا وهذا وهذا. (الدليل الثالث) أن السفر لم يحده الشارع، وليس له حد في اللغة، فرجع فيه إلى ما يعرفه الناس ويعتادونه؛ فما كان عندهم سفرًا فهو سفر، والمسافر يريد أن يذهب إلى مقصده ويعود إلى وطنه، وأقل ذلك مرحلة يذهب في نصفها ويرجع في نصفها، وهذا هو البريد وقد حدوا بهذه المسافة الشهادة على الشهادة، وكتاب القاضي إلى القاضي، والعدو على الخصم، والحضانة وغير ذلك مما هو معروف في موضعه. وهو أحد القولين في مذهب أحمد فلو كانت المسافة محددة لكان حدها بالبريد أجود؛ لكن الصواب أن السفر ليس محددًا بمسافة بل يختلف فيكون مسافرًا في مسافة بريد وقد يقطع أكثر من ذلك ولا يكون مسافرًا. (الدليل الرابع) أن المسافر رخص الله له أن يفطر في رمضان، وأقل الفطر يوم، ومسافة البريد يذهب إليها ويرجع في يوم فيحتاج إلى الفطر في شهر رمضان ويحتاج أن يقصر الصلاة بخلاف ما دون ذلك؛ فإنه قد لا يحتاج فيه إلى قصر ولا فطر إذا سافر أول النهار ورجع قبل الزوال؛ وإذا كان غدوه يومًا ورواحه يومًا فإنه يحتاج إلى القصر والفطر، وهذا قد يقتضي أنه قد يرخص له أن يقصر ويفطر في بريد، وإن كان قد لا يرخص له في أكثر منه إذا لم يعد مسافرًا. (الدليل الخامس) أنه ليس تحديد من حد المسافة بثلاثة أيام بأولى ممن حدها بيومين، ولا اليومان بأولى من يوم، فوجب أن لا يكون لها حد؛ بل كل ما يسمى سفرًا يشرع، وقد ثبت بالسنة القصر في مسافة بريد فعلم أن في الأسفار ما قد يكون بريدًا، وأدنى ما يسمى سفرًا في كلام الشارع البريد. وأما ما دون البريد كالميل فقد ثبت في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يأتي قباء كل سبت، وكان يأتيه راكبًا وماشيًا، ولا ريب أن أهل قباء وغيرهم من أهل العوالي كانوا يأتون إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة ولم يقصر الصلاة هو ولا هم. وقد كانوا يأتون الجمعة من نحو ميل وفرسخ ولا يقصرون الصلاة والجمعة على من سمع النداء والنداء قد يسمع من فرسخ وليس كل من وجبت عليه الجمعة أبيح له القصر، والعوالي بعضها من المدينة، وإن كان اسم المدينة يتناول جميع المساكن كما قال الله تعالى {وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ} (التوبة: ١٠١) وقال {مَا كَانَ لأَهْلِ المَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللَّهِ} (التوبة: ١٢٠) . وأما ما نقل عن ابن عمر فينظر فيه هل هو ثابت (أم لا) فإن ثبت فالرواية عنه مختلفة، وقد خالفه غيره من الصحابة، ولعله أراد إذا قطعت من المسافة ميلاً فلا ريب أن قباء من المدينة أكثر من ميل، وما كان ابن عمر ولا غيره يقصرون الصلاة إذا ذهبوا إلى قباء فقصر أهل مكة الصلاة بعرفة وعدم قصر أهل المدينة الصلاة إلى قباء ونحوها مما حول المدينة دليل على الفرق والله أعلم. والصلاة على الراحلة إذا كانت مختصة بالسفر فلا تفعل إلا فيما يسمى سفرًا ولهذا لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي على راحلته في خروجه إلى مسجد قباء مع أنه كان يذهب إليه راكبًا وماشيًا، ولا كان المسلمون الداخلون من العوالي يفعلون ذلك، وهذا لأن هذه المسافة قريبة كالمسافة في المصر، واسم المدينة يتناول المساكن كلها؛ فلم يكن هناك إلا أهل المدينة والأعراب كما دل عليه القرآن فمن لم يكن من الأعراب كان من أهل المدينة، وحينئذ فيكون مسيره إلى قباء كأنه في المدينة فلو سوغ ذلك سوغت الصلاة في المصر على الراحلة وإلا فلا فرق بينهما. والنبي صلى الله عليه وسلم لما كان يصلي بأصحابه جمعًا وقصرًا لم يكن يأمر أحدًا منهم بنية الجمع والقصر، بل خرج من المدينة إلى مكة يصلي ركعتين من غير جمع، ثم صلى بهم - صلى الله عليه وسلم - الظهر بعرفة ولم يعلمهم أنه يريد أن يصلي العصر بعدها، ثم صلى بهم العصر ولم يكونوا نووا الجمع وهذا جمع تقديم، وكذلك لما خرج من المدينة صلى بهم بذي الحليفة العصر ركعتين ولم يأمرهم بنية قصر، وفي الصحيح أنه لما صلى إحدى صلاتي العشيّ وسلم من اثنتين قال له ذو اليدين: أقصرت الصلاة أم نسيت؟ قال: (لم أنس ولم تقصر) قال: بلى قد نسيت، قال: (أكما يقول ذو اليدين؟ قالوا: نعم فأتم الصلاة) ولو كان القصر لا يجوز إلا إذا نووه لبين ذلك ولكانوا يعلمون ذلك، والإمام أحمد لم ينقل عنه -فيما أعلم- أنه اشترط النية في جمع ولا قصر ولكن ذكره طائفة من أصحابه كالخرقي والقاضي، وأما أبو بكر عبد العزيز وغيره فقالوا: إنما يوافق مطلق نصوصه. وقالوا: لا يشترط للجمع ولا للقصر نية وهو قول الجمهور من العلماء كمالك وأبي حنيفة وغيرهما، بل قد نص أحمد على أن المسافر له أن يصلي العشاء قبل مغيب الشفق، وعلل ذلك بأنه يجوز له الجمع كما نقله عنه أبو طالب والمروزي وذكر ذلك القاضي في الجامع الكبير فعلم أنه لا يشترط في الجمع نية. ولا تشترط أيضًا المقارنة فإنه لما أباح أن تصلى العشاء قبل مغيب الشفق وعلله بأنه يجوز له الجمع لم يجز أن يراد به الشفق الأبيض؛ لأن مذهبه المتواتر عنه أن المسافر يصلي العشاء بعد مغيب الشفق الأحمر وهو أول وقتها عنده، وحينئذ يخرج وقت المغرب عنده فلم يكن مصليًا لها في وقت المغرب بل في وقتها الخاص، وأما في الحضر فاستحب تأخيرها إلى أن يغيب الأبيض، قال: لأن الحمرة قد تسترها الحيطان فيظن أن الأحمر قد غاب ولم يغب فإذا غاب البياض تيقن مغيب الحمرة فالشفق عنده في الموضعين الحمرة؛ لكن لما كان الشك في الحضر لاستتار الشفق بالحيطان احتاط بدخول الأبيض فهذا مذهبه المتواتر عن نصوصه الكثيرة. وقد حكى بعضهم رواية عنه أن الشفق في الحضر الأبيض وفي السفر الأحمر، وهذه الرواية حقيقتها كما تقدم، وإلا فلم يقل أحمد ولا غيره من علماء المسلمين إن الشفق في نفس الأمر يختلف بالحضر والسفر وأحمد قد علل الفرق؛ فلو حكى عنه لفظ مجمل كان المفسر من كلامه يبينه. وقد حكى بعضهم رواية عنه أن الشفق مطلق البياض، وما أظن هذا إلا غلطًا عليه؛ وإذا كان مذهبه أن أول الشفق إذا غاب في السفر خرج وقت المغرب ودخل وقت العشاء وهو يجوز للمسافر أن يصلي العشاء قبل مغيب الشفق، وعلل ذلك بأنه لا يجوز له الجمع، علم أنه صلاها قبل مغيبها لا بعد مغيب الأحمر فإنه حينئذ لا يجوز التعليل بجواز الجمع. الثاني [٢] أن ذلك من كلامه يدل على أن الجمع عنده هو الجمع في الوقت، وإن لم يصل أحدهما بالأخرى كالجمع في وقت الثانية على المشهور من مذهبه ومذهب غيره، وأنه إذا صلى المغرب في أول وقتها والعشاء في آخر وقت المغرب حيث يجوز له الجمع جاز ذلك، وقد نص أيضًا على نظير هذا، فقال: إذا صلى إحدى صلاتي الجمع في بيته والأخرى في المسجد فلا بأس، وهذا نص منه على أن الجمع هو جمع في الوقت لا تشرط فيه المواصلة، وقد تأول ذلك بعض أصحابه على قرب الفصل، وهو خلاف النص ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما صلى بهم بالمدينة ثمانيًا جميعًا، وسبعًا جميعًا لم ينقل أنه أمرهم ابتداء بالنية ولا السلف بعده وهذا قول الجمهور كأبي حنيفة ومالك وغيرهما وهو في القصر مبني على فرض المسافر، فصارت الأقوال للعلماء في اقتران الفعل ثلاثة: (أحدهما) أنه لا يجب الاقتران لا في وقت الأولى ولا الثانية كما قد نص عليه أحمد كما ذكرناه في السفر وجمع المطر. (والثاني) أنه يجب الاقتران في وقت الأولى دون الثانية وهذا هو المشهور عند أكثر الصحابة المتأخرين، وهو ظاهر مذهب الشافعي فإن كان الجمع في وقت الأولى اشترط الجمع، وإن كان في وقت الآخرة، فإنه يصلي الأولى في وقت الثانية وأما الثانية فيصليها في وقتها فتصح صلاته لها وإن أخرها ولا يأثم بالتأخير، وعلى هذا تشترط الموالاة في وقت الأولى دون الثانية. (والثالث) تشترط الموالاة في الموضعين كما يشترط الترتيب وهذا وجه في مذهب الشافعي وأحمد، ومعنى ذلك أنه إذا صلى الأولى وأخر الثانية أثم كان وقعت صحيحة؛ لأنه لم يكن له إذا أخر الأولى إلا أن يصلي الثانية معهما؛ فإذا لم يفعل ذلك كان بمنزلة من أخرها إلى وقت الضرورة ويكون قد صلاها في وقتها مع الإثم. (للبحث بقية) ((يتبع بمقال تالٍ))