للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


خاتمة المجلد العاشر

قد تمَّ المجلد العاشر بحمد الله وحسن توفيقه وبه قَطَعَ المنار مرحلة الأعداد
المفردة، وأشرف على مرتبة الأعداد المركبة، فازداد منشئه بصيرة فيما يدعو إليه،
ودرجة استعداد المسلمين له، وانْقَشَعَ من أمامه كثير من السحب، وهتكت من
دونه كثائف من الحجب التي كانت تلبس عليه القياس، فيما يحكم به على الناس،
فرأى من أحوال البشر، ما يعد من آيات العبر، وبهذا الاعتبار صدق على المنار
ما قلناه فيه منذ ثلاث سنين: إنه قد دخل في سن التمييز.

التقصير في إدارة المنار
وقد عجزنا في هذه السنة عن إصدار المنار في أوقاته وإقامة النظام في إدارته
لأسباب طبيعية لا مندوحة عنها وأهمها اتساع دائرة العمل وتشعبه مع قصر الساعد
وعدم المساعد، فمنشئ المنار هو الذي يحرره وهو الذي يصحح نموذجات الطبع
وهو الذي يكاتب المشتركين وينظر في محاسبتهم وهو الذي ينظر في إدارة المطبعة
وهو الذي يتولى تصريف مطبوعاتها وينظر في تصحيح سائر ما يطبع فيها، ثم
إنه يقرأ لبعض الطلاب درسًا في التفسير ودرسًا في الحديث ويشتغل أحيانًا بشيء
من التأليف مع قيامه بمعظم خدمة نفسه؛ لأنه يعيش عيشة الوحدة.
ومن فروع هذه الشواغل أنه أصدر في هذا العام جزئين من تاريخ الأستاذ
الإمام وأتم طبع جزئين من التفسير لم ينشرهما إلى الآن؛ لأنه تمكن من استخراج
فهرس لأحدهما، ولم يتمكن من استخراج فهرس الآخر. وأتم طبع إنجيل برنابا
ولو لم يعمل في هذه الكتب كلها إلا تصحيح كل كراسة منها مرتين أو ثلاثة لما كان
الوقت الذي اغتالته قليلاً.
ولولا أنى في خجلٍ من الأصدقاء والمحبين لي في الغيب بما قصرت في
مكاتبتهم لما أشرت إلى هذا العذر. وأكبر خجلي ممن لهم معنا معاملة مالية كطلاب
الكتب؛ فقد كان في المكتبة مدير يتولى محاسبتهم وقد تركها من أوائل السنة، ولم
نوفق إلى من يقوم مقامَه، ولا إلى وكيل لإدارة المجلة والمطبعة يكفينا أمر هذه
الجزئيات، بهذا نعتذر أيضًا عن تأخر إتمام تأليف وطبع جزء الترجمة من تاريخ
الأستاذ الإمام.
فتاوى المنار
ومما قصرنا به أيضًا في هذا العام الإجابة عن الأسئلة، ومن أسباب ذلك أن
أكثر الأسئلة التي وردت علينا في هذا العام كانت في مسائل دنيوية مما يفصل فيه
القضاة ويفتي به المفتون الرسميون وأمثالهم من علماء أحكام المعاملات، ومنها ما
كان مرسله يطلب الجواب عنه من نصوص مذهب معين، والمنار لم يفتح باب
الفتوى لأمثال هذه المسائل؛ بل لبيان حكم الدين وأسراره واتفاق عقائده مع العقل
وأحكامه مع مصالح البشر ومنافعهم ولرد الشبه الفلسفية والمدنية عنه وما يشكل من
الآيات والأحاديث على القارئ.
فهذا ما نلتزم الجواب عنه من المسائل الدينية - وإن أبطأنا وأرجأنا ولنا
الخيار في غيره - ومن سأل سؤالاً من هذا القبيل وطال الزمن على الجواب عنه
فليعلم أنه ضاع قبل وصوله إلينا أو بعده فليعده إلينا ثانية.
ومن أسباب إرجاء المجاوبة على بعض الأسئلة إيرادها من خلال كلام آخر
فنحتاج إلى نسخ السؤال فنرجئه إلى وقت الفراغ وقلما نظفر به.

مكاتبات المنار
وههنا ننبه إلى سبب من أسباب تأخير كل ما يطلب من المنار وهو خلط
المطالب، فعسى أن يكتب السائل سؤاله أو أسئلته في ورقة لا يكتب فيها شيئًا آخر؛
ليسهل علينا إلقاؤها إلى المطبعة عاجلاً، ولا نضيع شيئًا من الوقت في استنساخها.
كذلك ينبغي لطالب الكتب أن يكتب ما يطلبه في ورقة مستقلة لا يذكر فيها شيئًا من
الأسئلة وما يتعلق بشؤون المنار. فإن كان هنالك حساب مشترك بيَّن ما يطلب للمنار
ولثمن الكتب وإن استثقل الكاتب كتابة ورقتين فلا بأس بأن يفصل بين الحسابين في
الورقة الواحدة.
حال المشتركين
أما حال المشتركين في هذا العام فقد كان كالأعوام الماضية إلا أن أهل القاهرة
كانوا أحسن أداءً على ما عليه البلاد من العسرة المالية؛ ولكن سائر أهل القطر
كانوا أقل وفاءً منهم في السنين الماضية. والاعتذار بالعسرة كان في هذا العام تكأة
أهل المطل في أكثر المعاملات كما علمنا ممن هم أوسع اختبارًا منا، وكذلك أهل
تونس كانوا أشد تقصيرًا في هذا العام على أنهم لم يقعوا في عسرة كعسرة أهل
مصر، على أن مصر في عسرتها أغنى وأقنى وأيسر من تونس وغيرها من بلاد
المسلمين زادها الله يسرًا ووفقها للشكر عليه باستعماله فيما يزيدها علمًا وارتقاءً.
وقد كان تجدد المشتركين كثيرًا أيضًا ولكننا لم نجب إلا من أرسلوا القيمة
سلفًا إلا أفرادًا أتوا إلينا بضمان بعض أصدقائنا على ما اشترطنا.
دعوة المنار
والانتقاد عليه
أما دعوة المنار فلم تلق في هذا العام مقاومة شديدة؛ ولكن بعض الجرائد
حملت علينا حملةً مُنْكَرَةً في أول العام لأننا كتبنا بعض مقالات في الجريدة التي
أنشأها بعض السروات. وكان الغرض من الحملة تنفيرنا من مساعدة الجريدة التي
يقاومون سياستها، ولم يتعرض الكاتبون إلى الانتقاد على المنار أو الرد على
مسائله؛ وإنما كان جلها نبزًا بالألقاب كلقب (الخليفة الكاذب) يعنون خليفة الأستاذ
الإمام. وكتب فريد أفندي وجدي أربع مقالات في جريدة اللواء يحرك فيها الأضغان
الجنسية الوطنية على صاحب المنار لأنه غير مصري المولد، وقد عرف القراء
سبب ذلك ولم نر له إلا التأثير الحسن في قراء المنار على ما لنزغات الجنسية من
سوء التأثير وحل الرابطة الإسلامية، وهذه النزغة هي العقبة الكؤود في طريق
الدين بمصر؛ وقانا الله شرها وكفى البلاد أمرها. وكتب الشيخ أحمد المنوفي من
الهند انتقادًا على المنار وصاحبه، ثم رجع عن رأيه ذلك كما رأيت في هذا الجزء
وسنشير في فاتحة الجزء الآتي إلى موقف الإصلاح في مصر الآن.
هذا وإننا نختم صفحات الجزء بمثل ما دعونا إليه في فاتحته من وجوب نقد
ما يراه أهل العلم خطأ في المنار، والدعوة إلى ما يرونه من الصواب فيه والتعاون
على هذه الخدمة، والله الموفق وله الحمد على كل حال.