للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


تقاريظ
(دائرة المعارف)
كل مشتغل بالعلوم والفنون تعرض له عند المطالعة أو التأليف مسائل يحتاج
إلى المراجعة عنها في كتبها الخاصة بها، كما يعرض له ألفاظ مفردة لا يعرف
ضبطها أو معناها، فيفتقر إلى مراجعتها في معاجم اللغة، ولا يخفى أن في مراجعة
كل مسألة في كتب الفنون كلفة وإنفاق جزء كبير من الوقت؛ ومن ثم كانت الحاجة
شديدة إلى تأليف كتب في اصطلاحات العلوم والفنون، وأسماء المدن والأمكنة
والمعادن والنبات والحيوان، وتراجم مشاهير الرجال، وقد ألف علماء الإسلام في
كل نوع من هذه الأنواع كتبًا خاصة بها في أيام حضارتهم ومدنيتهم، ثم دالت العلوم
والفنون إلى الغرب فألفوا في ذلك كتبًا شتى، ومنها النوع الذي يسمونه
(إنسكلوبيديا) .
ولما اشتغل أهل المشرق بالعلوم الغربية لم يكن لهم بد من هذا النوع، ولم
ينتدب له من الناطقين بالعربية غير الحسن الذكر والأثر المعلم بطرس البستاني أحد
أركان النهضة العلمية الأخيرة في بيروت، فشرع في تأليف إنسكلوبيديا عربية
سماها (دائرة المعارف، قاموس عام لكل فن ومطلب) وساعده في ذلك ولده سليم
أفندي الذي كان خير مثال له في علمه وفضله وهمته وإقدامه. وبعد أن اخترمت
المنون الوالد ظل يشتغل بها الولد، ثم من بعده لم يؤلَّف إلا جزء واحد هو
التاسع، وتوقف العمل، ولكن بيت البستاني بيت العلم والهمة، وقد انتدب أخيرًا
لإتمام الدائرة منهم العلماء الأفاضل سليمان أفندي ونجيب أفندي ونسيب أفندي
فأصدروا الجزء العاشر على منوال الأصل في الفوائد والرسوم، ويزيد على الأجزاء
السابقة بما زاد في العلم من التحرير والاكتشاف وهو مفتتح بمادة (سليكون) من
حرف السين، ومختتم بترجمة السلطان (صلاح الدين) فنشكر لهؤلاء الأفاضل
سعيهم، ونرجو لهم النجاح والتوفيق لإكمال عملهم، وعسى أن يساعدهم قراء العربية في ذلك بالإقبال على الكتاب.
***
(تاريخ المشرق)
التاريخ من العلوم التي لم تبلغ كمالها إلا في الغرب، ولقد كان أقرب إلى
الأفاكية المسلية منه إلى العلوم المفيدة، فأمسى أعظم مرشد للناس في جميع الشؤون؛
لأنه هو الذي يشرح سير البشر في بداوتهم وحضارتهم، وفي علومهم وآدابهم
وأديانهم وأعمالهم، وما يحتف بها من أحوال معايشهم في كل قطر من أقطار
الأرض. وإن الأمم الشرقية في أشد الحاجة إلى كتب التاريخ المؤلفة على الطراز
الجديد النافع؛ لأنها ركن من أركان التقدم لا يقوم بدونه.
وقد أهدانا حديثًا الكاتب الشهير عزتلو أحمد بك زكي السكرتير الثاني لمجلس
النظار نسخة من ترجمته لكتاب (تاريخ المشرق) الذي ألفه بالفرنسية المسيو
ماسبيرو، وهو كتاب قد جمع على اختصاره ملخص التاريخ القديم لمصر والكلدانيين
والآشوريين والفينيقيين والماديين والفرس، وفيه من الرسوم والخرائط ما تتم
به الفائدة منه، وقد علق عليه جناب المترجم شروحًا في ضبط بعض الأسماء
المبهمة وبيان أصلها وغير ذلك مما لا غِنْية عنه، وقد قدرت نظارة المعارف الكتاب
المترجم قدرَه، فطبعته على نفقتها وأمرت بتدريسه في المدارس الأميرية.
فنشكر لحضرة المترجم فضله عسى أن يكون الشكر سببًا في المزيد.