للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


إباحة الغناء

س- ١٧، ١٨ مِن صاحب الإمضاء في روسيا.
سيدي متّع الله الأنام بطول بقائكم وأنفعهم بأفيد كلامكم، إن لي مسألتين نشتاق
إلى بيانهما ونحتاج إلى إيضاحهما، أرجو توضيحهما في أحد أجزاء مجلة المنار
ولكم الأجر إن شاء الله.
١- قال في التفسيرات الأحمدية في تفسير الآيات المتعلقة للأحكام في سورة
لقمان: ومن الحجج الدالة على إباحته - أي التغني - ما ذكر في العوارف فمن
الآيات ما ذكر في العوارف قوله تعالي {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ
تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الحَقِّ} (المائدة: ٨٣) وقوله {فَبِشِّرْ عِبَادِ *
الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} (الزمر: ١٧-١٨) وقوله تعالي {تَقْشَعِرُّ
مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} (الزمر: ٢٣) الآية.
ومن الأحاديث ما قال: أخبرنا الشيخ الطاهر بن أبي الفضل عن أبيه الحافظ
المقدسي قال: أخبرنا أبو بكر القاسم الحسن بن محمد الخوافي قال: حدثنا أبو محمد
عبد الله بن يوسف قال: حدثنا أبو بكر بن وثاب قال: حدثنا عمر بن الخطاب رضي
الله عنه، قال: حدثنا الأوزعي عن الزهري عن عروة عن عائشة أن أبا بكر دخل
عليها وعندها جاريتان تغنيان وتضربان بدفين ورسول الله متسجٍ بثوبه فانتهرهما
أبو بكر فكشف رسول الله عن وجهه وقال (دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد) ، وسقط
هنا في البين حديثان أسقطتهما قصدًا وفيه أيضًا قال: أخبرنا أبو زرعة طاهر عن
والده أبي الفضل الحافظ المقدسي قال: أخبرنا أبو منصور محمد بن عبد الملك
المظفري السرخسي قال: أخبرنا أبو علي فضل بن منصور بن نصر الكاغذي
السمرقندي إجازة قال: حدثنا الهشيم بن كليب قال: حدثنا أبو بكر عمار بن إسحاق
قال: حدثنا سعد بن عامر عن شعبة عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس رضي الله
عنه قال: (كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أنزل جبرائيل عليه
السلام فقال: يا رسول الله إن فقراء أمتك يدخلون الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم
وهو خمس مائة ففرح رسول الله عليه السلام فقال: أفيكم من ينشدنا؟ قال بدوي:
نعم أنا يا رسول الله، قال: هات، فأنشد البدوي:
قد لسعت حية الهوى كبدي ... فلا طبيب لها ولا راق
... إن الحبيب الذي شغفت به ... فعنده رقيتي وترياقي
فتواجد رسول الله صلى الله وسلم وتواجد الأصحاب معه حتى سقط رداؤه عن
منكبيه فلما فرغوا أوى كل واحد منهم مكانه قال معاوية بن أبي سفيان: ما أحسن
لعبكم يا رسول الله، فقال: يا معاوية ليس بكريم من لم يهتز عند سماع ذكر الحبيب
ثم قسم رداءه صلى الله عليه وسلم على من حَاضَرَهُمْ بأربعمائة قطعة، وهذا الحديث
أوردناه مسندًا كما سمعنا ووجدناه) اهـ.
أرجوكم أن تفيدوني عن هذه الآيات التي ذكرت هل هي دالة على ما ادعاه
وما وجه الدلالة ونحن لا نصلح ولا نفهم وجه دلالته عليه، وما الأحاديث التي
أوردها وسردها، هل هي معتبرة ومأخوذة عند المحدثين؟ أم من الخرافات التي
أنشدها وأحدثها المخترعون؟ أفيدوني يا سيدي ولكم الأجر إن شاء الله.
٢- ولو دفع الفقير من مال حرام شيئًا يرجو الثواب يكفر ولو علم الفقير بذلك
الحرام فدعا للمعطي كفر (خادمي شرح الطريقة في المجلد الأول في النوع الثالث
من الكفر الحكم منه ٤٤٥ في نسختنا) .
أقول: من المقرر في كتب الفقهاء والفتاوى كالمحيط وابن عابدين وغيرهما أن
مَن كان عنده مال خبيث حرام كالمظالم وكربح المغصوب والأمانة والمبيع بيعًا فاسدًا
يجب التصدق به، فيكون مأمورًا بالتصدق، فمن أتى بالمأمور به كيف يكون كافرًا؟
وأيضًا الداعي إنما يدعو لمن أتى بالمأمور به فكيف يكون كافرًا بالدعاء له؟ بينوا
ياسيدي تؤجروا.
... ... ... ... ... ... ... ... ... الإمام الديني
... ... ... ... ... ... ... أحسن بن شاه أحمد الكاتبي
ج- ليس في القرآن شيء يدل على التغني وصاحب (العوارف) إنما يستدل
بما ذكر من الآيات على السماع المعروف عندهم وهو يكون سماع قرآن وسماع شعر
أو غناء لأجل تحريك شعور النفس من خشوع أو حزن أو وجد لا على مطلق التغني
والاستدلال بالآيات على سماع الشعر أو الغناء تكلف مردود.
وأما الحديثان فأولهما وهو حديث عائشة صحيح لا نزاع فيه، وثانيهما وهو
حديث سماع النبي صلى الله عليه وسلم وتواجده موضوع لا نزاع في كذبه ترونه
في كثير من كتب الموضوعات والمشهورات على ألسنة العامة.
وقد بينا أحاديث إباحة السماع وحظره بالتفصيل في أول المجلد العاشر ,
وأما ما ذكره الخادمي مِن كفر مَن يتصدق بالمال الحرام وكفر من يدعو له تشديد
ظاهر البطلان لا حاجة إلى الإطالة في بيانه وسنكتب في المكفرات شيئًا نافعًا إن
شاء الله.