للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


نصيحة إسلامية خاصة عامة [*]

بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد رشيد رضا منشئ منار الإسلام، ومفسر القرآن الحكيم بالبيان الذي
يفهمه الخواص والعوام، والمعارف التي يحتاج إليها جميع الناس في هذا الزمان،
ويظهر به إعجازه العلمي وتقوم به حجته على العالمين، بإثبات نبوة محمد خاتم
النبيين، وعموم بعثته وبقائها إلى يوم الدين.
إلى إخوانه مسلمي إندونيسية الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد فقد سألني ولدكم النجيب الأستاذ محمد فريد معروف أن أحمله إليكم
نصيحة يبلغكم إياها بلسانه وقلمه، وهو عائد إليكم بعد طلبه للعلم في مصر وقد نال
شهادتيْ العالمية والتخصص من الجامع الأزهر، واتخذ لنفسه كناشة يحفظ فيها
نصائح كثيرة بخطوط من يعرف من المشهورين بالعلم والرأي، وطالب النصيحة
لا يرد طلبه؛ لأن مرشد الخلق الأعظم، محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم، قد قال:
(الدين النصيحة) والحديث مشهور، رواه مسلم في صحيحه وله تتمة، وإن
بذل النصائح سهل، ولعله يحمل إليكم منها جل ما تحتاجون إليه في أمور الدين
والدنيا، ولكن النصائح العامة الإجمالية للشعوب قلما تحملهم على العمل، بل قلما
تبين لهم طريقه المُعَبَّد، فالوصية بالتقوى أخصر الوصايا وأجمعها للمعاني في
مصالح الأفراد والبيوت (العائلات) والأمة والدولة والاجتماع البشري في الدين
والدنيا والمال والسياسة والحرب كما يعلم ذلك من استعمالها في القرآن الحكيم،
وإننا نسمعها مجملة في جميع خطب الجمعة ونظل على ما نحن عليه كأننا لم
نسمعها.
إن أخاكم هذا قد تصدى لنصيحة الناس من سن الصبا واستقام عليها من سن
الشباب إلى الشيخوخة، ويرجو أن يلقى ربه عليها، وقد ثبت عنده بالتجارب
الكثيرة أن النصيحة المؤثرة المفيدة للمستعد لها، وهي ما كانت إرشادًا إلى عمل
معين مستطاع، في مصلحة عامة أو خاصة مسلمة لا ريب فيها ولا نزاع، وإنني
أذكر لكم من هذا النوع قليلاً يهديكم إلى كثير بعد مقدمة وجيزة فأقول:
إنكم تعلمون أن الإسلام الذي مَنَّ الله تعالى علينا به ببعثة خاتم النبيين صلى
الله عليه وسلم دين هداية روحية عقلية، ورابطة إنسانية عامة، وحضارة جامعة
بين سيادة الدنيا وسعادة الآخرة، وأن سلفنا قد نالوا بها ما كانوا به سادة العالم
وأساتذة الأمم، ثم فقدنا جل الميراث الذي تركوه لنا من علم وعمل، وهدى وثروة
وملك، بإعراضنا عن النور الذي استضاءوا به، والروح الذي أحياهم الله به،
وهو الذي بينه لنا بمثل قوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا
إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ
وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً} (النساء: ١٧٤-١٧٥) وقوله: {فَالَّذِينَ
آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} (الأعراف: ١٥٧) .
وتعلمون الآن أننا قد ظللنا عدة قرون لا نشعر بما أصابنا، وقد بدأنا نستيقظ
فنرى أناسًا يدعوننا إلى ترك الإسلام، دين الله الحق الموافق للعقل والفطرة، إلى
دينهم الباطل ببداهة العقل، وآخرين يدعوننا باسم ديننا إلى اتباع نبي غير نبينا،
ووحي غير قرآننا، ونرى العاملين منا في خلاف وشقاق، لا عاقبة له إلا الخيبة
والخذلان (والعياذ بالله) .
فأنا أوصيكم الآن بوضع أساس متين ثابت للإصلاح الإسلامي العام،
والتجديد الذي تكونون بالبناء عليه ركنًا من أركان الحياة الإسلامية الصحيحة التي
يرجى أن تهتدي بها شعوب الحضارة العصرية كلها كما بينت ذلك بالبراهين
الساطعة في الكتاب الجديد الذي أصدرته في يوم ذِكْرَى المولد النبوي الشريف من
شهرنا هذا في عامنا هذا باسم:
الوحي المحمدي
ثبوت النبوة بالقرآن ودعوة شعوب الحضارة إلى الإسلام
دين الأخوة الإنسانية والسلام
وإني أهدي جمعياتكم الإسلامية وصحفكم نسخًا منه لنرى رأيها في المساعدة
على تتميم نشره باللغات المختلفة، أسوة بسائر الجماعات والمؤتمرات الإسلامية.
وأما الأساس الذي أقترحه عليكم للإصلاح الإسلامي فإني أذكره هنا بالإيجاز
مستعدًّا لبيانه التفصيلي بعد قبوله والشروع فيه وهو:

اقتراح صاحب المنار على الجمعيات الإسلامية
في
إندونيسية وغيرها
تأليف جماعة من رؤساء الجمعيات الإسلامية على اختلاف أنواعها والعاملين
من أعضائها، ومن علماء الدين العارفين بحال الزمان وأهله ومعارفه في الجملة
وغيرهم من الزعماء وعقلاء الأغنياء.
باسم جماعة الوحدة الإسلامية
عنوانها
أركان النجاح لكل مشروع عام: الإخلاص والتقوى والثبات والنظام
تنظر هذه الجماعة في جميع المصالح الإسلامية العامة في الأمة وتقرر ما
يجب عليها عمله فيها، وتسعى لتنفيذه من طرقه المشروعة، وأول ما يجب عليها
البدء به ما يأتي:
(الأول) تكوين رأس مال ثابت لهذه المصالح، لا يقوم عمل ويثبت إلا
بالمال، وأوسع أبواب هذا المال عند المسلمين الصدقات من زكاة محدودة مفروضة،
وصدقات مندوبة، ويجب وضع نظام دقيق لجمعها في هذا الزمان يبنى على
قواعد الشرع وأحكامه في النصاب والحول والمقدار والمستحقين للزكاة، والتشاور
في سهام الغارمين والمؤلفة قلوبهم وفي سبيل الله وابن السبيل، ويراجع الواضعون
لهذا النظام ما كتبناه في تفسير آية الصدقات من الجزء العاشر من تفسير المنار،
ويجب أن يكون النظام مبينًا لما تطمئن به قلوب الناس وتثق أتم الثقة بأن الأموال
تحفظ وتصرف في مصارفها الشرعية.
(الثاني) النظر في توحيد التربية الإسلامية والتعليم الديني والمدني في
البلاد من نواحيه كلها - النظام والعلوم والمناهج والكتب والمعلمين.
(الثالث) النظر فيما ينشر بين المسلمين من دعوتهم إلى الإلحاد والإباحة،
أو تبديل دينهم أو الابتداع فيه، وشره ما يعد كفرًا وارتدادًا عنه بإجماع سلف الأمة
وأئمتها وفقهائها كالإيمان بنبي بعد محمد رسول الله وخاتم النبيين، ووحي بعد
الوحي الذي أنزل عليه، ويليه كل بدعة مخالفة لإجماع المسلمين وما كانوا عليه في
الصدر الأول من أمر الدين لا من أمور الدنيا، فهذه محل اجتهاد يرجع إلى
المصلحة والمنفعة وضدهما، والسعي لتنفيذ ما تقرره في ذلك.
(الرابع) النظر في وسائل تعميم لغة القرآن (١) لإحياء هدايته التي لا
تغني عنها، بل لا تغني غناءها جميع كتب الدين والأدب والحكمة و (٢) لأجل
التمكن من نشر دعوته والدفاع عنه و (٣) لإعادة الوحدة الإسلامية التي يعتصم
بها أربعمائة مليون مسلم الآن، وهي قوة يمكن بها توحيد الشرق كله من وجوه
كثيرة، وهذه اللغة مفروضة على المسلمين دينًا لما بيناه بالأدلة في المنار وفي
تفسيره، وقد جمع بعضه في رسالة خاصة. وأول من صرَّح من أئمة الأمصار
بوجوبها هو الإمام الشافعي رضي الله عنه في رسالته المشهورة ولم يخالفه فيها أحد.
وقد ألممنا بالمسألة في كتاب الوحي المحمدي، فراجعوا هذا وذاك.
(الخامس) أن تتولى هذه الجماعة أمر التواصل والتعاون مع الجماعات
الإسلامية الموافقة لها في شيء من أعمالها، والمؤتمرات الإسلامية التي تعقد آنًا
بعد آن في الأقطار الإسلامية، ولا سيما مؤتمر القدس الشريف.
(السادس) أن تعنى بإصلاح ذات البين في كل ما يقع من الشقاق بين
الجماعات الإسلامية أو الزعماء في البلاد مع موادة الجميع.
(السابع) أن تعنى بمسألة الدعاية والنشر لما تقرره وتسعى إليه، وإن
كاتب هذه النصيحة وإخوانه دعاة التجديد والإصلاح مستعدون لمساعدة هذه الجماعة
في كل ما تطلبه منهم {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (وَالعصر: ٣) {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (محمد: ٧) والسلام.
... ... ... ... ... ... ... ... من أخيكم
... ... ... ... ... ... ... ... محمد رشيد رضا