للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الرقص والتغني والإنشاد في مجلس الذكر

أرسل إلينا السؤال الآتي من بعض البلاد العربية؛ لنعرضه على علماء
الأزهر، فأفتى فيه من اطلع عليه بما ترى في الجواب، وهذا نص السؤال.
بسم الله الرحمن الرحيم
ما قول العلماء الأعلام السادة الكرام في قوم عوامّ يجتمعون وينشدون
بالألحان المحدثة، والنغمات المطربة، ويصفقون بالسبح، ويتمايلون بتكسر وتثن
هل فعلهم جائز أيضًا، وإذا قلنا بكراهة ذلك في أحد المذاهب الأربعة؛ هل يجوز
للإنسان التقليد ليرقص مثلهم , وما الحكم في مذهب الإمام مالك بالرقص إذا كان
بتكسر وتثن؛ كرقص المخنثين، هل هو حرام أو مكروه فقط، أفيدونا بالجواب
الشافي لا خلت منكم الديار في جميع الأقطار.
الجواب
الحمد لله أما بعد، فقد سُئل الطرسوسي - رحمه الله - في مثل ذلك، فقال
مذهب الصوفية: إن هذا بطالة وضلالة، وما الإسلام إلا كتاب الله وسنة رسوله
صلى الله عليه وسلم. إن الرقص والتواجد أحدثهما أصحاب السامري، لما اتخذ
لهم عجلاً جسدًا له خوار فأتوا يرقصون حوله ويتواجدون، والرقص دين الكفار
وعباد العجل، فينبغي للسلطان ونوابه أن يمنعوهم من الحضور في المساجد
وغيرها، ولا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم لا يعينهم على
طلبهم.
وهذا مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد وغيرهم. قال العلامة ابن حجر
الشافعي: هذا هو الحق وغيره هو الباطل، وأن الرقص بتكسر أو تثن
حرام على الرجال والنساء.
وقال العز بن عبد السلام: أما الرقص والتصفيق فخفة ورعونة مشابهة
لرعونة الإناث، لا يفعلها إلا أرعن أو متصنع جاهل، إن الشريعة لم ترد
بهما في كتاب ولا سنة، ولا فعل ذلك أحد من الأنبياء. وإنما يفعله الجهلة السفلاء
الذين التبست عليهم الحقائق بالأهواء، وأما نشيد الأشعار بتلك الألحان
المحدثة والنغمات المطربة فهو حرام؛ لا يفعله إلا أهل الفسق والضلال. إن
هذا الغناء المنهي عنه.
قال القرطبي في نحوه: أفتى الإمام مالك بالحرمة؛ وهو مذهب أهل
المدينة والنخعي والشعبي وسفيان الثوري وأبي حنيفة وأهل الكوفة ولكل من الشافعي
وأحمد قول بمثل ذلك، ونص على الحرمة الإمام الرافعي في (الشرح
الكبير) ، والنووي في (الروضة) ، وقال الإمام الأذرعي: إنى أرجح تحريم
النغمات الملحنة وسماعها.
قال عليه الصلاة والسلام: (إن الغناء ينبت النفاق في القلب، كما ينبت الماء
البقل) . وقال أبو العباس القرطبي: الغناء لم يكن من عادة النبي صلى الله عليه
وسلم , ولا فعل بحضرته ولا اعتنى بمن يفعله، فليس ذلك من سيرته ولا سيرة
خلفائه من بعده، ولا من سيرة أصحابه، ولا عترته، ولا هو من شريعته بل هو
من المحدثات التي هي بدعة وضلالة، وقد يتعامى عن ذلك من غلب عليه الهوى
قال عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) .
وإن رجلاً استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الغناء من غير فاحشة،
فقال: (لا آذن لك) ، ثم توعده إن عاد إليه بالضرب الوجيع، وحلق رأسه تمثيلا به
تعزيرًا، وبالنفي عن أهله، وبإحلال سلبه لفتيان المدينة. ثم قال عنه وعن أمثاله:
(هؤلاء العصاة) . ثم توعدهم بأن من مات منهم بغير توبة حشره الله
يوم القيامة كما كان في الدنيا مخنثًا عريانًا، كلما قام صرع.
ومن أدلة التحريم قوله تعالى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ} (الإسراء: ٦٤) فسره مجاهد بالغناء والمزامير، ومنها قوله تعالى: {أَفَمِنْ هَذَا
الحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} (النجم: ٥٩-٦١)
أي مغنون على لغة حمير، كما قال عكرمة وابن عباس وقال مجاهد: هو الغناء بلغة
أهل اليمن.
من هذا كله تعلم أن المذاهب كلها على تحريم ما يصنع أمثال هؤلاء، وأن
فعلهم هذا ممقوت عند الله وعند العلماء والعقلاء , وأن مجلسهم مجلس الشيطان لا
مجلس الرحمن , ولا يجوز إفشاء السلام عليهم؛ لأن بينهم وبين الشريعة حربًا
عوانًا، والمحارب لا سلام ولا أمان له , فيترك السلام خوف أن يظنوا أنهم محقون
مكرمون مرضي عنهم، وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يقلدهم في هذه الأباطيل مسلم
يؤمن بالله واليوم الآخر.
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... كاتبه
... ... ... ... ... ... ... ... عبد الغني محمود المالكي
... ... ... ... ... ... ... ... ... بالأزهر
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... كاتبه
... ... ... ... ... ... ... ... حسين والي الشافعي
... ... ... ... ... ... ... ... المدرس بالأزهر
***
العمل المذكور بالسؤال غير مشروع عند الحنفية
... ... ... ... ... ... ... ... ... كاتبه ...
... ... ... ... ... ... ... عبد الباقي المغربي الحنفي
... ... ... المدرس بالأزهر
(المنار)
هذا التشديد في الغناء خاص بمن يفعله على أنه عبادة ودين كبعض المتصوفة
وكذا شدد فيه بعضهم مطلقًا، وقد فصلنا القول فيه تفصيلاً في الجزأين الأولين من
المجلد التاسع , وخبر الذي استأذن الرسول بالغناء لا يصح؛ وإنما ذكره تقوية
للتنفير.