للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


آثار علمية أدبية

(كليلة ودِمنة)
لهذا الكتاب من الشهرة ما يُغني عن التعريف به، والتنويه بما فيه من الحِكَم
الرائعة، والآداب العالية؛ في العبارة البليغة والأسلوب الرفيع. قلما يوجد كاتب
مجيد في هذه اللغة لم يكن كتاب كليلة ودمنة من مادته، وهو من الكتب التي عُنيت
نظارة المعارف في مصر بطبعها وأوجبت على تلامذة مدارسها مطالعته؛ ليكون
عونًا لهم على تحصيل مَلَكَة الإنشاء والتحرير، وليستفيدوا من آدابه وحكمه ما
يفيدهم في أنفسهم، كما يفيدهم بعبارته في أقلامهم وألسنتهم. وقد طبع غير مرة في
مصر وبيروت وأوربا، ولكن كل طباعته عاطلة من حلي الصور التي وضعت
في أصله لتمثيل ما فيه من الحوادث والأمثال، أو لأجل (زيادة الأنس للقلوب،
وشدة الحرص عن المكتوب) كما قال ابن المقفع مترجم الكتاب حتى عثر الشيخ
أحمد طباره محرر جريدة (ثمرات الفنون) في بيروت على نسخة خطية من
الكتاب مزينة بالصور في مكتبة الشيخ جمال الدين القاسمي من علماء دمشق الشام
كتب عليها (إن نسخها قد تم في العاشر جمادى الأولى - سنة ست وثمانين بعد
الألف على يد أبي المنا بن نسيم النقاش) ، وعدد الصور فيها ٨٦ فأخذ نسخه وكلف
بعضه مهرة الصناع الأوربيين بنقلها إلى الزنك ليطبع عنها فجاءت كأصلها وطبع
الكتاب بالصور واضعًا كل صورة في مكانها من الأصل وقد عني بمقابلة هذه النسخة
على النسخة المطبوعة في باريس سنة ١٨١٦ م والنسخة المطبوعة في مصر سنة
١٢٩٧ هـ والنسخ المطبوعة في بيروت. قال: (اخترت منها ما كان أقربها من
الأصل وأبعدها عن التحريف والتبديل وأسلمها من الزياد والنقصان) ولهذه الصور
فائدة تاريخية؛ لأنها تمثل لنا أزياء تلك العصور الذي وضع فيها الفيلسوف الهندي
كتابه، وشيئًا من عاداتهم، وفائدة صناعية من حيث فن الرسم والتصوير، والقارئ
يرى أن هذه النسخة أحسن نسخ الكتاب، وهي مشكولة ومضبوطة، ثم النسخة منها
عشرة قروش صحيحة وأجرة البريد قرشان وتطب من إدارة المنار بمصر.
***
(جواب أهل الإيمان في تفاضل آي القرآن)
سئل شيخ الإسلام أبو العباس أحمد تقي الدين بن تيمية الشهير عما ورد في
الحديث من أن سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (الإِخلاص: ١) تعدل ثلث القرآن وعما
ورد في سور أخرى من التفضيل. فأجاب بجواب مطول فيه فوائد كثيرة لا توجد في
غيره، وطبع في هذه الأيام فكان كتابًا مؤلفًا من ١٣٢ صفحة، ومن مباحث
الكتاب بيان معنى المعادلة والتفاضل في القرآن، وما ورد في الفاتحة وأحكام
المذاهب في قراءتها في الصلاة، وبيان كون قصة موسى أعظم قصص الأنبياء في
القرآن، وبيان سبب عدم تكرير قصة يوسف، وغير ذلك من الكلام في قصص الأنبياء ومنها مباحث في القرآن، وكونه غير مخلوق، وفي النسخ مباحث
في التوحيد والاعتقاد والتفسير. وقد طبع على نفقه الشيخ عبد الرحمن زين
الدار الحلبي فجزاه الله خيرًا.
***
(خطب الأعظمي)
قرَّظنا في الجزء الرابع والعشرين من المجلد السابع ما طبع من هذه الخطب،
وانتقدنا على الخطيب الشدة في التعبير في بعض المواضع؛ لعلمنا بأنها تهيج عليه
بعض الجامدين على ما هم عليه الزاعمين أن كتمان عيوب الأمة والسكوت على ما
وصلت من الانحطاط واجب لئلا يطلع الأجانب على نقصنا فيحقرونا أو لأنه لا يصح
أن نبين أن المسلمين الآن منحطون عن الكافرين، ولغير ذلك من الشبه الواهية،
وقد وقع ذلك من بعض أهل الجمود في الهند وأما الذين اطلعوا على نموذج الخطب
في مصر فلم نسمع عنهم انتقادًا؛ لأنهم تعودوا على سماع وقراءة أمثال هذه الزواجر،
وإنني لا أدري أي القطرين أشد جمودًا على الحال السيئة التي وصل إليها
المسلمون: القطر المصري أم القطر الهندي، ولكنني أعلم أن في كل منهما
أنصارًا كثيرين لمن ينادي بالإصلاح ويندد بالتقاليد والعادات الضارة في أمر الدين
وأمر الدنيا، مهما غلظ وشدد، ومن يقل منهم بوجوب إلانة القول فإنما يريد الرفق
بأهل الجمود لعلهم ينجذبون إلى الحق بسهولة ولا يريد أن الشدة في غير محلها أو
غير نافعة.
وأحسن القول عند طلاب الإصلاح ما كان تأليفًا بين المسلمين، وهو أقبحه
عند الجامدين، كما ترى فيما يلي.
***
(أهل السنة والشيعة)
إن العلماء الراسخين من هاتين الطائفتين لا يقولون بأن مخالفهم في المذاهب
كافر خارج من الملة، وأهل السنة يذكرون في كتب العقائد أنهم لا يكفرون أحدًا من
أهل القبلة، وإن أتى بشيء مما يعدونه كفرًا متأولاً فيه، ولا شك أن الشيعة يؤمنون
بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر، ويشهدون (أن لا إله إلا
الله وأن محمدًا رسول الله) وأن كل ما جاء به من أمر الدين حق ويقيمون الصلاة،
ويؤتون الزكاة، ويصومون رمضان، ويحجون البيت من استطاع منهم إليه سبيلاً،
ومع هذا كله تجد من المتعصبين الذين يسمون أنفسهم (أهل السنة والجماعة) من
يحكم بكفرهم، وأهل السنة والجماعة أحرص على الجمع بين أهل القبلة منهم
على التفريق، ومن القواعد عند بعض فقهائهم - وحبذا هذه القاعدة - أنه إذا وجد مئة
قول صحيح في تكفير مسلم بقول أو عمل أو اعتقاد وقول واحد ضعيف بعدم تكفيره
فالواجب أن يفتى بالقول الضعيف.
لهذا نتعجب أشد التعجب ما بلغنا عن بعض المشايخ المتفقهين في الهند أنهم
كفروا الشيخ عبد الحق الأعظمي؛ لأنه عبر في خطبة له عن الشيعة بقوله:
(إخواننا) وقد يوجد في مصر من يطلق هذه الكلمة على النصارى أو اليهود، ولا
يكفره أحد؛ للعلم بأنه يعني بلفظ الإخوان أخوة الإنسانية، لا أخوة الدين، ولا
وجه لتكفيره، إلا إذا علم أنه يعتقد أن عقائد النصارى وعباداتهم هي عين عقائد
الإسلام، وأنها حق ومرضية عند الله تعالى مثلها؛ لأنه بذلك يكون مكذبًا للقرآن،
وخارجًا خروجًا حقيقيًّا عما جاء به النبي من أصول الإيمان، وأما إذا أراد
مجرد المجاملة كما يجاملوننا بمثل هذا اللفظ، ولا يعنون به أننا على الحق من غير
ملاحظة أمر الدين، ولا أمر أخوة الإنسانية فإنه لا يحكم بكفره مادام يعتقد أن دينه
هو الحق ولا ينكر شيئًا من أصوله المجمع عليها المعلوم بالضرورة أنها منه.
يظن هؤلاء الشيوخ الغافلون المغرورون بخضوع العوام لأقوالهم من غير دليل
ولا برهان أن الإغلاظ على المخالف لمذهبهم، والغلو في عداوته من أسباب تأييد
الإسلام وأهله وخذلان الكفر وحزبه، والبدعة وفرقها، والحق الذي لا مِرْية فيه هو
أن الغلو في الخلاف والعنف في المقاومة هو الذي يغري كل ذي رأي أو مذهب أو
دين بالتعصب فيه، والجمود عليه والدفاع عنه من غير تأمل في كونه حقًّا أو باطلاً
بل لمجرد مقاومة المخالفين، وبذلك تكون الخسارة على صاحب الحق من المختلفين
لأنه لولا الغلظة والتعصب لنظر كل فريق فيما عند المخالف له نظر إنصاف،
والإنصاف أقوى أعوان الحق وأنصاره، ولو جرت القرون الأولى بالإسلام على
طريق الغلظة والشدة في مقاومة المخالف ومجادلته لما انتشر في الخافقين ذلك
الانتشار السريع.
هؤلاء الشيوخ الغالون في التعصب على كل من يخالف آراءهم أو آراء
شيوخهم في مذاهبهم أعدى أعداء الجماعة والسنة؛ لأنهم أقدر من غيرهم على تفريق
الكلمة، فهم يهدمون بناء الوحدة الإسلامية في حزب المحافظين على القديم بشبهة تأييد المذهب ومن ورائهم المتفرنجون يهدمونه بشبهة تأييد الوطنية؛ فالهدم واقع
على بناء الإسلام من داخله ومن خارجه، ولا نصير له إلا فئة تحاول الجمع
والتأليف بحمل أهل المذاهب المختلفة على تحكيم الكتاب العزيز والسنة المتواترة
فيما شجر بينهم وأن يعذر كل فريق منهم الآخر فيما وراء ذلك من الأمور
التي فيها للنظر والاجتهاد مجال، وبإقناع المتعصبين للوطنية بأن الاتحاد على
عمارة الأوطان لا يقطع الأخوة بين أهل الإسلام والإيمان، فنسأل الله أن
ينصر هذا الحزب ويؤيده على أعداء أنفسهم وأعداء ملتهم بأن يوفقهم
للدخول في السلم كافة واجتناب خطوات الشيطان الرجيم.
***
(مناظرة مَتَّى بن يونس وابن سعيد السيرافي)
كان بين متى بن يونس المنطقي وأبي سعيد السيرافي النحوي مناظرة في
المفاضلة بين المنطق والنحو وكان الفلج فيها لأبي سعيد في محفل حافل بالعلماء
والفضلاء؛ فأدلى بحجة على أن النحو قد يغني عن المنطق، وأن المنطق لا يغني
عن النحو، ولا شك أن (مَتَّى) قد عجز عن بيان فائدة المنطق، وأن بعض ما قاله
(أبو سعيد) في حجاجه لا يخلو من المغالطة ولكنه في بلاغته وقوة عارضته قد
اختلب خصمه الذي كان عييًّا حصرًا، لا يقدر أن يبين ما يعلم حق البيان.
والمناظرة من رواية أبي حيان التوحيدي وهي بعبارة انتهت إليها البلاغة، وبراعة
الأسلوب، وقد عني بطبعها صاحبنا الدكتور مرجليوث الإنكليزي المستشرق الأستاذ
بمدرسة أكسفورد الجامعة، وطبع معها ترجمتها بالإنكليزية له، والطبعة العربية لا
تخلو من تحريف قليل يعرف أكثره مما وضع في الهامش من اختلاف النسخ فنثني
على همة الدكتور لعنايته بخدمة لغتنا ثناء حسنًا.
***
(الهدى)
مجلة إسلامية علمية أدبية عمرانية إصلاحية تصدر في غرة كل شهر عربي
لمديرها سيد أفندي محمد ناظر المدرسة التحضيرية ومدير المجلة المدرسية وقد
صدر الجزء الأول منها في غرة المحرم الماضي في ٢٨ صفحة كبيرة، وفيها بعد
فاتحة المجلة وبيان منهاجها (دعوة شريفة يخاطب بها الكاتب علماء هذه
الأمة بوجوب مقاومة البدع الغاشية، وجمع كلمة الأمة المتفرقة، ومقالة في آراء
حكماء العرب في المعدن والنبات والحيوان والإنسان، ومقالة في العلوم الاجتماعية
لأحد طلبة مدرسة الحقوق ونبذة عن مسلمي القزان، وخطرات في الإصلاح،
وقصائد لبعض شعراء العصر. وقيمة الاشتراك فيها للمصريين ٤٠ ولغيرهم ١٢
فرنكًا، فنتمنى لهذا المجلة التوفيق والثبات.
***
(الصحافة)
جريدة أسبوعية تصدر في القاهرة لصاحبها ومحررها مصطفى أفندي توفيق الجراحي مؤلفة من ثمان صفحات بشكل الجريدة الرسمية، وتطبع على ورق جيد،
وهي من أحسن الجرائد الأسبوعية بمصر نزاهة واعتدلاً، وقيمة الاشتراك
فيها ٧٠ قرشًا في مصر و٢٢ فرنكًا في غيرها،فنتمنى لها التوفيق والنجاح.
***
(الهجرة)
جريدة أسبوعية تصدر في طنطا لصاحبها ومدير سياستها عبد الرحمن
أفندي الذهبي وهي كسابقتها في مقدمة الجرائد الأسبوعية موضوعًا على حداثة عهدهما وقد قرأنا فيها مقالات مفيدة ولكننا نحب أن يُعنى بتصحيحها فيما يأتي أكثر
من العناية به فيما مضى. وقيمة الاشتراك فيها مئة قرش في القطر المصري و٣٠ فرنكًا في سائر الأقطار فنتمنى لها الثبات والانتشار.