الفصل الرابع (مقام النساء في قوم خديجة) تلك كانت أحوال قوم خديجة في نظام اجتماعهم ذلك , ولم يكن مقام المرأة فيهم مقامًا مهينًا، بل كان لها لديهم مقام كريم، وجلّ ما عرف عنهم من انحطاط مقام المرأة أنهم كانوا يكرهون البنات , وأنهم كانوا يَئِدونهن؛ أي: يدفنونهن في التراب وهنّ على الحياة {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ القَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} (النحل: ٥٨-٥٩) . هذا ما عُرِفَ عنهم ومَن أخذ هذا الأمر على ظاهره وإطلاقه يستخف بهؤلاء القوم؛ لأن انحطاط قيمة المرأة ومقامها عندهم دليلٌ على انحطاطهم , ولكن أخذ الأمر على ظاهره وإطلاقه ليس من شأن الذين يحبّون معرفة الحقائق. إن كل بلد فيها الفقراء وذَوُو اليسار، وفيها الحمقى وأُولُو الألباب، وفيها القساة وأهل المَرْحَمَة. فليس من العقل ولا العدل أن يجعل عمل بعض الحمقى أو القساة أو الفقراء في بلد مثالاً ومرآةً لأعمال مجموع أهل البلد. كان في مكة فقراءُ وحَمْقى وقساة كما هو الحال في سائر البلاد , وكان أناس قليلون من هذه الأصناف يأتون هذا العمل الفظيع؛ نَعْنِي الوأْدَ (دَفْنُ البنات في الحياة في سِنّ الطفولة) فلا ينبغي أن يُقال بدون تقييد: إن القوم الذين نشأَتْ منهم سيدتنا هذه كانوا يَئِدون البنات. إن قومًا نبغَتْ فيهم مثل هذه السيدة لا يُعقل أن يكونوا قَتَلَةَ بناتٍ؛ كَلاَّ إنهم لم يكونوا يقتلون الأجساد، ولم يكونوا يقتلون منهن العقول والإرادات، وأما الذي نقل عنهم فهو عَمَل نَفَرٍ يكادون لا يُذكرون من فقرائهم أو حمقاهم أو قساتهم. ولم يكن الذين يئدون بناتهم يأتون هذا العمل الفظيع تغيظًا من هذه النسمات البريئة , أو احتقارًا لجنس المرأة كما يلوح لأول وهْلَة , بل كان يسوقهم إلى ذلك فساد في الخيال وضعف عظيم في الطبيعة. وإن الخيال الفاسد ليزين المنكر حتى يظنه صاحبه من المعروف؛ كما يشاهد كل واحد منا كثيرًا. كان منهم فقراء يزين لهم خيالُهم الفاسد أن فتاتهم إذا ظلّتْ في ميدان الحياة ربما نالها ضيْم من فقرهم , وربما عجزوا عن أن يكرمنهن بنفقة تساويهن بأَتْرَابهن من ذوي قرباهن أو جوارهن، فيرون مواراتهن في التراب خيرًا لهن من بقائهن دون الأتراب. لا نكرانَ للحق أن هذا لَخيالٌ باطل , ولا سِيَّمَا عند المؤمنين , ولكن هذا الخيال الباطل لم يوحِ إلى صاحبه أن الفتاة شجرة خبيثة يجب اجتثاثها قبل النمو , ويستحسن حرمان الوجود من ثمراتها , وإنما زيّن له سوء عمله هذا من طريق أخرى هي كرامة فتاته. يتخيل ذلك المسكين أن فتاته إن عاشت تعيش مثله في غصص تذيب الفؤاد , ولو قدَّ من الجلمود، وكرب تسود الوجوه البيض , وتبيض الشعور السود، فيزين له خيالُه أن يحمي كريمته فِلْذَةَ كَبِدِهِ مِن مثل هذه الحياة التي بلاها فقلاها , وأن يتقي بألم ساعة عند توديعها وتسليمها إلى الأبد آلام سنين يراها فيها كثيرة النصب قليلة النصيب , كما يتقي أحدهم بألم الكي آلام سقم مزمن. وكان منهم حمقى توسوس لهم شياطينُ الخواطر بأن الفتاة ربما وقعتْ في يد من لا يرعى له ولها حُرْمَة. ولو قضي على كل البشر بمثل هذه الوساوس لآذنت الدنيا بالانقضاء , ولكن الموجد لم يشأ إلا أن تكون الدنيا على هذا النمط من الاستمرار , فلذلك لم يوجد لهذه الوساوس سلطانًا على قلوب البشر إلا قليلاً ممن بلغنا شيء عنهم من هذا القبيل. ساء ما يزين لهؤلاء الفقراء والحمقى الذين كبر نصيبهم من القسوة مع نصيبهم من الفقر والحمق , فلو علم المعدم أن اليسار ليس محتكرًا في بيوت معينة وأشخاص مختصة , وإنما يتاح للعاملين المحسنين مع الظروف المناسبة، وأن قيمة كل امرئ ما يحسنه، وأن ليس عليه إلا أن يعمل بالمعروف عند قومه، ويصبر قليلاً حتى يتاح له ما يقوم به شأنه، لَمَا سهلَ عليه أن يقصف بيديه غصنًا منه أنبته الله , ولا لذة أكبر من تربيته وتنميته. ولو علم الأحمق أن الفرار من توهم العدو نهاية الجبن وغاية الخذلان، ويثمر أقصى درجات الخسران لَرَأَى أنه جدير بالبكاء على حظه من ضعف النفس. وهيهاتَ أن يكون قوم (خديجة) على هذا النمط من ضعف النفوس , وهم المعروفون بالشجاعة والإقدام. وأَيُّ قوم تطيب لهم الحياة إذا كانوا لا يرون سلامة حرمهم إلا بإفنائها؟ وأَنَّى يجد الشخص الطمأنينة إذا كان دأبه الهرب، من غير ما طلب؟ أَمّا إنهم كانوا يكرهون البنات إذا بُشِّرَ أحدُهم بها فلا يستطيع أحدٌ إنكارَه؛ لأن القرآن المجيد هو الذي سجّلَ هذه الحقيقة التاريخية , وقد سرى هذا إلى نفوسهم من شدة احتياجهم إلى البنين الذين سيكونون المدافعين في ذلك المجتمع القائم بنفسه قيامَ المجتمعات الكبيرة. وليس معناه أن البنت تظلّ طول دهرها مكروهةً , أو أن النساء لا قيمةَ لهن ولا قَدْرَ عند أولئك القوم. ما ذنْب القوم إذا كان نَفَر من فقرائهم وحمقاهم قد ضعف نفوسهم , فاستسلموا إلى الاستراحة مما يلذ للكرام التعب فيه؟ وما إجرامهم إلى الإنسانية من بعْدِ أن يقوم أمجادُهم بافتداء كثير من الفتيات اللاتي تصدى آباؤهن لِوَأْدِهِن من الفقر؟ إن العرب كافّةً وقريشًا خاصّةً كانوا يعزّون المرأة ولا يهينونها , وقد أَعْطَوُا النساءَ كلَّ ما لهن من الحقوق في نظر العدل , ولم يَنْسَوْا أن المرأة كالرجل هي إنسان يحمل دماغًا فيه إدراك , وأن لهذا الإنسان المؤنث نفسًا كنفس ذلك الإنسان المذكر تغضب وترضى وتنعم وتشقى , فأعطَوْا دماغها ونفسها حقيْهِما. وقد رَوَوْا لنا أن هندًا بنت عتبة وهي من قوم سيدتنا (خديجة) جاءها أبوها يشاورها في رجلين من قومها رغبَا الزواجَ بِها , فقالت: صِفْهُمَا لي , فقال: (أما أحدهما ففي ثروة وَسَعَة من العيش , إنْ تابعتيه تابعكِ، وإن ملتِ عنه حطّ إليكِ، تحكمين عليه في أهله وماله، وأما الآخر فموسع عليه منظور إليه، في الحَسَب الحسيب، والرأي الأريب، مدره أرومته، وعز عشيرته، شديد الغيرة، لا ينام على ضَعَة، ولا يرفع عصاه عن أهله) [١] فقالت: يا أبتِ الأول سيِّد مضياع للحرة , فما عست أن تلين بعد إبائها، وتضيع تحت جَنَاحه إذا تابعها بعلها فأشِرَتْ، وخافها أهلها فأمنت، فساء عند ذلك حالها، وقبح عند ذلك دلالها، فإن جاءت بولد أحمقت، وإن أنجبت فعن خطأ ما أنجبت، فاطوِ ذكر هذا عَنّي ولا تسمه عليّ بعدُ. وأما الآخر فبعل الفتاة الخريدة، الحرة العفيفة، وإني لأَخْلاقِ مثل هذا لموافقة؛ فزوجنيه , فزوجها الثاني , وكان هو أبا سفيان بن حرب فولدت منه معاوية مؤسس دولة بني أمية الشهيرة , وأحد نجباء العرب ودواهيهم. فهكذا كان مقام المرأة في قوم سيدتنا (خديجة) لا يفتات أهلها عليها في حقها , وهكذا كان رأي ذوات الحِجَى والزكانة منهنَّ. ولقد كان كثير من نساء العرب يشاركن في السياسة والأمور العمومية. وناهيك أن الحرب التي ظلت مستعرة نحوًا من أربعين سنةً بين بني ذُِبيان وبني عبس لم يتفكر في إطفاء نارها إلا امرأةٌ , ولم تتمكن من إطفائها إلا بِما لها من المكانة , وحسن الرأي , وذلك أن بيهسة بنت أوس بن حارثة بن لام الطائي لما زوجها أبوها من الحارث بن عوف المرِّيّ، وأراد أن يدخل عليها قالت: أتتفرغ للنساء والعربُ يقتُل بعضُها بعضًا؟ تَعْنِي بني عبس وبني ذبيان. فقال لها: ماذا تقولين؟ قالت: (اخرج إلى هؤلاء القوم فأَصْلِحْ بينهم , ثم ارجعْ إليّ) فخرج وعرض الأمر لخارجه بن سنان , فاستحسنَ ذلك وقاما كلاهما بهذا الأمر , فمشيا بالصلح , ودفعا الدِّيات من أموالهم , وحَسْبك مَنِ اشتهرْن مِن العربيات في السياسة منهن اللاَّتِي كُن من شيعة الإمام علي أيام مناصبة معاوية كسودة بنت عمارة بن الأشتر الهمدانية، وبكارة الهلالية، والزرقاء بنت عدي بن قيس الهمدانية، وأم سنان بنت جشمة بن خرشة المذحجية، وعكرمة بنت الأطرش بن رواحة، ودارمية الحجونية، وأم الخير بنت الحريش بنت سراقة البارقي. وأروى بنت الحارث بن عبد المطلب الهاشمية. وفدتْ سودة على معاوية بعد موت علي , فاستأذنتْ عليه , فأذن لها فَلَمّا دخلت عليه سلمت سودة , فقال لها: كيف أنت يا ابنة الأشتر؟ قالت: بخير يا أمير المؤمنين. قال لها: أنت القائلة لأخيك: شمر كفعل أبيك يا ابن عمارة ... يوم الطعان وملتقى الأقران وانصر عليًّا والحسين ورهطه ... واقصد لهند وابنها بهوان إن الإمام أخا النبي محمد [٢] ... علم الهدى ومنارة الإيمان فقُد الجيوش وسِر أمام لوائه ... قدمًا بأبيض صارم وسنان قالت: (يا أمير المؤمنين , مات الرأس، وبتر الذنب، فدع عنك تذكار ما قد نسي) فقال: (هيهات , ليس مثل مقام أخيك ينسى) . قالت: صدقْتَ والله يا أمير المؤمنين , ما كان أخي خفي المقام، ذليل المكان، ولكن كما قالت الخنساء: وإن صخرًا لتأتمُّ الهداة به ... كأنه علم في رأسه نار وبالله أسألك يا أمير المؤمنين إعفائي مما استعفيته. قال: قد فعلت فقولي حاجتك. فقالت: يا أمير المؤمنين (إنك للناس سيّد، ولأمورهم مقلد، والله سائلك عما افترض عليك من حقنا، ولا تزال تقدم علينا من ينهض بعزك، ويبسط بسلطانك، فيحصدنا حصاد السنبل، ويدوسنا دياس البقر، ويسومنا الخسيسة، ويسألنا الجليلة، هذا ابن أرطاة قدم بلادي، وقتل رجالي، وأخذ مالي، ولولا الطاعةُ لَكَان فينا عز ومَنْعَة، فإمَّا عزلتَه فشكرناك، وإمّا لا فعرفناك) فقال معاوية: (إيايَ تهددين بقومك , والله لقد هممتُ أن أردَّكِ إليه على قِتْب أشرس , فينفذ حكمه فيك) فسكتَتْ , ثم قالت: صلى الإله على روح تضمنه ... قبر فأصبح فيه العدل مدفونًا قد حالف الحق لا يبغي به ثمنًا ... فصار بالحق والإيمان مقرونًا قال: ومَن ذلك؟ قالت: علي بن أبي طالب رحمه الله تعالى، قال: ما أرى عليك منه أثرًا. قالت: بلى , أتيته يومًا في رجل ولاّه صدقاتنا , فكان بيننا وبينه ما بين الغث والسمين , فوجدته قائمًا , فانفتل من الصلاة , ثم قال برأفةٍ وتعطفٍ: ألكِ حاجةٌ؟ فأخبرته خبر الرجل , فبكى , ثم رفع يديه إلى السماء , فقال: (اللهم , إني لم آمُرْهم بِظُلْم خلقك، ولا ترْكِ حقِّك) ثم أخرج من جيبه قطعةً من جراب , فكتب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم {قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ} (يونس: ٥٧) {فَأَوْفُوا الكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} (الأعراف: ٨٥) {وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} (البقرة: ٦٠) {بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ} (هود: ٨٦) إذا أتاك كتابي هذا فاحتفظ بما في يديك حتى يأتي مَنْ يقبضه منك , والسلامُ) . قال معاوية: اكتبوا لها بالإنصاف لها والعدل عليها. فقالت: (ألي خاصَّةً أم لقومي عامّةً؟) فقال: (ما أنت وغيرك) . قالت: (هي والله الفحشاء واللؤم , إن كان عدلاً شاملاً , وإلاّ يسعني ما يسع قومي) . قال: (اكتبوا لها بحاجتها) . ووفدت بكارة الهلالية أيضًا على معاوية بعد موت علي , فدخلت عليه , وكان بحضرته عمرو بن العاص ومروان وسعيد بن العاصي , فجعلوا يذكرونه بأقوالها التي قالتها في مشايعة علي ومعاداة معاوية , فقالت: (أنا والله قائلة ما قالوا , وما خفي عنك مني أكثر) فضحك , وقال: ليس يمنعنا ذلك من برك. وكتب معاوية إلى عامله بالكوفة أن يوفد إليه الزرقاء ابنة عدي بن قيس الهمدانية مع ثقة من ذوي محارمها وعِدّة من فرسان قومها , وأن يوسع لها في النفقة , فلما وفدت على معاوية قال: مرحبًا , قدمت خير مقدم قدمه وافد كيف حالك؟ فقالت: بخير يا أمير المؤمنين. ثم قال لها: ألستِ الراكبة الجمل الأحمر , والواقفة بين الصفين تحضين على القتال , وتوقدين الحرب , فما حملكِ على ذلك؟ قالت: يا أمير المؤمنين (مات الرأس وبتر الذَّنَب، ولا يعود ما ذهب، والدهر ذو غِيَر، ومن تفكر أبصر، والأمر يحدث بعده الأمر) قال لها: أتحفظين كلامك يومئذ؟ قالت: (لا , والله لا أحفظه) قال: لكني أحفظه؛ وَتَلاَ عليها خُطْبة من خطبها التي هي في منتهى البلاغة , ثم قال لها: والله يا زرقاء لقد شركت عليًّا في كل دم سفكه. قالت: (أحسن الله شارتك , وأدام سلامتك، فمثلك يبشر بخير , ويسر جليسه) قال: (أوَيَسرك ذلك؟) قالت: (نعم , والله) فقال: (والله , لوفاؤكم له بعد موته، أعجب من حبكم له في حياته، اذكري حاجتك) فقالت: يا أمير المؤمنين , آليتُ على نفسي أن لا أسأل أميرًا أَعَنْتُ عليه أبدًا. ومثلك من أعطى من غير مسألة وجاد عن غير طلبة. قال: صدقْتِ. وأمَرَ لها وللذين جاءوا معها بجوائزَ. ووفدت عليه أيضًا أم سنان بنت جشمة، وعكرشة بنت الأطرش، ولما حجّ سأل عن دارمية الحجونية , فجيء بها إليه , فقال لها: (بعثتُ إليكِ لأسألك عَلاَمَ أحببتِ عليًّا وأبغضتني، وواليته وعاديتني؟ فاستعفته فلم يفعل. فقالت له أحببت عليًّا على عدْلِه في الرعية، وقسمه بالسوية، وأبغضتك على قتال مَن هو أولى منك بالأمر، وطلبتك ما ليس لك بالحق، وواليت عليًّا على حبه المساكين، وإعظامه لأهل الدين، وعاديتك على سفكك الدماء، وجورك في القضاء، وحكمك بالهوى) ثم قال لها: يا هذه , هل رأيت عليًّا؟ قالت (أي , والله) قال: فكيف رأيته؟ قالت: (رأيته والله لم يفتنه المُلك الذي فتنك , ولم تشغله النعمة التي شغلتك) قال: فهل سمعتِ كلامه؟ قالت: (نَعَم والله، فكان يجلو القلوب من العمى كما يجلو الزيت صدأ الطست) . قال: صدقْتِ , فهل لك من حاجةٍ؟ (قالت:) نعم , تعطيني مائة ناقة حمراء (قال: ماذا تصنعين بها؟) قالت: (أغذو بألبانها الصغار، وأستحيي بها الكبار، وأكتسب بها المكارم، وأصلح بها بين العشائر) قال: فإنْ أعطيتك ذلك , فهل أحل عندك محل علي بن أبي طالب؟ قالت (سبحانَ الله , أوْ دونه) فقال: (أما والله , لو كان عليٌّ حيًّا ما أعطاك منها شيئًا) قالت: لا والله ولا وبرةً واحدةً من مال المسلمين. وكذلك وفدت عليه أم الخير بنت حريش من الكوفة , ووفدت عليه أروى بنت الحارث , وجرى لهما معه حديث من مثل ما تقدم. فهكذا كان مقام المرأة العربية من أخوات سيدتنا القرشية. وهكذا كان حظهن من الفصاحة والحصافة، ومبلغهن من المشاركة في الأمور العمومية , والأخذ بالأسباب، والمشايعة لبعض الأحزاب، وما أَتَيْنَا إلا باليسير توطِئَةً لمعرفة مقام السيدة خديجة في قومها. ((يتبع بمقال تالٍ))