للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


البدع والخرافات
والتقاليد والعادات

السنيون والشيعة في حمص
كتب إلينا الأديب المهذب الحاج محمد طه السكاف الحمصي رسالةً مطولةً
يشرح فيها أمورًا تقع في بعض القرى التابعة لحمص من الخلاف والنزاع والتفرّق
والشقاق بين الفريقين الذين يدعون أهل السنة، والذين يدعون الشيعة، وذكر
بعض المسائل الخلافية التي يكثرون فيها الجدال والمراء كمسح الرجلين في
الوضوء، والمتعة، والمفاضلة بين الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ومن أعجب
ما ذكره قوله: إن العلماء في حمص يُكَفِّرُون الشيعة بمسألة مسح الرجلين، ويمنعون
الناس من أكل ذبائحهم مع أنها مسألة اجتهادية، ويشهد لمذهب الشيعة فيها ظاهر
القرآن؛ فإن إعراب {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} (المائدة: ٦) على قراءة
النصب بالعطف على المحل، أقرب من إعرابها على قراءة الجر بأن الأرجل
مجرورة بالمجاورة، بل هذا غير معروف عن العرب في مثل هذا التركيب، ولا
ينافي صحة المسح ثبوت الغسل في السنة؛ فإنه مسح وزيادة، ولذلك أرجحه بالعمل
مع الاعتقاد بمقابله، وعهدنا بالعلماء الراسخين أنهم يتوقفون عن تكفير من يخالفهم
في الأصول الدينية إذا كان متأولاً، وإن كان مما يكفرون به غير المتأول.
وذكر الكاتب مسألة فظيعة جدًّا، وهي أن رجلين أحدهما الملازم مصطفى أغا
والثاني أحمد بن علي الداغستاني شتماه ولعناه وضرباه على وجهه بالنعال، حتى
كاد يموت؛ ذلك بأنهما اتهماه ببغض سيدنا الصِّدِّيق رضي الله عنه وشتمه، وما كان
الصديق شتامًا ولا لعانًا ولا معتديًا ولا راميًا للناس بالبهتان، وقد كانا سألاه عن
الصديق فذكره بالخير واستمطر له الرضوان من الرحمن، فلم يعبآ بقوله، ولكن بما
نم عليه الفاسقون، ثم إنه ثبتت براءته عند القاضي الشرعي بعدما لبث في السجن
سبعة عشر يومًا.
هؤلاء الناس يزعمون أنهم على هدى الإسلام، وسنة النبي عليه الصلاة
والسلام، الذي أُمر أن يخاطب عبادة الأصنام، بمثل {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ
فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ * قُل لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلاَ نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (سبأ: ٢٤-
٢٥) ولولا هذه الطريقة الإلهية المثلى لما أَلَّفْتَ قلوبهم
{لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ
حَكِيمٌ} (الأنفال: ٦٣) .
هؤلاء المتحمسون المتعصبون وأمثالهم هم الذين فرَّقوا كلمة هذا الدين،
وجعلوا أهله شيعًا حتى صار بأسهم بينهم شديدًا، وذهبت ريحهم، وخبت
مصابيحهم، وتقوضت صياصيهم، وتمكن العدو من نواصيهم، وذاقوا مرارة
الخلاف، وآن لهم أن يعودوا إلى الائتلاف، فعسى أن يكون العلماء أول من يسعى
بجمع كلمة المسلمين ووحدتهم.
***
بعض البدع في زيارة قبور الأولياء
قال العلامة الآلوسي في باب الإشارة من تفسير سورة النور ما نصه: قوله
تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا
عَلَى أَهْلِهَا} (النور: ٢٧) إشارة إلى أنه لا ينبغي لمن يريد الدخول على الأولياء
أن يدخل حتى يجد روح القبول والإذن بإفاضة المدد الروحاني على قلبه المشار إليه
بالاستئناس؛ فإنه قد يكون للولي حال لا يليق للداخل أن يحضره فيه وربما يضره
ذلك. واطرد بعض الصوفية ذلك فيمن يريد الدخول لزيارة قبور الأولياء قدس الله
تعالى أسرارهم، فقال: ينبغي لمن أراد ذلك أن يقف بالباب على أكمل ما يكون من
الأدب، ويجمع حواسه، ويعتمد بقلبه طالبًا الإذن، ويجعل شيخه واسطة بينه وبين
الولي المَزُور في ذلك، فإن حصل له انشراح صدر ومدد روحاني وفيض باطني
فليدخل وإلا فليرجع. وهذا هو المعنيُّ بأدب الزيارة عندهم، ولم نجد ذلك عن أحد
من السلف الصالح، والشيعة عند زيارتهم للأئمة رضي الله تعالى عنهم ينادي
أحدهم: أأدخل يا أمير المؤمنين، أو يا ابن بنت رسول الله عليه الصلاة والسلام.
أو نحو ذلك، ويزعمون أن علامة الإذن حصول رقة القلب ودمع العين، وهو
أيضًا مما لم نعرفه عن أحد من السلف، ولا ذكره فقهاؤنا، وما أظنه إلا بدعة، ولا
يعد فاعله إلا مضحكة للعقلاء، وكون المَزُور حيًّا في قبره لا يستدعي الاستئذان في
الدخول لزيارته، وكذا ما ذكره بعض الفقهاء من أنه ينبغي للزائر التأدب مع المزور،
كما يتأدب معه حيًّا كما لا يخفى.
وقد رأيت بعد كتابتي هذه في (الجوهر المنظم في زيارة القبر المعظم)
صلى الله تعالى على صاحبه وسلم لابن حجر المكي ما نصه: قال بعضهم: وينبغي
أن يقف - يعني الزائر - بالباب وقفة لطيفة كالمستأذن في الدخول على العظماء.
انتهى، وفيه أنه لا أصل لذلك ولا حال ولا أدب يقتضيه انتهى.
ومنه يُعلم أنه إذا لم يشرع ذلك في زيارة قبره عليه الصلاة والسلام فعدم
مشروعيته في زيارة غيره من باب أولى، فاحفظ ذاك، والله يعصمنا من البدع
وإياك اهـ.
***
الموالد
جاء في جريدة الوطن الغراء تحت هذا العنوان ما نصه:
حضرات القراء أو المشتركين من عوام المسلمين وعلمائهم وفقرائهم
وأغنيائهم، لا تتوهموا أني مسيحي أو إسرائيلي أو بوذي، لا وشرف الإسلام وذويه
ما أنا إلا رجلاً مسلمًا (كذا) أبًا وأمًّا وجدودًا، قد كنت في شبيبتي جاهلاً،
والشباب جنون لا أدري ما هو الدين ولا ما هي الفضيلة، كنت أغضب إذا أرشد
العالم إلى الحقيقة، وأجاري الجهلاء في تسميته (فيلسوف) أي: غير مسلم حسب
زعمهم، مع أن المعنى بضد ذلك، وأفرح وينتعش فؤادي من خزعبلات الجهلاء
التي ما أضر العوام إلا الإصغاء إليها، ولا أوقف الدين في أحرج المواقف إلا
تقاعس العلماء وتركهم هؤلاء الجهلاء يخوضون صفوف الدين، ويهددون حصونه
بترهاتهم الكاذبة حتى مَنَّ الله عليّ بذرة من العقل، وأبلغني من العمر التاسعة
والعشرين، وأرشدني إلى الطريق القويم، فذهبت إلى طنطا في المولد الرحبي هذا
العام، ونظرت الموكب الذي يقوم به رجال الطرق والأشاير نظرة أفقدت حواسي
من شر ما لاقيته من الخرافات التي أفضت بالدين الإسلامي في البلاد المصرية إلى
هذه الدرجة، لقيت اللصوص والمتفقهين يذكرون الله بألسنتهم وعيونهم تتغازل مع
النساء، وأفواههم ترسل واسع التقبيل إليهن.
لقيت الفقهاء يرتلون آيات القرآن في الطريق، لقيت الطبل والزمر يشنفان
الآذان، لقيت المغنيين ينشدون (عزيز حبك) ، و (كان عقلك فين) ، لقيت
النساء حاملات أولادهن على أكفهن خلف المواكب يزغرتن كأن السيد يزف للختان
أو للتأهيل.
هل أصل الموكب يا حضرات العلماء كان كما نراه الآن؟ وهل كانت هذه
الخرافات موجودة فيه في الزمن السابق، أم كان بخلاف ذلك؟ وهل هذه البدع من
ضمن واجبات الدين والسيد محتاج إليها أم لا؟ أسئلة نوجهها إلى حضراتهم
ونرجوهم الإجابة عليها، وعن الباعث لتغاضيهم عن إبطال هذه العادات الخبيثة
حتى نكتفي مؤنة تضاحك الغير علينا ولهم جزيل الفضل اهـ بحروفه.
... ... ... ... ... ... ... ... إسماعيل يسري
... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... بالقرشية
***
النعل المعبودة
إن في مقام الشيخ الكلشني المشهور بالولاية نعلاً عتيقة منسوبة لهذا الشيخ،
يعتقد عوام المصريين أن فيها سرًّا عجيبًا، وهي أن نقاعتها تطفئ نار العشق، وتُبَرِّد
حرارة الغرام، وأنها على العاشقين برد وسلام، وأن لها فوائد أخرى، وهي دائمًا
منقوعة في الماء، فيأتي النساء والرجال ويشربون من مائها للتبرك به، ومن كانت
تتهم زوجها أو غير زوجها ممن يهمها شأنهم بالعشق تسقيه شيئًا من هذا الماء ولو
بحيلة لا يشعر بها، كأن تجعل الماء الذي تجتلبه من نقاعة النعل في سقائه أو
تمزجه بشرابه، سمعت هذا من كثيرين، وسأقصد مشاهدته بنفسي إن شاء الله
تعالى، أما كون هذه عبادة فسيأتي بعد.