للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


المجلس النيابي لمصر

ذكرنا في الجزء الرابع من منار هذه السنة أن إنكلترا عازمة على إنشاء
مجلس نيابي في مصر وقد تلقى جمهور المصريين هذا الخبر بالدهشة والاستغراب ,
وعدّوه مناقضًا لما يستنتج من سيرة المحتلين في مصر وتصريحات لورد كرومر
في تقاريره وناظر خارجيتهم في مجلس النواب بلندره. وكنا نظنّ أنّ حركة القبط
التي شرحناها في الجزء الخامس مما يحتمل أن يحمل الإنكليز على إرجاء السماح
بإنشاء هذا المجلس إلى أجل حتى جاءنا نبأ جديد من أنباء أوربا السّرّيّة العالية بأن
القوم لا يزالون على عزمهم وأن مجلس النواب المصرِيّ يوشك أن ينعقد في السنة
القابلة.
لا أقول: إن كتابات القبط التي تتابعت على لندره لم يكن لها أثر فيها , وإنما
أقول: إنه قد عارضها إعلان الدستور في الدولة العَلِيَّة , واضطرار حكومة بريطانيا
لإظهار الرضا والابتهاج به , وما اضطرها إلى ذلك إلا أخلاق شعبها وتقاليدها
القديمة الراسخة في حبّ الحرية , ونصر الأحرار أينما كانوا وحيثما وجدوا، فرأت
وزارة الأحرار الإنكليزية أنه لا يليق بها أن تظهر الميل إلى الدستور في مكان ,
والميل عنه في مكان آخر على أن الإنكليز قوم يجارون الطبيعة ولا يقاومونها ,
ويعملون في كل حال ما يرونه يليق بها.
ويوشك أن يكون للوفد المصري الذي سافر إلى لندرة بزعامة إسماعيل باشا
أباظة تأثير حسن في المسألة، فإن إنكلترا يصعب عليها أن تؤدي هذه الخدمة لمصر
بطريقة يسهل فيها غمط حقها , وإنكار فضلها , وإسناد عملها إلى غيرها مع أنه لا
يمكن أن يتم في مصر أمر عظيم بدون رضاها مادامت جيوشها محتلة فيها.