اطلعنا على نصيحة ألقاها الأمير عبد الرحمن أمير أفغانستان على ولده حبيب الله خان نشرتها جريدة (الحبل المتين) التي تصدر باللغة الفارسية في مدينة كلكتا , وقد ترجمت هذه النصيحة جريدة محمدان إلى اللغة الإنكليزية , ونحن ننشر للقراء ترجمتها باللغة العربية , فقد حوت من جليل الآراء وسامي الأفكار الإدارية والسياسية ما هو جدير بمثل أمير الأفغان حفظه الله , وها هي: (في ذات يوم دعا الأمير عبد الرحمن ولده حبيب الله خان وألقى على مسامعه العبارات الآتية) : ولدى العزيز: لا يخفى عليك أنني سلمت لك زمام الحكومة في مدة حياتي , وأن هذا العمل بلا شك مخالف لنظام الحكومات ومعاملات الدول الأوربية في الغرب والسلاطين في الشرق , ولكن غرضي من ذلك هو أن أعلمك كيف تحكم وكيف تفعل؛ لكي تكون على بصيرة وحكمة حينما يخلص إليك الملك وترقى على عرش هذه الدولة , ولي في ذلك أيضًا غرض آخر وهو أن يعرف مقامك رؤساء القبائل الأفغانية فيخشوا بأسك ويخضعوا لرأيك. والآن أريد أن ألقي على مسامعك بعض كلمات في قالب النصيحة , وأعتقد أنك إذا سِرت على خطتها تأمن على سلامة بلادك , ولا ترتكب خطأ في حكومتك يؤدي إلى ضياع نفوذك وهذه نصيحتي إليك: (١) يجب عليك يا بني أن تتمسك بمبادئ دينك الشريف , فتجعل له المقام الأول , وتنظر للواجبات الخاصة به قبل نظرك إلى أشغالك وسياستك , وبعبارة أخرى: يجب عليك أن تكون قدوة حسنة في التقى والدين لكافة أفراد رعيتك. (٢) يجب عليك أيضًا أن توجه عنايتك إلى سعادة أمتك وراحة رعيتك , وتوطيد دعائم السلام والسكون في أرجاء بلادك. واعلم أن نجاح البلاد وفلاحها متوقفان على الثروة , وأن الثروة والنفوذ لا يدرَكان بغير وسائط الزراعة والتجارة والصناعة , وأن هذه الوسائل تحتاج في ترقيتها وتنجيحها إلى التعليم والتربية العموميين. إن أمتنا يا بني لا تزال في الدرجة الدنيا من درجات المدنية , ولم يوجه أفرادها أنظارهم إلى تحصيل العلوم وتربية الأفكار , ولقد كانت أميالي القلبية من زمن طويل موجهة إلى تشييد المدارس وإرسال أنوار العرفان إلى سائر الأقطار الأفغانية على طريق المدارس ودور الفنون الموجودة في البلاد الغربية , ولكن مثل هذه الغاية لا تدرك بمجرد الإرادة , ولا تحقق في زمن قليل؛ لأنها تحتاج إلى التنمية والترقية التدريجية وحينئذ يلزمك أن توجه عنايتك التامة إلى هذه النقطة المهمة , وأن تعتقد أن من أقدس الواجبات عليك هو أن تبعث في نفوس رعيتك ميلاً إلى التربية والتعليم. (٣) حيث أنك ستستلم زمام الأحكام بيدك , وتكون أنت أفضل رجل في هذه الديار وأسماهم عقلاً وأكبرهم فكرًا وأعلاهم مقامًا - فأحسن معاملة أتباعك ومَن تحت حكمك. عامل رعيتك باللطف والمحبة الأبوية ليعتقدوا اعتقادًا ثابتًا بشفقتك عليهم وحرصك على سعادتهم وراحتهم؛ إذ هذا العمل يزيد في محبتهم لك ويجعلك أسمى مكانة في أعينهم , ولكن لا يجب أن تعامل الأجانب بمثل هذه المعاملة الأبوية لأنها تزيد في جسارتهم ووقاحتهم. (٤) يجب عليك أن تقدر أعمال رجالك ولا تنسَ فضل الفضلاء منهم فتكافئهم؛ لأن ذلك يقوي عزائمهم وينشطهم على خدمتك بالدقة والإخلاص والاستقامة. (٥) كن بعيدًا عن المحاباة والمجاملة في إنصاف المظلوم من الظالم ومعاقبة المجرم على جريمته , ولو كان المذنب ولدك وفلذة كبدك , واعرف أنك بذلك تسترقُّ القلوب وتستعبدها. (٦) لا تمكِّن الأجانب من فرصة ينالون بها حقًّا من الحقوق أو نفوذًا كيف كان , لأنك لو ملكتهم قليلاً من الفرصة فإنك تمهد لهم الطريق إلى خراب مملكتك وضياع بلادك. (٧) حيث أن الحكومة الإنكليزية بقيت معي إلى هذا العهد مسالمة مصافية فكن معها كما كنت أنا , ولكن على أي حال ضع نصب عينيك سلامة أفغانستان واستقلالها. (٨) ليكن من أول الواجبات التي تكلف نفسك بها: حماية مصالح رعاياك في كل حال من الأحوال. (٩) أما ما يختص بالمسائل السياسية فيجب عليك أن لا ترتكن فيها على وزرائك وأعوانك , بل يجب عليك أن توجه اهتمامك لكل شئ صغيرًا كان أو كبيرًا بنفسك. (١٠) وأما ما يتعلق بالمسائل الحربية فاعلم أنه يلزمك أن تكون قواتك الحربية على قدم الاستعداد كأنما تريد أن تزحف بها في الغد إلى ساحة القتال لمحاربة دولة أقوى منك جأشًا وأكثر عددًا وعِدَدًا , واعلم يا بني أن الأيام علمتنا دروسًا يجب أن نستفيد منها , فقد عرفنا أن من أول الضروريات أن يكون الجيش دائمًا على أهبة الاستعداد التام , ثم لا تنس زيادة الآلات والذخائر الحربية في زمن السلم لأنه كما لا يخفى عليك من الصعب أن تزود جيشك بما يكفيه من المؤونة والذخائر والآلات في زمن الحرب. (١١) يجب على الملوك أن يجتهدوا في جذب قلوب الجند وازدياد محبتهم لهم فاجعل جنودك سعداء مرتاحين فيحبوك فلا يتأخروا للوراء في ساعة يفيدك فيها أن يضحوا حياتهم حبًا فيك وحرصًا على سلامتك , واعلم أن الجنود يبيعون أرواحهم الغالية بمرتبات قليلة تعطى دائمًا في مواعيدها , وإذا لم تسر معهم على هذه الخطة فإنهم يضنون في ساعة شدة أن يبيعوك أرواحهم بثمن أغلى وقيمة أسمى. (١٢) يجب أن تعلم يا بني أن بيت مال الحكومة هو ملك الأمة , وليس مقام السلطان أو الأمير تجاهه إلا مقام الحارس الأمين على ما فيه , فإذا ابتدأ الحاكم يصرف المال المودع عنده على مصالحه ومطالبه الخصوصية؛ فإنه يكون خائنًا لمن ولوه الأمانة , وسلموه القيادة , واعتقدوا فيه الاستقامة , ومن المقرر المعلوم أن الخائن لا قيمة له في أعين الأمة مطلقًا , وأنه مبغض عند الله وعند الناس أجمعين , ويجب أن يكون بيت المال دائمًا ممتلئًا لأن ضعف الحكومة يظهر في قلة مالها أكثر من ظهوره في شيء آخر , كذلك يلزمك أن تدقق في ضروب المصروفات والإيرادات , وكل ما يزيد يضم على بيت المال بالتوالي. ويجب عليك أن تعمل كل ما في إمكانك من الوسائل لزيادة ثروة بيت المال لكي تتمكن من إنجاز الأعمال التي تريد إنجازها سواء كانت حربية أو سياسية أو تجارية أو صناعية أو تعليمية في الأوقات المناسبة لها؛ لأن الزمن يا بني يحتاج إلى كل هذه الأعمال والسير على هذا النهج القويم لكي تعيش آمنًا مطمئنًا قويًّا عزيز الجانب) اهـ من ترجمة المؤيد بتصرف قليل. (المنار) يا حبذا لو اعتبر بهذه النصيحة جميع الحكومات الإسلامية , فإن الإمارة الأفغانية ما أصبحت أعزها وأقواها على صغرها إلا بحزم وحكمة أميرها الذي أفاده نور البصيرة وحسن التجربة هذه النصائح التي هي أساس السياسة وروح الرئاسة.