للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


الأخبار والآراء

(الإنكليز في جنوب إيران والخليج الفارسي والبلاد العربية)
يجد الإنكليز في استعمار حصتهم من بلاد إيران التي نالوها بالقسمة مع
روسية (وهي القسم الجنوبي المتصل بالبحر) وإنما يجدون بالعمل الاقتصادي
والسياسي لا بالحروب والغارات والفتن كما تفعل روسية، وأين روسية -بل أين
فرنسة التي هي أعلم منها وأغنى من دهاء الإنكليز وبراعتهم في الاستعمار.
أخذ الإنكليز من إيران امتياز استخراج زيت البترول من الأهواز، ومدوا من
منابع الغاز إلى عبادان في شاطئ الخليج الفارسي سكة حديد، وأخذوا يشيدون
المباني الصناعية والمستودعات والقصور في عبادان (وكانت تسمى جزيرة
بريم) وسموها (عبادان لندن) , ويقال: إنهم جعلوا للشيخ خزعل خان ألف جنيه في
السنة في مقابلة الأرض التي أخذوها من عبادان على الشاطئ , وهي بالقرب من بلدة
المحمرة حتى إن الباخرة الإنكليزية التي ركبتها إلى البصرة كانت تحمل أدوات
كثيرة إلى عبادان , فلم تقف عليها بل وقفت أمام المحمرة وفرغت هناك
شحنها في الفلك الحوامل التي تنقله إلى شاطئ عبادان، فما أجهل حكومة
إيران؟ !
ثم إنهم يرسلون رجالهم السياسيين والحربيين إلى الثغور الإيرانية وكل بلد
يمدون نفوذهم فيه، وكل هؤلاء الرجال يعرفون أو يتعلمون اللغة الفارسية واللغة
العربية، وقد كان معنا في إحدى البواخر التي ركبناها بين الهند والخليج ضابط
إنكليزي بزي عادي (أي غير عسكري) يقرأ طول نهاره ويترجم بالعربية
والفارسية , ويتعرض للكلام مع بعض المسافرين من العرب على خلاف عادة
الإنكليز، - والحاجة تغير العادات - وقد علمت أنه منذ سنتين أو أكثر لا يوجد في
ثغر أبي شير حاكم من قبل الحكومة الإيرانية وإنما الأحكام كلها في يد قنصل
الإنكليز، وهذا الثغر هو أهم ثغور إيران، فيا حسرتا على حكومة إيران!
إن القوى التي يفتح الإنكليز بها الممالك الشرقية هي علمهم وجهل أهل هذه
الممالك وجهل حكوماتها وظلمها، ثم المال الذي يستخدمون به فريقًا من أهلها في
مصالحهم، وينشئون به من الأعمال والمصالح ما يثبت به أقدامهم، ويرون الناس
أن الخير والعمران والأمان إنما تكون بوجودهم، ثم مراعاة سنن الكون ونظام
الاجتماع في العمل , فلا يدخلون في شيء إلا بعد تمام الاستعداد للنجاح فيه،
ووراء ذلك كله قوة الأسطول والعسكر، ولا يستعملون هذه القوة إلا عند الضرورة،
ويأخذون فيها بالشدة والحزم في الإرهاب , فيوجهون منها إلى الشيء أضعاف ما
يستحقه حتى لا يطمع الخصم في المقاومة فيحتاجون إلى الحرب والضرب الذي
يؤرَّث الأحقاد ويؤسس الحفائظ التي لا تؤمن عاقبتها.
ليست هذه الدولة الطامعة مكتفية ببث نفوذها وتثبيت قدمها في بلاد إيران ,
بل هي تمهد السبل لامتلاك ما يقابلها من بلاد العرب: كمسقط وسائر بلاد عمان
وما يليها من السواحل العربية إلى الكويت حتى البصرة، فقد مكنت نفوذها في
مسقط وقيدت سلطانها بمعاهدة تجر عليه تبعات كثيرة وتفتح لها منافذ السيطرة
عندما تشاء، وبلغني وأنا في البصرة أن الإنكليز اتفقوا معه في هذه الأيام على منع
إدخال السلاح إلى مسقط على أن يعوضوا عليه ما يربحه من المكس (الجُمرك)
الذي يأخذه على ما يدخل منها كل عام، ولم يكتفوا بهذا بل اتفقوا معه أيضًا على
جمع السلاح الذي في أيدي الأهالي وإعطائهم ثمنه، وبعد ذلك يجعلونه عنده ليكون
هو المسئول عن كل حركة نارية في بلده، وماذا يستفيده هو أو تستفيده البلاد من
وضع السلاح في قصر السلطان وهو على شاطئ البحر بجوار قنصل الإنكليز
والبوارج الإنكليزية أمامها في كل حين؟ وما أدري لماذا يختار هذا السلطان المُقام
في هذه البلدة التي هي في هاوية شديدة من الحر بين جبال جرداء محدقة بها تحت
نفوذ قنصل الإنكليز ولا يجعل مقامه في الجبل الأخضر الذي هو جنة عمان؟
وأما ما فعله الإنكليز من الشدة في دُبَي في العام الماضي فقد كان من شذوذهم -
ولعلهم ندموا أن فعلوه كما ندموا في مسألة دنشواي كما يُظن - فإن أهل دبي قد
نفروا منهم بعد ذلك أشد النفور ولم يرضَ شيخهم بعد ذلك أن يكون للإنكليز في دُبَي
موطئ قدم لا للبريد ولا لما هو فوق البريد , وأنذرهم بأنهم إذا أرادوا أن يحدثوا
فيها حدثًا بالقوة فإن جميع الأهالي يتركونها لهم ويرحلون عنها!
وبلغني أنهم طلبوا أن يحصوا الغواصين في البحرين ويجعلون لهم دفاتر
يحصون فيها ما يجمعونه من اللؤلؤ كل عام، فلم يقبل شيخ البحرين ولا الأهالي
هذا الاقتراح , بل أحدث عند الجميع وسوسة , فاعتقدوا أن الإنكليز يمهدون السبيل
بذلك إلى مشاركة أهل الخليج في رزقهم هذا , وأنهم ربما يعاملونهم بعد ذلك كما
يعاملون الغواصين في جهة سيلان إذ تأخذ الحكومة الإنكليزية منهم ٦٥ أو٧٥ في
المئة مما يجنونه , فلا يكون لهم منه إلا مقدار القوت الذي يعيشون به؛ لأجل أن
يتمتع بالثمرة غيرهم, هذا ما يتحدثون به. والخوف على مستقبل هذه البلاد عظيم
والجهل عام , فلا يدري الناس ما يعملون، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
***
(طلب المسلمين المقيمين بألمانية مساعدة الدولة)
الحمد لله على نعمة الإسلام والصلاة والسلام على خير الأنام , أما بعد:
فنحييكم بتحية أهل الإسلام، ونسأل الله لنا ولكم الهداية وحسن الختام , ونرفع إليكم
بهذا ما يأتي: تعلمون أن الدولة العثمانية صاحبة الخلافة العظمى وحامية الحرمين
الشريفين , قد بغت وتعدت عليها حكومة إيطالية الظالمة , وناوأتها العدوان والحرب
في ولاية طرابلس أفريقية المتاخمة لمصر , وحيث إن الأمة الإسلامية أمة واحدة
بدليل قوله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء:
٩٢) وحيث إن المسلمين إخوة يجب عليهم معاونة بعضهم بعضًا بدليل قوله تعالى:
{إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (الحجرات: ١٠) وقوله عليه الصلاة والسلام:
(المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا) .
وحيث إن الله جل وعلا قد أمرنا في كتابه أن نرد كيد المعتدين علينا بدليل
قوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} (البقرة:
١٩٤) فيجب حتمًا على كل مسلم ومسلمة يؤمن بالله واليوم الآخر وملائكته وكتبه
ورسله أن يدفع هذا العداء الذي نزل بإخواننا في الدين ببذل نفسه وماله بدليل قوله
تعالى: {وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} (التوبة: ٤١) وأي سبيل لله
أقوم وأفضل من المجاهدة لدفع حكومة إيطالية الباغية على إخواننا المسلمين.
لهذا ندعوكم أولاً أن أعينوا دولة خلافتكم في حربها هذا ببذل المال والنفس
كل على قدر طاقته واستطاعته؛ لأن في ذلك إعانة لإخوانكم المجاهدين بطرابلس ,
وأن تقطعوا كل معاملة تجارية ومعاشية مع الطليان المقيمين النازلين والمقيمين
ببلادكم، أى تقاطعون مقاطعةً تامةً.
هذه دعوتنا إليكم كتبناها بدم قلوبنا , نرجو منكم إذاعتها ونشرها بين إخواننا
المسلمين بطرفكم كما أنا نرجو توزيع النسخ المرسولة مع هذه على بعض الإخوان
لقراءتها بالمساجد أو نشرها بالطرق التي تستحسنونها , ونحيطكم علمًا أن هذه
الدعوة قد بعثت أيضًا إلى أطراف العالم الإسلامي , وأننا نتضرع إلى المولى عز
وعلا أن يلهمكم الصواب , وأن يثيبكم على أداء هذا الفرض الديني ثوابًا عظيمًا.
... ... ... ... ... ... ... ... إخوانكم ... في الدين ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
... ... ... ... ... ... ... المسلمون المقيمون بألمانية
... ... ... ... ... محرم , إسماعيل حقي , علي وفيق , نوري