للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


فتاوى المنار

هل يكفر تارك الصلاة؟
حكم التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم
الوهابية
(س١١-١٢) من محمد أفندي جمعة الزيلع التاجر في ميناء طرابلس الشام.
مولاي الأستاذ المعظم السيد رشيد أفندي رضا الأفخم.
إنني لمست مناركم الأغر فوجدته يضيء، ولم لم تمسسه نار، نور على نور،
يهدي الله لنوره من يشاء، لقد أضاء مناركم على الشرق والغرب فأصبحتم بنعمة
الله حكيمها، لا زلتم مصدرًا للعلم والعرفان، مكللاً بالنصر المؤزر من الرحمن
الرحيم.
مولاي: سؤالين أعرضهما على سماحتكم أيها البحر الزاخر علمًا، وأسترحم
بيانهما على صفحات مجلتكم الغراء لتعم الفائدة، والله ولي التوفيق:
(١١) إنني كلما أرتل هذه الآية الكريمة، قوله تعالى: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ
وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلاَ تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ} (الروم: ٣١) وعندما أتلو هذه
الأحاديث الشريفة التي منها قوله عليه السلام: (ليس بين العبد والشرك إلا ترك
الصلاة فإذا تركها فقد أشرك) عن أنس صححه في الجامع الصغير، وعن ابن
عباس رضي الله عنهما قال حماد بن زيد: ولا أعلمه إلا قد رفعه إلى النبي صلى
الله عليه وسلم قال: (عرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة عليهن أسس الإسلام، من
ترك واحدة منهن فهو بها كافر حلال الدم: شهادة أن لا إله إلا الله، والصلاة
المكتوبة، وصوم رمضان) رواه أبو يعلى بإسناد حسن، ورواه سعيد بن زيد أخو
حماد بن زيد عن عمر بن مالك النكري عن أبي الجوزاء عن ابن عباس مرفوعًا
وقال فيه: (من ترك منهن واحدة فهو بالله كافر ولا يُقبل منه صرف ولا عدل،
وقد حل دمه وماله) .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
ذكر الصلاة يومًا فقال: (من حافظ عليها كانت له نورًا وبرهانًا ونجاة يوم القيامة،
ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع
قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف) رواه أحمد بإسناد جيد والطبراني في الكبير
والأوسط وابن حبان في صحيحه.
فيرتعش فؤادي عندما أريد تطبيق ما ذكر على حالتنا الحاضرة معشر
المسلمين، فأجدنا غافلين عن الإسلام وتعاليمه فحسبنا الله تعالى، وبعد هذا
فيعترض البعض على قوله تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنِينَ} (الروم:
٤٧) فأين المؤمنون ياترى؟ فما قول مولانا في صحة ما تقدم؟ فإن كان صحيحًا
هل يجوز شرعًا أن نعقد زواج بنتنا على الرجل الذي يترك الصلاة؟ وهل برئت
الذمة منه؟
(١٢) الدعاء إلى الله تعالى بالتوسل: هل فيه شك أو ريب إذ دعوت الله
قائلاً: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إنني قد
توجهت بك إلى ربك في حاجتي هذه لتُقضى، اللهم فشفِّعه في واقض حاجتي هذه
بجاهه عندك؟ وصلى الله على سيدنا محمد وآله.
أريد أن أزجر بهذا السؤال بعض الأفَّاكين الذين يقولون عن إخواننا المؤمنين
القائمين بالكتاب والسنة كبني نجد الكرام، وإمامهم العظيم خادم العلم الصحيح،
ونابذ البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان، فكثير من الناس يقولون ما لا يعملون
عن هذا الإمام المعظم أدامه الله ذخرًا للإسلام، فيقول البعض: إن الإمام وقومه
يمنعون ذكر الرسول وتعظيمه عليه السلام، وهذا ما لا أعتقده؛ فإن أمثال الإمام
الكريم القائم بأمر الله وسنة نبيه لا يكون إلا محبًّا للرسول عليه السلام حيث قال
تعالى: {فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (آل عمران: ٣١) إذًا محبة الله ورسوله هي
القيام بما أمر الله ورسوله لا بنشر البدع الى عمت، وأصبحت من الإسلام بنظر
الجاهلين حقيقة الدين وتعاليمه، فحسبنا الله.
نسأل الله أن يلهمنا الرشد إنه سميع مجيب، وأُقَبِّل أيادي مولاي في البدء
والختام.
... ... ... ... ... ... ... ... ... المخلص
... ... ... ... ... ... ... ... محمد جمعة الزيلع
(١١) الكفر بترك الصلاة:
يرى السائل في تفسير القرآن الحكيم من هذا الجزء بحثًا مستفيضًا في مسألة
الكفر بترك الصلاة والزكاة والصيام، وخلاف العلماء في ذلك، وأن التحقيق في
المسألة أن من ترك الصلاة وكذا غيرها من أركان الإسلام جاحدًا أو مستبيحًا لذلك
غير مبالٍ بالدين - فهو كافر بإجماع المسلمين، وأن من ترك بعض الصلوات دون
بعض يكفر في قول بعض الأئمة دون بعض، ومن لا يكفر بترك الصلاة لا يكفر
بترك غيرها؛ لأنها عمود الإسلام وأعظم أركانه، وقد بيَّنا أنه لا يعقل أن يتركها
مؤمن صحيح الإيمان مذعن صحيح الإسلام إلا أن يكون جاهلاً مغرورًا بالاعتماد
على المغفرة والشفاعة، ومثل هذا لم يكن يُعدَّ عذرًا شرعيًّا أيام كان الإسلام إسلامًا
معروفًا، وقد يعد صاحبه في هذا الوقت ممن لم تبلغهم دعوة الإسلام على الوجه
الحق التفصيلي لعموم الجهل، والأحاديث التي استدلوا بها على كفر تارك الصلاة
كثيرة ذكرنا في هذا البحث أصحها، وما ذكره السائل منها لا يصح كله.
فمن علم من رجل أنه لا يصلي ولا يصوم لفساد عقيدته الدينية، وعدم
مبالاته بما أوجب الله وما حرَّم، فليس للمسلم أن يزوجه ابنته أو موليته؛ ولكنه إذا
علم أنه مؤمن مغرور متكل على المغفرة أو الشفاعة مثلاً فليس له أن يجزم بكفره،
بل ينصح له ويعلمه ما يجهله من ضروريات الدين وكونه بدون إقامة أركانه لا
وجود له.
وطالما أقمنا الدلائل وبيَّنا الآيات في إثبات أن الكثيرين من مسلمي البلاد
الإسلامية ليس لديهم من الإسلام الحقيقي إلا الاسم، وأطلقنا عليهم لقب (المسلمين
الجغرافيين) .
(١٢) التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم:
وأما التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم باللفظ الذي ذكرتم فله أصل في
حديث الأعمى الذي طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له بأن يرد الله
عليه بصره، وأرشده صلى الله عليه وسلم إلى أن الصبر على مصيبته خير له في
الآخرة، فأبى إلا أن يدعو له صلى الله عليه وسلم، فدعا له صلى الله عليه وسلم
وعلَّمه أن يدعو الله تعالى بهذه الألفاظ، أو ما يقرب منها فدعا ورد الله عليه بصره
بدعاء نبيه ودعائه هو بأن يشفِّعه الله تعالى فيه، والحديث في سنن الترمذي
والنسائي وغيرهما من حديث عثمان بن حنيف الصحابي رضي الله عنه، وله
روايات عند غيرهما، والتحقيق أن هذا توسل بدعائه صلى الله عليه وسلم لا
بشخصه، ولا يتأتى مثله لأحد بعد وفاته فغير مشروع أن يطلب منه صلى الله عليه
وسلم بعد وفاته دعاء، لم يصح عن أحد من الصحابة ذلك، بل صح في حديث
توسلهم بالعباس في الاستسقاء ما يدل على امتناع التوسل بمثل ذلك بعد وفاته
صلوات الله وسلامه عليه إذ قال عمر: (اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا
فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا) والحديث في صحيح البخاري، ولو كان التوسل
بشخصه صلى الله عليه وسلم أو بدعائه بعد موته مشروعًا معروفًا عندهم رضي الله
عنهم لما عدلوا عن الاستسقاء به صلى الله عليه وسلم إلى الاستسقاء بدعاء العباس
رضي الله عنه.
ولكن بعض العلماء المتأخرين لم يفطنوا لهذا الفرق بين التوسلين، فاستدلوا
بحديث الأعمى على جواز التوسل بشخص النبي صلى الله عليه وسلم، وبطلب
دعائه وشفاعته بعد وفاته، فهم معذورون باجتهادهم، وإن كان خطأ، وقد بيَّنا تحقيق
هذه المسألة من قبل في المنار، وهي مفصلة بأدلتها ومنها روايات حديث الأعمى ما
صح منها وما لم يصح في كتاب (التوسل والوسيلة) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه
الله فليراجعها من شاء، وما ذكرتم من التقول والبهتان على الوهابية وملكهم إمام
السنة ومحييها فهو من غرائب افتراء أناس يدَّعون الإسلام، وقد عرف كذبهم في
العصر الملايين من الناس باختبار الحجاج الصادقين وأخبارهم، وما تنشره الجرائد
منها.