للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: صالح مخلص رضا


تقريظ المطبوعات [١]

ٌ ... (كتاب تنوير البصائر بسيرة الشيخ طاهر)
صفحات هذا الكتاب ١٥٩ بقطع رسالة التوحيد ومواضيعه ٥٣ وقد طبع
بدمشق الشام بمطبعة الحكومة العربية السورية (السابقة) سنة ١٣٣٩ على
ورق جيد، ويطلب من مؤلفه الشيخ محمد سعيد الباني بدمشق الشام.
(شيء من مواضيع الكتاب)
المقدمة: من المؤلفين والكُتَّاب من يفترص لما يريد إذاعته فرصة سانحة،
فيبدي فيها بعض ما يريد نشره، ومؤلف هذا الكتاب الشيخ محمد سعيد منهم؛ لأنك
إذا قرأت الكتاب وأردت أن تأخذ منه سيرة الفقيد مجردة، كما يحب المؤلف، لا
تكاد تثبت منه الربع وأما الثلاثة أرباع الباقية فهي مواضيع وآراء في الإصلاح
والتراجم والنقد، فهذه المقدمة وهي من ص٥-١٤ ليس فيها شيء من سيرة
المترجَم له، بل هي مقالة في الدين ولزومه والبدع المبتدعة إلخ.
أعماله وآثاره: ذكر في هذا الموضوع ما كان من أعمال الفقيد من الاجتهاد في
إصلاح الكتاتيب والمدارس الرشدية وبعض مؤلفاته وما عدا ذلك فهو في انتقاد
العلم وكتبه إلخ.
استثارته دفائن اللغة العربية: هذا الموضوع في أربع صفحات لم يكن فيها
شيء عن الفقيد يزيد على نصف صفحة على أنه لم يذكر فيه شيئًا من تلك الدقائق
ولا ما استثاره منها وبعثه من مرقده، فهل كان كتاب (المخصص) من جملة ما
أحياه؟
عنايته بإحياء التاريخ: هذه النبذة استغرقت من الكتاب ما يقرب من أربع
صفحات لم يكن فيها شيء عن الفقيد سوى ما ملخصه (عني فقيدنا بإحياء التاريخ
وإرشاد المسترشدين وغيرهم إلى مزاولته ودراسته وإنعام النظر به وبفلسفته
والدلالة على كتبه المفيدة والسعي وراء نشرها وطبعها) وما عدا ذلك فكلام في علم
التاريخ وفوائده ولم يذكر ما أحياه من التاريخ والعمران ولا ما نشره منه.
سعيه وراء التوفيق بين الدين والعلم والعمران: هذا الموضوع استغرق ما
يزيد على ١٦ صفحة ليس فيها عن الفقيد سوى ما يقل عن صفحتين نسب فيه
للفقيد ما لم يعرف عنه وما لم يدعه هو لنفسه (انظر ص٤٩) وإلا فليقل لنا
المؤلف أين مناظرات الفقيد أو كتاباته في الاجتماع والعمران ومحاجته المحافظين
على القديم؟ وإرشاد الطالبين وتعليم الجاهلين.
وكيف كان داعية إصلاح والمؤلف نفسه يقول ما ملخصه: (ولما رأى جدب
الزمان من حكماء الأخلاق وساسة الإرشاد، وأن معالم الأخلاق طمست ودراستها قد
درست، وأن وظيفته وهي الدعاية إلى الإصلاح العام لم تمكنه من التفرغ لإرشاد
السالكين وعظة الغافلين وتربية الأحداث إلخ) . انظر ص٢٩.
دعوته إلى الأخلاق والتربية: هذا الموضوع أخذ ١١ صفحة كان في الفقيد
منها ٣ صفحات نسب فيها للمؤلف ما ليس فيه وذكر صحبته وحبه
للمستشرقين وحبهم إياه والمزاورة بينه وبينهم وسرد أسمائهم.
فأنت ترى أن الكتاب عبارة عن مجموعة مقالات جعل في كل واحدة منها
كلمات في المترجم له رحمه الله تعالى وهذه براعة من المؤلف أشكره على التفطن
لها، ولكنني آخذ عليه - عملاً بقوله قبيل الخاتمة ص١٤٢- (ومن وجد غلطًا في
بعض ما عزوته للفقيد.. . فليتفضل عليَّ بتصحيح غلطي) إلخ، وبعد الاطلاع
على (المدخل) و (المقدمة) ما يأتي فأقول:
أولاً: إن الكتاب بمجموعه لا يصدق عليه اسمه ويصعب جدًّا أخذ تاريخ حياة
الشيخ طاهر منه، وأن أخذ ما أورده المؤلف من هذه الترجمة لتشتتها بين أطوائه
وفي ثناياه على أنها لا تكون صورة صحيحة للفقيد.
ثانيًا: نسب المؤلف للشيخ تلاميذ ومريدين، ولم يدلنا على أحد منهم والظاهر
لنا أنه - رحمه الله - لم يكن ذا قدرة على التعليم فإننا نعلم أنه أقام شهورًا عدة
نزيلاً عند بعض السوريين في السويس وأراد أن يعلم أحد أولادهم النحو، وقد رأينا
وعاشرنا هذا التلميذ وهو لا يعرف الفاعل من المفعول، فأين هم تلاميذ الشيخ
طاهر - رحمه الله - وأين أمكنة دراسته وتدريسه؟
ثالثًا: لم يذكر المؤلف ما كان له من الآثار في الآثار (العاديات) غير أنه
(تعلم كثيرًا من الخطوط الكوفي والمشجر والعبراني وغيرهم ليتسنى له دراسة
الآثار الدارسة ونبشها من عالم الدثور إلى عالم الظهور) .
رابعًا: لم يذكر ما كان من عمل الفقيد في التوفيق بين العلم والدين إلخ، غير
أنه كان من علماء كذا وكذا وما لم يدع الشيخ طاهر لنفسه شيئًا منه في حياته وأنه
تبادل الآراء مع المستشرقين وأنه كان بينه وبينهم صداقة إلخ، انظر ص٤٩ و٥٠.
وكذلك قل عن بقية المباحث، ولو أردنا نتبع الكتاب من أوله إلى آخره ما
زدنا القراء فائدة ولا المؤلف بصيرة وفيما أوردناه كفاية.
وإليك ترجمة الشيخ طاهر رحمه الله مختصرة مفيدة صحيحة كما وصفها أحد
أفاضل علماء الشام ممن له معرفة تامة بالفقيد بعد أن قرأتها عليه إذ قال لي: إنها
صورة حقيقية مختصرة للشيخ طاهر فأقول:
الشيخ طاهر الجزائري الدمشقي
حياته وموته ونشأته العلمية
هو الشيخ طاهر ابن الشيخ محمد صالح أحد مهاجرة الجزائريين ومفتي
المالكية بدمشق الشام، ولد في دمشق سنة ١٢٦٨ ونشأ في حجر والده وتلقي مبادئ
العلم عنه في بيته، ثم اتصل بالشيخ عبد الغني الميداني فحضر عليه علوم العربية
والفقه إلخ، وهو أستاذه الوحيد، وكان له شغف بالمطالعة والمراجعة حتى صار له
مشاركة حسنة في جميع العلوم العربية وعني بقراءة الخطوط العربية وخاصة
الكوفي منها وتلقى شيئًا من اصطلاحات الهندسة والفلسفة عن بعض ضباط الجند
العثماني حتى لم يعد غريبًا عن الهندسة النظرية، وكان ذا حافظة جيدة وذاكرة
حسنة لا يغيب عن ذهنه ما قرأه في بعض الكتب من نكتة غريبة أو نادرة، ومع
هذا لم يكن يعتمد على ذاكرته بل كان يضع في كل موضع فيه مسألة يحب الرجوع
إليها من الكتب علامة من قطع الورق حتى إنه إذا قرأ كتابًا ترى نُتف الورق بارزة
منه، وكثيرًا ما كان يكتب رقم الصفحة واسم الكتاب على قطع من ورق تكون في
جيبه الذي هو سفطه (محفظته) وجرابه وكان حريصًا على تلك النكت حتى أنه
كان يستطرد لوضعها في مؤلفاته، ولو في غير موضعها، وتوفي في دمشق يوم
١٤ من ربيع الآخر سنة ١٣٣٨ ودفن فيها رحمه الله تعالى.
(هيئته وزيه وعيشته وأخلاقه)
كان - رحمه الله - قمحي اللون واسع العينين غائرهما نحيف الجسم أبيض
اللحية رث البزة غير مُعتنٍ بنظافة ثيابه، وكان لباسه ما تسميه أعراب الشام (شبر)
ويسمى في مصر (قفطانًا) وفي الشام (قنبازًا أو غنبازًا) فوقه جبة أو جبتان ويتعمم
بعمامة من الأغباني، وكان كثيرًا ما يلبس الثوب مرة واحدة فلا يخلعه حتى يبلى ولا
يدع الشمسية (المظلة) صيفًا ولا شتاءً ويضع على عينيه منظارًا لتقريب البعيد، فإذا
أراد القراءة في كتاب رفعها، وكانت له جيوب في جبته كالخرج.
وكان حديد المزاج ضيق العطن ضعيف المنة، تغلب عليه الوحشة ولعله كان
يحس من نفسه بذلك إذ كان يحاول أن يستر الاستياء بمزاح مع جلسائه ومباسطة،
وكان كثير الحديث عن علماء دمشق وأعيانها والإسهاب فيما كان عليه معاصروه
فيها من الخب والختل والدهان وما كان يدسه هو من الدسائس ليخلص أو يخلص
شخصًا، أو ليروَّج مشروعًا خيريًّا من شرهم، ولولا أنه كان يجاهر بذلك في أكثر
مجالسه ويفخر به ويعبر عنه بالدسائس الطاهرية، لما استحسنَّا ذكره وقد علمنا علم
اليقين أن من دسائسه ما كان للإيقاع لا للإنقاذ.
وكانت عيشته عيشة الزهاد مع الحرص على الوقت وكان يقضي عامة ليله
في المطالعة على ضوء مصباح من البترول ثم رأى أن ينتفع بنوره وحرارته معًا،
فكان يأتي بقدر صغيرة فيضع فيها شيئًا يريد طبخه يحكم وضعها فوق المصباح
معلقة ويقدر لنضجه ساعات يتعاهده عند انتهائها، وكان أحيانًا يطبخ القهوة في
القدر ويشرب منها عدة أيام وربما تعفن وجهها من طول المكث.
وكان لا ينام في الليل بل يأتي بيته بعد العشاء ويطالع في الكتب أو يكتب عامة
ليله وينام بعد صلاة الصبح إلى العصر وكان ولوعًا بالدخان والشاي والقهوة
جميعًا مفرطًا في كل منها، ولم يكن حريصًا على المال.
كان خلقه التعفف والكرم مع الحاجة لا يميل إلى الطمع ولا الدناءة، وقد
اشتدت به الحاجة في آخر أيامه في مصر فباع معظم كتبه من أحمد باشا تيمور
وكانت نفقته من ثمنها، وكان يتصدق في كل يوم بملاليم (أعشار القرش) يعدها
لذلك، وقلما يصدر عن مجلسه وارد بفائدة علمية؛ لأنه لم يكن يذكر بين الناس
شيئًا من وسائل العلم لا مفيدًا ولا مناظرًا ولا مذكرًا ولا سائلاً ولا مجيبًا، وإذا سأله
مستفيد عن شيء أحاله على المراجعة وربما دله على المظان إن كان يرى أنه
يستحق ذلك، وكان يرمي إلى مقاصده من طرف خفي بدهاء.
وربما أوعز إلى بعض جلسائه ليوسط بالأمر يريده، وكان إذا استرسل
بالمباسطة أفرط فيكثر من الحركات ويغرب بالضحك حتى يخرج عن وقار الشيوخ.
وكان متصلبًا في رأيه لا يرجع عنه ولو إلى الصواب، حكى لي شيخ عالم
فاضل أطال عشرة الشيخ طاهر أنهم اختلفوا في كلمة لغوية، فكان الشيخ طاهر
على رأي تبين بعد المراجعة أنه كان مخطئًا ولم يرجع إلى الصواب.
(مؤلفاته)
إرشاد الألباء، مدخل الطلاب إلى فن الحساب، قصص الأنبياء، الفوائد
الجسام في معرفة خواص الأجسام، مد الراحة إلى علم المساحة، الجواهر الكلامية
في العقيدة الإسلامية، الجوهرة الوسطى، رسالة في العروض. وقد أراد أن يجعل
هذه الكتب مدرسية، وكلها طُبعت في سورية ومنها ما أعيد طبعه مرات، وله مؤلفات
أخرى وهي كتاب التبيان لبعض المباحث المتعلقة بالقرآن على طريقة الإتقان،
طبعه بمطبعة المنار ووقفت على طبعه وعنيت بتصحيحه بإذنه، وكتاب توجيه
النظر في الأصول طبعه له الخانجي بمصر وكتاب التعريب إلى أصول التقريب،
طبع بمصر بمطبعة النهضة بمصر وشرح خطب ابن نباتة وأمنية الألمعي، وكتاب
في التعليم الابتدائي وتفسير القرآن الحكيم، ولعل هذه الأربعة الأخيرة لم تطبع إذ
لم نرها وكان هو المحرر للمجلة السلفية التي صدرت في آخر أيام حياته بمصر
وكان يودعها نبذًا من مقتطفاته العلمية ومن كناشته (مفكراته) وكانت تلك المجلة
تنوه بكناشته وقد وعدت بطبعها فيما أتذكر، وله كتاب (تقويم المجلة السلفية) وإن
لم يصدر باسمه.

(علمه وعمله)
لم يشتهر الفقيد أو عرف بعلم من العلوم ولا تصدى لتدريس شيء منها، فلم
يُعلم له تلميذ عالم أخذ عنه العلم، غاية ما عُرف به أنه كان ذا اطلاع على أسماء
كثير من الكتب حتى قال بعضهم: إنه نسخة من كتاب كشف الظنون أو الفهرست،
وأنه وإن لم يحص ما أحصى كتاب من هذين، ولكنه كان يعرف مواضع كثير من
الكتب وفيها كثير مما يحب نشره ويجب طبعه ولكنه كان يبخل على الوراقين
بإرشادهم إليها إذ يرى أنهم لا يستحقون ما ينالونه من الربح بطبعها، وكانت له
ميزة فنية في معرفة الخط الكوفي أرشده إليها مقابلة آي القرآن المكتوبة على بعض
المساجد والأضرحة في دمشق ومصر وكتاب معرض الخطوط للآباء اليسوعيين
وله إلمام بالحروف العبرية، وما نشر من مؤلفاته إذا دل على سعة اطلاع، فإنه لا
يدل تحرير وإبداع ولا على تفقه في العلم أو تمكن منه.
وأما عمله فإنه كان قد تولى التعليم في المدرسة الظاهرية ثم عين مفتشًا
للمدارس الابتدائية العثمانية في سورية فكان فيها مثالاً للنشاط والذكاء والنصيحة.
ومن عمله أنه سعى لدى مدحت باشا الوزير العثماني الإداري الشهير عندما
كان واليًا على سورية بإصدار أمره بجمع الكتب العلمية المخطوطة المبعثرة في
المدارس العلمية والمساجد بدمشق، فكانت مكتبة مفيدة، وجمع من البيوت ما أمكن
جمعه وجمل في قبة ضريح الملك الظاهر وجعل لها قوام وخدمة ونظام مخصوص،
وفي أيام عبد الرؤوف باشا والي سورية استحصل على طائفة من الكتب كانت في
دور الناس من أعيان دمشق أرجعها إلى المكتبة الظاهرية، ثم جُعل مفتشًا على دور
الكتب في سورية وفلسطين فقام بذلك أحسن قيام.
ومن مساعيه تأسيس المكتبة الخالدية في القدس الشريف، وقد عين في آخر
أيامه عضوًا في المجمع العلمي الذي يرأسه محمد كرد علي في دمشق وناظر
المكتبة الظاهرية، وكانت الحكومة عزمت على درس قبر الإمام ابن تيمية لوقوعه
في حديقة خارج مدينة دمشق فأهاج الرأي العام ضد ذلك وبقي قبر الإمام محفوظًا
بسعيه وعنايته وأظن أن هذه الحادثة وقعت في أيام مدحت باشا.