للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الكاتب: محمد رشيد رضا


التقاريظ

(رسالتان في قراءة الفونغراف والسكورتاه)
اطلعنا على هاتين الرسالتين اللتين كتبهما وطبعهما في هذه الأيام الشيخ محمد
بخيت الأزهري المشهور بمصر وقال: إنه استنبطهما استنباطًا , وقد رأينا فيهما
الغريب من العلم في الكلام والطبيعة وتقويم البلدان والحديث والفقه. ذكر في الكلام
من أمشاج المسائل ما لا محل لذكره ووصف الفونغراف وصف من لم يره ولم
يعرف شيئًا من علم مخترعيه. وقال في أول الرسالة الثانية ما نصه: (وقد ورد
علينا خطاب من بعض العلماء بالأناضول بالروملي الشرقي بولاية سلانيك يتضمن
السؤال عما يأتي ويطلب الإجابة عنه , فأجبناه لطلبه , وقلت وبالله التوفيق) اهـ.
ويا ليت الأستاذ أطلع أحد أولاده الذين يتعلمون في المدارس على استنباطه قبل
الطبع لعله ينبهه إلى أن استنباط سائل مقيم في الأناضول وهو عدة ولايات في آسيا
- في الروملي الشرقية من ولايات أوربا التي دخلت في إمارة بلغاريا - في ولاية
سلانيك من مقدونيا - استنباط يرده كل من يعلم أن إقامة الرجل في ولايات مختلفة
في قارتين مختلفتين ضرب من المحال , ويتهم الشيخ المستنبط بأنه أراد استنباط
حيلة تدل على أنه مشهور في البلاد بالعلم مقصود بالاستفتاء فلم ينجح لعدم إلمامه
بالجغرافيا التي ما برح يذمها وينفر عنها حتى انتقمت منه لنفسها , وعلمته أن
الاجتهاد لا يتم اليوم بدونها.
ومن غريب العلم بالحديث والفقه في الرسالة الثانية قول المستنبط: إن
الإمامة الكبرى يجوز أن يكون فيها الإمام كافرًا أي يجوز أن يكون خليفة المسلمين
الذى يقلد القضاء ويؤذن بصلاة الجمعة كافرًا , واستدل على ذلك بحديث جابر بن
عبد الله عند ابن ماجه: (ألا لا يؤمنَّ امرأة رجلاً ولا يؤم أعرابي مهاجرًا ولا يؤم
فاجر مؤمنًا إلا أن يقهره سلطان يخاف سيفه أو سوطه) تقول الرواية هكذا: (لا
تؤمّنَّ امرأة رجلاً ولا أعرابي مهاجرًا ولا يؤمن فاجر مؤمنًا إلا أن يقهره بسلطان
يخاف سيفه أو سوطه) والحديث منكر أو موضوع فإن في إسناده عبد الله بن محمد
التميمي , قال البخاري: منكر الحديث , وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به ,
وقال وكيع: يضع الحديث , وقد تابعه عبد الملك بن حبيب في الواضحة وهو متهم
بسرقة الحديث وتخليط الأسانيد , وقال الحافظ ابن عبد البر: إنه أفسد إسناد هذا
الحديث. وفيه أيضًا علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف.
وكما لا يصح الاحتجاج به والاستنباط منه لفساد سنده لا يصح من جهة معناه؛
فإنه وارد في إمامة الصلاة لا في الإمامة الكبرى وهي الخلافة كما زعم المستنبط
الجديد , فإن المرأة والأعرابي المقيم في البادية وراء أنعامه ليسا مظنة لتقلد الإمامة
الكبرى فينهى عن تقليدهما , والمراد بالفاجر العاصي الفاسق لا الكافر , ولذلك تكلم
السلف في الصلاة وراء الظالمين كالحجاج وغيره ولا محل لبسط ذلك الآن.
وقد سرنا أن الشيخ سمى رأيه استنباطًا , وقال في أول الرسالة الثانية:
(الحمد لله الذي وفق من شاء من عباده لاستنباط الأحكام من صحيح الأدلة، ولم
يخص ذلك بزمان دون زمان بل جعل ذلك دائمًا مستمرًّا باستمرار الأهلة) فقد أثبت
أن الاجتهاد جائز في هذا الزمان خلافًا لما في كتب مذهبه من القول بإقفال بابه،
وانقراض أربابه. وظاهر أنه لا يعني الاجتهاد في المذهب والاستنباط منه , فقد
استنبط هو ما علمت من الحديث ولكنه أخطأ إذ لم يبذل شيئًا من جهده في معرفة
سنده ولا في فهمه , وقد علمت أنه منكر أو موضوع وأنه لا يدل على ما قال ,
فعسى أن يتروى في مثل ذلك عند محاولة استنباط آخر. وربما عدنا إلى انتقاد
الرسالتين.
***
(مجلة جمعية الملاجئ العباسية ومكارم الأخلاق الإسلامية)
كان لمجلة مكارم الأخلاق الإسلامية عند ابتداء ظهورها رواج عظيم وشهرة
أكبر منها حتى كان يطبع منها في السنة الأولى والثانية بضعة آلاف , ثم لم يلبث
الناس أن انفضوا من حولها وأعرضوا عن قراءتها حتى خفت صوتها وكاد يخفى
ذكرها لولا أن بادرت جمعية المكارم في الإسكندرية إلى كفالتها , ولكن عنايتها بها
كانت ضعيفة حتى اتحدت بجمعية الملاجئ العباسية. ففي فاتحة هذا العام صدرت
المجلة بالاسم الذي رأيت في العنوان مطبوعة طبعًا متقنًا على ورق جيد , وقد
تنوعت مباحثها ومسائلها المفيدة بعد أن كان أكثر ما ينشر فيها منقولاً من الكتب
والجرائد , وجعلت هدية للمشتركين في جمعية الملاجئ العباسية , وأما قيمة
الاشتراك السنوي لغيرهم فثلاثون قرشًا في مصر و١٠ فرنكات في سائر الأقطار.
ويقبل من طلاب العلم نصف القيمة. وكل ما يأتي من ربح المجلة - إن وجد
بأريحية محبي الخير - فهو لمساعدة الأيتام والفقراء والعجزة في تلك الملاجئ ,
فعسى أن تصادف من الإقبال في حياتها الجديدة ما يبشر أعضاء الجمعية الفضلاء
بأن داعية الخير والبر في المسلمين تقوى وتنمو عامًا بعد عام بل يومًا بعد يوم.
ومكتبات المجلة والجمعية تكون مع صاحب السعادة خليل حمدي باشا حمادة رئيس
الجمعية في الإسكندرية.
***
(مجلة الشتاء)
صدر الجزء الرابع من هذه المجلة قبل صدور هذا الجزء من المنار , وبه
تمت سنتها الأولى مؤلفة صفحاتها من ٢٤٠ صفحة. وفي هذا الجزء من المقالات
والمباحث الأدبية والمقاطيع الشعرية والنكات الفكاهية ما يكون لقراء المجلة في
هجير الصيف الذي تحتجب فيه كبرد الشتاء في مصر بردًا وسلامًا يتنعمون به فلا
ينسون لذته حتى تسفر عليهم حين تحتجب الشمس في أول الشتاء الآتي , أطال الله
خدمة منشئها لفنون الآداب ولقي ما هو أهله من تعضيد أولي الألباب.
***
(لفظ الملاحظة وانتقاد المنار تقرير الشيخ شاكر)
ذكرنا في انتقادنا عبارة تقرير مشيخة الإسكندرية أن لفظ (لاحظ) لا يتعدى
بعلى , وصاحب التقرير يكثر من قول (لاحظ عليه) فهو خطأ، كذا قلنا , ففهم
بعض الأدباء أن انتقادنا هذا خاص بقوله: (وقد يلاحظ المطلع على إحصائية العام
المقبل) لأن هذه العبارة هي التي ذكرت في المنار عند الانتقاد فقال هذا الأديب:
إن (على) في هذه العبارة متعلق بلفظ المطلع وهو صحيح.
وأقول: إن عبارة المنار المشار إليها كانت موجهة بالمناسبة إلى ما قلنا إنه
يكثر في كلامه ولكن سقط من الأصل شيء عند الطبع وأصل العبارة هكذا:
(ولاحظ مفاعلة من لحظ للمشاركة وهو النظر بمؤخر العين. وتستعمل الملاحظة
مجازًا بمعنى المراعاة ولا يظهر هنا المعنى الحقيقي ولا المجازي. ولاحظ لا
يتعدى بعلى ... ) إلخ فسقط ما بين لاحظ الأولى والثانية , ومنه يعلم أن الانتقاد
على تعدية لاحظ بعلى ذكر في السياق , ولم يكن هو المقصود بالذات فينبغي
تصحيح العبارة وموضعها: س ٢١، ص ٩١٨، م٩.