للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


مسألة نفقات مؤتمر الخلافة في مجلس النواب

أسرف بعض النواب في تكبير أمر نفقات مؤتمر الخلافة بتأثير النزعة
الإلحادية في مصر، وبما كان من انتماء بعض كبار شيوخ الأزهر إلى حزب
الاتحاد الممقوت عند الأكثرية الساحقة في المجلس وغيره حتى طلب بعض النواب
محاكمة الشيخ الأكبر رئيس الأزهر والمعاهد الدينية بما أنفقه في مؤتمر الخلافة،
وتغريمه إياه.
ولما عاد المجلس إلى المناقشة في (الاستجواب) المقدم من النائب خليل بك
إبراهيم أبو رحاب إلى وزير الأوقاف بها؛ أجاب الوزير بما ننقله عن جريدة
السياسة التي هي أشد خصم في الموضوع؛ لأنه حجة عليها - مع عدم ثقتنا
بتحريها الأمانة في النقل - وهذا نصه: -
وزير الأوقاف: تقدمت في جلسة ماضية ببيان جميع الوقائع المتعلقة بهذا
الموضوع من واقع المخاطبات الرسمية التي دارت بين فضيلة الأستاذ الأكبر شيخ
الجامع الأزهر , ووزارة الأوقاف , وليس عندي فيما يتعلق بهذه الوقائع ما أزيده
على بياني السابق.
وإذا كان لا بد من بيان في هذا الصدد بعدما سمعته من حضرة العضو
المحترم المستجوب , فإنه يخيل لي أن من واجبي أن أشرح للمجلس وجهة نظر
فضيلة شيخ الجامع الأزهر في صرف المبلغ على النحو الذي صرفه به , وبينه
المجلس.
وما كان يدور بخلدي قبل أن أحضر إلى هذه الجلسة أنني سأكون في حاجة ,
أو أنه سيكون هناك أي داع لأن أشرح للمجلس الموقر موقف شيخ الجامع.
ولكن بعدما سمعت من حضرة العضو المحترم , وهو يتكلم عن هيئة مهما
كان تصرف أحد المنتسبين إليها , ومهما كان مركز ذلك الشخص كبيرًا كان أو
صغيرًا؛ فإنها هيئة ندين لها جميعًا , وأظن أن المجلس الموقر يشاركني في ذلك
في وجوب ... .
فقاطعه الدكتور ماهر: ندين بالأكاذيب.
الوزير - فإنها مهما قيل هيئة دينية.
أصوات - لا لا , ما فيش هيئة دينية. دينية إيه؟
الوزير - هل لا يزال المجلس في حاجة إلى وزير الأوقاف.
أحمد عبد الغفار - أيوه
الوزير - إذن أطلب من المجلس أن يفتح لي صدره , أقول: إنه ما كان
يخطر ببالي قبل أن أتشرف بالوجود بينكم في هذه الجلسة أنني سأكون بحاجة إلى
أن أبين وجهة نظر شيخ الجامع الأزهر , ولكني بعدما سمعته من حضرة العضو
المحترم وهو يتكلم عن شخص ينتسب إلى هيئة أرى من واجبي - إن لم ير غيري
- أننا ندين لها بالاحترام , أو نقف إزاءها موقف الاحترام، أقول: إني مضطر
لأن أسفر عن وجهة نظر شيخ الجامع , وللمجلس الموقر حريته التامة في توجيه
دفاعه.
وليس معنى هذا أني أوافق , أو لا أوافق على وجهة النظر هذه، ولكن من
حق المروءة , ومن حق الإنسانية أنه إذا مس شخص , أو نوقش شخص في غيبته
أن يقوم من يعرض وجهة نظره على الأقل.
فإن قمت بهذا الواجب؛ فإني مدفوع فيه بعامل الإنسانية , والمروءة ,
والشعور بأن من واجبي أن أقدم وجهة نظر شخص قوبل بألفاظ قاسية.
والذي يؤخذ على فضيلة شيخ الجامع الأزهر أنه طلب صرف المبالغ التي
طلب صرفها على شؤون المعاهد الدينية في حين أنه تبين من الحساب الذي قدمه
للوزارة أنه صرف تلك المبالغ على مؤتمر الخلافة؛ فيؤخذ عليه , وقد يكون ذلك
(كذا في جريدة السياسة) أنه صرف المبالغ في وجه غير الوجه الذي أثبته في
كتابه [١] .
أصوات - يبقى معناه إيه؟
أظن أن لي الحق بصفتي عضوًا نائبًا على الأقل في هذا المجلس أن ألقي
رأيًا؛ لأني لم أقصد لهذا الموضوع قبل أن يستوفوا كلامهم، بل هم الذين طلبوا مني
الكلام قبلهم.
يرى فضيلة شيخ الجامع أنه لا تناقض بين تصرفه , وبين صيغة طلبه ,
يرى ذلك , وقد يكون مخطئًا فيما يراه , وقد أكون أول من يخطئه في ذلك , لكن
هذا لا يمنع من أن تعرفوا عقليته - (أعضاء يضحكون) - قبل أن تحكموا على
هذا التصرف حكمًا قاسيًا.
إنه يقول: إن الخلافة الإسلامية كانت شاغرة , وإنه كان يحسن بل يجب
ملؤها , فكان الواجب أن يتفاهم مع كبار رجال المسلمين في العالم.
فهذا إذا كان أنفق مبالغ طلبها للمعاهد الدينية؛ أنفقها للخلافة الإسلامية ,
فإنما قام بعمل هو في رأيه من أعمال المعاهد الدينية.
فإن أنتم دهشتم فاسمحوا لي أن أؤكد لكم أنه أيضًا - ولا أدري إذا كان مخطئًا ,
أو مصيبًا - قد دهش عندما سمع أنه يتهم بأنه طلب مبالغ لعمل , وأنه صرفها في
عمل آخر.
ولو كنت من شيخ الجامع - (كذا في السياسة) - لطلبت من وزارة
الأوقاف المبلغ بعد أن أخبرها بوضوح , وصراحة عن أبواب الصرف حتى لا يقع
مثل هذا اللبس الذي نحن فيه الآن.
على أن شيخ الجامع لا يكون هو المسئول الأول عن الكتب التي يمضيها ,
وهو شيخ كما تعرفون في سنه , وفي مشاغله العديدة , وبحكم وظيفته ...
الدكتور ماهر - ما تطلعوه (المنار: أي أخرجوه من المشيخة) .
الوزير - إن كانت صيغة الكتاب جاءت موجزة إيجازًا معيبًا , أو أنها لم تعبر
عن أفكار شيخ الجامع , فأرجو أن تكتفوا بما شرحته لحضراتكم , وأن تكون ماثلة
أمام حضراتكم جميع الظروف التي أحاطت بالموضوع.
وقبل أن أختم كلامي أصرح أني عندما كنت عضوًا بالوزارة السعدية؛ لم
يتصل بعلمي أن ذلك المبلغ كان له علاقة بمؤتمر الخلافة.
كما أني أصرح بأني لم أجد في الوزارة ما يدل على شيء من هذه العلاقة،
ولذلك فإن البيانات التي أدليت بها في الجلسة السابقة هي كل البيانات التي أستطيع
تقديمها.
بعد ذلك لي كلمة أعتقد من واجبي أن أدلي بها أيضًا , وهي خاصة بسؤال
حضرة النائب المحترم عما اعتزمته وزارة الأوقاف إزاء شيخ الجامع.
يطلب حضرة العضو المحترم مني , وأنا وزير الأوقاف أن أحاكم شيخ
الجامع على تصرفه، ولكني أنبه حضرته إلى أن المعاهد الدينية ليست تابعة
لوزارة الأوقاف , ولو سلمت جدلاً قبل أي بحث بأن موقف أحد موظفي المعاهد
يستوجب مؤاخذته , فليس من شأني , ولا من اختصاصي , ولا في استطاعتي أن
أحاكمه تأديبيًّا؛ لأنه ليس من موظفي وزارتي , ولأنه تابع لسلطة مستقلة , فهذا
خارج عن سلطاني واختصاصي , وتكليفي به هو تكليفي بالمستحيل.
وأما فيما يختص بالمبلغ , وهو الذي لوزارة الأوقاف شأن فيه , فقد ثبت
لحضراتكم أن وزارة الأوقاف قد تبرعت بهذا المبلغ إلى المعاهد الدينية.
فوزارة الأوقاف ترى أن صرف المبالغ في مؤتمر الخلافة مخالف لما طلب
لأجله , وشيخ الجامع يرى أنه صرف للغرض الذي طلب من أجله , ولم أتبين
وجهًا قانونيًّا يساعدني على مطالبة شيخ الجامع برد المبلغ ما دام له وجهة النظر
التي قدمتها.
أعضاء - يضجون
الوزير - افرضوا أن الوزارة اقتنعت , ورفعنا الدعوى , وجاء شيخ الجامع ,
وقد ثبت أنه لم يصرف المبلغ في شؤونه الخاصة , ولكن في موضوع مادي وجد
فعلاً هو مؤتمر الخلافة , وعلى أي حال فأنا كشخص أعرف شيئًا من القانون لا
أرى أني في موقف يسمح لي بأن أرفع الدعوى في هذا الموضوع على شيخ الجامع ,
وأن أكون مطمئنًّا على القضية. اهـ بيان الوزير في المسألة.
(المنار)
هذا ما صرَّح به وزير الأوقاف في مجلس النواب , وهو من علماء
الحقوق والقوانين , فأثبت أن شيخ الأزهر رئيس مؤتمر الخلافة لا يُؤاخَذ قانونًا
في إنفاقه ما أخذه من الأوقاف الخيرية , وأنفقه برأيه في شأن مؤتمر الخلافة، وأن
كل ما في الأمر من المؤاخذة خاص بصيغة الطلب , وأنه يراها لا تخل بغرضه
منه، وكل من له إلمام بالمسألة؛ يعلم أن إيهام الطلب , وعدم التصريح به , وهو مما
كان من التواطؤ بين وكيل وزارة الأوقاف السابق , وبين السكرتير العام للأزهر
ولمؤتمر الخلافة، ولكن بعض النواب لا يعلمون الحقائق , وبعضهم لا ينطقون
بها.
وممن كان يعرفها (الأستاذ الجنيدي) , فقال في المجلس: إن كتاب شيخ
الجامع الأول صدق عليه في اليوم الذي قدم فيه من وكيل الوزارة - وكان حسن
نشأت باشا - , فسأل عن وجود المبلغ؛ فأحيب بأنه يوجد , فجمع اللجنة
الاستشارية فيه , وعرض عليها الأمر , فوافقت عليه , وتقرر صرفه في الحال ,
وكان هناك نائب حر أشار إليها , فقال كلمة حق ننقلها عن جريدة السياسة , وإن
جاءت بها ملخصة فاقدة لبعض قوتها , وهي:
الأستاذ فكري أباظه: المسألة خطيرة , والمسألة تستدعي أن تعالج بشيء غير
قليل من الصراحة.
كلكم تعلمون أنه في ذلك الوقت ظنت الحواشي - والحاشية دائما تصدر منها
المصائب - ظنت الحاشية أن إرادة سامية كانت تريد الخلافة، ففي وزارة سنة
١٩٢٤ وسنة ١٩٢٥ كانت المبالغ تصرف بسرعة , وبغير الإجراءات المتبعة في
وزارة الأوقاف، إذن بأي حق , وعلى أي أساس من العدل , والشريعة نصُبُّ جام
غضبنا على الشيخ , والرؤوس باقية لا يحاسبها أحد؟
يقول الناس: سيعاقبون شيخ الجامع , وهم يعلمون أنه كان محركًا بقوة لا
يمكن لمجلس النواب أن يمنعها، فماذا فعلتم بالنسبة للوزراء السابقين , وقد ارتكبوا
من الجرائم ما ارتكبوا؟
لم تستطيعوا أن تعملوا شيئًا؛ لأنه لم يكن هناك قانون يسمح بعقابهم.
يقول وزير الأوقاف: أنه بحث الموضوع , وهو يرى كشخص يعرف القانون
أنه لا يستطيع مقاضاته , فلا تحصروا المسئولية في دائرة ضيقة , وضعوا يدكم على
المسئول الحقيقي.
أنقذوا كرامة المجلس، فالناس يعلمون كل التفاصيل اهـ.
(المنار)
وكان في الجلسة من عارفي الحقيقة النائب أحمد حافظ عوض بك , فارتأى
الاكتفاء ببيان معالي وزير الأوقاف، وكذلك كان.
وانتهت هذه الضجة التي كانت مما يحزن المسلمين , ويسر الملحدين , وإن
باءوا بالخيبة , وسوء الخاتمة.