مزية الخط العربي الكبرى التي يمتاز بها على الخط الإفرنجي وغيره هي الاختصار فالكلمة الإفرنجية تأخذ من مساحة الصحيفة مثل ما تأخذه الكلمة العربية مرتين أو مرات كما ترى في اسم (محمد) ويرسم هكذا بحروف الطبع عندهم (mohammad) ولكن في الخط العربي نقصًا ولا تشفع له هذه المزية ولا أضعافها من المزيا لو وجدت وهو أن معرفته لا تكفي لصحة قراءته؛ بل يحتاج عارفه إلى عدة علوم وفنون وحفظ الكثير من المفردات لأجل أن يصحح قراءته فكلمة (ملك) على صغرها تقرأ على وجوه كثيرة: مَلَكَ مَلَكٌ مَلَكٍ مَلْكُ مَلْكٍ مُلِكَ مُلْكٌ مُلْكٍ مِلْكُ مِلْكٍ مَلَّكَ مُلِّكَ مُلَّكٌ مُلُكٌ مُلُكٍ مُلُكٌ مُلُكٍ ولهذه الصيغ كلها معان وتقرأ على وجوه أخرى ليس لها كلها معان مستعملة في هذه اللغة لأن الميم فيها ثلاثة أوجه: الفتح والضم والكسر، واللام فيها هذه الثلاثة مع التخفيف ومع التشديد وفيها السكون، والكاف فيها الوجوه الثلاثة مع التنوين والتشديد وعدمها فيحصل من ضرب وجوه الميم وهي ثلاثة في وجوه اللام وهي سبعة ٢١ صورة تضرب في وجوه الكاف وهي ١٢ يحصل ٢٥٢ ولك أن تضيف إليها السكون مع التشديد وعدمه فتلك ستة تضربها في ٢١ يحصل لك ١٢٦ فالمجموع زهاء ٤٠٠ صورة ويكفي في الخلل أن تشتبه الكلمة بوجهين فقط كالمنتخَِب بكسر الخاء وفتحها بأن لا يخطر في بال قارئها ضبط آخر لها. ترتب على هذا الخط مفاسد كثيرة أهمها جعل اللغة العربية وعلومها عسرة التحصيل وكتبها عرضة للغلط والتحريف، وكون قرائها كثيري الغلط واللحن حتى إنه لا يكاد يوجد الآن في علمائها من يقرأ بدون لحن ولا غلط قط فما بالك بغير العلماء؟ ! ولولا هذا العيب في خطنا لكان أكثر العامة الذين يتعلمون القراءة والكتابة قويمي اللسان بهذه اللغة وإن لم يتعلموا النحو والصرف ويكثروا المراجعة في المعاجم، ولكانت ملكتها قوية فيهم وفهمها يسيرًا عليهم، فكيف يكون شأن العلماء منهم. وفي هذا الخط عيب آخر ضار وهو تشابه حروفها الذي كان سبب كثرة التصحيف والتحريف في كتبها حتى إنك ترى الألوف من أسفارها المكتوبة في القرون الخالية لا يوثق بها أولا يستفاد المراد منها أو يحتاج فيها إلى المراجعة وإطالة النظر ليعرف الأصل الصحيح منها. قد اهتدى بعض الأذكياء من أوائلنا إلى هذين العيبين في خطنا فوضعوا النقط للتفرقة بين الحروف المتشابهة، وكانت تكتب من غير نقط، ووضعوا الشكل لأجل ضبط الكلمات لتكون القراءة صحيحة لا لحن فيها ولا غلط، ولكن هذين العلاجين لم يشفيا العلة، ولم يرويا الغلة، فأما النقط فمع التزام أكثر المتقدمين وجميع المتأخرين له يكثر التصحيف في مخطوطاتهم فإن نقطة الفاء إذا جاءت كبيرة ولو بغير تعمد تقرأ قافًا، ونقطتي القاف إذا كتبتها صغيرتين أو ذهب جزء منهما بسبب ما قرئ القاف فاء، ويقال مثل ذلك في الباء مع الياء والتاء مع النون , وكثيرًا ما يؤخر الكاتب النقطة عن مكانها من الحرف أو يقدمها قليلا فتشتبه الكلمة بكلمة أخرى ولا سيما في الحروف التي تكون في أول الكلمة أو وسطها نبرة دقيقة وهي الباء والتاء والثاء والنون والياء فكلمة يبني من البناء تصير بتقديم وتأخير قليل لنقطتي النون والباء (ينبي) من الإنباء , وبمثل ذلك تشتبه الإنباء بالأبناء وعلي ذلك فقِسْ. وأما الشكل فيحصل فيه مثل هذا التقديم والتأخير الذي يكون في النقط لدقته وقرب الحروف بعضها من بعض فيترتب على ذلك الخطأ القطعي أو الاشتباه وكلاهما شر، وهو مع ذلك عسير كأن الكاتب يكتب الكلمة مرتين مرة بحروف كبيرة ومرة بحروف دقيقة جدًا ولذلك تركه الناس في غير المصاحف إلا قليلاً. وهو يعسر في الطبع كما يعسر في الخط ولذلك تكون أجرة طبع المشكول مضاعفة وأدوات الشكل يسرع إليها الكسر في المطابع لدقتها فيفسد الشكل أو يزول في أثناء الطبع، وقلّما تجد نساخًا يضبط لك شكل كتاب ينسخه لك فيجيء صحيحًا، وأندر من ذلك من يستطيع أن يشكل كتاًبا لم يكن مشكولاً فإن هذا عمل لا يقدر عليه إلا المتمكنون من فنون اللغة كلها مع التمكن من العلم الذي يتضمنه ذلك الكتاب وفهم كلامه بالقرائن والاستعانة على ذلك بمراجعة كتب اللغة وغيرها. إذا أصلح الخط العربي بكتابته مضبوطًا غير متشابه الحروف يكون ذلك مزيدًا في أعمار العرب والمسلمين الذين يكتبون بحروفهم لأنهم يتعلمون في أقل من نصف المدة التي يتعلمون فيها الآن، ومزيدًا في ثروتهم لأنهم لا ينفقون حينئذ على التعليم ونسخ الكتب وطبعها إلا بعض ما ينفقونه الآن، ويكون سببًا لسرعة ارتقائهم في العلوم والفنون والمَدنيَّة لأن هذا يتوقف على سهولة التعليم وتعميمه، وبذلك تنتشر اللغة العربية بين المسلمين من الأعاجم بسرعة عظيمة فيقوى فيهم الإسلام نفسه فتنمى به آدابهم وفضائلهم ويأمنون من نزغات الإلحاد التي تدخل عليهم الآن من كل باب من أبواب التعلم على منهاج الإفرنج فتحل روابطهم الاجتماعية وتفسد آدابهم الملية فيفشو فيهم الفسق والخيانة؛ إذ لا يكون لهم هَمّ إلا في الاستكثار من المال لأجل التمتع بلذات الدنيا التي ليس وراءها حياة عندهم. إن المسلم الذي لا يفهم القرآن فهمًا صحيحًا ولا يعرف السيرة النبوية معرفة حقيقية يسهل تحويله عن الإسلام بالتعليم الإفرنجي وإن كان من العرب الذين فسدت ملكتهم العربية كأهل بلادنا كلهم فكيف إذا كان أعجميًّا، كنت في مجلس فرأيت أحد الضباط الشبان يحادث طبيبًا صديقًا لي بجانبه فكان مما قاله أنه يعجب أن يراه متدينًا مما تلقيه للعلوم العالية وأصل هذا الدين وأساسه القرآن، (قال) وهو كتاب لم أرَ مثله كتابًا ركيكًا معسلطًا يسرع الملل إلى قارئه، قال لي الطبيب يقول هذا وهو لا يفرق بين الاسم والفعل في العربية ولا يفهم آية فهمًا صحيحًا، فقلت له إن هذا أحد السببين في ملله من القرآن، والسبب الثاني هو كفره المادي التقليدي الذي حَبب إليه الشهوات والانطلاق من قيود التقوى وكرّه إليه الإيمان والعمل الصالح، ومثل هذا القول لا يصدر عن عربي مؤمن ولا كافر فمهما كان حظ العربي من اللغة ضعيفًا يفهم في الجملة علوَّ القرآن على سائر الكلام، قال الدكتور شبلي شميل - وهو فيلسوف مادي مشهور - في النبي صلى الله عليه وسلم: إني وإن أك قد كفرت بدينه ... هل أكفرنَّ بمحكم الآيات أو ماحوت في ناصع الألفاظ من ... حجج روادع للهوى وعظات وشرائع لو أنه عقلوا بها ... ما قيدوا العمران بالعادات وأثبت الأستاذ جبر ضومط معلم البلاغة في المدرسة الكلية الأمريكانية ببيروت في كتابه (الخواطر الحسان في المعاني والبيان) أن القرآن معجز ببلاغته وأسلوبه. وما يؤثر عن مشركي العرب البلغاء في ذلك مشهور لا محل لشرحه هنا وإنما نقول إن أشهر وُصف وُصِف به القرآن هو كونه لا تمل تلاوته (ولا يخلقه عند أهل التلاوة كثرة الترديد) ويظن بعض الناس أن اعتقاد حقيته والأجر على تلاوته هو السبب في عدم الملل فإننا نعتقد حقية الأحاديث الصحيحة، والأجر في مدارستها ولكننا إذا قرأنا صحيح البخاري كما نقرأ القرآن دائمًا على تمادي الأيام والسنين نمل من قراءته ولا نستطيع أن نواظب عليها مع النشاط واللذة كما نواظب على تلاوة القرآن. والسبب الحقيقي لعدم المَلَل من تلاوة القرآن هو أسلوبه الغريب في مزج الحكم والأحكام والقصص والأمثال والعظات والبيّنات ووصف محاسن المخلوقات وسنن االسور فى عبارات بليغة عالية مؤثرة كما بينت ذلك في العقيدة التي وضعتها للمتوسطينمن طلاب العلوم والفنون وإنما أطلت في هذا الاستطراد لأنبه على أن الجهل بالعربية وعدم فهم القرآن هو الذي يمهد طريق الإلحاد ومنه يعلم خطأ الذين يقولون بترجمة القرآن كعبيد الله أفندي من علماء الترك وصاحب جريدة العرب التي يبث فيها هذا الفكر ليقنع به قراءها وما هم بالذين يقتنعون. ونعود إلى أصل الموضوع فنقول: إن أذكياء المسلمين من العرب والترك وأذكياء نصارى العرب من السوريين قد فكروا في مسألة إصلاح الخط العربي في أواخر القرن الماضي وأتذكر أن شيخنا الجسر رحمه الله تعالى قد أطلعني في أيام الطلب على حروفٍ رسمها بعض الأذكياء قد جعل الشكل فيها متصلاًّ بالحرف فيكون للحرف عدة أشكال مع حفظ صورته الأصلية ولم يكن هذا مرضيًا لمن اطلع عليه من الباحثين، وبحثت مجلة المقتطف في هذه المسألة فكان من رأي الباحثين فيها أن يكتب العرب لغتهم بالحروف اللاتينية التي يكتب بها الإفرنج واستحسن أصحاب المجلة هذا الرأي إن لم تكن ذاكرتي مخطئة، ولكن لم يستحسنه ولن يستحسنه المسلمون. وقد تصدّى بعض الإفرنج كالانكليزي ويلمور الذي كان قاضيًا في مصر لترويج هذا الأمر والإقناع باختيار اللغة العامية على اللغة الفصيحة، ويرى المطلعون على المجلد الأول من المنار مقالاً طويلاً منشورًا في موضعين (ص١٠١ و١٢٠) في مقاومة هذا الرأي عنوانه: (صدمة جديدة على اللغة العربية) سببه أن بعض الدعاة إلى إقناع العرب باختيار الحروف اللاتينية قد نشر مع بعض الجرائد اليومية بمصر منشورًا يدعو فيه إلى كتابة اللغة العامية بهذه الحروف، وعين جوائز مالية لمن يفعل ذلك، ومن البديهي أن غرض هؤلاء الدعاة هدم اللغة العربية والإسلام جميعًا وما ذلك بالأمر المستطاع لو أنفقوا في سبيله جميع ما في أوربا من الذهب. واخترع جميل أفندي الزهاوي من أذكياء بغداد خطًّا جديدًا هو أمثل من الخط العربي ومن الخط الإفرنجي وعَرَضَه على الناس في مجلة المقتطف فلم يحفل به أحد لأن المسلمين هم أصحاب الشأن في هذا الأمر ولا يرضون بأن يتغير الخط الذي هو من مقوماتهم الملية، وقد كتبت به مصاحفهم وأسفار سلفهم ولا سيما إذا كان التغيير بالانتقال إلى خط أعدائهم السياسيين الذين يريدون إزالة سلطانهم من الأرض وجعلهم أُجَراء مسخّرين لخدمتهم وهم الإفرنج. ذاكرت أحمد مختار باشا الغازي في هذه المسألة بمصر منذ سنين فكان مما قاله لي: إننا فكرنا في هذه المسألة من قبل وتذاكرت أنا وناظر المعارف وغيره من كبار رجال الدولة في وجوب إصلاح خطنا ليقرأه صحيحًا كل قارئ فإن ضرر هذا الخط علينا عظيم ولا سيما في العسكرية فإننا نرسل الضباط من أركان الحرب لخرت بعض المواقع وضبط أسماء معاهدها وطرقها وقراها فيكتبون لنا أسماء لا نقرأها صحيحة وقد يكون الغلط والاشتباه فيها سببًا للفشل في الحرب إذا وقعت فيها فكان من رأيي أن تكون نظارة الحربية أول من يستعمل الخط المضبوط في جغرافيتها فذلك لا يؤثر في التعليم الديني والأدبي ولا يهيج علينا المتعصبين من العلماء لكل قديم ولكن لم يكد ينتشر بين الناس خبر مذاكرتنا في ذلك حتى لغط به الناس وعدوه جناية على الإسلام وبلغني أن بعضهم قال نحن لا نعتب على فلان باشا وفلان باشا إذا قالوا مثل هذا القول لقلة مبالاتهم بالدين، ولكن نعتب على أحمد مختار باشا - أو قال مختار بك لأنه لم يكن يومئذ باشا - الذي كنا نظن أنه مسلم متدين ثم قال لي بهذه المناسبة: (إن الإصلاح لا يمكن أن يأتي من تحت الطربوش بل لا بد أن يكون من تحت العمامة فإذا لم يوجد في علماء المسلمين من يقوم بالإصلاح فلا يصلح حالهم حتى إن الخليفة الذي هو إمام المسلمين ورئيسهم الديني لا يمكنه وقد خرج من الهيئة العلمية الدينية أن يأتي بإصلاح جديد للمسلمين ما لم يفته ذلك شيخ الإسلام) . هذا وإنني في السنة الماضية قد رغبت إلى المفكرين في الإصلاح اللغوي من أعضاء نادي دار العلوم بمصر أن يبحثوا في هذه المسألة وأن يراجعوا فيها أنواع الخط الكوفي وغيره من الخطوط الإسلامية القديمة ويختاروا منها حروفًا لا يشتبه بعضها ببعض، ولو بالتلفيق وأن يبحثوا أيضًا في طريقة كتابتها مضبوطة بغير هذا الشكل الدقيق العسر. وكان بعض المفكرين من الفرس وغيرهم رأى أن تكتب الحروف العربية المشهورة الآن مقطعة ويجعل الألف بعد الحرف المفتوح والواو بعد الحرف المضموم والياء بعد الحرف المكسور وأن يكتب الحرف المشدد مرتين كما هو الأصل فيه ولذلك يسميه الصرفيون مضاعفًا ورأيت كتابًا مطبوعًا على هذه الطريقة ولكن فيها إشكالات ومعايب ولم يرضها أكثر المطلعين عليها. ولما جئت القسطنطينية في العام الماضي عرفت فيها الطبيب إسماعيل حقي أفندي الميلاسلي فرأيته مهتمًا بهذه المسألة أشد الاهتمام وقد وضع فيها كراسة لإصلاح هذا الخط على أن يكتب حروفًا مقطعة ويكتب بجانب كل حرف من حروف الكلمة حرفًا لضبط حركته يقرب من حروف العلة لأنه يرسم بتغيير ما فيها وزاد حروفًا جديدة لضبط الخط التركي؛ لأن في اللغة التركية من الأصوات ما لا مثل له في العربية وهو يوزع هذه الكراسة على من يرجو منهم العناية بهذا الإصلاح جزاه الله خيرًا ولكن هذا الخط يحتاج إلي تعليم جديد ولا ينطبق علي القديم من كل وجه وفيه علل أخرى فلا أرى أن الجمهور يقبله كما هو. ورأيت ههنا في القسطنطينية أيضًا بحثًا وجدالاً بين الأرنؤط في المفاضلة بين الحروف العربية والحروف اللاتينية فكان بعضهم يرجح الحروف اللاتينة؛ لأن لغتهم تتأدى بها أداء صحيحًا لأن حروفهم وأصواتهم عين حروفها وأصواتها ولأنها هي الأصل المستعمل عندهم وخالفهم الأكثرون محتجين بأن تلك الحروف تبعدهم عن الإسلام والحروف العربية تقربهم منه، وقد نفذ رأي الأكثرين بعد أن انتصر لهم أكثر المبعوثين منهم وصدر أمر الحكومة باعتماد الحروف العربية في تعليمهم وكانوا يتعلمون لغتهم في بعض مدارس الحكومة بالحروف اللاتينية وقد ذاكرت إسماعيل كمال بك أشهر مبعوثيهم في هذه المسألة وقلت له إذا ترجح عندكم استعمال الحروف العربية فيحسن أن تستعملوها على طريقة إصلاحية إذ لا صعوبة في ذلك عندكم كما يصعب على أنّ مَن أَلِفُوا الطريقة القديمة التي يكثر خطأها وتحريفها، فقال: إنه لا يمكن أن يكون بدء هذا الإصلاح من شعب إسلامي صغير بل يجب أن يبدأ بمثل هذا العرب أنفسهم وسائر المسلمين يتبعونهم فيه. هذا مخلص ما أتذكره الآن من شعب هذه المسألة المهمة، وإن لي رأيًا في هذا الإصلاح كنت أريد إرجاءه إلى الوقت الذي يسهل فيه إيضاحه ويرجى قبوله ولكن قويت الداعية إلي التنويه به الآن وسأوضحه في فرصة أخرى بعد سبك الحروف على الوضع الذي يتضح به. أرى أنه يمكن إصلاح هذا الخط إصلاحًا يحافظ فيه على أشكال الحروف المعهودة وشكولها المعروفة، أو ما يقرب منها، ولا يحتاج فيه إلى تعليم جديد للمتعلمين، ولا إلى إبطال كتب السابقين، ويؤمن فيه مع ذلك من الاشتباه والتحريف والتصحيف والغلط الكثير، من غير إضاعة لما فيه من مزية الاختصار بالمرة، وليبدأ هذا الإصلاح بالطبع فهو من مسهلاته مع قلة النفقة. وإننا نشير إلى ذلك بالإيجاز ثم نشرحه عندما يتيسر لنا سبك حروف جديدة له عند عودتنا إلى مصر إلا أن يفهمه إبراهيم بك رمزي صاحب مسبك التمدن بمصر أو بعض ذوي العناية هنا فيعجلوا بسبك الحروف له فيكونوا من السابقين إلى الإصلاح الذي نحمده لهم ونشكرهم عليه. أرى أن تكون الحروف متفرقة فهذا شرط لا يتم الإصلاح بدونه ولكن الحروف التي تتصل بغيرها تكتب على حدتها بالصورة التي تكون عليها إذا كانت في أول الكلمة إلا ما اشتبه بغيره منها، وكان المميز له النقط فقط فيترك على وضعه المفرد من غير تغيير أو بتغيير قليل لا يخفى به على أحد ولا يحتاج معه إلى تعليم جديد ولا يكتفي بالتمييز بالنقط وذلك أن تكون الباء دائمًا هكذا (بـ) والتاء مثلها ولكن نبرتها أو سنها تكون من الأسفل كما ترسم في خط الثلث (ت) والثاء والنون والياء وهكذا دائمًا (ث، ن، ي) والجيم هكذا (ج) والحاء مثلها ولكن يلتقي الطرفان الأيسران منها اللذان كضلعي الزاوية أو تجعل كمثلث هكذا (ح) وأما الخاء المعجمة فتكون هكذا (خ) بزيادة نبرة من الطرف الأيسر ويفرق بين الدال والذال بجعل أحدهما على الصورة التي يكتبه بها المغاربة أي بزيادة شنخوب فيكون قريبًا من الكاف الصغيرة في أول الكلمة ولا يشتبه بذلك على أحد , ويفرق بين الراء والزاي كما يفرق بينهما في قاعدة الثلث (ر، ز) وبين السين والشين كذلك يجعلها هكذا (س، ش) وبين الصاد والضاد هكذا (ص، ض) وبين الطاء والظاء بجعل عمودًا إحداهما معقوفًا كما يرسم في الخط الديواني وبين العين والغين بجعل إحداهما ذات شنخوب كما ترسم في الخط الثلث أحيانًا وبين الفاء والقاف هكذا (ف، ق) ولا بأس بجعل نقطة الفاء من الأسفل ونقطة واحدة للقاف من الأعلى كما يكتب المغاربة، وتكتب سائر الحروف هكذا (ك، ل، م، ن، هـ، ة، و) والرسم الثاني للهاء يخص بالمشتركة بين التاء الهاء وهمزة الوصل تكتب ألفًا بغير علامة أو بالعلامة المشهورة هكذا (ا) وهمزة القطع هكذا (أ) والممدودة هكذا (آ) وأما ألف المد فيبقى على صورته (ا) إن جعلنا همزة الوصل ذات علامة وإلا جعلناه هكذا (ا) وواو المد يكون هكذا (و) وياء المد هكذا (ي) . هذا ما نكتبه الآن في وصف هذا الضرب على إصلاح الحروف بالاختصار ونرجيء التفصيل وبيان الجزئيات إلى أن تسبك الحروف على الوضع الذي أشرنا إليه. وأما الشكل الذي يضبط به الكلام وهو الأهم فيمكن أن يستغنى فيه عن علامة الفتح لأنه هو الأكثر، ويوضع للرفع والكسر هذه الأداة المعروفة في طباعتنا الآن (،) ويفرق بينهما بكيفية وضعها هكذا (و -،) وإذا كان الحرف منوَّنًا توضع مزدوجة (,،) والحرف المفتوح المنون يوضع له علامة أخرى إما العلامة المشهورة وإما غيرها كعلامة التعجب المشهورة في المطبوعات العصرية مكررة مرتين فقط (! !) وعلامة السكون المعهودة في شكلنا تجعل كبيرة وتبقى على حالها، وأما الحرف المشدد فإما أن نبقي له علامته المشهورة مع تكبيرها قليلاً وإما أن نكتبه مرتين كما هو الأصل فيه. هذا ما أعرضه الآن موجزًا مجملاً على نادي دارالعلوم بمصر وعلى محبي الإصلاح من العلماء وأصحاب الجرائد والمطابع والمسابك ليبحثوا فيه ولهم أن يختاروا بعض الأشكال والشكول على بعض ولكن لا ينبغي أن يطول السكوت على هذا الخلل العظيم والله الموفق.