للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


النفس التي خلق منها البشر

(س ١٢) من صاحب الإمضاء في بيروت:
لجانب حضرة صاحب الفضل والفضيلة العلامة السيد محمد رشيد أفندي
رضا منشئ مجلة المنار الأغر، حفظه الله، آمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعدُ أرفع لجنابكم ما يأتي راجيًا التكرم
بالإجابة عليه: قرأت في مناركم الأغر في الجزء الثامن من المجلد الثالث والعشرين
الصحيفة ٦٢١ ما يأتي:
(وكان مما ذكر من دفع بعض الشبهات مسألة خلق البشر من نفس واحدة،
فذكر أنه ليس في القرآن نص قطعي أصولي على أن هذه النفس هي آدم، كما نعتقد
نحن وأهل الكتاب..)
بناء على كون هذه الآيات القرآنية ليس فيها نص قطعي أصولي كما قال
الأستاذ الإمام (رحمه الله) فحينئذ تحتمل أن تكون هذه النفس غير آدم، وما هي
هذه النفس التي هي غير آدم؟ تكرموا علينا بالجواب، فلا زلتم للعلم أنصارًا وللدين
الحنيف منارًا.
... ... ... ... ... ... ... ... ... الدا عي لكم
... ... ... ... ... ... ... ... محيي الدين سليم كريدية
(ج) النص الأصولي القطعي هو عبارة عن اللفظ الذي يفيد معنًى واحدًا لا
يحتمل غيره حقيقة ولا مجازًا ولا كناية، فلا يدخل فيه ما يدل على معنى راجح هو
المتبادَر عند الإطلاق بحيث لا يحتمل غيره إلا بتأويل مُتَكَلَّف، فعلى هذا لا ينبغي
للعاقل أن يبحث عما يحتمله كل لفظ من المعاني المجازية أو الكنائية إلا إذا احتاج
إلى ذلك لغرض صحيح كدفع اعتراض مُعْتَرِض مخطئ تعيَّنَ دفعُه بمثل ذلك.
بعد التذكير بهذه الفائدة أقول: يحسن أن تراجعوا معنى النفس التي خلق منها
البشر في تفسير أول سورة النساء في الجزء الرابع من تفسيرنا، فإن لم يكن لديكم
فراجعوه عند وكيل المنار في بيروت الشيخ عبد الله العطار، وفي بعض مجلدات
المنار بحث في هذه المسألة كان سببه خوض بعض الناس في كلمة الأستاذ الإمام
التي أشرنا إليها. واعلم قبل ذلك أن قوله تعالى: {خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} (النساء: ١) يشبه قوله تعالى: {خَلَقَكُم مِّن طِينٍ} (الأنعام: ٢) في كون الأول
دالاًّ على أصلنا الروحي، والثاني دالاًّ على أصلنا الجسدي، وإن تفسير النفس
الواحدة بآدم تفسير مراد وليس هو المعنى اللغوي للفظ النفس، وإن بعض المفسرين
قالوا: إن المراد بالنفس الواحدة في آية الأعراف قصي جد قريش، وحسبك هذا
بيانًا لكون النفس الواحدة المُنَكَّرَة في الآية ليست نصًّا أصوليًّا ولا ظاهرًا لغويًّا في
آدم عليه السلام.