(الأزهر: مشيخته وإدارته) ما كانت مشيخة الأزهر في زمن من الأزمان عرضة للتغيير والتبديل من الحكام كما نراها في هذه السنين؛ فقد تناول العزل والإبدال شيوخ هذا الجامع عدة مرات في بضع سنين: عُزل الشيخ حسُّونة باتفاق الحكومة مع الأمير وولَّى بعده الشيخ سليم البشري، ثم عزله بمحض إرادته ووَلَّى مكانه السيد علي الببلاوي بالاتفاق مع الحكومة، أو مع أولي الأمر - كما يقال - وفي هذا الشهر استقال هذا الشيخ ونُصِّبَ بدله الشيخ عبد الرحمن الشربيني باتفاق الحكومة وتلا الشيخ الببلاوي في الاستقالة من مجلس إدارة الأزهر الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية والشيخ عبد الكريم سلمان أحد أعضاء المحكمة الشرعية العليا والسيد أحمد الحنبلي شيخ رواق الحنابلة، وكان سبق الشيخ وهؤلاء الأعضاء في الاستقالة من إدارة الأزهر الشيخ أبو الفضل الجيزاوي عضو المالكية والشيخ سليمان العبد عضو الشافعية، والعلة في استقالة الجميع واحدة في الحقيقة لا يسمح لنا هذا الوقت بشرحها، والتاريخ لا ينسى شيئًا. أما الشيخ حسونة فكان من علماء الأزهر الذين عملوا في مدارس الحكومة ووقفوا على شيء من نظامها، وكان الغرض من جعله شيخًا للأزهر، وجعل الشيخ محمد عبده معه في الإدارة تغيير نظام التعليم وترقيته فيه. وأما الشيخ (سليم البشري) فهو من علماء الدرجة الأولى، وقد ولي في وقت تألب المشايخ على الحكومة في مسألة المحاكم الشرعية المعروفة. وأما السيد (علي الببلاوي) فقد ولي لشهرته بالصلاح بعدما استشار الأمير الحكومة في نَفَرٍ من أشهر الشيوخ فلم ترض أحدًا منهم، وقد كان أقدر ممن سبقه على الإدارة، حتى إن أولي الأمر، وأهل الفهم قالوا: (ما كنا نظن أنه يوجد في هؤلاء المشايخ الذين لم يزاولوا الأعمال الإدارية ولم يعنوا بالاطلاع على أمور العالم مثل هذا الرجل) . وأما الشيخ (عبد الرحمن الشربيني) فهو مشهور بالعلم والصلاح والزهد، وقد عرضت عليه مشيخة الأزهر من قبل غير مرة فلم يقبلها؛ على أنها منتهى ما يطمح إليه علماء هذا الجامع من الرياسة، وقد عجب الناس من قبوله في هذه المرة! ويقال: إن الناس الذين كانوا عالمين باستقالة السيد (الببلاوي) قبل وقوعها وقبل ظهورها كانوا يُرَغِّبونه في ذلك، ويقال: إنه لم يرض إلا بعد صدور الأمر بتوليته - والله أعلم - أي ذلك قد كان وقد كثر القال والقيل وتباينت الآراء في خطته، والصواب أنه لا يؤخذ بشيء مما قيل ولا مما يقال، حتى يُعرف السير وتُشاهد الأعمال. ونسأل الله تعالى أن يوفقه لما فيه مصلحة هذا الجامع ومصلحة الإسلام وأن يشد أزره بقرناء الخير والله على كل شيء قدير. *** (غرض الحكومة الخديوية من الأزهر) قد شاع وذاع أن سمو الأمير اتفق مع حكومته على أن كل ما يهم الحكومة من الأزهر شيئان: الأول أن يكون أهله في أمان، والثاني تخريج القضاة الشرعيين. ولما كان التعليم في الأزهر غير كاف لتخريج القضاة الذين تصلح بهم حال المحاكم، وينفذ حكم الشريعة عزمت الحكومة الخديوية على إنشاء مدرسة خاصة لتخريج القضاة الذين تصلح بهم حال المحاكم وينفذ حكم الشريعة، عزمت الحكومة الخديوية على إنشاء مدرسة خاصة لتخريج القضاة يكون تلاميذتها من طلبة الجامع الأزهر ولم يكن أحد يصدق هذه الإشاعة لولا أن المؤيد ذكر أن الأمير قال ذلك في كلامه الذي خاطب به مشايخ الأزهر في حفلة إلباس الخلعة للشيخ الشربيني ووافقه المقطم في معناه، وأسنده إلى أولياء الأمور. وقد كثر التساؤل بين الناس عن سبب استقالة الشيخ محمد عبده من إدارة الأزهر على عنايته العظيمة بخدمة الأزهر، وحرصه على تخريج رجال فيه يقدرون على خدمة الشرع، وتأييد الدين، وكان ينبغي أن يكون أول سبب يخطر في البال بعد الاطلاع على تلك الأقوال، وهو بلوغ الشغب في هذه المدرسة غايته، ومثله من رجال الجد لم يخلق للعب بالشغب، بدون فائدة تكافئ إنفاق الوقت في التعب، ثم اكتفاؤه بعناية أولياء الأمور بتربية جماعة من طلبة الأزهر في مدرسة خاصة ليتخرج منهم أساتذة وقضاة، وهو شيء مما كان يميل إليه قد تيسر الوصول إليه، ويقول (المقطم) : إن الحكومة ستنيط بالشيخ محمد عبده (مفتي الديار المصرية) أمر هذه المدرسة؛ فإن صح ذلك فحسبه تربية البعض من الكل، على أن تركه لإدارة الأزهر ليس للأزهر كله فإنه شيخ رواق الحنفية وهو أكثر الأروقة طلابًا؛ فهو يبث فيهم النظام ويرشدهم إلى روح العلم والدين وهذا بعض آخر من كل و (كل ميسر لما خلق له) . *** (مقام الإفتاء) جرت العادة في هذه البلاد، وفي سائر بلاد الدولة العلية، أن المفتي يجعل داره معهدًا للإفتاء، وقد كان الشيخ العباسي مفتيًا وشيخًا للأزهر، وكان مع هذا يفتي في داره ولكن الشيخ حسونة النواوي لما صار شيخًا للأزهر ومفتيًا جعل محل الإفتاء في الأزهر لأنه محل عمله وكذلك فعل الشيخ محمد عبده فإنه لكثرة شغله في إدارة الأزهر ولكون داره في خارج القاهرة أبقى محل الإفتاء حيث وضعه الشيخ حسونة من الأزهر، ولما استقال في هذه الأيام من إدارة الأزهر رأى أنه لا معنى لبقاء محل الإفتاء في الأزهر فعزم على اتخاذ محل آخر له، ويقال: إن الحكومة ستبني له مكانًا في نظارة الحقانية. *** (المعرض الزراعي) ما ارتقى الناس في عمل من الأعمال إلا بمحاولة المتأخر أن يفوق من قبله في عمله، ولن يحاول أحد أن يفوق أحداً في شيء إلا بعد اطلاعه على منتهى ما وصل إليه وبحثه عن أسباب ارتقائه فيه. والمعارض أكبر معين على إطلاع الناس على غاية ما وصل إليه الناس؛ لذلك عنيت الأمم الحية بهذه المعارض فجعلت في بلادها معارض عامة، ومعارض خاصة بالزراعة وبالصناعة؛ وببعض فروع العلوم والأعمال، وقلدتها الحكومة المصرية في المعرض الزراعي؛ إذ كانت هذه البلاد زراعية قوام معيشتها الزراعة، وإنك لترى هذا المعرض يتقدم وتكثر المعروضات فيه ويستفيد الزراع منه عامًا بعد عام. وقد كانت المعروضات في هذه السنة أكثر منها في غيرها لاسيما الآلات الزراعية للحرث والعزق والسقي والنقل، حتى إن محل أورنستن كوبل مد في ميدان المعرض - سكة زراعية سير عليها القطارات بهيئة وجهت إليها الأنظار. تعرض في هذا المعرض كل سنة الآلات والأدوات، وكذلك الأسمدة ونتائج الغلات. وتعرض الأنعام والخيل والحمير والبغال، وقد عرض محمد أفندي صالح سليمان فيه أيضًا آلات الخياطة والتطريز، وعرضت فيه في هذه السنة الآلة الكاتبة بالعربية وهذا وما قبله ليس من الأمور الزراعية.