للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكاتب: محمد رشيد رضا


المؤتمر الإسلامي العام بالقدس

عقد المؤتمر الإسلامي بالقدس الشريف في الشهر الماضي للنظر في مسألة
اعتداء اليهود على جدار حرم المسجد الأقصى المعروف بالبراق، وبعد قتل المسألة
من كل وجهة وضع قرارات بلغها للصحف ومنها المنار هذا نصها.
٢٥-٥-٤٧ و٧-١١-٢٨
نقدم لحضرتكم صورة عن التقرير الذي قدَّمه المؤتمر الإسلامي العام لفخامة
المندوب السامي بفلسطين، وهو يتضمن القسم المختص بحكومة فلسطين من
مقررات ذلك المؤتمر المنعقد بالقدس من أجل مطامع اليهود في البراق الإسلامي
البحت وما يحيط به من الأوقاف.
ونضم إليه المقرَّرات التي لم تُرْفَع إلى الحكومة وهي:
(١) تأليف جمعية إسلامية كبيرة تُدْعَى (جمعية حراسة المسجد الأقصى
والأماكن الإسلامية المقدسة) ومركزها العام القدس فلسطين، ولها فروع في جميع
أنحاء العالم الإسلامي وفي المهاجر التي فيها جاليات إسلامية، وغايتها حراسة
الأماكن الإسلامية المقدسة وحمايتها من أي عدوان يقع على أي جزء منها بالطرق
المشروعة والاهتمام بشأنها، وأن يوضع لهذه الجمعية قانون وأنظمة خاصة تضمن
لها الحياة والنمو.
(ب) توكيل الوفد السوري في جنيف باتخاذ التدابير اللازمة لصيانة حقوق
المسلمين في الأماكن المقدسة الإسلامية أمام عصبة الأمم والرأي العام الغربي.
(ج) نشر نداء إلى الوطنيين في أن يحرصوا على أراضيهم وعدم بيعها
لليهود، وأن يؤازروا الشركات المساهمة التي شكلها الوطنيون لشراء الأراضي.
(د) نشر بيان مفصل للرأي العام في العالم في الشرق والغرب في قدسية
البراق الشريف عند المسلمين وحقهم الثابت فيه وفيما يمكن أن ينجم من توالي
اعتداء اليهود عليه من الاضطراب الديني في البلاد المقدسة.
(هـ) تأليف لجنة تضم إلى لجنة الدفاع عن البراق الشريف لوضع قانون
جمعية الحراسة المذكورة ولتنفيذ مقررات المؤتمر.
هذا وقد تألف الوفد المذكور بالقرار السادس وقابل في اليوم الثاني لانعقاد
المؤتمر فخامة المندوب السامي وبلغه طلبات المؤتمر فوعد فخامته في أن ينظر في
هذه الطلبات وأن يهتم بها الاهتمام الكافي.
سكرتير الجمعية
ونرسل إليكم أيضًا صورة البرقية التي أرسلها المؤتمر لجمعية الأمم
***
فخامة المندوب السامي المعظم
دوائر الحكومة - القدس
إن المؤتمر الإسلامي العام المنعقد بالقدس بعد ظهر الخميس الواقع في ١٨
جمادى الأولى سنة ١٣٤٧ الموافق ١ تشرين سنة ١٩٢٨، الممثل لمسلمي فلسطين
بجميع طبقاتهم وهيئاتهم وجمعياتهم وأنديتهم الإسلامية، المشترك فيه اشتراكًا
رسميًّا الوفود الممثلة لمسلمي سوريا ولبنان الكبير وشرق الأردن وللقبائل والعشائر
العربية في فلسطين والشرق العربي، والمعزَّز بجمعيات الشبان المسلمين بمصر،
والمؤازر بالرأي العام الإسلامي في الداخل والخارج، والذي اجتمع للبحث
والمشورة واتخاذ الوسائل والتدابير الضرورية في صد الخطر اليهودي عن مكان
البراق النبوي الشريف، وصيانة حقوق المسلمين في أماكنهم الإسلامية المقدسة قد
قرَّر بالإجماع المقررات التي توجبها عليه وعلى المسلمين جميعًا خطورة تلك الحالة
العاجلة، وإن سكرتيرية هذا المؤتمر تتشرف عملاً بقراره أن ترفع لفخامتكم القسم
الذي يختص بالحكومة من هذه المقررات، ونرجو أن تتفضلوا برفعها إلى حكومة
لندن وعصبة الأمم، والمقرَّرات هي:
أولاً: يعلن المؤتمر بالإجماع أن مكان البراق الشريف الذي هو جزء من
المسجد الأقصى المبارك هو مكان إسلامي مقدس بنص القرآن الكريم، وأنه هو
وما حوله وما يحيط به من الأوقاف المتراصة من جميع جهاته على مسافة واسعة
مِلْك خاص بالمسلمين، وأن كل زعم لليهود فيه باطل لا يستند إلى أي حق، وأنه
ليس لهم هناك أكثر من المجيء إلى ذلك المكان والوقوف أمامه وقوفًا عاديًا، مثل
غيرهم مجردًا عن العبادة والصلاة ورفع الأصوات وإظهار المقالات كما هو ثابت
بالوثائق الرسمية التي بيد السلطات الإسلامية المتعاقبة، والمعروفة حق المعرفة
لدى الحكومة المحلية التي اعترفت بذلك اعترافًا صريحًا للسلطات الرسمية
الإسلامية، واعترافًا فعليًّا بتصديها بنفسها لمنع ما يحاول اليهود إحداثه في ذلك من
حق لهم بوضع أدوات متنوعة، وبرفعها ذلك مباشرة كما حدث في الحادث الأول
سنة ١٩٢٥، وفي الحادث الأخير في شهر أيلول سنة ١٩٢٨ وعليه فقد قرَّر
المؤتمر بالإجماع:
(أ) أن يحتج بكل قوة على أي عمل أو محاولة ترمي إلى إحداث أي حق
لليهود في مكان البراق الشريف المقدس، ويستنكر هذا كله أشد الاستنكار كما أنه
يحتج على كل تساهل أو تغاض أو تأجيل يمكن أن يبدو من الحكومة في هذا السبيل.
(ب) أن يطلب من الحكومة منع اليهود حالاً منعًا باتًّا مستمرًّا من وضع أية
أداة من أدوات الجلوس والإنارة والعبادة والقراءة وضعًا موقتًا أو دائمًا في ذلك
المكان في أية حالة من الأحوال وأي ظرف من الظروف، وأن تمنعهم أيضًا من
رفع الأصوات وإظهار المقالات بحيث يكون المنع في كل هذا متكفلاً لأن لا يضطر
المسلمون إلي أن يباشروا منعه ورفعه بأنفسهم مهما كلفهم الأمر؛ دفاعًا عن هذا
المكان الإسلامي المحض المقدس، وعن حقوقهم الثابتة لهم فيه مدة ثلاثة عشر قرنًا.
(ج) أن يلقى تبعة ما قد ينتج من إقدام المسلمين على الدفاع عن البراق
الشريف بأنفسهم على الحكومة إذا توانت هي في منع أي اعتداء يصدر من اليهود؛
لأنها متكلفة بحفظ الأمن، ومطالبة بالمحافظة على الأماكن الدينية الإسلامية من كل
اعتداء.
ثانيًا: يعلن المؤتمر بالإجماع أن محاولة اليهود إحداث الاعتداء على البراق
الشريف؛ ليتخذوا من ذلك سببًا في إيجاد مشكلة بينهم وبين المسلمين وليقحموا هذه
المشكلة في جملة الخلافات حول الأماكن المقدسة بفلسطين، هي محاولة باطلة
مستنكرة مجردة عن كل حق أو سبب إلا سبب الطمع في الاستيلاء على مقدسات
المسلمين، فالمؤتمر يقرِّر بالإجماع أن يحتج على هذا أشد الاحتجاج، ويطلب من
الحكومة باسم جميع المسلمين أن تحسم هذه المحاولة؛ لأن البراق الشريف - الجدار
الغربي للمسجد الأقصى المبارك - هو من الأماكن الإسلامية المقدسة المحضة
المكفولة الحصانة بالنص الصريح الواضح الذي جاء في الشق الأخير من المادة
الثالثة عشرة من صك الانتداب، ولا ينازع المسلمين فيه منازع شأن جميع الأماكن
الإسلامية المقدسة.
ثالثًا: قرَّر المؤتمر أن من واجبه الديني إزاء هذه الحالة الخطرة أن يعلن
للعالم قاطبة ما يلي: لما كان اليهود يوالون اعتداءهم على البراق الشريف، وكان
البراق الشريف قطعة لا تتجزأ من المسجد الأقصى، وكان المسجد الأقصى وهو
أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين مسجد العالم الإسلامي كافة، وكان مسلمو
فلسطين بالنيابة عن المسلمين سَدَنة هذا المسجد المبارك وحُرَّاس مكان البراق
المختص بإسراء نبيهم صلى الله عليه وسلم ولما كان توالي اعتداء اليهود هذا هو
بحقيقته الظاهرة والمقصودة تحديًا للمسلمين فيما هو من أعز مقدساتهم الواقعة في
أوسط بقاع العالم الإسلامي، وكان ذلك ينتج بطبيعة الحالة الاضطراب الديني
الشديد لا في فلسطين خاصة، ولا في الأقطار الإسلامية المجاورة فحسب، بل في
العالم الإسلامي كله لما كان ذلك، وكان مسلمو فلسطين مفروضًا عليهم بحكم كونهم
سدنة المسجد الأقصى أن يستصرخوا العالم الإسلامي لرفع هذا الجَوْر، وصد هذا
الخطر، فإن هذا المؤتمر يقرر إصدار نداء إلى العالم الإسلامي بذلك، وأن يبلغ
الحكومة المحلية وحكومة لندن، وعصبة الأمم، والدول الأجنبية بواسطة قناصلها،
وأن يعلن الرأي العام في الشرق والغرب أن اعتداء اليهود وتكرره على البراق
الشريف الجدار الغربي للمسجد الأقصى وعدم مبادرة الحكومة إلى قمعه بحزم،
يؤدي بطبيعة الحال إلى أحداث خطيرة في الأقطار الإسلامية يكون فيها المسلمون
مدافعين عن أعظم خطر نزل في القرون العثمانية الأخيرة بما هو من أعز مقدساتهم،
وهم يُشْهِدون دول الأرض وشعوبها على هذا الاعتداء الذي سيكون له تبعات
كبرى.
رابعًا: يقرِّر المؤتمر أن القانون الذي سنَّتْه حكومة فلسطين سنة ١٩٢٤ باسم
قانون نزع الملكية قد تضمن في جملة مواده مواطن كثيرة دعت لتخوف المسلمين -
بالنسبة لظروف فلسطين الخاصة- على أوقافهم وأماكنهم الدينية، ولما كانت
المواطن الداعية للتخوف من هذا القانون يعلم المسلمون أنها من آثار المساعي
اليهودية توطئة للوصول إلى كثير من غاياتهم بالاستيلاء على أوقاف ومبان إسلامية
مكفولة الحصانة بموجب نص الشق الثاني من المادة الثالثة عشرة من صك الانتداب
ولما كانت الهيئات الإسلامية الرسمية قد احتجَّت للحكومة مرارًا باسم جميع
المسلمين على هذا القانون منذ صدوره، طالبة إزالة مواطن التخوف منه، التي
أخذت تتحقق بالفعل، ومن ذلك قيام اليهود الآن يطلبون استملاك مكان الوقف
الإسلامي المحض الذي فيه البراق الشريف، مستندين على هذا القانون: لما كان
ذلك، فالمؤتمر يطلب من الحكومة رفع مواطن التخوف من هذا القانون تأمينًا
للمسلمين على أماكنهم الدينية المقدسة وأوقافهم، ويرى أن لا سبيل إلى ذلك إلا
برفع ما جاء في ذلك القانون من أسباب هذا التخوف، أو بإعلان رسمي من
الحكومة أن هذا القانون لا يشمل الأماكن الدينية الإسلامية، وبأن أوقاف المسلمين
لا تنزع ملكيتها لأغراض طائفية أجنبية، ولا تنزع إلا بطريق الاستبدال الشرعي
بواسطة المحاكم الشرعية الإسلامية وفقًا للشرع الإسلامي الشريف.
خامسًا: لما كان النائب العام في حكومة فلسطين (المستر نورمان بنتويش)
زعيمًا صهيونيًّا قُحًّا بآرائه وأعماله ومؤلفاته، وكان مركز النائب العام في حكومة
فلسطين عاملاً أكبر في التشريع والتقنين، فإن المسلمين في فلسطين يرون في
وجود هذا الرجل في هذا المركز التشريعي النافذ مبعث الخطر على أعظم مصالحهم
وهم الأكثرية المطلقة في البلاد، وقد سبق لهم أن احتجوا على وجوده، يشغل في
حكومة فلسطين منذ الاحتلال وظيفة عالية، من شأنها أن تمهد كثيرًا للمقاصد
اليهودية والصهيونية، فالمؤتمر يطلب باسم المسلمين من الحكومة إقصاء المستر
بنتويش عن المركز التشريعي النافذ الذي يشغله في حكومة فلسطين، ويقرر
الاحتجاج على بقاء المذكور في مركزه هذا، ويرى من الظلم على المسلمين أن
يشغل هذا المركز زعيم صهيوني كالمستر بنتويش الساعي لتحقيق المطامع
الصهيونية، الماسة مساسًا ضارًّا بحقوق المسلمين الدينية في أماكنهم المقدسة.
سادسًا: يقرر المؤتمر أنه بالنظر إلى تفاقم الحالة واشتداد هياج المسلمين أن
يوفد إلى فخامة المندوب السامي وفدًا مستعجلاً يطلب منه باسم المؤتمر أن تصدر
الحكومة بأقرب وقت تصريحًا رسميًّا تعلن فيه صيانة البراق الشريف وسائر
الأماكن الإسلامية المقدسة من كل اعتداء يسعى اليهود لتحقيقه بأية وسيلة أو إحداث
أي شيء جديد فيه؛ إزالة لمخاوف المسلمين وتطمينًا لهم، ويبين الوفد للحكومة
خلاصة القسم المتعلق بها من مقررات المؤتمر ريثما تبلغ إليها هذه المقررات خطيًّا
بصفة رسمية بوقت قريب.
سابعًا: يقرر المؤتمر أن تبلغ رسميًّا حكومة فلسطين هذه المقررات المذكورة،
ويطلب منها أن تقدمها إلى حكومة لندن وإلى عصبة الأمم.
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام.
... ... ... ... ... ... ... ... ... سكرتير المؤتمر
... ٢٤جمادى الأولى ١٣٤٧ الموافق (٧ تشرين الثاني ١٩٢٨)
(المنار)
إن حكومة فلسطين قد بلَّغت وزارة المستعمرات في لندن هذا، وكل ما علمته
في مسألة الخلاف من الجانبين، وكان ذلك موضوع مناقشات في البرلمان
البريطاني وأخيرًا أصدرت حكومة لندن (كتابًا أبيض) في المسألة اعترفت بأن
الحق للمسلمين فيها، وكفى الله المؤمنين القتال في هذه المعركة، وعليهم أن
يستعدوا لغيرها، وربما كان ما بعده أشد هولاً مما قبلها.